الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

شخصية الإمام الحسين من أين استقت ينابيعها؟

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: في شخصية الإمام الحسين(ع) احتشدت صفات زاخرة بالمواهب والعبقريات حتى سبغت عليها من جاذبية الشخصية الموفورة ما كانت تملأ نفوس الناس رهبة وإعجابا فإذا برز الى الناس تحلقوا بين يديه حتى قال معاوية لرجل من قريش : ( إذا دخلت مسجد رسول الله فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله) . وروى ابن كثير أن الحسين لما خرج من المدينة الى مكة عكف الناس على الحسين يفدون إليه ويقدمون عليه ويحبسون حواليه ويستمعون كلامه.

تلك الجوهرة التي أنجبتها الزهراء وصاغها علي(عليهم السلام) وتعاهدها الرسول محمد(صلى الله عليه وآله).

فيروي أبو هريرة أن النبي(ص) كان يقبل حسينا وهو يقول اللهم أحببه فاني أحبه ليذر في نفس الغلام من المعاني النبيلة ما تسمو عن التعبير فكان الغلام يؤلف في ذاته الاشعاعات التي كان يرسلها على الناس جده وأبوه كما تفعل العدسة البؤرية بضوء الشمس لينير الأفق عندما يتوارى الشمس والقمر.

هكذا أصبح الحسين(ع) صورة مصغرة ونموذجا واعيا للرسول(ص) حتى كان للرسول (ص) وجودان : وجود في نفسه ووجود في حفيده الحسين(ع) ، وكان للحسين(ع) وجودان: وجود في نفسه ووجود في جده الرسول(ص) ، وكأنهما مظهران لحقيقة واحدة يعرفها كل فيهما سواء بسواء كما عبر النبي الأكرم (ص) عن هذا الواقع أدق وأصدق تعبير عندما قال: ( حسين مني وأنا من حسين).

وإذا فطر الناس على أن يحبوا أنفسهم قبل كل شيء فان أصحاب الرسالات السماوية وعلى رأسهم النبي العظيم (ص) لا يعرفون أنفسهم ولا يعترفون بأي شيء إلا بمقدار ما فيها أداء لرسالتهم وخدمة لهدفهم السماوي ، فالرسول كان لا يحب الحسين إلا لأنه يرى فيه امتدادا لرسالة السماء وكان يفضل حسينا على أبنائه الآخرين لأن رسالته كانت متمثلة في الحسين. لذلك لما خيره الله تعالى بين الحسين ونجله ابراهيم بادر النبي (ص) الى اختيار الحسين على ابراهيم فكان إذا رآه بعد ذلك قال أفدي من فديته بأبي . والحسين هو الذي تحدث النبي (ص) عنه وعن أخيه الحسن قائلا: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) و ( الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا) و (الحسن والحسين سبطا هذه الأمة و (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا).

ترعرع الحسين(ع) في هذه البيئة الحافلة حتى استوت حياته عظمة من التاريخ ولكنها تجمع التاريخ كله ولا تخضع للحدود والزمان والمكان وإذا وفق العلم بعض التوفيق لتحليل الشخصيات البسيطة فإنه لم يوفق حتى الآن لتحليل الشخصيات المتضاعفة التي تستند الى مظاهر أخاذة لكل منها أغوار بلا قرار فلا يجد الباحث إلا أن يقف أمامها وقفة الشاعر المتيم ليترنم بألفاظ التقديس والاجلال كما فعل حكيم المعرة أبو العلاء اذ يخاطب الإمام الحسين بقوله :

وعل الدهر من دماء الشهيدين... علي ونجله شاهدان

فهما في أواخر الليل فجرا... وفي أوليانه شفقان

ثبتا في قميصه ليجيء... الحشر  مستعديا الى الرحمن

يابن مستعرض الصفوف ببدر... ومبيد الجموع من غطفان

أحد الخمسة الذين هم... الاغراض في كل منطق والمعاني

والشخوص التي أضاء سناها... قبل خلق المريخ والميزان

وحسب الحسين أن يكون من أهل البيت اللذين مدحهم القرآن الكريم ففيهم نزلت الآية وخاطبهم القرآن هاتفا: ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) .

وكفاه نبوغا قوله: ( الناس عبيد الدنيا ،  والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون) .

ويكفيه شجاعة قول حميد بن مسلم : ( والله ما رأيت مكثورا قط أربط جأشا من الحسين بن علي إذ كانت الرجال تشد عليه فيشد عليها فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب).

وهل يذكر التاريخ بطلا تجيش في نفسه المطامع الثورية فإذا غمره الليل وضع جبهته على التراب وناجى ربه بأدعية ترددها المحاريب عشرات القرون.

وهل رأت النجوم إماما تنهال عليه الناس في قضاياهم الدينية ويعترفون له بالقيادة الروحية فإذا فضل من النهار شيء اشترك في فلاحة الأرض وحفر الآبار وإذا كان الليل هزيعا يلف هزيعا وظلاما يدفع ظلاما حمل على متنه جرابا وطاف على دور الفقراء يزودهم بالتمر والدقيق والماء حتى كان على كتفه جرح من أثر الجراب.

وهل عرفت الحياة قائدا يلقى جيش العدو الغاشم وقد أمضه العطش فيقول لأصحابه اسقوهم ورشفوا الخيل ترشيفا.

أو هل يذكر الناس مسلما طوقه الجيش المقاتل حتى قضوا على أصحابه وكادوا أن يأتوا عليه ثم لا يغفل الصلوة فيؤديها بمن بقي معه في أول الوقت والسهام تنهمر عليه ؟

ومن ذا وجد إنسانا ازدحم عليه العدو ثلاثون ألفا في ليلته الأخيرة وهو ينتظر الموت على موعد مع الصباح ثم يجمع أنصاره في هدأة الظلام ويغريهم بالتفرق عنه تحت جنح الظلام ، سوى الإمام الحسين بن علي(ع) ذلك الإمام الثائر الذي أنقذ الإسلام ونفخ فيه الحياة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.

بتلك الثورة العارمة التي بقيت على كف الخلود جذوة فتية تتفرع فتعطر الأرض غنية صخابة تلوي الرقاب وتحطم العروش.

وما ضر الحسين إن فاته الحكم أن يحكم في رقاب الناس فهو لم يخرج إلا ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وقد فعل ذلك وأدى رسالته كاملة غير منقوصة وحكم في قلوب الملايين عشرات الأجيال وقد عرض نفسه ورسالته على الحياة بقلمه ولسانه كما شاء ولم يستطع أعداؤه أن يقضوا عليه ويبيدوا آثاره.

فالحسين لم يمت كما شاء الموت ولن يموت كما أراد أعداؤه بل برجاء حياته عاشت أفكار وتفتحت أبصار، وله في قلوب أعدائه وأوليائه أعلى القمم.

وما ضرت الدنيا أو احتشد وتضافر الكون والحياة والإنسان وسخت ينابيع الخير والعبقرية والنبوغ وتوحدت قيم الحياة وعناصر الفضيلة وتناوبت طاقات الكمال والمعجزات لتنتج في كل جيل حسينا ينير الطريق ويلوح للتائهين ان سيروا ورائي إن كنتم تحبون الحياة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/كانون الأول/2010 - 8/محرم/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م

[email protected]