يقول الكاتب الإنكليزي توماس لايل: لم يكن هناك أي نوع من
الوحشية أو الهمجية، ولم ينعدم الضبط بين الناس فشعرت في تلك
اللحظة وخلال مواكب العزاء وما زلت اشعر بأني توصلت في تلك اللحظة
إلى جميع ما هو حسن وممتلئ بالحيوية في الإسلام، وأيقنت بان الورع
الكامن في أولئك الناس والحماسة المتدفقة منهم بوسعهما أن يهزا
العالم هزاً فيما لو وجّها توجيهاً صالحاً وانتهجا السبل القويمة
ولا غرو فلهؤلاء الناس واقعية فطرية في شؤون الدين...
ليس قليلاً ما كتب عن ثورة، أمام الصابرين، الحسين بن علي(ع)..
وليس عميقاً كجرحه ذلك الذي كتب ليؤشر لمسيرات من الحزن غيرت مجرى
التأريخ الأسلامي منذ ألف وأربعمائة عام تقريباً.. تلك المسيرات
الفطرية التي أصبحت قداساً ضخماً يتستذكر فيه أهله عظم مأساتهم وما
تركته من ترويع في عمق تأريخ البشرية جمعاء.. جرحاً كبيراً مازال
حتى يومنا هذا ينزف ألماً وحسرة على قتل أبن بنت رسول الله وخاتم
أنبياءه محمد (ص).
ومايشير اليه الكاتب آنف الذكر عن عظمة تلك المسيرات بالمواكب
التي تسير مجبولة على حب آل الرسول العظيم(ص) وما يمكنها من أن
تحدثه من نقلة نوعية كبيرة، إذاما تمت وفق رؤى فكرية تتوجه في
أهدافها، الى بناء مجتمع متكامل خال من مظاهر التعصب والجاهلية
ومنفتح على آفاق أوسع من البنيان الاجتماعي الحديث الذي نبغي منه
الوصول الى بناء نسيج إجتماعي جديد واستبدال ذلك الجلد الذي رقعته
الطائفية ودنست عراه المجاعة الفكرية التي عاشها شعبنا أبان العصور
المظلمة من تأريخ الوطن.
ما قاله الكاتب الإنكليزي توماس لايل لايمثل إلا دعوة نقرأها
بين السطور الى إستغلال تلك الطاقة الهائلة عبر المواكب الحسينية
وتحويلها، باستخدام عوامل حديثة لبناء المجتمع وبنهضة فكرية
مستدامة كبيرة، الى دوافع فكرية بمدلول حديث على مدار العام.. نحن
بحاجة الى تلك القوة لبناء المجتمع وأن يكون انتظارها حتمياً علينا
كي ندخل في صفوف أبناء شعبنا نبث فيهم علم الحسين(ع) الإسلامي
والاجتماعي والجهادي المنظم واستلهام رؤيا الحسين لمستقبل الإسلام
والمجتمع حيث كان نداءه عليه السلام دائماً لتصحيح المسار وكم نحن
الآن بحاجة الى تصحيح المسار أكثر من ذي قبل بعد أن تكاثر جند
الفساد بأنواعه وتعاظمت على شعبنا سيوف التكفير التي أقطعت منه،أو
كادت، أسمى عناوين وحدته وثباته على صراط آل البيت.
علينا أن لا نجمد عقول شبابنا الشيعة فهم طاقة خلاقة متجددة
قادرة على أن تبعث في الحياة نشاطاً هائلاً لبناء المجتمع الحديث
إذا ما وُجهت توجيهاً سليماً معافاً من كل أشكال التخلف التي حدها
الإسلام بحدود بينة للجميع وهم، الشباب، أداة كل بناء ومادة كل
ثورة يراد من إيقاد شعلتها البناء القويم.
أن ثورة الحسين (ع) مادة وعلاج لداء مزمن كابد أفئدتنا منذ زمن
بعيد وهي ليست كغرغرة لعشرة أيام لنمجها ونعود لسالف عهدنا نمارس
حياتنا كما نبتغي لا كما تبتغي تلك الثورة وأئمتها من رفد أكتفانا
بقوة لحمل هول المسؤولية الجسيمة التي ألقيت عمداً على كاهل شبابنا
وجعلتهم يترنحون من عظم ما هم فيه من مصائب دنيوية تراوحت بين
العطالة، قلة المال، والفساد وكبت مافتيء يطيح بكل أحلامهم ببناء
الوطن.
ثورة بيضاء نريدها نخرج منها النبال والسيوف التي تواترت على
تقطيع الحسين (ع) واهل بيته الأطهار لتذرف الدماء على ثرى كربلاء
الثورة التي تعطرت بأزكى الدماء على وجه البرية.. ومثلما لازال
الحسين يسكن جوفنا المحزون المكلوم به لازال الشمر يربض فوق ثرى
العراق يجز رؤوس الخير أينما أينعت بثمار ثورتنا المقدسة وفوق
الإنسانية جمعاء تبقى ذكرى أناس ليسوا ككل البشر تقطع رقابهم على
أن يمس حرمهم شيئاً، فالحسين وعلى رقبته سيف الجاهلية ينادي حرمي.
حرمي... فأين نحن من صون أعراضنا وتربيتهن على حب الوطن والبذل في
سبيله وأين نحن من الذي كسب الدنيا والأخرة وليس في بيته درهم وأين
نحن من من أرتضى لنفسه أن يسلب كل شيء وخده التريب ينذر بخراب
النفوس ويخشى على الأمة من الضياع..الضياع الذي أشره الحسين(ع)
متمثل بأئمة الكفر الذين أصبحت فتاواهم سيوف بيد الشمر تقطع كل ما
هو جليل في وطن الثورات المحمدية.
ولسوف لن يموت الشمر مالم يمت الجهل معه ولن يموت يزيد حتى يزهو
وطننا بالبناء الصحيح ونبذ كل طائفية صدأة، ننظف قلوبنا وعقولنا
ونتوحد لننطلق في أفق المستقبل الرحب نحمل وطننا وجرحنا.. نستذكر
من الجرح ما يبني الوطن ونستعين بالله والوطن للصبر على جروحنا
الأبية.
zzubaidi@gmail.com |