لا يخفى على أحد أهمية الهدف في حياة الانسان حيث يعطى لحياته
معنى، ويرشده الى الطريق، وكذلك يشحن النفس الإنسانية حماساً
وتحفيزا وهذا ما اكدت عليه روايات اهل البيت (عليهم السلام): من
عرف مستقرّه سعى إليه.
فاذا فرضنا أن سفينة تسير في البحر، ثم قامت عاصفة شديدة،
أعقبها هطول أمطار كثيفة، فأخذت الأمواج تتجاذبها بشدة من كل مكان،
وأصبحت السفينة مثل ورقة صغيرة في مهب الريح! إن البوصلة في هذه
الحالة هي التي ستنقذ السفينة من الضياع. إن الهدف هو هذه البوصلة
الذي يجب على الانسان تحديده والتمسك به. فكما تهدي البوصلة ربان
السفينة لكي ينقذ سفينته من الضياع وسط ظلام الأمواج المتلاطمة
والرياح العاتية والأمطار المنهمرة، فإن دور الهدف هو الذي يحدد
للإنسان الاتجاه الصحيح الذي يجب عليه السير فيه!
وكذلك دماغ الإنسان ايضا له اهمية كبرى للإنسان... فالإنسان إذا
لم يشغل دماغه لتحديد اهدافه والعمل الى تحقيقها سيكون مصيره
الضياع... ففي أحدث الدراسات المسحية وجد أن 3% في العالم هم الذين
لهم أهداف يسعون لتحقيقها بينما 97% يسيرون بلا أهداف.
كما أظهرت 30 عاماً من التجارب العلمية إن الناجحين لن يحققوا
ذلك النجاح لأنهم أذكى او أوفر حظاً من غيرهم، كما تقول الدكتورة
هيدي غرانت هالفورسون من كلية التجارة في جامعة كولومبيا. وما يحدث
مع اولئك الناجحين هو معرفة ما يريدونه في الحياة ثم إيجاد الطريقة
المثلى لتحقيقه، كما لو انهم يضعون خطة تجارية لحياتهم.
وكذلك المدارس في الغرب تجعل حصة أسبوعياً لتعليم الطفل كيف
يكون له هدف في حياته.
فقد نرى فئة الشباب اليوم لديهم حالة من التخبط والتعثر في
مسيرة حياتهم لا يعرفون ماذا يريدون وماذا يعملون لذا نراهم
يتأثرون بكلام هذا او ذاك ويقلدون الآخرين في أدق التفاصيل؟ أي
كلام يسمعونه من أي شخص يتأثرون به ويميلون اليه ... وكذلك طريقة
اللبس والكلام حيث يقلدون الآخرين فيها ويهتمون بالهامشيات كثيرا
... والسبب في ذلك هو فقدان الشاب الى الهدف في حياته.
لهذا يؤكد الامام الصادق الى هذه القضية بالنسبة الى الشباب حيث
يقول (ع): بادروا احداثكم بالحديث قبل ان يسبقكم اليها المرجئة.
والمرجئة تيار فكري منحرف ظهر في المجتمع الإسلامي آنذاك، وما أكثر
هذه التيارات في وقتنا المعاصر.
وتحل علينا عاشوراء من جديد لتذكرنا وتلهمنا ما قد تناسيناه في
زحمة حياتنا من دواء لجراحنا، وحلولا لمشاكلنا، وقيما سامية لإحياء
نفوسنا، فهي جامعة تضم كل المعارف التي ترتقي بمستوى الانسان وتؤدي
الى رقيه في المجتمع.
والشباب مرحلة مهمة يعيشها الانسان وهي التي ترسم ملامح
المستقبل لأي مجتمع، لذا يؤكد الامام الصادق (عليه السلام) على هذه
الحقيقة وإذا اردت ان ترسم ملامح مجتمعك المستقبلية: عليك بالأحداث
فانهم أسرع الى الخير.
لذا نرى دور الشباب في واقعة الطف حيث اثبتوا ما بداخلهم من
طاقات والذي أثبت أن لديه وبداخله طاقات خلاقة، بمجرد التقدير
النفسي القوي لداخله وشخصه، أخرج ما بداخله من الإحباطات، وفجر
الطاقات التي فجرتها الثورة، واستغلالها بعد اكتشافها في تحقيق
أهدافه. القاسم بن الحسن نموذج للشاب الهادف الذي يحمل هدفه نصب
عينيه ويجند كل طاقاته لتحقيقه...
حين نستعرض سيرة القاسم ابن الحسن نجد نمطاً رائعاً من البطولة
الفائقة، ولذلك يستهوينا هذا النمط، لان هذا الفتى لما سمع عمه
الحسين (سلام اللـه عليه) في ليلة العاشر من شهر محرم ينعى نفسه
وينعى اصحابه ويخبر الحاضرين بأنهم لمقتولون غداً جميعاً، هنالك
انبرى سائلاً: يا عماه هل اكون انا ايضاً ممن يقتل غداً؟
وقبل ان يجيبه (سلام الله عليه)، سأله كيف الموت عندك؟
قال بكل عفوية: يا عمـاه في نصرتك أحلى من العسـل. ثم أخبره
بانه ممن يقتل، واضاف بأنه حتى ابنه الرضيـع عبد اللـه ممن يقتل.
ولابد من وقفة تأمل امام هذا المقطع التاريخي:
1- تحديد الهدف: الشهادة، وكلمته الرائعة بأنه في نصرة الحسين
الموت أحلى من العسل. فالموت مر وأشد مرارة من أي شيء آخر، ولكن
نصرة الحسين (عليه السلام) والدفاع عن القيم تجعل مرارة هذا الحدث
ليست فقط مقبولة، وانما تجعلها مطلوبة حتى تصبح أحلى من العسل.
2-تذكير الهدف وتكراره: يا عماه هل اكون انا ايضاً ممن يقتل
غداً؟
3- توجيه الشباب نحو اتخاذ هدف: سؤال الامام له بمثابة امتحانه
هل لديه هدف ام لا: كيف الموت عندك؟
فمن فوائد الهدف:
- التحكم في الذات: عندما يكون لدى الشاب أهدافا منظمة ومتوازية
ليحدد اتجاهه لتشمل كل جوانب حياته، فإنه سيشعر أنه أكثر تحكمًا في
شهواته ونزواته وحياته، ومهما حدث سوف يكون هو المتحكم في مصيره،
وهو من يقرر أي الطرق التي سيسلكها لتحقيق أهدافه، ومتى يصل إلى
هدفه المنشود.
- الثقة بالنفس: عند ازدياد التحمل والسيطرة على النفس، هنا
تزداد الثقة في نفس الشاب، وتستمر الحماسة في الطريق لتحقيق
الأهداف، والثقة بالنفس سوف تعطيها سمة إيجابية، كما لها قوة تحفزه
ليؤمن بقدراته في سبيل تحقيق أهدافه.
- قيمة النفس: إذا ما حقق الشاب واحدًا من أهدافه، فسوف تزداد
ثقته بنفسه، ويصبح شعوره اتجاه ذاته أفضل، كما أنه سيؤمن أكثر
بقدراته وإمكانياته، ولن يمضي وقت طويل، حتى يلاحظ أن قيمة ذاته
تزداد يومًا بعد يوم.
- إدارة الوقت: سوف يكون الشاب أكثر تخطيطا وتركيزًا في السعي
لتحقيق الأهداف، ففي الواقع أن تحديد الهدف وإدارة الوقت متلازمان
تمامًا، فلا يمكن أن تحقق واحدًا دون الأخر.
- حياة أفضل: ان تحقيق الأهداف سيؤدي إلى رفع مستوى حياة الشاب
بحيث يجعله أكثر تحفيزًا، وأكثر طاقة، وأفضل حالًا، وأكثر سعادة،
وأكثر ابتعادا عن الأمور الهامشية وبالنتيجة تكون حياته أفضل.
ومن استراتيجيات تحقيق الهدف هو:
1- الفعل.. هو الفرق بين النجاح والفشل..
قال تعالى: (وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا)
إذ إن الله تعالى أمر سيدتنا مريم بالعمل وحثها على هز النخلة
حتى تسقط رطبا عليها...ولو اراد الله ان يسقط عليها الرطب بدون ان
تهز النخلة لسقط ولكن للتأكيد على أهمية العمل أمرها ان تفعل سببا
لنزول هذا الرطب...
اذن الخطوة الأولى هي العمل .. ولكن اذا لم تأت النتيجة
المطلوبة .. فتأتي الخطوة الثانية
2- قانون التحكم: وضع البدائل والاحتمالات.. ووضع حلولا مسبقة
للمشاكل المتوقعة.
لذلك قال الامام الحسين (عليه السلام) للقاسم حسب الرواية: يا
ابن الاخ؛ انت من أخي علامة، واريد ان تبقى لي لأتسلى بك. اما
القاسم الذي كان من جهة متعبداً بولاية عمه وامامه الحسين (سلام
اللـه عليه)، ومن جهة ثانية كان متحفزاً للبراز والجهاد بين يديه
وطالباً للشهادة في سبيل اللـه ونصرة عمه الحسين (سلام اللـه
عليه)؛ فقد انتحى جانباً وجلس مهموماً مغموماً، باكي العين، حزين
القلب، ووضع رأسه على رجليه ثم تذكر ان أباه قد ربط له عوذةً في
كتفه الايمن، وقال له إذا اصابك ألماً وهماً، فعليك بحل العوذة
وقرائتها وفهم معناها، واعمل بكل ما تراه مكتوباً فيها. فقال
القاسم في نفسه: مضت سنون ولم يصبني من مثل هذا الالم، فحل العوذة
وفضها ونظر إلى كتابتها وإذا فيها: يا ولدي اوصيك أنك إذا رأيت عمك
الحسين (عليه السلام) في كربلاء وقد احاطت به الاعداء فلا تترك
الجهاد والبراز لأعداء اللـه واعداء رسول اللـه، ولا تبخل عليه من
روحك ومن دمك، وكلما نهاك عن البراز عاوده ليأذن لك للبراز لتحظى
بالسعادة الابدية. فقام القاسم من ساعته واتى الحسين وعرض ما كتب
الحسن على عمه الحسين (عليهما السلام)، فلما قرأ الحسين العوذة بكى
بكاءاً شديداً، وقال: يا ولدي أتمشي برجلك الى الموت؟
قال: فكيف لا يا عم، وانت بين الاعداء بقيت وحيداً فريداً لم
تجد حامياً ولا صديقاً. روحي لروحك الفداء، ونفسي لنفسك الوقاء.
فاذا تأملنا موقف القاسم نرى:
- عدم الاستسلام لرفض الامام (ع) الاولي.
- الإصرار على وصوله الى الهدف.
- إيجاد البديل المقنع وتغيير الخطة: ان أباه قد ربط له عوذةً
في كتفه الأيمن.
فلو جعل الشاب هدفا نصب عينيه وهو الارتقاء والسمو بالأهداف
والمبادئ الموجودة في عاشوراء لارتقى نفسيا واخلاقيا واجتماعيا
وبالنتيجة سيرتقي ويتغير المجتمع نحو الأفضل.
* مديرة جمعية المودة والازدهار
mag.bushra@gmail.com |