شبكة النبأ: من الواضح أن القيم
المستمدة من الفكر الحسيني، تمثل دعوة للتصحيح دائما، وهي حالة
تغيير وثورة على المناهج الخاطئة في السلوك او الفكر، من هنا مطلوب
استثمار قيم عاشوراء التي تدعو الى تعظيم الفعل الانساني الاخلاقي
الرافض للظلم، من أجل تجديد الذات ودفعها نحو الافضل دائما.
إن مفردة الثورة قد تبدو تعبيرا حماسيا، لكنها هنا تأتي في
مكانها ومحلها من حيث المعنى كما أظن، فالواقع ومحصلة الاحداث،
تشير الى أننا كمجتمع وكأفراد نحتاج فعلا الى ثورة على الذات، من
اجل التصحيح.
تُرى هل أننا نعاني من خطأ في ذواتنا؟.
هذا السؤال الصريح يدفعنا الى الانفراد بأنفسنا، ومناقشة هذا
السؤال بجدية وهدوء وتأنٍّ كبير، لكي نصل الى الاجابة العميقة
الصادقة، حتى نتمكن فعلا من تحقيق النتائج الصحيحة، دفعا لذواتنا
الى أمام أولا، ثم دفعا للمجتمع كله الى امام ايضا، لذا يستدعي هذا
السؤال اجابة دقيقة حقيقية من اجل التحرك لتصحيح الذات.
عندما نغوص في أعماقنا ونناقش أفكارنا وأفعالنا، سنجد أننا في
الغالب نحتاج الى إعادة بناء للذات، إن الوقائع الناتجة عن حركة
المجتمع تدل على تفشي قيم وتقاليد غريبة، بيننا، تحكم افعالنا
واقوانا، وتتحكم بطبيعة تحركاتنا، وتوجّه تخطيطنا للحاضر
والمستقبل، وتتدخل في زرع الروح الانانية، في معظم ما نبديه ونقوم
به من افكار وافعال، بسبب النزعة المادية التي طغت على ذواتنا.
ليس هذا تقريع للذات بطبيعة الحال، ولا أظن ان هذا النوع من
الكلام يأتي من الفراغ، كما انه لا يهدف الى المخالفة من باب (خالف
تُعرَف)، بل كل ما نهدف إليه في هذه الكلمة هو لفت انتباه للنزعة
المادية التي تتحكم بنا، وتدفعنا الى تفضيل المادة وتوابعها، على
المعاني الانسانية الاخرى التي تمثل قيما عظيمة، نعم لقد طغت علينا
النزعة المادية، وأنستنا الكثير من مبادئنا واعرافنا، وربما بعض
أخلاقياتنا التي تربينا عليها، فصارت قضية كسب المال بأية طريقة،
قيمة جيدة! نطلق عليها في كلامنا المتداوَل بـ (الشطارة)، وبعد أن
كان الشاطر هو الذي يتقدم على غيره بالابداع والعلم، وخدمة النفس
والمجتمع بمستوى واحد، اصبحت الشطارة هي أن تجمع وتحصل على اكبر
قدر من الاموال، بغض النظر عن الطريقة التي تم تحصيل المال بها !،
فهناك موظفون في الدولة، ومنهم مسؤولون كبار، وموظفون عاديون،
يبتكرون طرقا جديدة لكسب الاموال بأساليب غير مشروعة، وقد بدأ بين
هؤلاء نوع من التنافس العجيب والغريب، لكي يحصل هذا الموظف او
المسؤول أو ذاك اكثر من غيره من اموال الدولة او ثروات الشعب!.
كل هذا منشأه تسلّط النزعة المادية على الذات، ودفعها الى تفضيل
النفس على الجميع، فالمهم في الامر ان الانسان لدينا يفكر كيف يحصل
على الافضل والاكثر، بغض النظر عما ينتج عن ذلك من اذى للاخرين،
يحدث هذا في دوائر الدولة الرسمية وفي مؤسسات حكومية واهلية كثيرة،
بمعنى اوضح تحول هذا النوع من التعامل، الى منظومة سلوك تحكم
نشاطنا اليومي وهنا تكمن الخطورة!.
لذا ليس كثيرا ولا مستغربا، عندما نقول أننا بحاجة الى ثورة على
الذات، تقضي على القيم الدخيلة كافة، ونعني بها قيم التخلف التي
اصبحت تشكل مصدر خوف وقلق وخطورة حقيقية على اخلاقيات وقيم واعراف
المجتمع، لذا لابد من البحث عن فرص حقيقية للتصحيح، ولابد من
استثمار مبادئ عاشوراء كونها على مساس بحياتنا، من اجل تحقيق
التغيير الذي ينقّي منظومة القيم لدينا.
إن تعبير الثورة على الذات ينبغي ان يتخذ مسارين، الاول يعني
الفرد وشروعه الفوري بتغيير ذاته ونبذ كل القيم التي تسيء له
وللمجتمع، والثاني مسار يتعلق بالسلوك الجمعي، إذ لابد للمجتمع من
خلال النخب وقادة التصحيح القيمي (الديني الثقافي الفكري الاخلاقي
العرفي)، أن يتحركوا وفق خطط مدروسة ومنتظمة من اجل البدء بثورة
حقيقة على الذات، لتصحيح القيم وطرد الخاطئ والدخيل منها، أملا في
بناء مجتمعي ينسجم مع تطلعاتنا جميعا. |