الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1433 هـ
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

كيف نحصن حسنياتنا من الأمويين الجُدد؟

محمد علي جواد تقي

عندما يتعرض مقيمو الشعائر الحسينية الى القتل والنسف وسائر العمليات الارهابية، سواءً في العراق، أو في أي مكان آخر بالعالم، يبرز السؤال الكبير: ما هو الرد..؟ وهل مقدّر علينا التعرّض للضغوطات والتهديدات وللموت، من دون أن يكون من عندنا ردٌ على تلك الاعتداءات؟

فالذي يحزّ في النفس حقاً، أن نشهد تعرض اتباع اهل البيت ومحبي الامام الحسين عليه السلام الى القتل والتشريد والقمع، وهم بعيدون عن مبررات القتل والاقتتال، كما هو الحال في الازمات السياسية على خلفيات قومية او عرقية او حتى شخصية، كما هو الحال في العراق، الذي يشهد بين فترة واخرى، حصول أزمة في العلاقة بين مكوناته السياسية، بحيث يُخيل للمتابع أن حرباً أهلية ستندلع، او حملة تصفيات ستنطلق، ولكن – لله الحمد- نشهد بعد فترة انقشاع غيوم الأزمة، لنشهد بعد فترة ولادة أزمة اخرى.

ففي شهري محرم وصفر، بل سائر أيام السنة، نجد أتباع أهل البيت عليهم السلام، في المجالس الحسينية او عند المواكب الخدمية، يتعرضون الى "حرب مفروضة"، والدليل ما شهدنا قبل فترة من استهداف حسينيات في كركوك، ومواكب للزائرين الى كربلاء المقدسة في قضاء طوزخورماتو جنوب هذه المحافظة، في وقت تتخندق قوات الحكومة المركزية في مقابل تخندق قوات "البيشمركة" في نفس هذه المحافظة. نفس الشيء نلاحظه في باكستان وافغانستان، وأخيراً وليس بآخر في دولة اندونيسيا، حيث تعرض الشيعة هناك الى التشريد من بيوتهم وقراهم وحرقها، وتعرض عدد منهم الى القتل على يد جماعات ارهابية، لا لذنب ارتكبوه، سوى أنهم كانوا يقيمون العزاء على الامام الحسين عليه السلام.

وبينا نحن بصدد الإجابة على السؤال الكبير الآنف الذكر، علينا أن نتذكر دائماً، أننا نحمل مشروع الشهادة على اكتافنا، و نردد هتاف الامام الحسين عليه السلام "هيهات منّا الذلّة"، كما نردد ايضاً هتاف الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام بوجه الطاغية ابن زياد في الكوفة: "القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة". وأيضاً لابد من معرفة أن شريحة لا بأس بها من الارهابيين، ليسوا أناسا عبثيين وأميّين، يدفعهم انزعاجهم من أصوات المجالس المواكب الحسينية – مثلاً- فيهاجمونها، أو لهم قضايا شخصية مع القائمين على الشعائر الحسينية فحسب، فيزرعون العبوة هنا، أو يلقون بالقذائف هناك، إنما هم ايضا خريجو مدارس على شاكلة مدارس "طالبان"، التي كونت لهم عقلية لا تحدثهم إلا بالعنف والدموية والكراهية، وهذا يتم بجهد تربوي وقفت خلفه امكانات مادية هائلة، متمثلة بالدعم القطري والسعودي.

بل إن هؤلاء الجناة، ومن يقف خلف تلك الثقافة والعقلية، قرأوا الثقافة الحسينية، دون ان يلحظوا بالمرة ارتباطها بالثقافة الرسالية – المحمدية، فرأوا أن البكاء على الأعداء يوم عاشوراء، و تقديم الماء للعدو، ودروس خالدة كثيرة سطرها الامام الحسين (عليه السلام) وابنائه واصحابه في أرض المعركة، تجعلهم في موقف محرج أمام انفسهم وأمام المسلمين، فإما ان يكونوا من اتباع الحسين وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا صعبٌ وعسير عليهم، وإما أن يصرّوا على مغالطة انفسهم وفطرتهم، وتكذيب الحقائق، فيفجروها في الشوارع والطرقات، علّهم يروون غليلهم بدماء محبي الامام الحسين عليه السلام، وهم في ذلك يقتدون بيزيد و ابن زياد وغيرهم من اركان النظام الاموي الجائر، الذين تشفّوا بقتل العترة الطاهرة للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله.

فعندما نعرف أن الحسين عليه السلام، ومعه قيمه الانسانية والاخلاقية، هو المستهدف، علينا ونحن نحمل – انشاء الله- تلك القيم والمبادئ السامية، أن نرفع الخطوة الاولى نحو الرد القاطع على تلكم الهجمات الجبانة، وذلك من خلال تجسيد الثقافة الحسينية على الارض، بحيث نبين للعالم إن الذي يفجر او يقتل أصحاب الشعائر الحسينية، في كل زمان ومكان، إنما يستهدف الامام الحسين (عليه السلام) نفسه، وليس اشخاصا او فئات معينة، اذ ان علينا ان ننقل الحدث الاجرامي في وسائل اعلامنا على أنه حدث ارهابي يمسّ الوجدان العالمي، وليس حدث عراقي أو باكستاني، بحيث تتصدر عناوين الاخبار: "احداث عنف طائفي في باكستان"، أو "عمليات للقاعدة في العراق"، فبدلاً من أن تثير هذه الاخبار، الاشمئزاز والتبرؤ من منفذي هذه العمليات الاجرامية، تقوم وسائل الاعلام – من حيث لا تشعر- بتكريس الوجود السياسي الوهمي لجماعات ارهابية مثل "القاعدة"، أو الاقرار بوجود قوي ومؤثر للجماعات الطائفية في باكستان وغيرها من البلاد الاسلامية.

أما الحسينيات والمواكب التي تقام فيها الشعائر الحسينية، فهي الاخرى يمكن ان ترد وبقوة على الأسلوب الاجرامي الذي تتبعه الجماعات الطائفية، وذلك عندما توسع نشاطها لمديات بعيدة في الثقافة الدينية.. ولعلنا نستقي الدروس الرائعة في هذا المجال من سماحة الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في كتابه "رسالة الى الحسينيات والمساجد"، حيث يدعونا لأن نجعل الحسينيات ساحة مفتوحة على مختلف شرائح المجتمع، تقام فيها نشاطات عديدة، الى جانب اقامة المجالس الحسينية والمراثي والمواليد في المناسبات الدينية. وطالما يعلّمنا سماحته (قدس سره) كيفية امتصاص الضغوطات وتذليل العقبات، وتحويل الخسارة والتخلّف في ساحة المواجهة الحضارية، الى مكاسب وخطوات للتقدم.

وفي مقدمة النشاطات المرجوة من الحسينيات؛ إقامة صلاة الجماعة، حيث يؤكد سماحة الامام الراحل على إقامة هذه الفريضة جماعة، حتى وإن كان العدد ثلاثة، ويشير (قدس سره) الى بداية الصلاة في الاسلام، بانها كانت مؤلفة من ثلاثة اشخاص: النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وخلفه خديجة، ثم علي عليه السلام. وباحتساب أيام السنة، وعلى فرض أن المأموم شخصان، الى جانب إمام الجماعة، يقول سماحته: "إنه بإقامة الجماعة في الأوقات الثلاثة - الصبح والظهر والمغرب- في المسجد والحسينية، يكون هذا الجهد قد أدى ألفا وخمساً وستين خدمة إسلامية في كل سنة".

ويشير سماحته (قدس سره) الى المكتبة التي يجب ان تضمها كل حسينية، حيث يقول: "جاء الإسلام لأجل الإيمان والعلم"، مستشهداً بقوله سبحانه: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"، وبالحديث الشريف: "احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها" (بحار الأنوار- ج2 ص152). والحديث الشريف الآخر: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، علم ينتفع به، وولد صالح يدعو له، وصدقة جارية" (نهج الفصاحة-  ص46/ الحديث 239).

ويقول سماحته في كتابه: "انطلاقا من هذه الحقيقة، يلزم أن تزود المساجد والحسينيات بـالمكتبات لتوفير الفرصة للمطالعة، فان في ذلك ارتقاءً بالمستوى الثقافي للمجتمع، وكلما زادت مكتبات البلد، زاد إقبال الناس على الثقافة تلقائيا، وبذلك يرتفع المستوى الديني والدنيوي، فان خير الدنيا والآخرة في العلم، كما أن شر الدنيا والآخرة في الجهل.

وفي خطوة اخرى لجعل الحسينيات مركزاً للاشعاع الثقافي والفكري، يدعونا سماحة الامام الراحل الى اصدار النشرات اليومية او الاسبوعية، التي تضم مقالات بمضامين دينية واجتماعية وثقافية، من شأنها رفع المستوى الثقافي لدى المجتمع. ويستشهد سماحته بالخطوة الحضارية الرائدة التي قام بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في بداية دعوته، فعندما ظفر ببعض الأسرى، في إحدى غزواته، خيّر الأسرى، الذين كانوا يعرفون القراءة و الكتابة، بين أن يفدوا أنفسهم بالمال، في قبال إطلاق سراحهم، أو أن يعلموا عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، وبهذه الخطوة الرائعة - يقول سماحته- علّم صلى الله عليه وآله وسلمّ، المسلمين أهمية القراءة والكتابة، ولذا قفز عدد قرّاء الخط وكتّابه من عشرة قبل البعثة في كل جزيرة، إلى المئات ـ إن لم نقل الألوف ـ في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلمّ.

ويمكن للحسينية ان تكون مكاناً مناسباً لإقامة الندوات والمحاضرات الاسلامية، لتسليط الضوء على مجمل الاوضاع في البلاد الاسلامية، ويشير سماحته (قدس سره) الى أن يكون المحاضر من الشباب، فيلقي "أحدهم أو أكثر محاضرة في موضوع إسلامي، كأصول الدين والاقتصاد الإسلامي، والسياسة الإسلامية، والأسرة في الإسلام، وحقوق العامل والفلاح.. وقد تكون الندوة على صورة أسئلة وأجوبة، فيسأل من حضر عن المسائل المتعلقة بالأمور الإسلامية، ويجيب العالم الموجود في الندوة، وبأجوبته يستفيد السائل وغيره ممن حضر...".

طبعاً؛ ذكر سماحة الامام الراحل (قدس سره) أمور عديدة بالإمكان ان تضطلع بها الحسينية، مثل اقامة الاحتفالات والعروض التمثيلية ودورات للكتابة والتأليف، والمشاركة في الفعاليات الخيرية، مثل جمع وتوزيع مواد الإغاثة والمساعدات، فضلاً عن قراءة الأدعية والزيارات، وتلاوة وتعليم القرآن الكريم، والكثير الكثير من  النشاطات الدينية والانسانية والخيرية. ومن شأن كل ذلك أن يجعل الحسينية قلعة يحتمي بها المجتمع ثقافياً ودينياً، وايضاً مركزاً للإشعاع الى العالم بأسره، بحيث لن يكون من السهل نسفه او مهاجمته ونسيان أمره، لأن التعرض للوجودات الخيّرة والايجابية في الحياة، لن يزيدها إلا رسوخاً في الأرض، وانتشاراً بين البشر، وهذه سنّة الحياة لن تقبل التبديل والتحويل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/كانون الثاني/2013 - 20/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1434هـ  /  1999- 2013م

[email protected]