الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1435 هـ
عاشورء الحسين 1434 هـ
عاشورء الحسين 1433 هـ
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

معالجة الأسس والرجل المناسب

نزار حيدر

 

عاشوراء (٣) السنة الثانية

 {فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً اَسَّسَتْ اَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ}.

 اذن، هناك ظواهر للأمور وبواطن، فأمّا العقلاء فيبحثون في البواطن ليعالجوا الامور من أساسها، امّا غيرهم فينشغلون في ظواهر الامور ولذلك تراهم لا يصِلون الى نتيجة لانّ الظواهر لا يمكن ابداً انْ تضع لها حدّاً اذا لم تُعالج أُسسها.

 في هذا النص الوارد في زيارة عاشوراء، يُثبّت المعصوم مبدأ استراتيجي في معالجة الظلم في المجتمع، يعتمد على الأسس التي ينبني عليها بغضّ النظر عن الظواهر، فاذا تمكّن المرء من تحديد أُسس الظّلم أمكنه معالجتها وقطع دابره من أساسه، والا فانه سينشغل بالظواهر والآثار التي لها أوّل وليس لها آخِر ابداً، اذا لم يتم معالجة الأسس.

 ولتوضيح الفكرة أسوقُ مثلا برجلٍ أراد ان يجفّف مستنقع ماءٍ آسنٍ تتراكم فيه الجراثيم التي تنشر الأوبئة، فاذا لم يعمدْ الى تجفيف مصبّ الماء لهذا المستنقع، فسيظل طوال عمره مشغولاً بتجفيفه ومتحمّلاً آثاره وظواهره بلا نتيجة تذكر، امّا اذا جلس جانباً لبضعة دقائق وفكّر جيداً واهتدى الى اساس المنبع الذي يصب في المستنقع لأمكنه معالجة اساس المشكلة بإغلاق المصبّ وبالتالي تجفيف المستنقع من دون كثير عناء.

 ان مشكلتنا هي انّنا ننشغلُ دائماً بالظواهر، وننسى او نتناسى معالجة الأسس، ولعلّ في الحرب على الارهاب اليوم خيرُ دليلٍ على ذلك، من دون ان أغفل عن تعمّد البعض في ذلك لنبقى منشغلين فيها، والدماء تسيل انهاراً والناس منشغلةً بها عن التنمية والبناء والتطور.

 ان كلّ العالم مشغولٌ اليوم بظواهر الارهاب، بأسمائه ومسمّياته وآثاره المدمّرة وأفعاله وجرائمه المخزية، فيتمكّنون من هذا الإرهابي ويمنعون المال عن ذاك التنظيم ويحرّرون تلك البلدة التي كان قد استولى عليها الارهابيّون، وهكذا، في حربٍ استنزافيّة واضحة، ولكن لا احد يفكّر، او قل، ممنوع علينا ان نفكّر بأسس الارهاب لتجفيف منبعه، وكلنا نعرف جيداً، والعالم يعرف جيداً، انّ اساس الارهاب ومنبعه الاول والأخير هو نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية، وفقهاء البلاط الذين سخّرَهم هذا النظام لإصدار فتاوى الحقد والكراهية والتكفير عند الطلب والحاجة، فلماذا لا يفكّر احدٌ منهم بالقضاء على منبع الارهاب بدلاً من الانشغال بظواهره؟.

 انّ مقياس جدّية حرب المجتمع الدولي على الارهاب يبدأ من هنا، والا فالأمرُ هزلٌ في هزلٍ، لا يعدو اكثر من مؤامرة تحوكها دوائرهم المختصّة بمثل هذه الامور لإشغالنا وتدميرنا واستنزافنا، وبالتالي للإبقاء على واقعنا متخلّفين عن ركب الحضارة، اذا بنا في القرن الواحد والعشرين يأخذ بعضنا نساءَ البعضِ الاخرِ سبايا ونُخيّر شعبنا بين الجزية او القتل ونستولي على أموال الناس وممتلكاتهم كغنائم!!!.

عاشوراء (٤) السنة الثانية

 {وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَاَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها}.

 انّ اولَ اساسٍ لكلّ ظلمٍ هو ان يتصدّى للموقع من ليس اهلُه، سواءً كان هذا الموقع سلطة او كرسي تعليم او مهنة او دائرة عامة او شركة او ايّ شيء اخر، ولذلك تبنى العقلاء القاعدة الذهبية التي تقول (الرجل المناسب في المكان المناسب).

 ان هذا النص الوارد في زيارة عاشوراء، يشيرُ الى هذه الحقيقة، فعندما نزا على السّلطة من ليس أهلها ومن لا يستحقّها، تأسّس أساس الظّلم الذي انتج الانحراف وتالياً الابتعاد عن دولة العدل ليتكرّس، بمرور الزمن ومع استخلاف الظّالمين بعضهم للبعض الاخر، واقعاً منحرفاً.

 ولذلك نرى ان الاسلام اهتمّ كثيراً في التأسيس لسلطة الحقّ، من خلال تحديد الشروط اللازمة في المسؤول الذي يتصدى لموقع، خاصّة اذا كانت سلطة يتصرف بها في أرواح الناس ودمائِهم وأعراضٍهم وأملاكهم، فلقد ذكر الامام علي بن ابي طالب (ع) جانبا من هذا التأسيس، مثلا، بقوله:

 {وقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالمَغَانِمِ وَالاَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ، وَلاَ الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلاَ الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ، وَلاَ الحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْم، وَلاَ الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ بِهَا دُونَ المَقَاطِعِ، وَلاَ الْمَعطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الاُمَّةَ}.

 واذا عُدنا الى القرآن الكريم، لوجدناهُ لم يتعامل مع هذا التأسيس اعتباطاً، ابداً، وإنّما أخذ بنظر الاعتبار حاجة الموقع ونوعية الهدف المرادُ له تحقيقه، ولذلك تراه يغيّر ويبدّل مواصفات المتصدي من موقع لآخر، فتارة تقولُ الاية {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} وأُخرى تقول {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} وثالثة تقول {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} وهكذا، ما يعني ان المواصفات المطلوبة في المتصدّي تختلف من موقع لآخر ومن زمن لآخر، وكلّ ذلك من اجل تحقيق قيمة عليا واحدة هي المحور في كل الرسالات الا وهي العدل، فقال تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

 لقد أخذ الغرب بقاعدة المعايير لكلّ موقع مسؤولية، فتقدّم ونجح، فهو عندما يريد ان يستخلف أحداً في موقعٍ ما لا يبحث عن الشخص محاباةً او أثرةً او محاصصة او ترضية، وإنما يبحث عمّن تنطبق عليه المعايير والمواصفات المطلوبة في مرشح الموقع، وهذا ما اكّد عليه أمير المؤمنين (ع) في عهده الى الأشتر النخْعي عندما ولاه مصر قائلا {ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ} امّا عندنا فلا يوجد شيءٌ اسمهُ معايير لا لموقع ولا في مرشح، وإنما هناك معيار واحد فقط هو القاسم المشترك لكل المواقع الا وهو الولاء، ويا ليتهُ كان للوطن او للشعب، أبداً وإنما هو للحزب الحاكم او للسلطان او للقائد الضرورة، ولذلك ترانا ندور بالمرشح بحثاً له عن موقع، وليس العكس، فهو عندنا كالطماطم يصلُح لكلّ قِدْرٍ ولكل طبخةٍ ولكلِّ وزارة، ولهذا السّبب تأخرنا وفشلنا وأضعنا فرص النجاح والانجاز السليم الواحدة تلو الاخرى.

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/تشرين الأول/2014 - 5/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م

[email protected]