شبكة النبأ: عاشوراء تعني مبادئ
الحسين عليه السلام، والاهداف التي سعى الى تحقيقها وقدم نفسه
وروحه وذويه واصحابه الاطهار، قربانا لها، عاشوراء مبادئ الحق
والسلام والتسامح ودفع الظلم، أيا كان نوعه او مصدره، هذه هي
عاشوراء بأبسط التعاريف وأوضحها، لذا فهي مفترق الطرق بين مسارين،
الاول مسار الايمان والسلام والمحبة والاخاء والخير بكل ما يعنيه،
أما المسار الثاني فهو الشر وفروعه وكل ما ينضم اليه من مساوئ
ورذائل، فهناك من ينحرف الى هذا المسار وهناك من يمضي الى المسار
الافضل، هنا تشكل قضية عاشوراء ومبادئ الفكر الحسيني الاسلامي
الانساني، محطة امتحان للجميع، فثمة من ينجح ويتجاوز الامتحان الى
الافضل، وثمة من يسقط في الامتحان، وهذا لا يضر أحدا سوى نفسه.
التضحية للفكر الحسيني
لذلك هناك من يقف بقوة الى جانب المبادئ الحسينية، وهنا من يقف
بالضد منها، يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق
الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى محاضراته القيّمة بهذا الصدد:
(هناك من خدم وضحَّى في طريق الإمام الحسين سلام الله عليه وبذل
الجهد في سبيل إقامة شعائره التي هي من شعائر الله تعالى، وهناك من
صنع المشاكل ووضع العراقيل في طريق هذه الشعائر وآذى واستهزأ
بالمقيمين لها؛ فسقط في الفتنة).
وهكذا تكون عاشوراء نقطة فاصلة بين الخير والشر، على الانسان ان
يقف عندها ويختار الطريق الصواب من خلال النجاح في الامتحان، كما
نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ حادثة عاشوراء حادثة سقط
ويسقط فيها كثيرون، حتى ممن كانوا يُعدّون من أتباع أهل البيت سلام
الله عليهم، ليس في عامها الأول فحسب، بل في كل عام، وفي هذا العام
أيضاً، وفي الأعوام اللاحقة، حتى قيام الساعة).
وقد استند سماحة المرجع الشيرازي في رؤيته لعاشوراء، الى وقائع
تاريخية أثبتت سقوط ونجاح كثيرين في هذه المحطة العظيمة، إذ يقول
سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (أوّل طائفة سقطت في قصة
عاشوراء هم أكثر من ألف شخص دخلوا مع سيد الشهداء سلام الله عليه
إلى كربلاء، وكانوا ممن يصلّون خلف الإمام ويقبّلون يديه ويسألونه
عن مسائلهم الشرعية؛ فكانوا على استقامة في الاعتقاد بالإمام
الحسين سلام الله عليه إلى ليلة عاشوراء، إلا أنهم سقطوا في تلك
الليلة بخذلانهم الإمام الحسين سلام الله عليه وتفرّقهم عنه، لأنهم
لم يعاذوا من هذا الافتتان فأخذوا ينفرطون من حوله جماعات جماعات).
النجاح لمن يسعى
ولكن هناك من يتجاوز الصعوبات والمعرقلات التي توضع امامه،
ويحقق النجاح الناجز في عاشوراء، وهم من ذوي الارادات العظيمة، إذ
يقول سماحة المرجع الشيرازي: (ولكن نجح في هذا الامتحان الصعب
القليل من أتباع أهل البيت سلام الله عليهم وهم القلّة الباقية مع
الإمام سلام الله عليه، إذ أعاذهم الله من الافتتان به).
وبهذا يتطلب النجاح في امتحان عاشوراء سعيا وجهدا متواصلا
لتحصين النفس من السقوط في مهاوي الخطأ أيا كان نوعه، لاسيما
الاخطاء التي تدفع بالعقل والنفس الى ارتكاب المعاصي والتجاوز على
حقوق الآخرين وحرياتهم، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا
الخصوص: (صحيح أنّ الإمام الحسين سلام الله عليه دعا لنا ولكن يجب
علينا أيضاً أن نهتمّ بذلك وأن ندَعَ إثارة المشاكل والأثرات؛ ذلك
أنّ الشعائر الحسينية شعائر إلهية، والتخصّص في إعطاء الرأي في
مفرداتها للمراجع الذين ينبغي السؤال منهم، فحذار أن يحكم أحد بغير
ما أنزل الله فيها فيسقط ـ لا سمح الله ـ).
هكذا تمثل عاشوراء نقطة فاصلة بين تحصيل السعادة الابدية او
الوقوع في الشقاء الابدي، يقول سماحة المرجع الشيرازي في محاضرته
القيّمة: (إنّ عاشوراء فيصل وممتحن للناس يُمتحنون به؛ سرعان ما
ينتهي بسببه الانسان إلى الجنة والسعادة أو إلى النار والشقاء.
فلنجنّب أنفسنا وأهلينا وإخواننا في النسب ومن أهل الإيمان من
السقوط في هذا الإمتحان؛ وذلك بالنصيحة لهم، وكما يقول القرآن
الكريم: بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).
والمشكلة ان هناك من يسقط في امتحان عاشوراء وهو من الاتباع
واصحاب العقيدة، اذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ من المؤسف
جدّاً أنّ يسقط في هذا الإمتحان بعض من هو في العقيدة من أتباع أهل
البيت سلام الله عليهم). وهذا الامر يؤلم حقا، ولكن سببه هو الفشل
في الالتزام بالفكر الحسيني والابتعاد عن مضامينه في القول
والاعمال ايضا.
لماذا الاعتراض على الشعائر
ان شعائر عاشوراء هي وسيلة لنشر قيم الحق التي قدم لاجلها
الحسين عليه السلام الغالي والنفيس، فلماذا يتم رفضها (وهي من تقوى
القلوب)؟؟، وهنا يساءل سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (إنني أسأل من
يعترض على هذه الشعائر بدعوى عدم وجودها في زمن النبي صلّى الله
عليه وآله: ماذا يقول في قباب الأئمة، والحسينيات، والكتب
الحديثية، والمدارس الدينية والمراجع و... فهذه كلّها لم تكن في
زمان النبي ولا زمان الأئمة سلام الله عليهم، مع أنّ سخف القول
ببطلانها من الواضحات). ويجاب على هذا الإشكال بجوابين فقهيين:
(الأول: أنّ هذه الشعائر داخلة تحت العموميات، وهي تشمل الجميع.
فكما أنها تشمل قبّة الإمام الحسين سلام الله عليه وضريحه ولم تكن
في زمن الأئمة سلام الله عليهم، فكذلك تشمل الشعائر كلّها. الثاني:
إن هذه الشعائر من مقدّمات وجود الواجب، ومقدّمات وجود الوجوب ـ
كما هو معلوم ـ واجبة، عينية كانت أو كفائية، وإنّ علماء الشيعة من
الشيخ المفيد وحتى زمننا الحاضر بحثوا هذه المسائل بتحقيق وعمق
وبسط).
ولذا لا يصح ان تطلق الاحكام والتفاسير كل حسب ما يرتئيه، لان
الامر من اختصاص اصحاب العلم والمعرفة في هذا الجانب، تماما مثل
التخصصات الاخرى في العلوم كالطب وسواه، وهنا ينبّه سماحة المرجع
الشيرازي قائلا في هذا المجال: (إنّ ما أودّ أن أنبّه إليه في
المقام أنّ على المؤمنين التورّع من إبداء الرأي في أحكام الله
تعالى وأنّ عليهم التقيّد بالرجوع إلى من لهم الحقّ في الإفتاء
وبيان أحكام الله تعالى؛ لأنّ أحكام الله سبحانه وتعالى مهمة جداً
وعظيمة عنده، ولا تنال بسهولة في كل أحد؛ بل يبذل الفقهاء الجهد
لسنوات من أجل الوصول إليها، ورُبّ مسألة واحدة يستغرق البحث فيها
أسابيع قبل أن يتوصّل الفقيه في نهاية الأمر إلى فتوى فيها وقد لا
يتوصّل).
اما من يبقى على غيّه وتشكيكه، فهو صاحب الشأن وهو الذي سيتلقى
عاقبة مواقفه وافعاله، حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في محاضرته
نفسها: (إننا لا نستغرب من التشكيك الذي يمارسه البعض بشأن قضية
الحسين سلام الله عليه بعد أن أعيتهم الحيل في مواجهتها؛ وذلك لأن
الشيطان هو الذي علّم أولياءه التشكيك في مثل هذه المواقف). |