الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1435 هـ
عاشورء الحسين 1434 هـ
عاشورء الحسين 1433 هـ
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

الإمام الحسين (عليه السلام) التجسيد الأسمى والأكمل للصلاة

آية الله السيد مرتضى الشيرازي

 

الدلالة الرابعة: العبودية النموذجية

يدلنا هذا الموقف الفريد من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، على شدة إطاعته لله تعالى، كما تكشف الشهادة الثانية: (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)، عن أنه المصداق الأجلى للعبودية.

إذ عندما يكون الإنسان في مقام الامتثال، ويكون ذلك العبد الحقيقي، فإنه سيحاول أن يبالغ في امتثال أمر المولى، كما لو أن الأب أمر ولده بالانشغال بالدراسة ـ مثلاً ـ فإنه لو كان باراً فإنه سيحاول أن يُتقن الدراسة بشكل جيد.

وأما لو كان في أعلى درجات البر، فإنه سوف لا يكتفي بالحصول على الدرجة العليا (100) فقط، بل إنه سيحاول أن يكون الأول على مستوى الدولة كلها، بل سيحاول أن يطالع فيها حول ذلك الدرس أيضاً، مع أن المطلوب منه أن يتقن هذا الدرس فقط.

لكنه يحاول الحصول على معلومات إضافية، بحيث يزيد أباه سروراً وبهجة وهكذا الإنسان إذا كان في المقام الرفيع من العبودية والامتثال، فإنه يحاول أن يتقن أكثر فأكثر، وإن لم يكن ذلك مطلوباً منه على نحو الوجوب.

الدلالة الخامسة: التفسير العملي للمراد بـ(أهل البيت)

وهي دلالة دقيقة، فإن موقف الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وحديثه وكلامه في الوقت نفسه، يعدّ تفسيراً للمراد بـ (الأهل) في الآية الشريفة.

إذ أن هنالك خلافاً حول المراد بالآية الكريمة: (ِانَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)([1])، لكن الذي يحسمه هو موقف الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، إذ يُبين بوضوح من هم (أهل البيت) ومن هم المقصودون في هذه الآية؟.

إنهم هم: علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين)، ولسن زوجات النبي، كما يذكر ذلك ممن يريد تحريف الكلم عن مواضعه، فالنبي (صلى الله عليه وآله) يفسر ذلك من خلال قوله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ)([2]).

فلماذا لم يكن يذهب إلى بيت أزواجه ويأمرهن بالصلاة؟!.

ولماذا خصّ علياً وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين)، هذا البيت المبارك بالذات؟!.

بأن كان يذهب أليهم تسعة أشهر في كل يوم خمس مرات، وينادي عليهم بـ (الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللهُ)([3]). إن ذلك يجسّد أعظم تفسير مصداقي لـ)َهْلَكَ) في الآية الشريفة، وليكون حجة كبرى على من يشكك في ذلك.

إن أداة الحصر (إنما) في قوله تعالى: (انَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ)([4])، يعلم مصداقها من خلال هذا الموقف العظيم من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).

فإنه لم يذهب إلى بيوت زوجاته، وفيهن الصالحات اللاتي أتقين الله، ولم يخرجن من بيوتهن، لكنهن لسْن من أهل البيت بالمعنى القرآني الاصطلاحي، وإن كن من أهل البيت بالمعنى اللغوي والعرفي.

والرسول الأكرم هو من يبين ويفسر المعنى القرآني من خلال قوله (صلى الله عليه وآله)، أو عمله وقوله وعمله حجة كما لا يخفى، وقد قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)([5]).

إذن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يريد من وراء ذهابه إلى عند باب علي وفاطمة (صلوات الله عليهما) وتلاوة الآية الكريمة، تسليط الضوء على أهل البيت، وأن هؤلاء هم أهل بيتي وهم القربى، الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى)([6]).

بمعنى أن النبي الأكرم يريد أن يفسر الآية تفسيراً عملياً وبالمصداق الواضح والمنحصر، وأن أهل البيت هم هؤلاء: علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم الصلاة وأزكى السلام)، لا غيرهم.

الدلالة السادسة: وجه تخصيص الخطاب في الآية

تصرح الآية الشريفة بـ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)([7]).

ولا شك أن الأمر بالصلاة عام لكل الناس، وليس خاصاً بأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لكن من المسلّم به أن هناك عناية إلهية لكل كلمة ذكرت في القرآن الكريم. فقد جاءت الآيات القرآنية على أتقن نظام، وأكبر حكمة، ولا شك في ذلك، ومن ينكر هذه الحقيقة، فهو ليس بمؤمن، فكل حرف في القرآن الكريم موضوع بأدق ميزان.

إذ أنه كتاب الله التشريعي وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما أنه كتاب الله التكويني أيضاً كذلك إذ أن كل شيء في معادلات الله سبحانه وتعالى هو بميزان وقدر: (انَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)([8]).

فلماذا يقول سبحانه وتعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ)([9])؟!.

وما هو وجه هذا التخصيص؟!.

ربما يكون من وجوه التخصيص: إن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يريد من أهل بيته إقامة الصلاة الكاملة في أسمى درجاتها، أي الصلاة المثالية النموذجية الصلاة بحدودها والتي لا يمكن لأي بشر آخر أن يقوم بها أو بمثلها.

فالنبي عندما كان ينادي (علياً وفاطمة والحسن والحسين) للصلاة، كان مصبّ الخطاب والطلب ليس أصل أداء الصلاة؛ لأن من البديهي أنهم كانوا يؤدون الصلاة بل المصبّ كان تلك الصلاة الكاملة بحدودها الأربعة آلاف ـ والتي أشرنا اليها في ما سبق ـ أي أن الطلب كان بالصلاة الكاملة في أسمى تجلياتها، وأروع وأبهى صورها وأن القدرة على الوصول إلى ذلك المقام منحصرة بهم (صلوات الله عليهم أجمعين) فقط لا غير.

الدلالة السابعة: الصلاة وأصحاب الكساء هما كجناحي الطائر

إن وقوف الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) عند باب أهل بيته لمدة تسعة أشهر، وتذكيرهم (عليهم السلام) بالصلاة، أُريد منه ـ فيما أُريد منه ـ بيان أن أهل البيت (عليهم السلام) ـ وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين ـ والصلاة هما كجناحي الطائر، وهما وجهان ـ إن صح التعبير ـ لعملة واحدة.

فهذا الوجه يحكي الوجه الآخر، كما أنه يجسده أيضاً، فهم المظهر والتجسيد الأسمى للصلاة التي أرادها الله تعالى، والصلاة هي المظهر الأسمى للولاية والدعوة الأقوى لها، ألم يقل تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْـمُسْتَقِيمَ)([10]).

الدلالة الثامنة: تكريس القداسة المطلقة لأهل البيت (عليهم السلام)

إن تكرار النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) مقولته: (الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللهُ)([11]) في الأوقات الخمسة، ولمدة تسعة أشهر، ثم تلاوته آية التطهير، هو في الحقيقة ليكون ذلك شاهداً على مدى التاريخ ولكل الأجيال، بقداسة أهل البيت (عليهم السلام)، التي لا تضارعها قداسة.

ثم إن التكرار لم يكن يقصد منه التأكيد على تطهيرهم من المعاصي صغيرها وكبيرها فقط، إذ هذا الأمر لم يكن مقتصراً على أهل البيت، فإن مثل سلمان المحمدي لم يكن يرتكب المعاصي وكذلك المقداد، وأيضاً العديد من أولياء الله العظام، بل الأكثر من ذلك أن قوله تعالى:)(انَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ)([12])، يشتمل على أداة حصر والرجس على درجات وذهاب الرجس الوارد في الآية الكريمة يراد به مطلق الرجس حتى في أدنى درجاته الدقّية العقلية، أي حتى ترك الأولى، فإنه بالنسبة إلى شأنهم (عليهم السلام) يعد رجساً وهم (صلوات الله عليهم) منزهون عنه.

إنهم (صلوات الله عليهم) لا ينزلون عن تلك الدرجات السامية من مقام القرب إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن مثل هذا النزول هو خلاف الطّهر المطلق.

فعندما كان النبي (صلى الله عليه وآله) يقف عند باب علي وفاطمة والحسن والحسين خمس مرات، وينادي (الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللهُ)([13])، وبعد ذلك يقرأ هذه الآية: (انَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)([14])، كان يعني فيما يعني: تطهيراً من كل دنس ومعصية ومن كل نقيصة ومن كل خطأ، (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، حتى من السقوط عن ذاك المقام السامي من القرب الذي لا يمكن أن يصل إليه مخلوق غير المعصومين (عليهم الصلاة وأزكى السلام).

والحاصل: إنه كان النبي (صلى الله عليه وآله) يريد أن يكرس مفهوم القداسة العظمى للإمام علي بن أبي طالب، وفاطمة الزهراء، والإمامين الحسن والحسين (عليهم السلام) في أذهان الأجيال، وعلى مر التاريخ.

الدلالة التاسعة: استراتيجية الصلاة أول الوقت

التأكيد على ضرورة الالتزام بأول وقت الصلاة، وعلى ما لذلك من عظيم الفضل عند الله، وهذه الدلالة سوف نتحدث عنها لاحقاً إن شاء الله تعالى.

الدلالة العاشرة: المنعكس الشرطي

وهنا لنا توقف هام آخر مع صنع النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ووقوفه (صلى الله عليه وآله)، لمدة تسعة أشهر عند باب بيت أهل بيته.

فنقول: إن العلم الحديث وصل إلى درجات عالية جداً من التطوّر في هذه العصور، وهذا مما لا شك فيه، إلا أن الباحث المنصف بالتدبر في أقوال وأفعال الرسول وأهل بيته الأطهار، يجد أنهم كانوا الأعلم بكل ما وصل إليه العلم الحديث، وأيضاً ما لم يصل إليه العلم حتى الآن.

فلقد كانوا الأعرف بكل شيء، وبكل المعادلات تكويناً وتشريعاً، وهذه إشارة من الإشارات، فلنتوقف عند معادلة (المنعكس الشرطي)، وهي النظرية التي ذكرها (بافلوف)، العالم الروسي الشهير الذي توفي عام 1936م، والذي كان متخصصاً في علم وظائف الأعضاء، وقد قام بدراسة (المخ) لمدة ثلاثين سنة كاملة، وبحث ردود أفعال المخ فسيولوجياً، ومدى تأثير الحالات النفسية عليه وغير ذلك، وقد حصل على جائزة (نوبل للسلام) عام 1904م.

نظرية بافلوف

يذكر(بافلوف) في نظرية (المنعكس الشرطي): إنه يوجد مثير صناعي، كما يوجد مثير طبيعي، وقد مثل في تجربته للمثير الصناعي بـ (الجرس)، وللمثير الطبيعي بـ (الطعام).

فمثلاً عندما يحضر الطعام أمام الإنسان وهو جائع، فسوف يتولد لديه فعل فسيولوجي في الذهن فيسيل لعابه، وهذا هو (المثير الطبيعي). وهنالك (مثير صناعي) كالجرس في تجربته مع الحيوان، فعندما يضعون أمامه الطعام ويقرعون معه الجرس لمدة شهر مثلاً، بعد ذلك فأنه بمجرد قرع الجرس، وبدون إحضار الطعام، يسيل لعاب هذا الحيوان بشكل طبيعي، كما يحصل بالنسبة للإنسان، وهذا هو ما يطلق عليه: (المنعكس الشرطي)، وله بحث طويل لا يسعنا المقام للخوض فيه.

وهذه النظرية تلقي بعض الضوء على ما كان يصنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيضاف بذلك برهان جديد على أن الرسول والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) هم قمة المعرفة البشرية، وأن كل أفعالهم كانت على ضوء حكمة وفلسفة إلهية، ومعرفة كبرى بالنفس البشرية.

إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان لمدة تسعة أشهر يأمر أهله بالصلاة، مع أنهم كانوا دوماً ممتثلين لهذا الأمر، ويردد قوله تعالى: (انَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)([15])، وذلك يعني فيما يعني أنه يريد أن يوجد مثيراً صناعياً - حسب المصطلح العلمي - أي يحدث ذلك الارتباط الشعوري واللاشعوري في نفس كل إنسان مؤمن، بين (علي وفاطمة والحسن والحسين) وبين (الصلاة)، بأن هذا هو الوجه الآخر لذاك، وأن هؤلاء هم التجسيد الحقيقي للصلاة، وهم الذين نزلت فيهم الآية المباركة.

ومن هنا نجد أن الجميع يلحظون فوراً - عندما يذكرون أهل البيت (عليهم السلام) - الطهارة والنزاهة والقداسة والإسلام والشريعة الإسلامية، بما فيها من صلاة وتقوى.. إلى كافة المعاني الإسلامية السامية.

ثم إن هذا الترابط هو ذو بعد آخر أيضاً، فبمجرد أن تذكر الرسول (صلى الله عليه وآله)، فإنك ـ وكرد فعل شعوري أو لا شعوري ـ تتذكر معه علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، عبر معادلة (المثير الصناعي) و(المنعكس الشرطي).

فقد كان يلاحظه أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله)، ويرونه يذهب يومياً خمس مرات إلى بيت علي وفاطمة (عليهما السلام)، وينادي بهم (الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللهُ)([16]) ثم يتلو آية التطهير، وهو أمر غريب حقاً، ولعله لا نظير له في التاريخ البشري.

لكن الهدف كان ـ في ضمن حزمة أهداف ـ أنه بمجرد أن يذكر المسلمون رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يتذكرون الإمام علي والبضعة الطاهرة والمجتبى الحسن (عليهم السلام) ويتذكرون الإمام الحسين (عليه السلام) أيضاً.

وبمجرد أن يتذكروا الإمام الحسين (عليه السلام)، يتذكرون الظلامة التي جرت بحقه، وظلمه وقتله بتلك الطريقة المفجعة، ويتذكرون عند تذكر مقتله، أن ذلك هو قتل لرسول الله ولرسالته، ولأهدافه (صلى الله عليه وآله).

وهذا هو (المثير الصناعي) متعدد الأبعاد، فعندما ترى أو تسمع باب دار فاطمة يحترق، تتذكر على الفور أن ذلك لم يكن إحراقاً لباب فاطمة فقط، بل هو إحراق لدار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعندما ترى الاعتداء والتطاول على الإمام الحسين (عليه السلام)، تستيقن بأنه قد حصل التعدي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) شخصياً.

بمعنى أن هناك ترابط عضوي وجوهري، و(منعكس شرطي) بين (رسول الله)، وبين (علي وفاطمة والحسن والحسين)، وبين (الصلاة). هذه الأضلاع الثلاثة تشكل العلاقة التكاملية بين أهل البيت (عليهم الصلاة وأزكى السلام)، بين بعضهم البعض، وبينهم وبين الصلاة.

وعندما نقرأ: (أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ)، يجب أن نعرف أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان الباعث الأول على تكريس هذا المعنى في ذواتنا وأذهاننا، عبر ما قام به (عليه السلام) من (المنعكس الشرطي).

كانت هذه هي بعض المغازي من عمل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) على حسب النظرة السريعة العابرة.

كلمة أخيرة: إننا نقرأ في الصلاة، وباستمرار الآية القرآنية الكريمة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْـمُسْتَقِيمَ)([17])، فما هو الصراط المستقيم؟!.

إنه صراط رسول الله وأهل بيته الأطهار (عليهم الصلاة وأزكى السلام)، وهل يوجد أحد يشك في أن صراط علي وفاطمة والحسن والحسين هو نفس صراط رسول الله، وهو المقصود بـ(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْـمُسْتَقِيمَ)([18]) في الآية المباركة؟!.

والرسول يقول: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْـمَوَدَّةَ فِي القُرْبَى)([19])، وهو يعني أن مودَّة هؤلاء، هي أجر رسالتي، فإنهم الصراط المستقيم، وهم الامتداد الحقيقي للرسول الأعظم ورسالته السماوية.

فإذا مال شخص عن هذا الصراط المستقيم، فهو ضال ومنحرف عن ذلك الطريق القويم، والصراط المستقيم.

فما هو السر في وجوب هذا التكرار عشر مرات يومياً على الأقل؟!.

إنه (المنعكس الشرطي)، والذي يعد واحداً من الإجابات.

دلالات صلاة الإمام الحسين ألف ركعة يومياً

ولننتقل الآن إلى رواية أخرى تكشف عن الموقع الفريد للصلاة في حياة سيد شباب أهل الجنة (عليه السلام).

فقد كان الإمام الحسين (عليه السلام)، يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة، وقد سُئل الإمام السجاد (عليه السلام): مَا أَقَلَّ وُلْدَ أَبِيكَ؟!.

فقد كان أولاد الإمام الحسين (عليه السلام) قلّة، فقال (عليه السلام) ما نصّه: (الْعَجَبُ كَيْفَ وُلِدْتُ لَهُ!).. فأنتم تسألوني ما أقل ولد أبيك، وأنا أتعجب كيف ولدت له، وقد (كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَمَتَى كَانَ يَتَفَرَّغُ لِلنِّسَاءِ!)([20]).

وهنا نتوقف على مجموعة من الدلالات في هذا الحديث، وعند بعض الأسئلة:

1- من الدلالات في كلام الإمام السجاد (عليه السلام): إن هذه السيرة الحسينية مع الصلاة، كانت ممتدة لسنين طويلة، وليس لسنة أو اثنين أو ثلاثة، بل ربما امتدت إلى عشرين أو ثلاثين سنة أو أقل أو أكثر؛ وذلك لأن السؤال الاستفهامي التعجبي كان: مَا أَقَلَّ وُلْدَ أَبِيكَ؟!.

ويفترض بالإنسان عندما يتزوج، أن يكون طيلة ثلاثين أو أربعين سنة قادراً على الإنجاب، وكان عمر الإمام الحسين (عليه السلام) يوم استشهاده (58) عاماً، وذلك مما يكشف عن امتداد مسيرته (عليه السلام) بالصلاة ألف ركعة يومياً، لسنين طويلة حتى لحظة هذا السؤال والجواب، وهنا بعض الأسئلة:

عِلَل وحِكَم صلاة الإمام ألف ركعة يومياً

السؤال الأول: لماذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) يصلي ألف ركعة باليوم والليلة؟!.

إنه سؤال مهم جداً؛ لأنه يرتبط أيضاً بنا، لأنهم أئمتنا وسادتنا وقادتنا، وأي عمل يقومون به يؤثر في حياتنا، إن أردنا الحسنى والآخرة والدنيا أيضاً، وسعادة في الدارين: الدنيا والآخرة.

والإجابة على ذلك ـ باختصار ـ في ثلاث علل من جملة العلل:

العلّة الأولى: هناك سر خاص ودلالات في هذا العدد بالذات، بحيث لو أن شخصاً صلى (999) ركعة، لما كان يبلغ بعض تلك الأسرار وخصوص هذه المرتبة.

وهذه من حِكم الله سبحانه وتعالى، أن جعل في الأعداد أسراراً، سواء في عالم التشريع أو في عالم التكوين، فإن ذلك مما يصدق على الحقول كافة.

ومما يقرّب ذلك إلى الذهن: الدواء الذي يصفه الطبيب، فيقول ـ مثلاً ـ عليك أن تتناول المضاد الحيوي (أنتي بيوتيك)، بمقدار واحد وعشرين حبة أو خمسين حبة، لمدة سبعة أيام أو أسبوعين مثلاً، وإذا نقص العدد فربما يعود هذا الفيروس ثانية إلى البدن وبشكل أقوى؛ لأنه قد لا يموت فيتأقلم مع هذا الدواء فيتحصن ضده، والأمثلة كثيرة جداً في هذا المجال، وهذا مثال من عالم التكوين.

وأما من عالم الدعاء، فعليك أن تقرأ ـ مثلاً ـ َ(امَّنْ يُجِيبُ الْـمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)([21]) سبع مرات، أو (سورة الحمد) سبعين مرة للشفاء، بل حتى لإحياء الموتى، إذا ما قُرأ من قلب نقي وطاهر، بعيد عن المعاصي، ونية صادقة واطمئنان، ويقين، وغير ذلك، أي أن بلوغ هذا العدد هو السبب في إحداث ذلك الأثر الأكبر.

العلّة الثانية: حيث كان المفروض أن يكون الإمام الحسين (عليه السلام) النموذج الأسمى، لأسمى المعاني التي أرادها الله سبحانه وتعالى في الخليقة، ولذلك نرى أنه (عليه السلام) كان في الجهاد قمة القمة التي لا يبلغها أحد، وفي التضحية أيضاً، والإيثار، هو وصحبه، مثل أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وكان قمة القمة في العبادة، أيضاً.

ونحن الآن لا نتحدث عن جانب الخضوع والخشوع والقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فذاك هو الجانب الكيفي، لكنا نتحدث الآن عن الجانب الكمي فقط، وهي ألف ركعة ولسنين طويلة، إلى جانب المسؤوليات الأخرى التي كان يقوم بها في نفس الوقت.

فقد كان (عليه السلام) يجاهد الطاغية والحاكم (معاوية)، وكان (عليه السلام) الملجأ لشيعته ومواليه، كما كان يتصدى لأمور اجتماعية كثيرة، ليس هذا موطن ذكرها.

إذن الصلاة ألف ركعة، من حِكَمها أن يكون أنموذجاً أسمى للعبادة، وهو الإمام الحسين (عليه السلام)، كما كان نموذجاً أسمى للجهاد. وكذلك الإمام علي (عليه السلام) الذي كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة([22])، وأيضاً الإمام السجاد([23]) والإمام الرضا([24]) (عليهما السلام)، حيث كانا يصليان في اليوم والليلة ألف ركعة، وهكذا وهلّم جرّا.

العلّة الثالثة: لكي نعرف أن المقصود الأسمى هو (الله سبحانه وتعالى)، وهذا مما لا نلتفت إليه كثيراً؛ لأن الشهرة والسلطة والأموال والأهلون وغيرها تشغلنا عن الله تعالى.

وهنا يريد الإمام الحسين ـ فيما يريد ـ أن يُوصل إلينا هذه الرسالة، بأن المقصود الأسمى هو الله تعالى، وأنه لا يوجد ألذّ من الحديث مع الله، ومن الانقطاع إليه سبحانه وتعالى.

إن الكثير منّا ربما يشعر بالملل عـندما يصلـي عـشر ركعات، فتصوروا أي قُرب وأي حالة معنوية يكتسبها ذلك الذي يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة..! وهنالك دلالات أخرى عديدة تظهر بالتدبر إنشاء الله تعالى.

واقترح ـ ختاماً ـ على السادة الأفاضل والمؤمنات الصالحات، أنه حيث أننا لا نقدر على أداء ألف ركعة من الصلاة يومياً لمدة عشر سنوات، ولا حتى سنة واحدة، بل ولا لشهر واحد، وهذا حال عامة الناس.

لكن لنحدد يوماً واحداً في السنة على الأقل، نصلي فيه ألف ركعة أي خلال يوم وليلة، خلال شهر رمضان مثلاً، في ليالي القدر أو غيرها، حينها نكون قد تأسينا بالإمام الحسين (عليه السلام) بهذا القدر، أو بقدر ما نستطيع روحي وأرواح العالمين له الفداء، ولتراب مقدم حفيده وحفيد رسول الله الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الفداء.

* فصل من كتاب الإمام الحسين (عليه السلام) وفروع الدين

http://m-alshirazi.com

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mortadashirazi.htm

.........................................

([1]) سورة الأحزاب: 33.

([2]) سورة طه: 132.

([3]) بحار الأنوار: ج25 ص212 ب‏7.

([4]) سورة الأحزاب: 33.

([5]) سورة النساء: 65.

([6]) سورة الشُّورى: 23.

([7]) سورة طه: 132.

([8]) سورة القمر: 49.

([9]) سورة طه: 132.

([10]) سورة الفاتحة: 6.

([11]) بحار الأنوار: ج25 ص212 ب‏7.

([12]) سورة الأحزاب: 33.

([13]) بحار الأنوار: ج25 ص212 ب‏7.

([14]) سورة الأحزاب: 33.

([15]) سورة الأحزاب: 33.

([16]) بحار الأنوار: ج25 ص212 ب‏7.

([17]) سورة الفاتحة: 6.

([18]) سورة الفاتحة: 6.

([19]) سورة الشُّورى: 23.

([20]) وسائل الشيعة: ج4 ص100 ب30 ح4620.

([21]) سورة النمل: 62.

([22]) وسائل الشيعة: ج4 ص97 ب30 ح4612.

([23]) وسائل الشيعة: ج4 ص98 ب30 ح4614.

([24]) وسائل الشيعة: ج4 ص98 ب30 ح4615.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/كانون الأول/2014 - 15/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م

[email protected]