يعتبر سلاح الإعلام جزء مهم في بناء الحضارات فمن يمتلكه ويحسن
استخدامه فقد حاز السبق في المساهمة في تكوين العقلية الجماهيرية
فقد جاء من ضمن تعريفاته بأنه الوسيلة التي يتم عبرها نقل المعرفة
وصياغة الأفكار والقيم والمفاهيم ونشرها في الأوساط وتكوين المواقف
والوعي الذاتي وللإعلام دور في تكوين المعرفة والوعي الاجتماعي وفي
تغيير وتطوير المجتمع وله دور أيضاً في تكوين المعارف لدى الناس ثم
تحويلها إلى مواقف وسلوك وعادات يتبعها الناس في حياتهم اليومية
ولكن السؤال المطروح هل كل إعلام نضيف وينشئ عقلية سليمة؟
في الواقع ان ما جرى في كربلاء من فاجعة كبرى استطاع الأمويون
ولو في الفترة البسيطة بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام،
استطاعوا ان يكوّنوا من خلال ما امتلكوه من ثالوث القوة وهو
الإعلام والسلطة والقوة بمعنى انهم يمتلكون القوة المادية من شراء
النفوس الضعيفة ونشر الأكاذيب وبث الخوف والرعب في قلوب الناس من
خلال الإشاعات الكاذبة والإعلام المسموم بإن من قتل هو خارجي خرج
على إمام زمانه فلقى جزائه ومنطلقهم في ذلك بأن أمير المؤمنين هو
ولي أمر المسلمين وهو ظل الله في الأرض وخليفة رسول الله صلى الله
عليه وآله.
فهناك تغييب للعقول وهذه السياسة لم تظهر بعد استشهاد الإمام
الحسين عليه السلام بل انها سياسة قديمة أسستها السقيفة وطبقتها
الأموية الفاسدة فطالما سُب أمير المؤمنين عليه السلام أكثر من
سبعين سنة حتى جعلت العقول المريضة تصدق أقولهم بأن أمير المؤمنين
عليه السلام شخصية غير مؤمنة والعياذ بالله حتى قال احدهم عندما
سمع بقتل الإمام سلام الله عليه في صلاته (هل كان علي عليه السلام
يصلي؟!!)
لذلك خرج الإمام الحسين عليه السلام لما رأى الاسلام سينتهي على
يد طغمة فاسدة تخضم مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع وتجعل مال
الله دولا وعباده خولا ولذلك قام بفتحه المبارك وبعد قتله اعتقد
الأمويون بأنه قد قتلوا بقتله الاسلام الأصيل وحاولوا جاهدين طمس
ذكره وهنا جاء دور الإمام زين العابدين عليه السلام ليكمل نهضة
أبيه عليه السلام ورسالة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فكان
له في كل موقف وقفة إعلامية من خلال البكاء والدعاء فحتى في أكله
يمزجه بدموعه فكان يقول ((كيف آكل، وقد قتل ابن رسول الله جائعاً؟
وكيف أشرب وقد قتل ابن رسول الله عطشاناً؟))
وقيل له: يابن رسول الله أما آن لحزنك أن ينقضي؟
فقال للقائل: ((ويحك، إن يعقوب النبي عليه السلام كان له إثنا
عشر ابناً، فغّيب الله عنه واحداً منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه
عليه، وشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغّم وكان إبنه حياً
في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمّي وسبعة عشر من أهل بيتي
مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني؟ !))
لقد ثار الإمام زين العابدين عليه السلام على النفاق والكذب
الأموي وحول قضية قتل ابيه صلوات الله عليه لقضية كبرى يحاكم فيها
القتلة ويكشف عوراتهم التاريخية ليعرفهم العالم بأنهم قتلوا ابن
النبي الوحيد في هذا العالم واقدامهم على قتله رغم معرفتهم به
ولذلك كتب باصبعه المباركة على قبر أبيه ((هذا قبر الحسين بن علي
بن أبي طالب عليهم السلام الذي قتلوه عطشاناً)) وعندما رأى قصّاباً
يهم بذبح شاة يوقفه ليسأله ؛ هل سقيته؟
فيقول: نعم فنحن لا نذبح حتى نسقية، فيرفع الإمام عليه السلام
صوته بالبكاء ويقول ((لكن أبي ذبحوه عطشاناً)).
هكذا استخدم الامام عليه السلام سلاح الإعلام فأحسن حمله بينما
كان سلاحهم فاسدا ووقتياً سرعان ما أسقطهم في وحل التاريخ. |