الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

مقتل الحسين

حدث الماضي والحاضر وحديث اللانهاية

حيدر السلامي

 

شبكة النبأ: بقي ملف قتل الإمام الحسين مفتوحاً على مر الزمان بفضل عوامل عديدة منها: أهمية شخصيات الحدث والطريقة الوحشية البشعة التي اتبعها القتلة وكثرة الضحايا واختلاف المواقف الإنسانية وتناقضها والملابسات المعقدة التي حفل بها ذلك الملف والهوامش والتعليقات التي ذيل بها، بالإضافة إلى التأثير الممتد لهذه الحادثة والمتجدد عبر السنوات، فهي واقعة غدت تتكرر في كل زمان ومكان وكثيراً ما كانت محور نقاش ونزاع بين التيارات الحزبية والاتجاهات الفكرية المختلفة. وجندت لإلغائها من قاموس الوجود العقول والأقلام والفضائيات وسائر وسائل الإعلام قديما وحديثا.

ومن هنا سأحاول ـ ما استطعت ـ تسليط الضوء على أبرز أركان هذه الحادثة وأهم أبطالها التاريخيين مع تحليل عناصرها ودراسة آثارها الباقية إلى يومنا والمؤثرة في حياتنا المعاصرة من خلال هذا التحقيق:

القاتل والمقتول

حملت حقيبتي المشحونة بالأسئلة والأفكار حول الحدث التاريخي الكبير واتجهت إلى بنك المعلومات لأستكشف أو أصحح وأقارن بين ما أحمله مع ما هو مثبت في سجلات ذلك البنك من رصيد معرفي يعينني على تقصي الحقائق وتدقيق المعلومات، وأول ما واجهني على هذا الطريق السؤال عن شخصيات القائمين بالفعل وشخصية الواقع عليهم الفعل وبالتحديد شخصية يزيد بن معاوية وشخصية الحسين بن علي.

ولدى سؤالي المؤرخين أجمعوا في جوابهم على أن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وأمه هند بنت عتبة، إنما هو شخص مستهتر بالقيم الإسلامية والإنسانية عموماً ووصفوه بالفاسق الفاجر، شارب الخمور، اللاعب بالفهود والقرود، مرتكب المعاصي وهاتك الحرمات، وقالوا بأنه ضرب الكعبة بالمنجنيق وأباح المدينة المنورة لجيشه أياماً فعاث الجنود فسادا فيها واعتدوا على أهلها واغتصبوا نساءها وارتكبوا أبشع الجرائم على أرضها وهي مدينة مشرفة دخلها الرسول صلى الله عليه وآله وعمرها وبنى فيها دولته الكريمة. إذ قال ابن كثير أن "يزيد كان قد اشتهر بالمعازف، وشرب الخمر، والغناء، والصيد، واتخاذ الغلمان، والقيان، والكلاب، والنطاح بين الكباش، والدباب، والقرود، وما من يوم إلاّ يصبح فيه مخموراً، وكان يشد القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به، ويلبس القرد قلانس الذهب، وكذلك الغلمان، وكان يسابق بين الخيل، وكان إذا مات القرد حزن عليه، وقيل: إن سبب موته أنه حمل قردة وجعل ينقزها فعضته". ووصفه ابن سعد بأنه "رجل ينكح الأمهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة". وسماه الشوكاني "الخمير السكير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة". وقال ابن عقيل "ومما يدل على كفره وزندقته فضلاً، عن سبه ولعنه أشعاره التي أفصح بها أنا وأبان، عن خبث الضمائر وسوء الاعتقاد". وحتى ابن خلدون الذي عرف بتحيزه للأمويين قال "لا يجوز نصرة يزيد بقتال الحسين، بل قتله من فعلات يزيد المؤكدة لفسقه، والحسين فيها شهيد".

أما الآلوسي فأكد قائلاً "إن الخبيث لم يكن مصدقاً بالرسالة للنبي صلى الله عليه وآله". وقال بن العربي وهو ميال للأمويين أيضا "إن الإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن لعن يزيد قال: كيف لا يلعن من لعنه الله في كتابه؟". وقال ابن الآلوسي الشافعي "اتفق الأجلة على جواز لعنه، لأفعاله القبيحة، وتطاوله على العترة الطاهرة". أما السيوطي فقد لعن "قاتل الحسين وابن زياد معه ويزيد أيضاًً". وقال اليافعي "حكم من قتل الحسين، أو أمر بقتله، ممن استحل ذلك فهو كافر". وقال عنه الذهبي "كان ناصبيا، فظا، غليظا، جلفا، يتناول المسكر، ويفعل المنكر افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس ولم يبارك في عمره وخرج عليه غير واحد بعد الحسين". وقال المسعودي "كان يزيد يضمر الإلحاد ولا يعتقد بالمعاد، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة وأعمى الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب".

واتفق أكثر المؤرخين على أن أشنع فعلة ليزيد ـ وكل فعاله شنيعة ـ هي قتله ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة الزهراء بنت النبي التي عرفت بأم أبيها وبضعته التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها ـ كما يقول النبي ـ وأكد كثير منهم على أن المقاربة بين شخصية الحسين ويزيد لا تجوز بل وصفها بعضهم بالمستحيلة، معللاً: إن الحسين إمام بالحق، منصوب من الله تعالى ومفترض الطاعة فلا يقاس به أحد من الناس بينما يزيد رجل متهتك مفسد، غاصب لخلافة الرسول بالقهر والاستبداد، وحاكم ظالم لا بد من الثورة على حكمه وإسقاطه وهذا ما بينه الحسين خلال حركته التصحيحية التي انطلقت من المدينة وانتهت بشهادته في مدينة كربلاء(تبعد عن بغداد بنحو 108 كلم).

إذن ـ وبرأي المؤرخين ـ لا مقايسة بين الرجلين بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك وقالوا: "لا مقايسة بين أصحاب الحسين وأصحاب يزيد" الذين اقتتلوا في معركة الطف يوم 10 محرم سنة 61 للهجرة فمات جميع أصحاب الحسين وعددهم 70 رجلا فيما بقي أغلب أصحاب يزيد ويقدرون بـ 14 ألف جندي.

بطبيعة الحال لم أكتف باستنطاق المؤرخين، بل دفعني الفضول الصحفي لتحري الحقيقة وتفحص أبعادها بعين عصرية مسلحة بالتفكير والتحليل والنقد القائم على البحث العلمي فقصدت بعض الشخصيات المعاصرة المعروفة بالتتبع والموضوعية والتحقيق فكان حديثي أولاً مع الشيخ باقر شريف القرشي ـ كاتب معاصر ـ فأوجز لي رأيه بيزيد قائلا: "من كان له والد يغذيه كأبي سفيان ووالدة ترضعه كهند بنت عتبة، فلابد أن ينشأ مجبولاً على المكر والخداع. فأبوه خطط لقتل النبي في مكة ووأد الإسلام، وأمه خططت لقتل حمزة عم النبي".

ذهبت بعد ذلك إلى عدة كتاب معاصرين منهم الدكتور أحمد أمين والدكتور طه حسين والسيد محمد الصدر والسيد هاشم معروف الحسني فوافقوا القريشي بما قاله عن شخصية القاتل والمقتول وأحالوني إلى كتبهم للاستزادة والتثبت.

المكان والزمان

بعد تعرفي إلى الشخصيتين البارزتين في الحدث اتجهت صوب كربلاء وعاشوراء فهما يشكلان المكان والزمان وكانت لي وقفة مع المؤرخ الواقدي الذي وقت للحادثة فقال: "الثابت عندنا أنه(الحسين) قتل في المحرم يوم عاشوراء.. وأردف مؤكداً: "قتل بنهر كربلاء يوم عاشوراء سنة إحدى وستين". ولدى سؤالي المؤرخ ابن عساكر قال: "قتل بالطف يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين وستة أشهر" وتابع قائلا: "كان قبره بكربلاء من سواد الكوفة. قتله سنان بن أنس النخعي. ويقال قتله ابن ذي الجوشن الضبابي". ولم يخرج أحد من المؤرخين الآخرين عن هذا الجواب، ولكن يبدو أن للكتاب والصحفيين المعاصرين نظرة تحليلية لهذه الزمكانية ذكرها الكاتب حسن الفتال قائلاً: "توحي هاتان الكلمتان عاشوراء وكربلاء بسابق اختيار من قبل الله تعالى، وتشعران بتلازم الفعل وهو الشهادة بالوسام الإلهي وهو القداسة.. المكان أي كربلاء قطعة من الجنة والزمان أي عاشوراء قطعة من شهر حرام، حرم فيه القتال اختيرا على علم من لدن الخالق لتتم فيهما كلمته على الخلق". أما الإعلامي علي الشمري فيقول: "عاشوراء تمثل اللحظة التاريخية المنتجة للموقف العظيم والحاضنة للقربان المقدس وكربلاء هي الوعاء المكاني الذي استوعب تلك اللحظة المنبعثة من الروح السماوي التي استطاعت أن تستوعب الولادة والشهادة وأقصد ولادة المسيح وشهادة الحسين ففي كربلاء وبنفس المكان وربما في نفس اللحظة، المسيح يولد على صخرة ربما كانت هي نفسها التي ينحر عليها الحسين". ويرى الصحفي لطيف القصاب أن ثنائية كربلاء عاشوراء لها أكثر من دلالة لكن أبرزها ما يبينه لنا قول الحسين "خير لي مصرع أنا لاقيه... بين النواويس وكربلا" ولا يخفى لفظة (خِيرَ) هنا تدل على اختيار رباني لهذا المصرع وهذه البقعة ولو عدنا لمقولة (المكان بالمكين) لعلمنا مقدار الشرف الذي حازته كربلاء يوم اختيرت مكانا لمكين كالحسين. أما الزمان وهو العاشر من المحرم فيعطي المفارقة لونا خاصا باعتباره زمانا حرم فيه القتل والظلم منذ الجاهلية وهنا مؤشر واضح على انحطاط القيم وانهيار المثل في الواقع الإسلامي إذ يقتل ابن بنت النبي في زمن كهذا الزمن المحرم".

صلاح أم فساد؟

وعندما تساءلت عن السبب الحقيقي وراء قتل الحسين دفعني الفضول الصحفي لقراءة ما بين السطور من كلام ابن تيمية الذي قال في منهاج السنة "وكان في خروجه(الحسين) وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك، وصار ذلك سببا لشر عظيم. وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن". فلو فرغنا هذا القول على ورق شفاف فسيكون بالشكل التالي: إن يزيد ـ مهما كان ـ إمام زمانه وتجب طاعته على كل حال ومهما يكن الفساد الذي يعيثه ويتسبب به بقاؤه على كرسي الخلافة لن يصل إلى درجة الفساد الذي سيخلفه تنحيه عن الحكم أو سقوطه عن الكرسي. وخلاصة القول أن ابن تيمية يدين الضحية ويكافئ الجلاد فهو يلقي باللائمة على الثائر المنادي بالإصلاح والمقتول ظلماً جراء ذلك الموقف الجريء ويسوغ للحاكم المتربع على العرش بالظلم القامع للحريات بالحديد والنار ويرى صلاح المصلح فسادا وفساد الفاسد صلاحا وهو قول شاذ تفوح منه رائحة التحزب للأمويين ورأي مخالف لإجماع العقلاء بلهَ إجماع المسلمين.

وينقل التاريخ اعترافاً قولياً للجيش اليزيدي يشرح دوافع الجريمة التي ارتكبها بحق الحسين مفاده (جئنا نقتلك بغضاً لأبيك) ولو حللنا هذه العبارة لعرفنا أنها تشير إلى معارك الإمام علي والد الحسين ضد المشركين آباء هؤلاء الجنود وأسلافهم. وهو الأمر الذي وثقه أكثر من مصدر تاريخي وذكره أكثر من مؤلف وعلى قول بعضهم إنها أحقاد خيبرية وإحن حنينية اشرأبت بأعناقها وتناسلت وتظاهرت ضد الحسين يوم عاشوراء. وأبعد من ذلك ما أشارت إليه زينب في خطبتها بمحضر يزيد إذ وسمته بابن الطلقاء تحقيرا له وتذكيرا للأمة بتسافل درجته حيث أسلم هو وأبوه وجده كرها يوم الفتح وامتن عليهم النبي فأطلقهم من أسرهم فصاروا يعرفون من حينها بالطلقاء. وكيف لطليق بن طليق أن يتولى شؤون المسلمين؟! هذا التساؤل التعجبي كثيراً ما ردده الكتاب والخطباء وكثير من الناس وأنا منهم.

السلاح وطريقة القتل

ومثلي مثل غيري تساءلت عن نوع السلاح الذي استخدم في تنفيذ الجريمة وأجابني التاريخ: السيف والرمح والسهم والنبل وعمود الخيمة والحجارة والنار والسم...إلخ. فهذه هي الأسلحة المعروفة في سنة 61 هجرية، لكني ولسبب خفي لم أقتنع بذلك الجواب فأخذت أتحرى أكثر وأكثر حتى إذا وصلت الكوفة بحثاً عن جواب أدق وجدت أن السلاح الحقيقي الذي شهره يزيد بوجه الحسين كان الفتوى.. نعم هي عينها الفتوى التكفيرية التي تصدر كل حين لتجند الجهال والمعتوهين وتدفع بهم لتفخيخ أنفسهم وإلقائها في الجحيم على أمل تناول الغداء في الجنة مع النبي على مائدته المباركة عقب حفاوة استقبال الحور العين بالأحضان. الفتوى بحديها التبريري والتكفيري, فهي تبرر للحاكم الظالم أفعاله وتكفر الخارجين عن طاعته. نعم تلك هي فتوى شريح بن الحارث قاضي الكوفة المعروف الذي ولي القضاء في عهد عمر، وحافظ على منصبه 60 سنة، باستثناء ثلاث سنوات. وفتوى شريح نصت على "أن الحسين خرج عن حده فليقتل بسيف جده" ومفادها أن الحسين خارج على خليفة زمانه فوجب وعلى المسلمين أن يقاتلوه".

ومن عودتي لتقليب الصفحات الصفراء وجدت لهذه الفتوى صدى كبيرا في الأوساط المنحازة عن علي بن أبي طالب وأبنائه منذ صدورها حتى اليوم ولعل أبرز من أمضاها من المتقدمين ابن عربي وابن خلدون وابن تيمية ومن العصر الحديث الألباني ومحمد الخضري فالأخير يقول "الحسين أخطأ خطأ عظيماً في خروجه هذا الذي جرَّ على الأمَّة وبال الفرقة وزعزع ألفتها إلى يومنا هذا". ومفتي الشام محمد أبو اليسر عابدين الذي قال "بيعة يزيد شرعية، ومن خرج عليه كان باغياً". ومن المفارقات التي لمستها وأنا أستنطق أمثال هؤلاء المؤرخين والعلماء وأستخبرهم الحقيقة أني وجدت في أفكارهم وأقوالهم تشويشاً كثيرا واضطرابا شديدا عرفت فيما بعد أن منشأه الروح الحزبية والطائفية والحالة النفاقية التي سيطرت عليهم فابن خلدون مثلاً يقول "والحسين مثاب في اجتهاده والصحابة الذين كانوا مع يزيد على حق واجتهاد" ومفاد ذلك أن القاتل والمقتول أو الظالم والمظلوم كلاهما في الجنة وهو أمر يضحك الثكلى كما في المثل ويشبه قول بعض الجهال "سيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين"!!

نتائج المعركة

انتهت معركة الطف الشهيرة ـ حسب النظرة المادية العسكرية البحتة ـ بخسارة الجانب الحسيني وانتصار الجانب اليزيدي. وتعليل ذلك أن الكفتين لم تكونا متعادلتين. فلا العدد ولا العدد ولا الموقع الجغرافي ولا الدعم اللوجستي ولا بقية العوامل كانت تساعد على ظهور نتيجة أخرى مغايرة. فماذا يصنع سبعون شخصا أعزل إلا من بعض الأسلحة الشخصية الخفيفة إزاء 14 عشر جنديا مدججا بالسلاح؟ وماذا يسع ثلة مؤمنة ملتزمة بالإيمان والخلق الكريم في مواجهة جمهرة من الأوباش الذين لا عهد لهم ولا ذمة ولا يمتلكون أبسط القواعد الإنسانية، لدرجة أنهم استخدموا كل الأسلحة المحرمة وأقذرها ومنعوا الماء حتى عن الأطفال والنسوة وفعلوا ما لم يفعله حتى الحيوانات المفترسة؟ ولكن مع ذلك كله وبالحسابات المعنوية الروحية الأخلاقية وبالنظر لأهداف الطرفين وتداعيات الأحداث التي تلت المعركة فإن النصر الحقيقي كان حليف الحسين وشيعته. أعلن ذلك زين العابدين ابن الإمام الحسين فقال: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَنْ غَلَبَ ودَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَأَذِّنْ ثُمَّ أَقِمْ. ومعنى ذك أنه ما دام الأذان والإقامة والصلاة باقية فالإسلام هو الغالب والمنتصر وهذا هو هدف الحسين. أي بقاء الإسلام متقد الجذوة صحيح المسار بينما كان استهدف يزيد محو الإسلام وحرفه عن الجادة الصحيحة وهو الهدف الذي لم يتحقق. وعلق الشيخ صالح الكرباسي أحد علماء الدين المعاصرين قائلا "إذا أردت أن تعرف المنتصر ألق بنظرة إلى كربلاء خاصة في محرم وصفر ستعرف من المنتصر، وانظر أيضاً إلى مجالس الحسين في العالم فستعرف من هو المنتصر ومن هو المهزوم، وانظر أيضاً إلى ضريح الحسين(عليه السَّلام) في كربلاء وإلى الجموع المليونية في كل مناسبة وغير مناسبة التي تحوم حول القبر الشريف تعرف من المنتصر". وفي كتاب لعبد الله بن عمر إلى يزيد إثر مقتل الحسين قال "عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتِ الْمُصِيبَةُ وَحَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ حَدَثٌ عَظِيمٌ، وَلَا يَوْمَ كَيَوْمِ الْحُسَيْنِ" فرد عليه يزيد مبينا أهدافه التسلطية قائلا " يَا أَحْمَقُ، فَإِنَّنَا جِئْنَا إِلَى بُيُوتٍ مُنَجَّدَةٍ، وَ فُرُشٍ مُمَهَّدَةٍ، وَ وَسَائِدَ مُنَضَّدَةٍ، فَقَاتَلْنَا عَنْهَا، فَإِنْ يَكُنِ الْحَقُّ لَنَا فَعَنْ حَقِّنَا قَاتَلْنَا، وَ إِنْ كَانَ الْحَقُّ لِغَيْرِنَا فَأَبُوكَ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ هَذَا وَ ابْتَزَّ وَ اسْتَأْثَرَ بِالحَقِّ علَى أَهْلِهِ".

وأكد العديد من المشاهير في مختلف العصور أن الحسين هو المنتصر الحقيقي لخلود أهدافه وبقاء نهجه مستمرا ومؤثرا إلى هذه الساعة فقال غاندي " تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فانتصر" وقال شارلس ديكنز "إن كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام". وقال توماس كارليل "ما أثار دهشتي هو انتصار الحسين رغم قلّة الفئة التي كانت معه". وقال جيبون "إن مذبحة كربلاء قد هزّت العالم الإسلامي هزاً عنيفاً ساعد على تقويض دعائم الدولة الأموية". وقال فلهاوزن "بالرغم من القضاء على ثورة الحسين عسكرياً، فان لاستشهاده معنى كبيراً في مثاليته".

من القاتل الحقيقي؟

صدمت بهذا السؤال في أثناء رحلتي إلى التاريخ عبر الكتب ووجدت له صدى مترددا حتى اليوم ما يشير إلى مؤامرة حيكت خيوطها في جنح الظلام أو في غفلة عن الأعين استهدفت تبرئة يزيد من دم الحسين وإلصاق التهمة بشيعة الحسين ومحبيه وغدا البعض بسبب الإعلام المضاد للشيعة يردد بلا إدراك مقولة أن الشيعة هم من قتل الحسين بعد أن عاهدوه وخانوه ثم ندموا بعد ذلك فأخذوا يبكونه وينوحون عليه الليل والنهار. وهي كلمة تشبه إلى حد بعيد تلك الشائعة التي أطلقها معاوية عندما قتل عمار بن ياسر، وكان الناس يروون حديث الرسول(تقتله الفئة الباغية)، فقال معاوية: ما قتلناه، إنما قتله من أخرجه! يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام). وهذا على ما يبدوا وأكده عدد من المؤرخين والكتاب ديدن الأمويين في كل زمان فهم يطبقون المثل القائل (رمتني بدائها وانسلت). ولذا قررت أن أسأل عن صفات شيعة الحسين لأعرف إن كانت التهمة تليق بأمثالهم أم لا؟ وكان مجيبي هذه المرة الحسين نفسه وأبوه علي والأئمة من أولاده إذ وصفوا شيعتهم على مر التاريخ بعبارات منها: (شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيراً. شيعتي من لم يهر هرير الكلب، ولم يطمع طمع الغراب. شيعتنا أهل الورع والاجتهاد وأهل الوفاء والأمانة وأهل الزهد والعبادة. شيعتنا من قدم ما استحسن وأمسك ما استقبح وأظهر الجميل وسارع بالأمر الجليل، رغبة إلى رحمة الجليل، فذاك منا وإلينا ومعنا حيثما كنا. ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله. شيعتنا هم الشاحبون الذابلون الناحلون، الذين إذا جنهم الليل استقبلوه بحزن. إنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر. امتحنوا شيعتنا عند ثلاث: عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها، وعند أسرارهم كيف حفظهم لها عند عدونا، وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها. إن شيعتنا من شيعنا واتبع آثارنا واقتدى بأعمالنا. إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى: بالسخاء والبذل للإخوان، وبأن يصلوا الخمسين ليلا ونهارا. لا تذهب بكم المذاهب، فو الله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل). ولو طبقنا هذه الصفات على قتلة الحسين هل تجد لها عينا أو أثرا؟ أجاب كل من عرضت عليهم السؤال بالنفي. ولما عرضت الأمر على الحسين مرة ثانية رأيته يستخدم لفظ شيعة في معرض الحديث مع خصومه قبل المعركة ولكنه يصفهم بشيعة أبي سفيان إذ يروي المؤرخون أن الحسين خاطب أعداءه غير مرة بالقول: ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان.

وتساءلت أيضاً: هل كان عمر بن سعد بن أبي وقاص من شيعة الحسين؟ أم عبيد الله بن زياد أم الشمر أم حرملة وغير أولئك القتلة؟! وأحلت السؤال إلى أحد الكتاب المعاصرين فقال لو فرضنا وفرض المحال ليس بالمحال أن من هؤلاء من كان في سالف عمره متشيعاً لعلي فهل بقي على تشيعه وقد أقدم على قتل الحسين؟ أم أنه انقلب على عقبيه وخرج من ربقة الإسلام بله التشيع؟! ولو ادعى بعد ذلك أنه شيعي هل تنفعه دعواه؟!

هل يزيد برئ؟

وجهت هذا السؤال إلى جمهرة كبيرة من رجال الحديث وكتاب السير والمؤرخين فأجمعوا على أن "يزيد بن معاوية أرسل إلى عامله في المدينة أن يأخذ له البيعة جبرا من الحسين عليه السلام فإن أبى فليقتله! ثم لما تخلص الإمام الحسين عليه السلام من حاكم المدينة، وذهب إلى مكة، أرسل إليه يزيد من يغتاله ولو عند الكعبة ! وعندما توجه الحسين عليه السلام إلى العراق بعث يزيد زيادا بن أبيه واليا على العراق، وأمره أن يرسل جيشا إلى الحسين، ولا يقبل منه إلا بأن يبايع يزيد أو ينزل على حكمه فيه ! وأمره إن أبى أن يقتله ويوطئ الخيل صدره وظهره، ويبعث إليه برأسه ! وفي هذه المدة التي امتدت أكثر من خمسة أشهر، من نصف رجب حيث مات معاوية إلى العاشر من شهر محرم، كانت المراسلات بين يزيد وعماله في الحجاز والعراق متواصلة في قضية الحسين عليه السلام فالذي يدعي أن ابن زياد تصرف من نفسه بدون أمر يزيد، فهو جاهل أو مكابر". وقال الشبراوي "ولا يشك عاقل أن يزيد بن معاوية هو القاتل للحسين، لأنه هو الذي ندب عبيد الله بن زياد لقتل الحسين". وقال التفتازاني "والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت الرسول مما تواتر معناه، لعنة الله عليه، وعلى أنصاره وأعوانه".

لكن ابن تيمية انفرد بمخالفة الرأي السائد والمتواتر فقال "إن يزيد لم يظهر الرضا بقتله. وإنه أظهر الألم لقتله، والله أعلم بسريرته وقد علم أنه لم يأمر بقتله ابتداءً". لكنه استدرك قائلا "ولكنه(يزيد) مع ذلك ما انتقم من قاتليه، ولا عاقبهم على ما فعلوه إذ كانوا قتلوه لحفظ ملكه! ولا قام بالواجب في الحسين وأهل بيته، ولم يظهر له من العدل وحسن السيرة ما يوجب حمل أمره على أحسن المحامل". مؤكداً أن "يزيد بن معاوية قد أتى أمورا منكرة منها وقعة الحرة".

وبرأي الكاتب الصحفي عقيل أبو غريب إن "قراءة سريعة للوثائق التاريخية تؤكد بما لا يقبل الشك مطلقا بأن يزيد متورط غارق حتى أذنيه في وحل الجريمة ولا مجال لتبرئته منها. كيف وقد اعترف هو شخصياً بجرمه حين تمثل بأبيات شعرية لابن الزبعرى مستخفاً بالنبي وبالرسالة السماوية ومتشفياً بقتله الحسين؟!".

حدث متجدد

في الجولة النهائية من هذا التحقيق بلغت حقيقة مفادها أن مقتل الإمام الحسين هو حدث الماضي والحاضر ويرجح بقوة أن يكون حدث المستقبل حتى يوم القيامة نظراً لامتداد أثره وحرارة ذكراه في قلوب وعقول المسلمين إلى جانب الزخم الروحي الكبير الذي خلقه في ضمير بني البشر.

يرى الشيخ مصطفى العاملي أحد عالم دين لبناني أننا "عندما نتحدث عن عاشوراء الإمام الحسين فلا يمكن أن نجد عبارة تحكي عاشوراء سوى عاشوراء". ويتابع "مهما حاول المتحدثون أو المحللون أن يعطوا أوصافا أو يطلقوا تسمية حول عاشوراء فإنها تبقى عاجزة عن أن تحيط بمعنى عاشوراء لأن كل التسميات ما هي إلا إشارات تدل على بعض معاني عاشوراء التي تحكي قصة الحياة من البداية إلى النهاية". ويؤكد العاملي "إن قصة المواجهة الأولى بين الحق والباطل منذ قتل قابيل هابيل تتجسد في أبلغ صورها في مواجهة كربلاء التي جسدها وارث آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وراث أمير المؤمنين ووارث الحسن.. إنه الحسين وستبقى ذكراه عنوانا للحق في مواجهة الباطل". ويقول الإعلامي علي الخفاجي "إننا لم نزل نعبر وجدانيا عن واقعة الطف بالفاجعة وما زالت رغم مرور مئات السنين دموعنا تتفجر كلما تذكرنا مصرع الحسين وأولاده وأصحابه". ويتابع القول "يكمن وراء تلك الفاجعة قدر أكبر من تصوراتنا، لأن الأمر مرتبط بالله تعالى. ولقد كان من مصاديق هذا القدر العظيم سقوط الحسين جسدا على أرض كربلاء ليصبح بذلك سببا في توهج النور المحمدي من جديد. ذلك النور الذي كاد يخبو بفعل مؤامرات المنافقين" ويوضح الخفاجي "لأن نور الحسين من نور محمد ونور محمد من نور الله تعالى، كتب لهذا النور أن يظل متوهجاً في مسيرة الحياة، وأن يشع في الآفاق كما قدر له أن يدوم بدماء الشهداء من الصديقين والصالحين". ويقول الكاتب الصحفي عقيل أبو غريب "الدليل على أن حدث عاشوراء باق مع الزمن هو امتداد تأثيره مع كل الأزمان فالحسين ونهضته ما تزال تحرك بوصلة التاريخ وتمنحه مضمونا حيويا وشكلا متجددا تعبر عنه الشعائر التي يقيمها الموالون والمحبون في كل أرجاء الدنيا إلى جانب زوال أعدائه شخصا وفكرا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/كانون الأول/2010 - 9/محرم/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م

[email protected]