الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1434 هـ
عاشورء الحسين 1433 هـ
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

المشي يوم الأربعين.. مسيرة لا تتوقف

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: في يوم زيارة الأربعين، يكون الملايين من الزائرين قد دخلوا وخرجوا من كربلاء المقدسة، مجاميع وإفراد، مشياً على الاقدام، وأدوا مراسيم الزيارة، وهم يتوجهون للعودة الى ديارهم وأهليهم ليرووا ما شاهدوه من ملاحم انسانية ومواقف مشرفة لاستقبال الزائرين على طول الطريق الممتد لعشرات الكيلومترات، كما يروا مشاهد الحشود المليونية المتدفقة نحو المرقد الشريف، ثم تعود المدينة المقدسة الى سابق عهدها، حيث حركة السير والزائرين، عادية جداً. فهل هذا هو كل شيء من زيارة الأربعين؟.

من المؤكد لو لم تكن جذوة الحسين، عليه السلام، متقدة في النفوس والضمائر طيلة أيام السنة، لما اندفعت هذه الملايين من كل مكان، وسيراً على الاقدام لأداء هذه الزيارة. وإلا لنلاحظ المناسبات والذكريات التي تمر كل سنة، فهنالك متفاعل ومتضامن، وهنالك المتغافل والبعيد، بمعنى وجود خطين متوازيين في المجتمع، بينما في هذه المناسبة الحسينية، هنالك مسيرة هادرة، وليس فقط خط رفيع، فيما يبقى جزء بسيط ربما لا يتفاعل لاسباب خاصة به. وحديثنا عن هذه المسيرة المتواصلة في تفاعلها طيلة أيام السنة.

من مشاهد التفاعل المستمر مع الزيارة الأربعينية، فتح صندوق خاص للتبرعات للمواكب والهيئات الخدمية التي ستعود الى مكانها المحدد والمخصص في كربلاء المقدسة، أو على الطرق الرئيسية البعيدة. وهذا ما يجعل الامور سهلة يسيرة على مسألة تقديم الخدمات المتنوعة للزائرين من طعام وشراب وإقامة، وحتى خدمات طبية وغيرها. بل من الملاحظ أن بعض الأهالي في أرياف العراق، تخصص جزءاً من الماشية، ومنذ ولادتها لتنمو وتكبر مع اسم الزيارة الأربعينية، فالخروف أو البقر أو الجمل، يعيش ويأكل مع سائر أقرانه، لكنه يتميز عن البقية أنه لن يذبح ولا يباع إلا في مع حلول الزيارة، لأن مقصده كربلاء المقدسة.

في كل مكان من العراق والبلاد البعيدة التي يتدفق منها الحسينيون، هنالك حسينيات وهيئات تنشط في إحياء النهضة الحسينية ببرامج متنوعة طيلة أيام السنة، حيث مجالس الوعظ والإرشاد، ومحافل القرآن الكريم، وبرامج المطالعة في المكتبات العامة الموجودة داخل هذه الحسينيات، اضافة الى إقامة برامج إحياء البرامج الدينية طيلة أيام السنة، والتي تشمل مناسبات بهيجة الى جانب المناسبات الشجية، مثل مناسبة "الغدير" أو مواليد المعصومين، عليهم السلام، وهي بحد ذاتها تعزز الحالة الولائية في النفوس، فان الذي يحتفل بذكرى مولد الامام الحسين، عليه السلام، سيتعرف عليه أكثر ويكون على استعداد وتهيؤ نفسي وذهني كامل خلال زيارة الأربعين، ويعرف من يزور ، وما هي أبعاد وأهمية هذه الزيارة في حياته وفي حياة المجتمع.

بالنسبة لنفس الزائر الذي يعود الى أهله من هذه المراسيم الحاشدة والمليونية، فانه سيتواصل مع مسيرة "المشي" على الصعيد الفردي – الذاتي، وعلى الصعيد الاجتماعي. ما يتعلق به شخصياً، فان سيحمل معه تجربة رائدة وكبيرة في التغيير والإصلاح من خلال احتكاكه مع الجماهير الزاحفة، هنا؛ لن يكون وحده، بسلوكه وعاداته ومزاجه، إنما هو مع المجموع، يتكامل معهم، وما هذه المسيرة الراجلة والهادرة إلا نتاج التلاحم والاندماج بين الافراد المتفاعلين من ذوي القابلية على التعاطي الانساني والاخلاقي مع الاخرين. وعليه تكون الفرصة سانحة لاستخراج القدرات والامكانيات على العمل الجماعي نحو التطوير والتغيير، وليس أدلّ شيء على النظافة، كثقافة وسلوك جماعي، أو الإيثار والتضحية وتحمل المسؤولية والاحترام المتبادل.

هذه المنظومة الثقافية، سيجد الزائر أنها تلتقي مع النهضة الحسينية، وتحديداً مع الزيارة الأربعينية نفسها، بمعنى أن ما يريده الإمام الحسين، عليه السلام، من نهضته الإصلاحية في الأمة، هو هذه المظاهر الحضارية والتلاحم الانساني والتفوق الاخلاقي والعمل الدؤوب لمزيد من التطور والتقدم في كل مجالات الحياة. ولعل هذا ما يجعله يسعى ويحاول لأن يكرر الزيارة، حتى وإن كان قادماً من بلاد بعيدة، وربما يحثّ ويحفز اصدقائه وأهله على خوض هذه التجربة الناجحة.

أما على الصعيد الاجتماعي، فان الزائر العائد الى بلده وأهله سيكون بمنزلة الخطيب والمبلغ لمن لم يتوفق لهذه الزيارة وبقي بعيداً لاسباب عديدة. وهذا ما لاحظته في أحد الزائرين من الشريحة المثقفة والواعية، صاحبة الرؤية والقلم، وهو يروم تسجيل المشاهد الحضارية والمواقف الايجابية التي لاحظها خلال هذه الزيارة، لاسيما على صعيد السلوك العام، وما استجد عن السنوات الماضية، وقد تحدث إليّ عن النسبة العالية من الوعي الديني الملحوظ بين الشباب والتفاعل والاندماج مع النهضة الحسينية. كما تحدث عن التطور الملحوظ في أشكال وأنماط التعبير عن الحزن والمواساة في هذه المناسبة، وكذلك الاستفادة واستثمارها للمشروع الثقافي والتربوي، من قبيل افتتاح مواقع لتوزيع الكتب والكراسات ذات المضامين الفكرية والثقافية داخل وخارج كربلاء، ولو بنسبة ضئيلة.

والصورة الاخرى الاكثر أهمية على الصعيد الاجتماعي، مسألة التحدي الأمني الذي يخوضه الزائرون كل عام، إذ لا تبرح الجماعات التكفيرية والارهابية المدعومة من دول معروفة، على وضع العصي في عجلة هذه المسيرة الهادرة، وهي على شكل مفرقعات هنا وهناك، فيسقط الشهداء والجرحى، وهم من المشاة الذين وطنوا انفسهم قبل وقوع الحادث الارهابي الجبان، على الشهادة في طريق الامام الحسين، عليه السلام. وليس أدلّ على قوة هذا التحدّي الاعداد المتزايدة من الزائرين مشياً على الاقدام صوب كربلاء هذا العام، رغم ازدياد المخاطر من الجماعات الارهابية القادمة من سوريا وهي تبحث عن دور وساحة لإثبات وجودها وأنها لن تتمزق وتباد بفعل الهزائم المنكرة في ساحة الحرب السورية.

إن الحضور الدولي والمحلّي للمعزين في كربلاء المقدسة خلال الأيام الماضية، يعبر بالحقيقة عن حرص واضح وكبير من محبي الإمام الحسين، عليه السلام، والعارفين بحقه، على أن ينضموا الى مدرسته الحضارية ويأخذوا ما أمكنهم، من دروس التحدي والصمود والإصلاح والتغيير والتطوير، ثم يعودوا الى ديارهم وينقلوا لهم ما أخذوه من كربلاء، لتكون بمنزلة "الهدية الكربلائية"، كمن يقدم لأهله هدية السفر لدى وصوله، وهدية زائر الأربعين بالحقيقة من نوع خاص، لا تُفنى ولا تُبلى خلال فترة قصيرة، إنما تبقى حيّة طرية طيلة العام، وحتى قدوم الموعد الجديد لإحياء أربعينية أخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/كانون الأول/2013 - 22/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2013م

annabaa@annabaa.org