شبكة النبأ: كثيرة هي الدروس التي
يمكن أن نتعلمها من زيارة اربعينية الامام الحسين عليه السلام، وهي
في مجملها، يمكن أن تنعكس على افكار الفرد والجماعة، بسبب سماتها
الانسانية، فالفعل الجماعي الاول الذي يصدر عن هذه الزيارة، هو هذا
الاتفاق الجمعي للناس على هدف واحد، بغض النظر عن الاختلافات
الإنتمائية بينهم، فجميع المشاعر هنا تتوحد وتنصهر في بوتقة واحدة،
لصبح الهدف منها هو الوصول الى مرقد سيد الشهداء في مدينة كربلاء
المقدسة.
يجتمع على هذا الهدف ملايين الزائرين القادمين الى الارض
المقدسة من جميع بلدان ومدن وبقاع العالم، ولعل الكمّ الأكبر من
أعداد الزائرين الهائلة، يتخذ من المشقّة والعناء اسلوبا لتحقيق
الوصول، وذلك عبر المشي والسير على الاقدام ليقطعوا مئات
الكليلومترات، تعبيرا عن تمسك هؤلاء بالفكر الحسني وما ينعكس عنه
من رؤى ومبادئ تحث الجميع على التقارب والوئام وجعل الرابط
الانساني المشترك بينهم، قادرا على ردم الفجوات التي ربما تكون
واسعة بين الناس، أفرادا أو جماعات، فالدين والمذهب والعرق
والطائفة واشكال الانتماء كافة، لا ينبغي أن تكون عائقا أمام تقارب
وانسجام محبي أهل البيت عليهم السلام، ولعل هذا التقارب والذوبان
الانساني المتوحّد في محبة الامام الحسين عليه، هو الدرس الاول
لهذه الزيارة الخالدة.
وثمة الصبر على المصاعب، لا سيما الجسدية منها، فالانسان الذي
يكون قادرا على قطع مسافات هائلة على قدميه، مع تأثيرات الطقس،
وضغط الحاجات الاخرى، فضلا عمّا يتعرض له الانسان من اجهاد كبير،
كل هذه الامور وسواها سوف تصب في صناعة شخصية قادرة على التعامل مع
المشاقّ والمصاعب المختلفة التي قد يواجهها الانسان في حياته،
فالواقع يؤكد على أن قطع هذه المسافات الطويلة جدا، لا يمكن أن
تكون نزهة لمن يقوم بها، ولا يمكن أن يكون الدافع وراءها، قتلا
للفراغ كما يحاول البعض أن يشيع ويروّج لمثل هذه الافكار، لأن
البدائل موجودة ومتوافرة للجميع، لكن عندما يقطع انسان مسافات
تتجاوز الألف كيلو مترا قاطعا اياها سيرا على الاقدام، فإنما يقف
وراء هذا الفعل والتمسك به هدف اكبر بكثير، ألا وهو الانتماء للفكر
الحسيني والسعي للوصول والحصول على شفاعة ابي الاحرار عليه السلام
للزائر يوم يكون الشفيع عند الله حاجة لا مناص منها.
ومن دروس هذه الزيارة الخالدة، تحدي الانسان للمخاطر مهما عظمت،
فالاستهداف الذي يتعرض له آلاف الزوار على بعض الطرق وفي بعض
المناطق التي يسلكونها سيرا على الاقدام، هذا الاستهداف التكفيري
المتطرف الذي يتم بالتفجيرات الانتحارية والمفخخات وكل الاعمال
الارهابية الاخرى، لم يستطع كما اثبتت الأدلة ان يثني عزيمة الزوار
على مواصلة المشي والسير تحقيقا لما يبتغون، بل لقد ازداد الزوار
اصرارا وكثر الاعداد وتضاعف في مؤشر واضح للتحدي الكبير الذي يحمله
الزوار في نفوسهم لمثل هذه الاعمال اللاانسانية ومن يقوم بها من
ارهابيين عاجزين عن إضعاف الارادة الحديدة التي تقوى يوما بعد يوم
في نفوس الناس، في رد فعل واضح وجريء على الاعمال الارهابية التي
تنم عن عجز القائمين بها وفشلهم الذريع بالانتماء الى الانسانية
الماضية قُدُما الى أمام، إذاً هذه الزيارة تسهم في احد دروسها
بتطوير ارادة الانسان وتجعل منه قادرا على تحدي افدح الاخطار بما
في ذلك خطر الموت الداهم، متمثلا بما يقوم به الارهابيون
باستهدافهم للزوار الابرياء العزّل إلا من ايمانهم بالامام الحسين
عليه السلام ومبادئه الخلاقة.
ومن دروس زيارة الاربعين، درس التكافل العظيم لذي يشهد حضورا
لافتا في ايام هذه الزيارة، حيث يتبارى الناس افرادا وجماعات في
تقديم الطعام والشراب ومعظم الاحتياجات الاخرى لبعضهم، في صورة
رائعة ومشرقة للسجية الانسانية النازعة الى الخير والتعاون والمحبة
والتآلف، والرافضة لجميع مظاهر التعنت والقسوة والانانية وتفضيل
الذات على الآخر، نعم انه درس بليغ من دروس هذه الزيارة التي تدفع
الناس الى خدمة بعضهم البعض من دون مقابل، وهذا قد لا نجد له مثيلا
في العالم بهذا الزخم المتواصل لأسابيع، كل ذلك من اجل الفوز برضا
الامام الحسين عليه السلام، الامر الذي يجعل من الناس اكثر شعورا
ببعضهم، واكثر لحمة قدرة على التعاون بينهم لتذليل المصاعب المادية
او غيرها.
والخلاصة هناك دروس كبيرة وكثيرة تعكسها هذه الزيارة، ولكن ما
ينبغي التنبّه إليه والتمسك به، هو الاستفادة القصوى من هذه
الدروس، واعتمادها كمنهج حياة دائم، حتى لا تكون موسمية أو وقتية،
لأن المبادئ الحسينية، ترمي الى البقاء ماثلة بين الناس، حتى يبقى
تأثيرها قائما بين الجميع، فليس هناك اجمل من التكافل الانساني،
وليس هناك من لا يرغب بشخصية تقارع التعب وانواع المشاكل الاخرى من
خلال الصبر، وليس هناك اروع من شخصية لا تأبه بمخاطر الموت في سبيل
المبادئ التي تخدم الانسان وحقوقه المشرعة المتّفق عليها.. هذه هي
بعض دروس زيارة الاربعين، وما علينا سوى التمسك بها على مدار الزمن
خدمة لنا، لحاضرنا، لمستقبلنا، لأجيالنا القادمة، لكي يعيشوا في
محبة وتواؤم وسلام. |