الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

رحلة في حياة سيد الساجدين

وزين العابدين عليه السلام

د. سلمان كاظم الجميلي النعماني

شهد شهر شعبان الكريم، شهر رسول الله ص ولادة عدد من الائمة الاطهار ففيه ولد ابوا الشهداء وابي الضيم الامام الحسين ع وفيه ولد اخيه المواسي قمر بني هاشم الامام العباس ع وفي هذا الشهر الاغر ولد الامام السجاد ع وفي النصف منه ولد الامام الثاني عشر من الائمة المعصومين صاحب العصر والزمان الامام الحجة عج.

توفى الامام السجاد ع مستشهدا بالسم على يد الظالم الخليفة الاموي الوليد بن عبد الملك بن مروان في الخامس والعشرين من المحرم سنة خمس وتسعين من الهجرة كما يروي ذلك اكثر المحدثين والرواة فقد جاء في بعض الروايات عن محمد بن شهاب الزهري: انه قال لي الوليد بن عبد الملك يوما: لا راحة لي وعلي بن الحسين موجودا في دار الدنيا وقبيل وفاته جمع اولاده واوصاهم بتقوى الله وطاعة أخيهم الامام محمد الباقر ع واخبرهم بامامته من بعده...

والامام هو: علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام، القرشي الهاشمي المشهور بزين العابدين والسجاد لكثرة سجوده واليه تنسب الصحيفة السجادية، مجموعة ادعية ورسائل ومناجاة قلّ ان يوجد لها نظير في مضامينها واسلوبها وقد كتبت بالذهب في العصور القديمة، توارثها الائمة الاطهار ع وحافظوا عليها، وورثها ايضا زيد بن علي الشهيد وكانت لاتفارقه في حله وترحاله وهي عند اتباع المذهب الزيدي من الكتب المهمة حتى اليوم كما هي عند اتباع المذهب الشيعي الاثنى عشري.

امه سلامة او سلافة بنت كسرى يزدجرد آخر ملوك الفرس، ذكر الزمخشري في ربيع الابرار ان الصحابة لما أتوا المدينة بسبي فارس في خلافة عمر بن الخطاب كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد فباعوا السبايا، وامر عمر ببيع بنات يزدجرد ايضا، فقال له الامام علي ع: ان بنات الملوك لايعاملن معاملة غيرهن من بنات السوقة. فقال: كيف الطريق الى العمل معهن ؟ قال: يقومن ومهما بلغ ثمنهن قام به من يختارهن، فقومن واخذهن الامام علي ع فدفع واحدة لعبد الله بن عمر واخرى لولده الحسين واخرى لمحمد بن ابي بكر، فاولد عبدالله امته سالما، واولد الحسين ع زين العابدين ع واولد محمد ولده القاسم فهؤلاء الثلاثة بنوا خالة وامهاتهم بنات يزدجرد وفي رواية الكافي عن ابي جعفر الباقر ع أنه قال: لما قدمت بنت يزدجرد على عمر بن الخطاب غطت وجهها وقالت باللغة الفارسية ما معناه: اسود يوم هرمز وأساء الدهر اليه والزمان عليه حيث صار أولاده اسارى تحت حكم رجل كهذا واشارت الى عمر بن الخطاب، فظن عمر وهي تتكلم انها تشتمه، فاوضح له امير المؤمنين مرادها. وفي رواية الشيخ المفيد، ان عمر بن الخطاب اراد بيعها، فقال له امير المؤمنين ان بنات الملوك لاتباع ولو كن كفارا، ولكن اعرض عليها ان تختار احدا لنفسها فمن اختارته فزوجها منه واحسب ذلك من عطائه فخيرها فاختارت الحسين ع، فتزوجها وامره أمير المؤمنين بحفظها والاحسان اليها، وقال له كما يروى: يا أبا عبد الله لتلدن لك خير أهل الارض، فاولدها عليا زين العابدين ع وكان يقول له الحسين ع: انت بن الخيرتين، فخيرته من العرب بنوا هاشم ومن العجم الفرس والى ذلك يشير ابوا الاسود الدؤلي في شعره:

 وان وليدا بين كسرى وهاشم****لاكرم من نيطت عليه التمائم

لقد عاصر الامام زين العابدين ع كل المحن والبلايا التي وقعت ايام جده امير المؤمنين ع وقد ولد قبل استشهاد الامام علي ع بثلاث سنوات وتفتحت عيناه وجده أمير المؤمنين في محنته في خطوط الجهاد ومن ثم عاش مع الامام الحسن ع في محنته وهو يصارع شرور الطامعين من الامويين ومن ثم مع ابيه السبط وهو يشهد ما حلّ بابيه واهل بيته في فاجعة كربلاء، فرأى بعينيه مقتل ابيه واخوته واعمامه ومن بعد الفاجعة الاليمة شهد مآسي السبي لنساء الرسول ص ولآله الاطهار في رحلة طويلة الى الشام لاقى فيها من العذاب والمعاناة مالاتطيقه الجبال الرواسي ورأى فيها من المصائب بعد استشهاد أبيه مالاحصر له، ولم يبق من ذرية الرسول ص وابنائه بعد فاجعة كربلاء، الا علي بن الحسين ع وبقية الهاشميات وكل نسل الهاشميين الى هذا اليوم من صلب علي بن الحسين ع.

اجمع اهل السير والتأريخ على ان الامام زين العابدين ع، كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وقالت عنه مولاته: ما أتيته بطعام نهارا ولا فرشت له فراشا ليلا قط. وقال عنه احد كتاب السير: ولما لم يصبح في الارض مثله في العبادة والزهد، سماه الناس (زين العابدين) وحين رأوه لايقوم من سجوده الا الى سجود، سموه: (السجاد) وحين ارتفعت علامات السجود في وجهه سموه ذو(الثفنات) والى ذلك يشير دعبل الخزاعي في قصيدته التائية المشهور

بكيت لرسم الدار من عرفات***واذرفت دمع العين بالعبرات

 الى ان يقول:

ديار علي والحسين وجعفر***وحمزة والسجاد ذي الثفنات

قال الواقدي: كان اورع الناس واعبدهم واتقاهم لله عزّ وجلّ وكانت كنيته ابا الحسن وقيل ابا محمد وقيل ابا عبدالله.قال سعيد بن المسيب وزيد بن اسلم ومالك وابوا حازم: لم يكن في أهل البيت مثله. وقال ابوا بكر بن ابي شيبه: اصح الاسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن ابيه عن جده. وذكروا انه احترق البيت الذي هو فيه وهو قائم يصلي، فلما انصرف قالوا له:مالك لم تنصرف ؟ فقال: اني اشتغلت عن هذه النار بالنار الاخرى. وكان اذا توضأ يصفر لونه فاذا قام الى الصلاة ارتعد من الفرق، فقيل له في ذلك فقال: الا تدرون بين يدي من اقوم ولمن اناجي ؟ ولما حجّ، اراد ان يلبي فارتعد وقال: اخشى ان أقول لبيك فيقال لي: لالبيك. فشجعوه على التلبية، فلما أبى غشي عليه حتى سقط من الراحلة، وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، وقال طاووس: سمعته وهو ساجد عند الحجر يقول: عبيدك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك، قال طاووس فوالله ما دعوت بها في كرب قط الا كشف عني وكان ع كثير السجود فسمي بالسجاد، عن ابي جعفر الباقر ع قال: ان أباه علي زين العابدين ماذكر الله عزّ وجلّ في نعمة انعمها عليه الا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عزّ وجلّ فيها سجود الا سجد، ولا وقف لاصلاح بين اثنين الا سجد وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، وكان كثير الصدقة بالليل وكان يقول: صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتنور القلب والقبر، وتكشف عن العبد ظلمة يوم القيامة، وقاسم الله أمواله مرتين، وقال محمد بن اسحاق: كان ناس بالمدينة لايدرون من اين يعيشون ومن يعطيهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك فعرفوا انه هو الذي كان يأتيهم في الليل بما يأتيهم به.

استشهد مسموما بامر الوليد بن عبد الملك بن مروان فوجدوا في ظهره واكتافه اثر حمل الجراب الى بيوت الارامل والمساكين في الليل، وقيل انه كان يعيل مائة اهل بيت بالمدينة لايدرون بذلك حتى توفى ع. ودخل علي بن الحسين ع على محمد بن اسامة بن زيد يعوده فبكى بن اسامة فقال: مايبكيك؟ قال: علي دين قال: وكم هو ؟ قال: خمسة عشر الف دينار فقال الامام: هي علي. وخرج يوما من المسجد فسبه رجل، فانتدب الناس اليه فقال: دعوه ثمّ اقبل عليه فقال: ماستر الله عنك من عيوبنا أكثر، ألك حاجه نعينك عليها ؟ فاستحيا الرجل، فالقى عليه قميصه وكانت عليه وامر له بالف درهم، فكان الرجل بعد ذلك اذا رآه يقول: انك من أولاد الانبياء.

وقال الزهري: كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين، وما رأيت أفقه منه وكان قليل الحديث، وكان من افضل أهل بيته واحسنهم طاعة وكان يسمى زين العابدين. قال احد كتاب السير: سكبت جارية لعلي بن الحسين عليه ماء ليتوضأ فسقط الابريق من يدها على وجهه فشجه فرفع رأسه اليها فقالت الجارية: ان الله يقول (والكاظمين الغيظ) فقال: قد كظمت غيظي، قالت(والعافين عن الناس) فقال:عفا الله عنك، فقالت: والله يحب المحسنين فقال:انت حرة لوجه الله تعالى. قال بن عائشة: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر الا بعد موت علي بن الحسين. وقال ابوا حمزة الثمالي: كان زين العابدين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول: ان صدقة السر تطفئ غضب الرب. ويعد الامام زين العابدين ع من الفصحاء والبلغاء وخطبته الغراء في المسجد الاموي بعد مقتل ابيه الحسين ع معروفة، ضج لها الناس بالبكاء والنحيب، عرّف بها بنسبه ومكانة البيت الهاشمي وعرض مأساة أهل البيت وما حلّ بهم من قتل ومصائب، كما ان ادعيته ومناجاته وحكمه ورسائله في الحقوق التي شرحت اكثر من مرة لشاهد على فصاحته وعلمه، وله الصحيفة السجادية وهي مجموعة ادعية ومناجاة، تعتبر قمة في البلاغة والبيان نقتطف منها هذا التسبيح:

 روى سعيد بن المسيب قال: خرجت مع زين العابدين فنزل فصلى ركعتين فسبح في سجوده فلم يبق شجر ولامدر الا سبح معه ففزعنا فرفع رأسه وقال: ياسعيد أفرغت ؟ فقلت نعم يابن رسول الله فقال: هذا التسبيح الاعظم، حدثني ابي عن جدي عن رسول الله ص لاتبق الذنوب مع هذا التسبيح وان الله جل جلاله لما خلق جبرائيل الهمه هذا التسبيح وهو: (سبحانك اللهم وحنانيك، سبحانك اللهم وتعاليت، سبحانك اللهم والعز ازارك، سبحانك اللهم والعظمة رداؤك، سبحانك اللهم والكبرياء سلطانك، سبحانك انت شاهد كل نجوى، سبحانك موضع كل شكوى، سبحانك حاضر كل ملاء، سبحانك عظيم الرجاء، سبحانك ترى ما في قعر الماء، سبحانك تسمع انفاس الحيتان في قعور البحار، سبحانك تعلم وزن السماوات، سبحانك تعلم وزن الارضين، سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر، سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور، سبحانك تعلم وزن الفئ والهواء، سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال ذرة، سبحانك قدوس قدوس، سبحانك عجبا ممن عرفك كيف لايخافك ؟! سبحانك الله وبحمدك سبحان الله العلي العظيم).

ومن حكمه واقواله قال ع: لايقل عمل مع تقوى وكيف يقل مايتقبل ؟ وقال: كم من مفتون بحسن القول فيه، وكم من مغرور بحسن الستر عليه، وكم من مستدرج بالاحسان اليه. وقال ع: كمال دين المسلم ترك الكلام فيما لايعنيه وقلة مرائه وحلمه وصبره وحسن خلقه. وقال ع: ما من شئ احب الى الله بعد معرفة نفسه من عفة البطن والفرج. وقال ع: مايوضع في ميزان امرئ يوم القيامة افضل من حسن الخلق. وقيل له: كيف اصبحت يابن رسول الله، فقال: اصبحت مطلوبا بثمان: الله تعالى يطلبني بالفرائض، والنبي ص بالسنة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان باتباعه، والحافظات بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فانا بين هذه الخصال مطلوب. كان الامام ع يتمتع بالهيبة والتقدير العميق بين المسلمين لما يتمتع به من اخلاق عظيمة وعلمية فذة وتقوى وروحية عظيمة، اخبر المرزباني: ان علي بن الحسين ع حجّ فاستجهر الناس جماله اي مايجهر من حسن هيبته وتشوقوا له وجعلوا يقولون من هذا ؟ وفي روايةان هشام بن عبد الملك حج في خلافة ابيه وكان حديث السن فاراد ان يستلم الحجر فلم يتمكن من ذلك لتزاحم الناس عليه فجلس ينتظر خلوة، فاقبل علي بن الحسين ع وعليه ازار ورداء وهو من احسن الناس وجها فجعل يطوف بالبيت فاذا بلغ الحجر تنحى الناس له حتى يستلمه هيبتا له واجلالا، فغاض ذلك هشام، فقال رجل من اهل الشام لهشام من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟ فقال هشام لااعرفه فقال الفرزدق الشاعر: وكان حاضرا، لكني اعرفه، فقال منشدا قصيدته الميمية الشهيرة نقتطف منها بعض الابيات:

هذا الذي تعرف البطحاء وطئته*** والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ا بن خير عباد الله كلهم*** هذا التقي النقي الطاهر العلم

 يكاد يمسكه عرفان راحته*** ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم

هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله***بجده انبياء الله قد ختموا

واخيرا نرفع تعازينا بمناسبة وفاة سيد الساجدين ع الى مولانا صاحب العصر والزمان عج والى محبي أهل البيت في كل مكان وانا لله وانا اليه راجعون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/كانون الثاني/2011 - 26/محرم/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م

annabaa@annabaa.org