شبكة النبأ: المجالس الحسينية
والمآتم بمختلف اشكالها، المقامة في الحسينيات والشوارع وغيرها،
تحمل معها مشاهد الحزن والأسى في ذكرى المصاب الأليم، كما تحمل
المعاني والمفاهيم التي يستلهمها المعزون من الذكرى وصاحب الذكرى،
الامام الحسين، عليه السلام، وعندما نتحدث عن عظمة المفاهيم والقيم
التي ضحى من أجلها الامام، بأعزّ ما يملك يوم عاشوراء، والمديات
التي أخذت في الوجدان والضمائر والعقول عبر العالم، فهذا يعني –
مما يعنيه- أننا أمام تركة عظيمة وجوهرة لا تقدر بثمن، بدليل ما
نعلنه للعالم وما يتفق عليه العقلاء والحكماء من مختلف الاديان في
العالم، بأن النهضة الحسينية فريدة من نوعها ولن تتكرر، وقدمت
للانسانية ما لم ولن تشهده من قبل ومن بعد... فبعد كل هذا، هل يصح
أن تتكرر الاعتداءات الارهابية على المعزين بهذه المناسبة في مناطق
مختلفة من العالم، ويحصد الارهابيون العشرات من الشهداء والجرحى؟
سؤال، ربما يأخذ مدى أمنياً الى جانب المديات الثقافية والفكرية
والتعبوية التي نعيشها خلال شهري محرم وصفر، بيد ان هذا لا يمنع من
استيفاء الشعائر الحسينية كل شروط النجاح والاستمرارية والتوسع بكل
قوة واقتدار. مع العلم المسبق، بأن العمليات الارهابية التي تطال
المآتم الحسينية في العالم، ومنها العراق ايضاً، تدل بوضوح على جبن
وانهزامية الفاعلين، وخواء عقيدتهم وشعورهم العارم بالنقص والخيبة
أمام هذا السيل الهادر. فقد وصلت أيادي التكفير الدموي الى تونس
عندما انفجرت عبوة ناسفة حملها انتحاري على دراجة نارية صغيرة
اقتحم جمع من المعزين أيام عاشوراء، كما يخوض التكفيريون منذ سنوات
في دماء المؤمنين الموالين في الهند وباكستان وكشمير، وفي الخليج،
حيث البحرين والمنطقة الشرقية "السعودية"، آخرها، وليس بأخيرها
المجزرة التي نفذها التكفيريون ضد معزين في حسينية بمدينة الاحساء.
بدايةً؛ لا نجانب الحقيقة اذا قلنا أن الملف الأمني بالاساس من
مهام الدولة، ويتحقق بامكانات وقدرات كبيرة لا تتوفر عند اشخاص
عاديين او حتى مؤسسات او تجمعات في المجتمع، والحقيقة الاخرى
الاكثر اهمية في هذا المجال، أن توفير الأمن لأجواء المآتم في ذكرى
الامام الحسين، عليه السلام، غير متبناة في جميع بلاد العالم،
ونخصّ بالذكر، الدول التي تحمل هي بالاساس جذور التكفير والارهاب
الطائفي مثل السعودية، او دول تقف متفرجة على تنامي الجماعات
التكفيرية مثل باكستان. وهذا تحديداً يضع اصحاب المآتم الحسينية
أمام المسؤولية الكبيرة، في أن يشكلوا "أجهزة أمن في الظل"، لتكون
رديفة للاجراءات الامنية المتخذة من قبل الدولة، سواء وجدت أو
فقدت، ولتكن عبارة عن مجموعات تنظيم وتنسيق وحماية للأماكن التي
تقام فيها المآتم، كما يمكن ان تكون من الاجراءات، تجنب إقامة
المسيرات والمواكب في الشوارع والاماكن العامة في البلاد التي تشهد
توتراً طائفياً.
نعم؛ رب سائل عن امكانية اتخاذ اجراءات امنية حول الحسينيات في
بلاد مثل السعودية او باكستان وغيرها، بيد ان الاجراءات الاحترازية
عندما تصطدم بجماعة ارهابية، كالتي داهمت حسينية المصطفى بمنطقة
الدالوة بمدينة الاحساء، سيكون المشهد دفاعاً عن النفس، وتقلل نسبة
الخسائر الى حدٍ كبير.
وهذا لا يقتصر على البلاد المتوترة طائفياً او الخالية من الدعم
والمساندة للشعائر الحسينية، إنما يشمل بلد مثل العراق الذي يواجه
بالاساس حرباً تفكيرية مفروضة عليه، رغم أن القدرات والامكانات
الرسمية مسخرة لغرض تأمين الأمن للشعائر الحسينية، وتحديداً لمحيط
محافظة كربلاء المقدسة خلال شهري محرم وصفر، مع ذلك نسمع بدعوات
التعاون والمساعدة من قبل المعزين عموم ابناء المجتمع لتحقيق الهدف
المنشود ومواجهة المخاطر المحتملة، فاذا كان هذا حال العراق، فما
بال شيعة اهل البيت ، عليهم السلام، في السعودية وباكستان ومصر
وغيرها من البلاد المهددة بالاعتداءات التكفيرية؟
إن الحديث عن الاجراءات الامنية لمراسيم عاشوراء وايضاً مراسيم
إحياء ذكرى الاربعين، تمثل اليوم جانباً من المواجهة المحتدمة التي
تعيشها الامة مع الفكر التكفيري المضلِّل والذي يتخذ من السكين
والسيف والعبوات الناسفة وغيرها من وسائل الموت، وسيلته للحوار
وإبداء رأيه إزاء قضية الامام الحسين، عليه السلام. لذا فان الجدير
بالقائمين على الشعائر الحسينية التحلّي بأقصى درجات الحيطة والحذر
والتسلّح بالوعي الأمني، وهذه الوصية نستقيها مباشرة من القرآن
الكريم حيث يوصينا الله – تعالى- في آيتين في سورة النساء بأن
"...خُذُوا حِذْرَكُمْ"، وذلك في في سياق الاستعداد لمواجهة اعداء
الدين والانسانية، مما يعني أن التجمعات الحسينية في كل مكان ليست
بالشكل الذي يستهان به او هدفاً سهلاً لمن يرتدي حزاماً ناسفاً او
يحمل سلاحاً ويقتحم المكان ويوقع في المعزين الأذى والخسائر. |