الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1435 هـ
عاشورء الحسين 1434 هـ
عاشورء الحسين 1433 هـ
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

واقعة الطف.. تاريخ مشرق لمستقبل واعد

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: عندما يُقال أن الشعوب والأمم بتاريخها، وأنها من دون تاريخ، فهي بلا مستقبل؛ فالمراد، التاريخ المشرق والحافل بالبطولات والمكارم ودروس الحياة وليس الموت، بما يفيد الاجيال اللاحقة في تقدمها وتطورها وبلوغها لحياة أفضل، وإلا هنالك شعوب لها تاريخ حافل بالديكتاتوريات والحروب والدمار مثل الشعوب التي عاشت تحت اسم "الاتحاد السوفيتي"، أو "النازية".

لذا عندما نتحدث عن عن الامام الحسين، عليه السلام، ونهضته وواقعة الطف من الزاوية التاريخية، إنما نبحث عن عوامل البناء والتقدم، بل في تجارب الحياة بشكل عام، وهذا يُعد من المسائل الجوهرية والمحورية في حضارتنا تدعو للفخر والاعتزاز، وفي نفس الوقت تستدعي اجراءات احترازية لحماية هذا الإرث الحضاري العظيم من الضياع او "التضييع"... وهذا ما يذكرنا به سماحة الفقيه الراحل آية الله السيد محمد رضا الشيرازي – قدس سره- في كتابه "الشعائر الحسينية والتحديات الحضارية".

إن واقعة عاشوراء واستشهاد الامام الحسين، عليه السلام، في نظر البعض تمثل حدثاً تاريخياً لا ينبغي الاكثار في الحديث عنه، إنما الجيد الحديث عن الحاضر والمستقبل! في حين إن المعركة التي انتهت يوم العاشر من المحرم سنة (61) للهجرة، تمثل بداية لمعارك ومواجهات محتدمة وعلى مختلف الصعد بين جبهة الحق وجبهة الباطل طيلة القرون الماضية وحتى اليوم والى يوم القيامة، بمعنى أن التحدي الحضاري اليوم يدعونا قبل أي وقت آخر، الى الحفاظ على الهوية والتاريخ والانتماء، فنحن "نخوض معركة تحدٍ حضاري كبير، وجوهر هذا التحدي ان نحفظ هويتنا وألا نفقدها، فهنالك الآن جهات كثيرة في العالم تحاول ان تجردنا من هويتنا".

هكذا هو التاريخ المشرق لدى الشعوب والأمم المتحضرة والناهضة، كما يعبر عن ذلك سماحة الفقيه الشيرازي، "واليوم عندما نتحرك في الحياة ونقوم ببعض الاعمال، إنما نعتمد في ذلك على مخزون كبير من تاريخنا؛ فهو الذي يوجه حركتنا في الحياة". ولعل هذا هو الذي جعل الشيعة على مر العهود الماضية يتميزون عن سائر المسلمين، بل حتى عن سائر الأمم في العالم في تمسكهم بانتمائهم وايمانهم العميق بمبادئهم وقيمهم الدينية، رغم ما تعرضوا له من حملات إبادة رهيبة وقتل جماعي وحتى إبادة للإرث الفكري والثقافي، فنلاحظ؛ كما النفوس تتجدد بولادة اجيال جديدة، يتجدد الابداع والتحقيق والتأليف والبحث العلمي، فتظهر مكتبات جديدة ومدارس علمية اكبر واضخم مما سبق.

وقد اثار هذا التميّز، أحد المفكرين الغربيين في دراسة له حول الجاليات في الغرب، ومدى مقاومتها أمام حالة الذوبان، فقال: "وجدنا هنالك أمة واحدة تستعصي عليها عمليات التذويب، وتقاوم بقوة، وهم الشيعة... ثم يسأل: كيف حافظ هؤلاء الشيعة على هويتهم وكيانهم وأصالتهم؟ ويجيب: هنالك عاملان: الاول: الامام الحسين، عليه السلام، بنفسه. والعامل الآخر: المرجعية الدينية، التي توجه المجتمع نحو الثقافة الحسينية وإحياء واقعة الطف وإبقائها حيّة في النفوس من خلال الشعائر الحسينية المتعددة الاشكال والانماط.

السؤال هنا: لأي شيء يفيدنا تاريخ النهضة الحسينية؟

من الواضح، أن هذا التاريخ لا يمكن اختزاله في أيام معدودة تحيي الذكرى بطقوس خاصة واستثنائية في غير بلد بالعالم، لاسيما في قلب العالم الشيعي؛ كربلاء المقدسة، وإن كانت الشعائر الحسينية تمثل صورة تاريخية نابضة للواقعة والنهضة بشكل عام، بيد ان في منطق العقل، ان يكون هذا التاريخ في حياتنا اليومية وفي سلوكنا وثقافتنا. لذا نرى أن الفقيه الشيرازي الراحل يسلط الضوء على جانبين اساس في البعد الحضاري للنهضة الحسينية - في كتابه المشار اليه- الاول: الجانب التربوي، والثاني: الجانب الفكري.

ففي الجانب التربوي، يكون التاريخ حيّاً نابضاً، عندما تكون آثاره في نفوس وضمائر الاجيال المتعاقبة، بما يفخرون به ويتخذونه منطلقاً نحو مراقي التقدم والتطور في الحياة؛ وهذا بحاجة الى منهجة الشعائر الحسينية لما يساعد على وصول المفاهيم الانسانية التي ضحى من اجلها الامام الحسين، عليه السلام؛ مثل الحرية والكرامة والمساواة والاصلاح وغيرها. ومع وجود الهيئات والمواكب الحسينية الخاصة بالاطفال هنا، وبالشباب هناك، وايضاً للنساء، ثم تطور الامر لدينا لتكون هنالك مواكب لطلبة الجامعات وهكذا... فالمطلوب توسيع رقعة هذه المواكب والاكثار منها وتطويرها فنياً ومنهجياً بما تحقق الهدف المطلوب.

وفي احاديث ومؤلفات عديدة، يؤكد سماحة الفقيه الراحل على إشراك الاطفال في الشعائر الحسينية، لاسيما المجالس الحسينية في البيوت وفي الحسينيات وألا يكون الطفل بعيداً عن هذه الاجواء، لاسيما وأن ثمة نموذج حيّ يضمه المشهد الحسيني، وهو الطفل الرضيع الصريع، مثلما نستشهد بعلي الاكبر، عليه السلام، في خطابنا للشباب، ولكبار السنّ والكهول، حبيب ابن مظاهر، وهكذا...

أما الجانب الفكري والثقافي، فيتحدث عنه سماحة الفقيه الراحل تحت عنوان: "صناعة العقلية"، بما يؤكد حاجتنا الملحّة في الوقت الحاضر الى قيم النهضة الحسينية في صياغة الفكر والحفاظ على الهوية والانتماء من الانماط الوافدة والافكار التي تتعارض الكثير منها حتى مع الفطرة الانسانية، ويبين سماحته الفرق الكبير بين طفل يشارك في المجالس الحسينية ويستمع الى احاديث عن النبل والكرم والنصيحة والتوبة وغيرها من القيم الانسانية والاخلاقية، وما يصنع ذلك من طريقة خاصة بالتفكير والسلوك، وبين طفل يرى يومياً مشاهد العنف والقسوة، في محيط البيت، ومن خلال الشاشة الصغيرة، حيث تعرض الافلام المتضمنة مشاهد دموية وقتل باشكال بشعة، وما يترك ذلك على ذهنية الطفل.

ومن نافلة القول؛ الاشارة الى ظاهرة انضمام عدد من الاطفال الى الجماعات الارهابية والدموية في الفترة الراهنة، مما أثار استغراب العالم، وكيف أن طفل صغير نشأ في بلد غربي مثل استراليا، ثم يأتي الى سوريا ليلتقط أبوه صورة تذكارية وهو يحمل رأس جندي سوري بيده بعد ان قتلته جماعة "داش" وفصلت الرأس عن الجسد...!

من هنا يؤكد سماحته على أن قيم النهضة الحسينية تمثل "ضمانة من الانزلاق في مهاوي الانحراف الاخلاقي والديني والفكري". ربما يتصور البعض أن الحالة الوحشية والدموية التي يعيشها عناصر الجماعات الارهابية، مثل "داعش" وغيرها، إنما هي نتاج او إفراز سياسي او من صناعة أقبية المخابرات وغير ذلك، وإن صحّ هذا الاحتمال بعض الشيء، بيد أن الاساس في البناء الفكري والثقافي او "صناعة  العقلية" التي استقت مفاهيمها من ارضية بعيدة كل البعد عن القيم الانسانية والاخلاقية، بل تعبّر بوضوح عن عودة الى القيم الجاهلية، من قسوة وتطرّف وتعصّب، والاخطر من كل ذلك؛ التنكّر للحقائق الناصعة التي جاء بها الاسلام، ثم بثّ فيها الروح والاستمرارية، الامام الحسين، عليه السلام، تضحياته ومواقفه الخالدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/تشرين الأول/2014 - 3/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م

annabaa@annabaa.org