شبكة النبأ: في هذا العالم الذي
نعيشه، نشهد هنالك حرصاً واضحاً من لدن منظمات و مؤسسات دولية على
تفهيم الشعوب بقيم ومفاهيم ايجابية عامة عليهم الالتزام بها، مثل
السلم، والتعاون، والصحة، وحقوق الانسان.. وأي تجاهل او انتهاك
لهذه المفاهيم، نرى الجهات الدولية، وكذلك بعض الدول المتنفذة تلقي
اللوم والتقريع على ذلك البلد أو الشعب الذي تهاون في الالتزام
بها، وما يستتبع الامر نشوب صراعات وحروب وكوارث تدفع ثمنها
الشعوب نفسها، وربما تتسع الافرازات لتصيب بلدان وشعوب أخرى.
هذا في حال تعلّق الامر بمفهوم معين، مثل السلم، أو الصحة، لكن
ما بالنا وبال العالم، بمنظومة متكاملة لقيم ومفاهيم يعتمد عليها
الانسان في حياته، كلها تنتهك وتداس تحت الاقدام في يوم واحد، بل
في ساعات معدودة على أرض كربلاء سنة (61) للهجرة..؟ في ذلك اليوم
الفجيع، انتهكت جميع المفاهيم الانسانية والقيم الاخلاقية التي
حملها الامام الحسين، عليه السلام، الامر الذي يستدعي وقفة تأمل،
ليس في العالم الاسلامي فقط، إنما في العالم بأسره.
وهذا ما يدعو اليه سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد
صادق الحسيني الشيرازي – دام ظله- في إحدى كلماته العاشورائية
الاخيرة، عندما سلّط الضوء على جملة وردت في إحدى زيارات الإمام
الحسين، عليه السلام، يرويها "ابن قولويه القمي في كتابه "كامل
الزيارات"، عن الامام الصادق ، عليه السلام، مخاطباً جدّه الحسين،
عليه السلام: "..وضمّن – الله- الأرض ومن عليها دمك وثأرك".
هذه الجملة، استوقفت العلماء والفقهاء، إذ كيف تكون الأرض ومن
عليها، مسؤولة عن دم وثأر الامام الحسين، عليه السلام، بينما أريق
دم الامام، عليه السلام، في بقعة صغيرة من الارض، والمسؤول عن دمه
وقتله أناس معروفون، وقد لاقوا جزائهم بعد فترة من الزمن..؟ بل ان
سماحة المرجع الشيرازي يشير الى هذه الحيرة التي انتابت بعض
العلماء، ومنهم العلامة المجلسي في موسوعته الكبيرة "بحار
الانوار"، حتى انه ذهب الى أن المقصود بـ "من عليها" هم الملائكة
والجن. ثم هنالك مسألة تشريعية، وهي مسألة العقاب والجزاء لمن تقع
عليه مسؤولية قضية كبيرة وخطيرة مثل دم الامام الحسين ، عليه
السلام، في حين ان الاجيال المتعاقبة من البشر لم يشهدوا الفاجعة،
وربما يجهلون الكثير من المعلومات عن الواقعة، بل هم بعيدون كل
البعد عن القضية. وإذن؛ يحصل هنا نوعاً من التعارض مع العدل
الإلهي..
سماحة المرجع الشيرازي يزيل الغموض ويوضح العبارة بشكل رائع،
حيث يقول: هناك فرقٌ بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي في
الاحكام الشرعية، فاذا جاءت صيغة الأمر لمسألة أو حكم معين، فان
الواجب هو التنفيذ، وإلا ترتب عليه العقاب، ودون ذلك، فان المقصود
هو المعنى المجازي، وذلك حتى لا نصطدم بقاعدة "العدل الإلهي".
وعندما يحمل الله تعالى، مسؤولية دم الحسين وثأره على الأرض ومن
عليها – يقول سماحته- فليس المقصود فقط ، أن البشر يجب أن يبحثوا
دائماً عن قتلة الامام أو السائرين على نهجهم، إنما المقصود؛
التفاعل التكويني الذي يتمثل في الانسان بتحمله مسؤولية النهضة
الحسينية ورسالتها الى الانسانية والعالم أجمع. وهذه المسؤولية
موجهة بالدرجة الاولى الى الموالين والمحبين للامام الحسين ، عليه
السلام، ومن ثم الى كل انسان منصف باحث عن الحقيقة، وهذا ما يدعو
اليه سماحته، بأن يكون الجميع مستعدون "لنصرة الامام الحسين ، عليه
السلام، وقضيته المقدسة بكل ما لدينا من إمكانات وقدرات، باللسان
والجوارح، وبالقلم والمال والفكر والعقل، وبالحضور والمشاركة في
الشعائر الحسينية المقدّسة والتشجيع على إقامتها، ونحو ذلك. كل حسب
ما يستطيع، وحسب قدرته".
لكنا نسأل عن سبب إلقاء هذه المسؤولية الكبيرة والخطيرة على
العالم كله، وليس فقط المسلمين واتباع أهل البيت ، عليهم السلام..؟
لنأت الى اللحظة التي سقط فيها الامام الحسين، عليه السلام، من
جواده وتكالب السهام والسيوف عليه، ومن ثم استشهاده واراقة دمه
واحتزاز رأسه، والقيام بممارسات جاهلية مقيته، بطواف رأسه و رؤوس
بقية اصحابه وابنائه، وسبي نسائه وتعريضهم للتعذيب النفسي والجسدي.
ما الذي تحقق على صعيد الواقع؟ هل شهد الناس الفضيلة والقيم
الاخلاقية والمبادئ الانسانية، وكل ما يبحث عنه الانسان ويحتاج
اليه العالم للعيش الكريم والأمن والسلام؟
ربما لم يع سكان الكوفة وسائر الأمصار حقيقة ما جرى في ذلك
اليوم الرهيب وتداعياته على العالم والاجيال والحضارة، بسبب قلة
الوعي والثقافة السطحية، لكن بعد فترة من الزمن، وبفضل الراية التي
حملها الامام زين العابدين وعمته زينب الكبرى، سلام الله عليهما،
في نشر القضية الحسينية، عرف الناس أنهم سكتوا عن حاكم ارتكب جريمة
قتل الحسين، عليه السلام، وهو يمارس كل اشكال الانحراف الاخلاقي
والديني والسياسي، حتى لم يبق له أية منقبة لا في الدين ولا في
الحكم. لذا شهدنا وشهد التاريخ اندلاع الثورات والانتفاضات بوجه
الحكم الأموي استلهاماً من دروس النهضة الحسينية في الدفاع عن
القيم والمبادئ التي يبحث عنها الانسان في كل مكان وزمان.
ونقول باختصار: اذا انتفض الشيعة بعد واقعة كربلاء مستلهمين
دروس الإصلاح والتغيير من الامام الحسين، عليه السلام، وقدموا على
هذا الطريق آلاف الشهداء والتضحيات الجسام، وكسبوا من وراء هذه
المسيرة النضالية الكثير من حقوقهم، وما نراه اليوم هو الشيء
اليسير منه، فان العالم بامكانه الاستلهام من تلكم الدروس لتحقيق
كل المفاهيم والمبادئ الانسانية التي يبحث عنها ولا يجدها ناصعة
ومفيدة رغم التضحيات والجهود المضنية، بل نجده اليوم يتخبط في
الأزمات والمشاكل على شتى الأصعدة، فهنالك الامراض الفتاكة،
والمشاكل الاقتصادية من فقر ومجاعة وتضخم مالي، وخسائر فادحة لشعوب
وبلاد بأكملها، كما هناك المشاكل الاجتماعية والسياسية والفتن
والحروب وغيرها. كلها بسبب أن انسان اليوم في العالم لم يكتشف
ذاته وحقيقته بعد، وأهم قضية واستحقاق امامه، "الحرية" التي طالما
يدّعيها الكثير، لكنها مفقودة في العالم، فمعظم سكان العالم لا
حرية لهم، في أموالهم وعقيدتهم ومصائرهم.
من هنا نعرف أن التفريط بدم الامام الحسين ، عليه السلام ، من
أي كان في العالم، يعد خسارة فادحة وكبيرة للانسان أينما كان، وهذا
ما يجب ان يعرفه الجميع، ابتداءً من المؤمنين والمسلمين القادرين
على إحياء ذكرى استشهاد الامام الحسين، عليه السلام، وعدم التنكّر
له والتقليل من اهميته، ومن ثم نشر هذه الرسالة والراية الى انحاء
العالم. والدليل على ما نذهب اليه؛ الشعور الذي ينتاب المستبصرين
في بلاد الغرب والشرق، وكيف أنهم يتمنون لو أنهم تعرفوا على الحسين
من زمان بعيد. |