نعمتان عظيمتان نعيش اجواءهما هذه الأيام تفرض علينا اول الأمر
الشكر الى المنعم علينا رب العزة سبحانه وتعالى حيث نشهد هاتين
المناسبتين ونحن على ذات الطريق الذي آمنا به حيث الاسلام الذي جاء
به نبي الرحمة وعانى صلوات الله وسلامه عليه معاناة شديدة من عتاة
قومه الذين حاربوه ووصل الامر بهم الى مكيدة قتله الا ان الله
سبحانه وتعالى أبى الا أن يتم نعمته على الناس حيث هاجر النبي
المصطفى في مثل هذه الايام مسقط رأسه مكة المكرمة الى يثرب
المؤاخاة والنصرة وهي تتنور بنور الحبيب المصطفى للتشرف به وهي
تهلل وتمجد قدومه المبارك فتصدح الحناجر طلع البدر علينا من ثنيات
الوداع وجب الشكر علينا مادعى لله داع، ايها المبعوث فينا جئت
بالأمر المطاع.
وهكذا يفترض ان نكون مطيعين لله ورسوله بعد ان عاهدناه وأقررنا
له نبيا وهاديا ومبشرا ونذيرا. فجزء من الوفاء له أن نحفظ له ذريته
ورسالته. الهجرة النبوية الشريفة هجرة الى الله حيث اقامة دولة
العدل والتوحيد في المدينة المنورة. وقد تجلت صور المعاني الراقية
في التضحية والفداء للدين الاسلامي وصاحب الدعوة بالموقف البطولي
للامام علي بن ابي طالب عليه السلام من خلال المبيت في فراش النبي
المصطفى عندما جاء النذير الى النبي أن القوم يكيدون بك ليقتلوك
فاخرج من مكة الى يثرب بعد أن تهيأت أسباب النصرة من أهلها. وقد
كان موقفا شهد له رب العزة لمن فدى نبيه بنفسه ليكون القرآن شاهدا
على موقف الامام علي {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}
كذلك تجلت صور من الحفظ الالهي لنبيه من خلال آلية تنفيذ الخروج من
البيت وعصابة آثمة تحيط بالبيت متربصة له فيخرج النبي من بينهم وهو
يتلوا قول الله تبارك وتعالى {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم
سدا فاغشيناهم فهم لايبصرون} هذا هو معنى التوكل على الله بعد
تهيئة الأسباب فالله كفيل بنصرة عبده ان أخلص نية عمله، فالتدبير
الإلهي للأمور يأتي بمقدارها وتوقيتها دون معرفة منا.
نفس الحفظ الالهي لرسوله الكريم حين تبعه عتاة من قريش بعد ان
تمكن منهم وخرج من بيته مهاجرا ليستريح بعض الوقت في جبل ثور ويدخل
في كهف صغير هو وصاحبه ابو بكر فكانت المعجزة بعش حمامة وبيض تضعها
عند باب الكهف ثم نسيج بيت العنكبوت تسد الباب وهو رمز عظيم من
رموز الحكمة الإلهية الى الناس فان أوهن البيوت لبيت العنكبوت ومع
ذلك فان هذا البيت الواهن استطاع ان يذل عنجهية القوم وهم يطاردون
النبي بغطرستهم وجهلهم الذي سخر منهم اوهن البيوت. لذلك فان الرحمة
الإلهية عظيمة بعباده وجديرة بالشكر اليه وتعظيمها والاحتفاء بهذه
المناسبة.
ثم تأتي بعدها مناسبة أخرى عظيمة الجلل والمصاب بهزة للضمير
والعقل الى أصحاب العقول والمشاعر الانسانية حيث هجرة سبط النبي
المؤتمن الامام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام. هاجر
المدينة الى كربلاء الشهادة حاملا عياله والنخبة الطيبة من أصحابه
واتباعه الذين جسدوا المعاني السامية في المنطق القرآني {ومن الناس
من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} هجرة النبي
الاكرم الى المدينة لاقامة دولة التوحيد والعدل بعد ان ارادت قريش
ان تتمادى في ظلم النبي وتكذيب رسالته وكذلك هجرة الامام الحسين من
المدينة الى كربلاء لإحياء الدين الذي أقامه النبي المصطفى وتثبيت
الحق العادل للأمة ان من يقودها لابد ان تتوفر فيه شروط العدل
والعلم والفضيلة والمنهج القرآني لذلك فان كتب المبايعة كانت
للحسين بن علي فهو الامام الشرعي بعد ان طبق الامام الحسن المجتبى
بنود الصلح مع معاوية بن أبي سفيان وكان من بنودها أن لايحق
لمعاوية ان يوصي بالخلافة الى أي أحد حتى وان مات الحسن بن علي وان
الامر يؤول الى الحسين بن علي.
فكان موقف البيعة من معاوية الى يزيد انتهاك لتلك المعاهدة
وبذلك يعد جريمة قانونية لايعترف بوقوعها الى ان يتم تطبيق ماورد
في المعاهدة. من هنا يفهم أن حركة الامام الحسين عليه السلام كانت
ضمن توقيتات مدروسة ومنهجية واضحة ان هناك فراغا دستوريا في الامة
بعد وفاة معاوية رغم ان خلافته لاتعد خلافة صحيحة ومعترف بها من
الحكماء من ابناء الامة فهي خلافة حروب ومكائد خاضها معاوية لأنه
يرى فيها ملكا عظيما وهي السٌنة التي أُتبعت من بعده ممن مارسوا
شتى انواع المكيدة والخديعة والقتل والتنكيل للوصول الى غاياتهم
هذه كما شهد تاريخ الاسلام بها منذ أن صار معاوية خليفة رسول الله
زورا وعدوانا ثم يأتي دور يزيد قاتل النفس المحترمة وشارب الخمر،
أدوار فظيعة وممارسات تنتهك من خلالها حرمات الانساب من أجل
الامارة الزائلة وقد جسدتها الأسر الحاكمة من بني امية وبني العباس
والى يومنا هذا كما هو في دول الخليج مثل قطر والسعودية.
فكانت نتاجا سيئا للانحراف في واقع الامة حيث بني الباطل على
باطل وأصبح حقا وواقعا مسلٌما به. من هنا نفهم معنى القيم العليا
التي أراد تثبيتها سيد الشهداء الحسين عليه السلام بهجرته من
المدينة الى كربلاء. لم يخرج ظالما او مفسدا للأمة بل خرج لطلب
الاصلاح واحياء السنة النبوية التي أماتها معاوية بن أبي سفيان
بسياستي الترغيب والترهيب في حين أن منهج أهل بيت النبوة هو منهج
جدهم المصطفى منهج العدل والاحسان اللذان تتوق اليهما البشرية حيث
الظلم والعدوان على حقوق الناس.
من هنا نقف عند عظمة شهر محرم الحرام حيث الهجرة النبوية
الشريفة والهجرة الحسينية الخالدة، حيث نحتفي بالثانية احتفاء
الرفعة والكبرياء العظيمين في موقف سيد الشهداء والله لا أعطيكم
بيدي اعطاء الذليل ولا أقر اقرار العبيد لان الحسين أراد تثبيت
الحق لمن هم أولى به عترة النبي المصطفى. فسلام على النبي الحبيب
يوم هجرته المباركة وسلام على الحسين الشهيد يوم هجرته الخالدة.
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/rifit%20alwasty.htm |