ذكرى أربعينية مقتل الإمام الثالث للمسلمين الحسين بن علي بن
أبي طالب، والتي يحييها المسلمون الشيعة في كل أماكن تواجدهم في
بقاع العالم؛ لها خصائص ومواصفات متميزة في العراق، وهي بهذا
التميز تعد ظاهرة إنسانية واجتماعية ودينية فريدة في شكلها
ومضمونها، وحجمها ونوعها، وتشد انتباه المتخصص قبل المراقب العادي.
توصيف ومؤشرات
- خمسة عشر مليون إنسان؛ أي مايقرب من ثلث سكان العراق، ينطلقون
من أكثر من 500 مدينة وناحية وقرية عراقية في مسيرات راجلة متصلة
مجموع طولها اكثر 1000 كم، تسير لمدة 5- 20 يوما متواصلا؛ باتجاه
مدينة كربلاء حيث مرقد الإمام الحسين بن على بن أبي طالب، وبمناسبة
ذكرى مرور أربعين يوما على قتله مع أهله وصحبه على يد سلطان زمانه
يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. أي أنها أطول وأضخم وأكبر مسيرة
راجلة عرفتها وستعرفها البشرية.
- على طول هذه الكيلومترات الألف ينصب أكثر من عشرة آلاف سرادق
وخيمة ومبنى جاهز في أطول مائدة طعام تقدم الأكل والشرب الى هؤلاء
الملايين الخمسة عشر لمدة 20 يوما تقريبا، وعلى مدى 24 ساعة في
اليوم. أي أنها أطول وأضخم وأكبر مائدة عرفتها وستعرفها البشرية.
- يشترك في هذه المسيرة مايقرب من مليون غير عراقي، ينتمون الى
اكثر من 30 جنسية؛ فضلا عن مئات الآلاف من العراقيين المغتربين
الذين يفدون من حوالي 50 بلدا.
- ترفع في هذه المراسيم أكثر من مليون راية وعلم صغير ومتوسط
وكبير، يحمل معظمها الألوان السوداء والخضراء والحمراء. وكل لون
يعبر عن معنى معين له دلالة إنسانية واجتماعية ودينية. وتنتشر أيضا
آلاف الأعلام العراقية، وبضع مئات من أعلام دولة البحرين؛ وهو
تعبير من العراقيين عن تفاعلهم مع قضية البحرين. وبذلك فهي أكبر
كمية رايات وأعلام ثابتة ومتحركة ترفع في مناسبة واحدة، وبأعداد لم
تعرفها او ستعرفها البشرية.
- هناك مدينة تعد العاصمة الدينية للمسلمين الشيعة، هي النجف
الأشرف، يبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة، تقوم بحكم موقعها
الجغرافي وطبيعة مجتمعها، بدور الركيزة الأساس في إحياء هذه
الذكرى، وتتحمل المسؤولية التاريخية في حمايتها معنويا وماديا،
فضلا عن العبء الاكبر في تقديم الخدمات للمشاركين، إذ يقدر حجم
إنفاق الأهالي على هذه المراسيم مايقرب من 50 مليون دولار. فضلا عن
إن معظم سكان المدينة يتفرغ لإحياء هذه المراسيم، وتكان تخلو
المدينة من سكانها في الأيام الخمسة الأخيرة منها.
- يشترك في المراسم كل فئات المجتمع: متدينين وغير متدينين
(بالرغم من الطابع الديني للمراسيم)، اميين وحملة أرفع الشهادات
الجامعية والمفكرين والمثقفين، أناس عاديون وكبار قادة الدولة،
فقراء وأكثر الأفراد ثراء، جهلة بالدين وكبار الفقهاء والمجتهدين.
ولايظهر أي فرق بين هؤلاء في تقديم كل أنواع الخدمة والبذل والعطاء
المادي والمعنوي، بل وحتى في الزي، إذ تذوب جميع الفوارق في إطار
الملابس السوداء ـ غالبا ـ التي يرتديها المشاركون.
- هذه الملايين تتحرك بدوافع ذاتية وعفوية صرفة، لا دخل فيها
لدولة وحكومة وتنظيم ومرجعية سياسية أو دينية. وهذه الميزانية
الضخمة يمولها الأهالي فقط، دون دعم من دولة وحكومة وتنظيم ومرجعية
سياسية أو دينية.
- هذه المراسيم عمرها مايقرب من 1370 سنة ممتدة، لم تنقطع حتى
سنة واحدة، بالرغم مما تعرضت له من قمع، يتراوح بين التهديد
والوعيد لمن يشارك فيها وصولا الى المنع المطلق واعتقال وتعذيب
وقتل من يشارك فيها. ولم تشهد استقرارا حتى بعد مشاركة الشيعة في
الحكم، إذ تتعرض هذه المراسم الى أنواع قاسية من حالات العنف من
قبل الجماعات المعادية.
- يشترك في هذه المراسيم بضعة آلاف من غير الشيعة وغير
المسلمين؛ من أهل السنة والمسيحيين والصابئة.
مادة للدراسة
هذه الظاهرة العراقية تعد مادة مهمة ونوعية للدراسات
الأكاديمية؛ في كثير من الفروع الانسانية والإجتماعية. من هنا حري
بعلماء الإجتماع وعلماء النفس الاجتماعي وعلماء الإجتماع الديني
وعلماء الانثروبولوجيا، ولاسيما الغربيين والمستشرقين، دراستها
بعمق، إذ لم يعرف التاريخ أو تشهد الجغرافيا ظاهرة بهذا الحجم
والنوع.
ولتسهيل هذه المهمة؛ سأقدم توصيفا دقيقا لهذه الظاهرة بشكل
دراسة منهجية وصفية مختصرة، وأبعثها الى المتخصصين ومراكز البحوث
العالمية؛ للمساعدة في اكتشافها وتفسيرها. وأعتذر سلفا لزملائي
العرب ومراكز بحوثهم؛ لأني لن أرسل هذه الدراسة اليهم؛ لأن دراسة
مثل هذه الظاهرة بحاجة الى تجرد وموضوعية تجاه مادة البحث؛ وهذا
مالاتعرفه الساحة العلمية والثقافية العربية غالبا؛ لأنها تجاه
هكذا ظواهر؛ تكون الأحكام الجاهزة المؤدلجة والمسيسة، والتي تفرضها
الإنتماءات المذهبية والطائفية السياسية، هي قاعدة البحث وعماد
نتائجه.
alialmomen644@hotmail.com |