الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1433 هـ
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

النَّهْضَةُ الحسيّنيّةُ... حَرَكَةُ التَأصِيْلِ وَالتّغْيير

محمّد جواد سُنبه

إنّ مقومات العمل الثوّريّ الحركيّ، تشمل أربعة عناصر هي: أولاً (العقيدة أو الآيديولوجيا)، وتكون بمثابة المحوَر، الذي ينضوي تحت لوائه، عناصر العمل الحركي الثوّري. ثانياً (القيادة)، وهي العنصر الذي يحرّك ويوجّه جماهير الحركة. ثالثاً (الهدف)، بما أنّ النّهضة نشاط يحركه فكر معيّن، فلا بدّ لهذا النشاط، من هدف معيّن، تسعى النّهضة لتحقيقه، في مكان وزمان معينيّن. رابعاً(القاعدة الجماهيرية)، وهي الجماهير المؤمنة بالعقيدة، والمخلصة للقيادة، والتي تسعى لتحقيق الهدف.

أولاً: العقيدة أو الآيديولوجيا

إنّ النشاط الثوّري للنّهضة الحسيّنيّة، كان متلازماً مع مبادئ الحقّ والعدل والحريّة والمساواة، التي ناضل من أجل تحقيها الإسلام المجيد. وهي عيّن المبادئ التي حررت بلال الحبشي من العبوديّة، وحولت أبي ذر الغفاري(رض) من صعلكة الصحراء، إلى شخصيّة معارضة، مناضلة صلبة، كافحت الظلم والتسلّط والاستبداد. فنفته السلطة الحاكمة إلى صحراء الربذة، ومع كلّ ذلك لمّ يتنازل أبو ذرّ(رض) قيّد أنملة، عن المبادئ التي آمن بها، حتى قال له الإمام علي بن أبي طالب(ع): (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ غَضِبْتَ لِلَّهِ فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ، إِنَّ اَلْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ، وَخِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ، فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْهِ، وَ اُهْرُبْ مِنْهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ، فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ، وَ مَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ، وَسَتَعْلَمُ مَنِ اَلرَّابِحُ غَداً، وَاَلْأَكْثَرُ حُسَّداً)،(الخطبة 128 نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد).

هكذا يفهم الرساليّون دوّرهم، وهكذا يتركون الحياة دون أسفٍ عليها، فيجبرون التاريخ على تخليدهم. إنّهم لا يسمحون للدّنيا أنْ تستولي عليهم، وإنّما همّ يستولون على كلّ الدّنيا. فمن يريد أنْ يدخل التّاريخ، عليه أنْ يقدّم عملاً خارج المألوف، بشرط أنْ يكون هذا العمل، من أجل المجتمع وخالصاً لوجه الله. وعلى هذا الأساس فكم من البشر يعيشون ويموتون، ولكنّ التاريخ لا يحفظهم في ذاكرته؟. الجواب: لأنّهم نمطيّون، في تعاملهم مع الحياة، يولدون ويكبرون ويأكلون ويتزوجون...الخ. وهكذا إلى أنْ تنتهي أعمارهم، وهم لا يقدّمون شيئاً نافعاً للآخرين.

ثانياً: القيادة

لقد توفّرت في نهضة الإمام الحسيّن(ع)، كلّ مقوّمات العمل الثوّري النّهضوي. إضافةً إلى توفّر عنّصر العصمة، في شخصيّة الإمام الحسيّن(ع)، الأمر الذي جعل من القيادة الحسيّنيّة، قيادة رساليّة. والقيادة الرساليّة، تتميّز عن القيادات الحركيّة الثوريّة الأخرى، التي يقودها أشخاص غير معصومين، بأنّها قيادة لا تخطأ. كما أنّ هناك فرقاً بيّن النّهضة والثوّرة. فالنّهضة لا تكون إلاّ للإصلاح، بيّنما الثوّرة قد تكون للإصلاح، وقد لا تكون، والشواهد التاريخية كثيرة في هذا الصدد.

الحسيّن(ع) قدّم نفسه وإخوته، وأهل بيته وأصحابه، مِنْ أجل قضيّة الإصلاح والتغيير. فأخذ مكانته في التاريخ بقدر تضحيته، فانطلق العمر الزمني للنّهضة الحسيّنيّة، من المحدوديّة إلى اللامحدوديّة. فهذه النّهضة المباركة، أصبحت صالحة في كلّ زمان ومكان، فنُلاحظ ثوّار العالم وأحراره، من مسلمين وغير مسلمين، يعشقون الإمام الحسيّن(ع) ومنهجه، ويفتخرون بأنْ تكون نهضته، نبراساً لقضيّتهم.

لقد كانت أمام الإمام الحسيّن(ع)، عدّة خيارات أخرى، غيّر المواجهة العسكريّة مع العتاة الأموييّن. فقدّ أشار عليه ابن عباس(رض)، أنْ يهاجر إلى اليمن، ويتقي شرّ يزيد، لكنه(ع) رفض. لأنّه أبَى أنْ يكون إنساناً سلبيّاً، يترك الطغاة المستبدّين المستكبرين، يسرقون أقوات المستضعفين، ويهينون كرامة الإنسان، ومقدّسات الدّين. كما أنّ الإمام(ع)، لم يسلك الإسلوب التبريري. لأنّه لا يريد أن يخدع الله، ولا يريد أنْ يخدع الآخرين، ولا يريد أنْ يخدع نفسه أيضاً، بهذا الإسلوب الشيّطاني، الذي يغري الإنسان، باختلاق الأعذار والحجج، لتبرير عمل مّا. مثلما انزلق بذلك، الكثير من الذين يطلقون على أنفسهم، عناوين الدعاة والمبلّغين والمصلحين.

لمْ يتبنَ الحسيّن(ع) مثل هذا الموقف المتخاذل، وإنّما أصحر عن رأيه بقوله(ع): (مثلي لا يبايع مثله). فالإمام(ع) يدرك جيداً، إنّه إذا بايع يزيد، فسيكون ذلك بمثابة (الردّ المشروع، على الطّلب غيّر المشروع)، كما عبّر عن ذلك الشيخ مرتضى مطهري. فهو(ع)، يعلم علم اليقين، بأنّها مواجهة خاسرة بلا شكّ، على مستوى النّتائج العسكريّة. الإمام الحسيّن(ع)، كان يعرف المصير الدّامي، الذي ينتظره مع جماعته، وكان(ع) مؤهلاً تماماً، لهذه المهمّة النضاليّة الصّعبة. فقدّ أهّله جدّه المصطفى(ص)، وأمّه الزّهراء وأبيه المرتضى(عليهم السلام). فالجميع يعرف أنّ مصير الحسيّن(ع)، هو الذبح على رمضاء كربلاء. والإمام(ع) مثلما أعدّه أهله، فإنّه هو أيضاً أعدّ نفسه، لهذه المهمّة القاسية. ووطّن نفسه عليها، ولمّا حانت ساعة الصّفر قال(ع): (لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد). لقدّ أصّل الإمام الحسيّن(ع)، مفهوم الحريّة المرتبط بقيم الإسلام، بأنْ يكون الإنسان حرّاً في إرادته، وأنْ تكون هذه الإرادة مستقلّة في مواقفها، عن تأثيرات إرادات الآخرين. فأجبَرَ الدّنيا لتُطأطئ رأسها، إجلالاً ومهابةً له، على مَرّ الأزمان والعصور.

ثالثاً: الهدف.

يعتبر الهدف (أو مجموعة الأهداف)، الغاية التي يناضل أصحاب القضيّة، من أجل تحقيقها. وكان هدف النّهضة الحسيّنيّة، واضحاً في خطابات الإمام الحسيّن(ع). فقد كتب الإمام(ع) وصيته لأخيه محمد بن الحنفيّة(رض) التي جاء فيها: (وإنّي لم أخرج أشراً (الأشر: من الشر)، ولا بطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح، في أمّة جدّي محمّد(ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي محمّد(ص)، وأبي علي بن أبي طالب(ع)، فمن قبلني قبول الحقّ، فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا، أصبر حتى يقضي الله، بيني وبيّن القوّم بالحقّ، وهو خيّر الحاكمين).

رابعاً: القاعدة الجماهيريّة.

خطّط معاوية بوقت مبكّر قبل موته في عام (60 هـ)، أنْ يأخذ البيّعة لابنه يزيد في حياته، فبدأ بحملة لكسب التأييد الشعبيّ، لتحقيق هذا الهدف. وطلب من عمّاله في الأمصار، بأنْ يأخذوا من النّاس البيّعة ليزيد. لكنْ أهل المدينة لم يستيجبوا لطلب معاوية. فحج في عام (50 هـ) وطلب من النّاس، أنْ يجتمعوا في مسجد الرسول(ص)، وطلب منهم البيّعة ليزيد. وجرت محاورة بيّن الإمام الحسيّن(ع) ومعاوية، كان فيها كلام الإمام صريحاً، لا يرضي معاوية، فقد قال(ع) لمعاوية: (هذا هو الإفك والزّور، يزيد شارب الخمر ومشتري اللهو خير مني؟.). وكرر معاوية محاولته الثانية في عام (56هـ)، وأخذ بيعة أهل المدينة لزيد، ما عدا الحسيّن(ع) وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن ابي بكر، وعبد الله بن عمر.

في عام (58هـ)، قرر الإمام الحسيّن(ع) القيام بحملة لتعبئة الجماهير، وتوعيتهم بحجم الخطر المحيق بمستقبلهم. فخطب الإمام الحسيّن(ع) في البيت الحرام بالحجاج، واستعرض المخطّطات السّياسيّة الأمويّة. ونبّه النّاس مِنْ مغبّة الانجرار، وراء سياسة تطبيع العلاقة مع أئمّة الجوّر، يزيد و زبانيته. وطلب منهم التشاور في هذا الأمر مع أقوامهم، عند رجوعهم من الحج، وموافاته بالاخبار. بعد مدّة وجيزة، تواتر ورود الرسائل المؤيدة لنصرة الحسيّن(ع)، والتي بلغ عددها في يوم واحد (ستمائة كتاب)، ووصلت إلى (اثنا عشر الف كتاب)، وفي بعضها عدة تواقيع لعدة اشخاص.

النّهضة الحسيّنية جسّدت، مبدأ انتصار الدّم على السيّف، وإذا فشلت هذه النهضة وفق المعايير العسكريّة، فإنّها نجحت بدون شكّ، في تحقيق نصر معنويّ عظيم. فقد كشفت هذه النّهضة، زيّف طواغيت ذلك العصر، ومدى بشاعة إرهابهم الدمويّ. كما أنّ هذه النّهضة المباركة، بصّرت الجماهير بخطّة النظام الأمويّ، في تشويه صورة الإسلام. فأكّدت هذه النّهضة المباركة، على تأصيل مفاهيم الاسلام الصحيحة. كما أنّها رسّخت في نفوس الأجيال، مفهوماً مهمّاً، هو عدم الرضوخ لوطأة الظالمين، والجرأة على كسّر جبروتهم. فأصبحت نهضة الإمام الحسيّن(ع)، تُمَثّلُ صرخةَ المستضعفين، ووقوداً ثورياً، يلهب حماس النفوس، فتستلهم منها الجماهير الواعيّة، الطّاقات التي تدفعها، لتغيير الواقع الفاسد الذي تعيش فيه، والانقضاض عليه، لترسم حياة الكرامة التي شعارها (هيهات منّا الذّلة).

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/تشرين الثاني/2012 - 7/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1434هـ  /  1999- 2012م

[email protected]