المتتبع لما تنقله القنوات الفضائية ووسائل الإعلام لوقائع
المسيرة المليونية المستمرة بالزحف منذ أيام باتجاه كربلاء المقدسة
يرى عجبا.
حتى الآن تجاوز عددهم عشرة ملايين عراقي ونصف المليون من العرب
والأجانب وهم في ازدياد , وطرقات العراق المؤدية إلى كربلاء تحولت
وعلى امتداد مئات الكيلومترات إلى موائد طعام متجاورة وحافلة بما
اشتملت عليه من أطايب الأطعمة والمشروبات والفواكه والحلويات
وتحولت دور العراقيين التي شرفها الله بأن تكون في طريق السائرين
إلى أماكن للمبيت والراحة والمأكل عشرات الآلاف من السرادقات
والخيم نصبت على عجالة وزودت بالافرشة والبطانيات والمدافى النفطية
في جو شديد البرودة لا زال يشهده العراق منذ أسابيع.
آلاف المفارز الطبية الحكومية والمدنية الثابتة والمتنقلة
انتشرت على الطرقات لتقديم للعلاج والمسكنات والضمادات لتلك
الأقدام الشريفة التي أجهدها السير وأتعبها طول المسير.
آلاف المراكز الصغيرة التي افتتحها الأهالي لتقديم الخدمات
الهاتفية الثابتة والمحمولة من اجل تمكين الزائرين من الاتصال
بذويهم للاطمئنان عليهم وتحديد أماكن تواجدهم وللاهتداء إلى أهلهم
ورفاقهم الذين تخلفوا عنهم أو أضاعوهم في الطريق.
مراكز الشرطة في طريق الزائرين أخرجت موائد الطعام والشراب على
نفقة منتسبيها في ظاهرة هي أجمل ما تكون وعجلات الجيش ومفارزه
الطبية تقدم خدمات النقل والعلاج لكل من كلت قدماه عن المسير أو
أصابه عارض ما.
لانستطيع أن نصف الحالة بالكلمات مهما أكثرنا وليس الخبر
كالعيان فلماذا كل هذا؟ ما الذي قدمه الحسين بن علي للعراقيين
ليقدموا له كل هذا الحب والولاء؟ ويتفانون في خدمة زائريه
والاحتفاء بذكراه في كل عام؟
الحسين بن علي(ع) سيد أهل الإباء و رمز المقاومة وزعيم
المقاومين , أبي الضيم الذي رفض أن يعطي بيده إعطاء الذليل أو يقر
إقرار العبيد, والذي زحف بتلك الكوكبة الطاهرة من أهل بيته وأصحابه
على قلة العدد وخذلان الناصر ليقول بهم كلمة حق في وجه سلطان جائر
ويعلم الناس أن الموت تحت ضلال السيوف اشرف ألف مرة من السير في
ركاب الظالمين.
ولان العراقيين معجون في دماءهم حب علي وال علي ولأنهم شعب
الإباء والمقاومة ورفض الظلم ومقارعة الظالمين فقد عشقوه واتحدت
أرواحهم بروحه الشريفة في اتصال عجيب لم يفهم الأعداء سره إلى الآن
التفجيرات التي طالت الزائرين والمحتفين بالشعائر الحسينية هذا
العام والأعوام السابقة في العراق والباكستان وأفغانستان وأماكن
أخرى من أماكن تواجد شيعة آل البيت ومحبيهم تدل على أنهم لم يفهموا
هذا السر ولن يفهموه على الإطلاق.
تأريخنا القذر طافح بما جرى من الماسي على آل البيت وعلى شيعتهم
ومحبيهم منذ تسلط بني أمية ومن تلاهم من الظلمة على رقاب المسلمين
والى الآن مرورا بزياد وابنه والحجاج ويوسف بن عمر وخالد القسري
والمنصور والرشيد والمتوكل والمعتمد والمستعصم وصدام وغيرهم من
أعداء آل محمد فهل قل محبوهم وأشياعهم؟
التفجيرات الإرهابية التي طالت الزائرين العزل تدل بوضوح على أن
هذا النهج الوهابي المتخلف الذي تغذيه الفضائيات المسمومة وتدعمه
أموال النفط في دولة خليجية مجاورة لن يتوقف وما دام شيعة أهل
البيت بنظرهم من الروافض الكفرة الذين يكون قتلهم من أعظم القربات
إلى الله فلن يتوقف، الغريب أن الشيعة ليسوا هم من يحتلون فلسطين
ويهينون مقدساتها ويسومون أهلها سوء العذاب منذ ستين عاما.
وليسوا هم من يحتل أفغانستان ويتحكم بمقدراتها منذ عشرة أعوام
خلت، وليسوا هم من تهدم طائراتهم المسيرة القرى والمنازل الآمنة
على رؤوس أهلها في شمال باكستان وغربها.
وليسوا هم من تحتل قواتهم الجولان ومزارع شبعا، وليسوا هم من
زرع قواعدهم العسكرية و(مجنداتهم) في بلاد المسلمين من اندونيسيا
إلى المغرب مرورا بـ( نجد والحجاز) وقطر والإمارات والبحرين
والكويت وتركيا والأردن.
ليس الشيعة من يرفرف العلم ذو النجمة الزرقاء في سماء عواصمهم
ويرتبطون بعلاقات سياسية واقتصادية معلنة وغير معلنة مع الدويلة
التي يرمز إليها.
وليس الشيعة من نشر الفساد والفحشاء والرذيلة في ربوع بلاد
المسلمين وهيمن على مقدراتهم واستولى على ثرواتهم وأسواقهم ونصب
أعوانه من الطغاة والجلادين على رقابهم.
ليس الشيعة هم المسئوولين عن الفقر في تونس ولا عن أزمة السكن
في مصر ولا البطالة في المغرب ولا معاناة البدون في الكويت ولا
الدكتاتورية في سوريا ولا التمرد والتناحر القومي في السودان ولا
قتل الإسلاميين واضطهادهم في الجزائر ولا عن قمع المسلمين
والاتجاهات الإسلامية في الفلبين وجنوب تايلاند ولا عن المذابح
التي يتعرضون لها في الهند وسيريلانكا.
كما أنهم ليسوا مسئوولين عن بقاء إمارات النفط المتخلفة محميات
أجنبية وأسواقا للعمالة الأسيوية مع انتشارا لبطالة بين أبنائها.
ليس الشيعة مسئولين عن تكميم الأفواه والقمع والتوريث وبقية
الصفات السيئة التي أصبحت صفة مشتركة بين كل بلاد أهل القبلة كما
يسمونهم.
ليس شيعة أهل البيت هم المسئوولين عن كل تلك المصائب والكوارث
فلماذا يكون القتل والتفجير من نصيبهم هم؟
أليس من الأولى أن يتجه من يسمونهم (أصحاب الفضيلة من المشايخ
والعلماء) ومن يصفونهم بأنهم (أهل العلم) الذين يدعون من على منابر
الحرمين الشريفين والأزهر الشريف و(هيئة علماء المسلمين) ومنظمة
العالم الإسلامي والمؤسسات الأخرى التي تتاجر بالدين إلى معالجة
تلك المشاكل والمصائب قبل دعواتهم المحمومة إلى مواجهة ما يسمونه
الخطر الشيعي القادم.
إذا كان انتشار الولاء لأهل البيت وازدياد موالاتهم ومحبتهم
خطرا يتهدد عروش الطغاة ومصالح وعاظ السلاطين فهذا هو الخطر الذي
لا سبيل لتوقيه حسبنا هذا
وحسبكم هذا التفاوت بيننا....................... فكل إناء
بالذي فيه ينضح |