الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

الملحمة الحسينية... الهوية والتطهير والخلاص

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يشكل الحسين (ع) العنوان الابرز للهوية الشيعية اضافة الى مفهوم الولاية للامام علي (ع).. لم تكن الحالة الشيعية في المجتمع الاسلامي الاول غير حالة بسيطة مدارها الاصحاب القلائل للامام علي (ع) الذين قرأوا التمتمات الاولى للشفاه النبوية تكليفا او وصية.

ولم تكن مواقف الجبهة المعارضة باتساع مكانتها ونفوذها الا تجسيدا لرغبة عارمة في القبض على مفاتيح السلطة الدنيوية بعد ان قرأت هي الاخرى صريح العبارات النبوية بان السلطة الدينية والروحية هي في المآلات النهائية لهذا الفارس الذي خاض غمار الحروب مدافعا عن الرسالة وحاملها منذ اول مبيت له في ليلة الهجرة المباركة والتي تفترن بهذا الشهر شهر محرم الحرام بداية التأريخ للوقائع الاسلامية اللاحقة.

تتسع المساحات التي تتمدد فيها جبهة الرافضين للسلطة الروحية مثلما تتوسع مكانة الابناء والاحفاد من الفرع النبوي لتتشكل منهم ومن اتباعهم تلك المدرسة التي اخذت على عاتقها الحفاظ على الارث النبوي دون تزييف او تحريف لتعاني بسبب ذلك الاضطهاد والقتل والتشريد لتصل الى قمة الانتهاك في لحظة فاصلة من التاريخ الاسلامي الذي توسّم فيه الظالمون انه تكتبه السيوف المنتصرة.

تلك اللحظة اضافت الى الهوية الشيعية عنصرا جديدا وعملت على بلورتها بصورة ماساوية لا يمكن الفكاك منها او الابتعاد عنها.. اذا كان مفهوم الولاية يقترب من الفهم العالم لمسائل الدين واشتراطاته فان استشهاد الحسين وتحديدا ملحمة استشهاده وماجرى خلالها يقترب بطقوس عاشوراء المتجددة كل عام من الفهم الشعبي للدين الذي جذّر من الحضور الحسيني في الوجدان الشيعي خاصة والوجدان الاسلامي عامة.

في قراءته للتشيع المغاربي يذهب الكاتب ادريس هاني في بحثه المعنون (التشيع كمكون سوسيو ثقافي مغربي) في معرض حديثه عن الدين كطقوس وممارسات ان المقصود منها عبارة عن مظاهر تدين سوسيولوجي متلبس بخبرات سوسيوثقافية، تحمل دلالات وقرائن خفية تفضح فرية استسلام التاريخ للهوية الدينية البسيطة.

ففي إيران كما في العراق كما في البحرين كما في أذربيجان كما في أي مجتمع شيعي آخر، هناك ثقافة شيعية تلتقي مع الثقافة الشيعية المغربية قليلا أو كثيرا. وإن لم يكن لها أصل في التشيّع العالم. لا نجد لذلك نظيرا إلاّ في المغارب بدء من مصر حتى المغرب الجوّاني).

تلك الخبرات السوسيو ثقافية بما تحمله من دلائل هي التعبير البسيط لرفض السلطة والتسلط الذي ينوجد بوجود كل سلطة ظالمة دفع الحسين دمه ودم اهله واصحابه ثمنا للتصدي لها..

كل عام يعود الشيعة الى تلك اللحظة الفارقة التي شكلت الهوية الشيعية بشكلها هذا.. انها لحظة تراجيدية كما في الفهم الارسطي للشعر والمسرح والذي سماه نيتشة (دراما العودة الابدية) الذي يطرحه السرد التراجيدي للماساة الحسينية كل عام.

العودة كل عام بهذا الحزن وبتلك الشعائر يمثل تطهيرا يصفّي الشعور والعاطفة وهو يقوم بذلك ليس عن طريق السماح للمشتركين او المشاهدين بان يفصلوا انفسهم عن شخصيات تلك الماساة.. اننا ننشد التطهير، حسب فهم ارسطو، لان توحدنا مع السرد التراجيدي يجبرنا على ان نجرب القوى الغامضة والشريرة التي تسكن ايضا بداخلنا وليس بداخل الاخرين فحسب.. اننا نتخلص من الماساة من خلال تجريبها ولكننا بالرغم من هذا الخلاص لانتغلب عليها.

علينا بالاحرى ان نضع الصدمة الاصلية في قالب درامي وان نعيد وضعها وان نجربها ونعيد تجريبها كي نحقق هذا الخلاص.. وهو خلاص يرتقي مرة اخرى الى الفهم العالم بعقيدة المخلّص والمنقذ الشيعية لتكتمل هوية التشيع الخالصة باركانها الثلاثية الولاية – الشهادة – المنقذ.

الهوية الشيعية عابرة للاختلافات الثقافية واللغوية التي تميز كل مجتمع من المجتمعات.. ففي المغرب مثلا وكما يلحظ ذلك الكاتب ادريس هاني في بحثه السابق الذكر كان المغاربة يضعون على الأبواب قطعة من حديد منحوتة على شكل يد، يسمونها يد فاطمة الزهراء. وهي في اعتقادهم تدفع عن البيت وعن ساكنيه كل صنوف الأذى و خطر العين.

وكذلك مثلها الخميسة التي تتخللها قلادة توضع حول عنق الصبيّ للغرض نفسه. والخميسة هنا ليس ما ترمز إليه اليد في مجمل تاريخ المغرب القديم. لقد سماها المغاربة يد فاطمة، مما منحها معنى إسلاميا، وليس مجرد معنى أحفوري منبعث من رماد تاريخ غير مكتوب.

كما منحوها معنى شيعيا، لأن فاطمة في التراث السني الأرتذكسي تكاد تكون على مكانتها مهملة، إذ لا يروى عنها إلا النادر في المدونات الأخبارية المعتبرة، ولا يقام لها طقس.. ولا شك أن ترميز فاطمة لم يكن في يوم من الأيام إلا ترميزا شيعيا.

لقد منح المغاربة لـ "لخميسة" في بعض التعبيرات إسم "يد لالة فاطمة الزهراء". إن يد فاطمة الزهراء أو الخميسة لها دلالة أخرى تحيل الخمسة إلى عدد أهل الكساء الذين نزلت فيهم الآية الكريمة:" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" (الأحزاب / 33).

استطرادا على ما توحي بها الخمسة والخميسة وعلاقة الخمسة بأهل الكساء في جملة ما أدركه المغرب من التراث الفاطمي، أن لفاطمة مكانة خاصة في التراث الشعبي المغربي. وهي تحضر في هذا الوجدان حظورا ملفتا بسرّه وقدسيته الخاصة. فلقد حلف المغاربة ودعوا على أعدائهم كما أقسموا بجاه لالة فاطمة الزهراء. وفي الأمداح المغربية نحفظ بذوق صوفي رقيق كلمات من قبيل:

اسعدي يا ربي.. بولاد للاّ فاطم الزهرا.. هما عنايتي

فاطمة في الوجدان الشيعي هي سيدة نساء العالمين مكرمة معصومة عالمة غير معلمة الطاهرة البتول، استطاعت كما في تجربة ماسينيون أن تحتل المكانة العظيمة. وهي من أهم ما غمر ماسينيون في رحلته إلى النجف حيث "تقربل" مزاجه، قبل اكتشاف الحلاّج والسفر في عوالم نفيه الصوفي. وكان لماسينيون تأثّر بالغ بمجد وشرف فاطمة لا يوجد إلاّ عند الشيعة.

ولا غرابة فيما يبدو من تقاليد بعض المناطق في المغرب وما يعرف ببا عيشور وغيرها من الحكايات الشعبية. ففي مثل تلك المناطق من المغرب يحتفظ الأطفال بقطعة من الأضحية يوم العيد، فيلبسون العظم المعتنى به كسوة في صورة دمية ثم يخفونه حتى العاشر من محرم الحرام في يوم عاشوراء، فيقومون بدفنه ويجعلون منه طقس ندبة وبكاء.

يشاركهن فيه بعض الأمهات الذين لم يكن يسمح لهنّ بمغادرة البيت بعد غروب الشمس إلا في هذه المناسبة. والتقاليد تقول أن لا سلطة للرجل على المرأة في هذه المناسبة. وهو عند بعضهم يوم حزن لا يطهى فيه طعام ولا يغسل فيه لباس. وبعضهم يتحدث عن أنه يوم قتل فيه ابن النبي (ص)، كما يتحدثون عن كربلا أرض البلا.

في مكنز التراث الشعبي المغربي الذي أعده كل من السعدية عزيزي وسعيد آيت يدر وطارق المالكي نقرأ "(الممنوع في عيشورا): يوظف للممارسات والأعمال التي ينبغي تجنب القيام بها في عاشوراء والأيام الثلاثة التي تليه، مثل: تنظيف البيت وغسل الثياب والاستحمام والتطبيل والتزمير وإيقاد النار واقتناء فحم أو مكنسة واستعمالها إن وجدت...". ناهيك عن "شعّايلة" وهي إشعال النيران في هذا اليوم، ما يحيل إلى حدث إضرام النار في الخيام داخل معسكر الإمام الحسين.

وقد انتبه الكثير من الدارسين للطقوس الدينية الاحتفالية في المغارب، لا سيما في عاشوراء، واسطاعوا أن يقدموا بعض المقاربات التي لا تخلوا من قيمة. يذكر إدمون دوطي عددا من التمثلات الدرامية التي تميز احتفالات مناسبة عاشوراء في عموم المغارب.

وقد رصد أمثلة من المغرب وكذا من الجزائر، كمثال قرية خنكة سيدي الناجي. هناك حيث " يتنكر الأهالي في يوم عاشوراء بأشكال مختلفة (أثواب تحيل ألوانها إلى الأسد أو الجمل ويصحبهم موسيقيون) وحين سألنا بعض المتعلمين منهم بهذا الصدد، قالوا لنا بأن أحد ابني علي، سبط النبي، حين توفي أراد الناس أن يخفوا عن خصومه مكان دفنه بأن وضعوا على جمل دمية تمثل الجثمان، يتبعها جمهور من الناس في جنازة ".

وبالعودة إلى دوطي يشير هنا إلى ملاحظة بالقول:" وثمة أمر أهم من ذلك من منظورنا، هو أن الشرفاء والمخازنية يقيمون الحداد، أي أنهم لا يحلقون لحاهم وشواربهم ولا يحلقون شعورهم حتى يوم عاشوراء، كما أنها فترة أيضا لا يتزوج فيها الناس".

ومن العادات أيضا أن يكره الكحل والتعطر في مثل هذه المناسبة. وفي بعض المناطق في الجزائر خنكة سيدي الناجي سابقة الذكر يسلم الناس على بعضهم البعض برش الماء ورشق الطين على الوجه، في عاشوراء. وقد ظلت هذه الممارسات في نظر دوطي مكروهة ومحاربة من الإسلام السني أو عل الأقل لا ينظر إليها بعين الرضى.

ويستعمل المغاربة عبارة "قربلا" وهي تعني مجازا، شغب وانتفاضة غاضبة مصحوبة بنوع من التحدّي. يقول المغربي متحديا: سأقوم ب"قربلا" أو "راح نقربل الدنيا" أو ما شابه. ف "قربلا" لم تعد مجرد لفظ يطلق على حادثة تاريخية، بل هو عبارة متداولة في يوميات الناس وترمز إلى التحدي والغضب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/تشرين الثاني/2011 - 4/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م

[email protected]