الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

الإمام الحسين (ع) ومقاومة الظلم

الشيخ عبدالله اليوسف

مدخل

 يعد الظلم من أخطر الآفات المهددة للمجتمعات البشرية بالانهيار والزوال والدمار، فما ساد الظلم في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية وإلا وساده انتهاك حقوق الإنسان، وانعدام الاستقرار الاجتماعي، وسلب الحريات الفردية والعامة، وضياع الحقوق، وغياب العدل، وانتشار الفساد والمفسدين. لذلك حذر القرآن الكريم من ممارسة الظلم، وتوعد الظالمين بسوء العاقبة كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } وقوله تعالى:{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

 ولأن الظلم من أقبح الذنوب والمعاصي، ولأنه قبيح في ذاته، ويمتد ضرره إلى الآخرين، خصوصاً إذا كان الظالم من المتنفذين في أي موقع كان، إلا أن الحاكم الظالم هو الأشد خطراً وضرراً لأن ظلمه سيصل إلى كل الناس، لذلك اعتبر الله سبحانه وتعالى أن من لا يحكم بما أمر الله به فهو من الظالمين، كما في قوله تعالى:{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

 والظالمون قد أعد الله لهم العذاب الأليم كما في قوله تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } وهذا العذاب الأليم دائم في جهنم، حيث يخلد الظالمون فيها كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى: {أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ }.

 الإمام الحسين (ع) ورفض الظلم

 الظلم مرفوض من أي شخص صدر، وتجاه أي شخص أو فئة أو مجتمع وجه إليه، ولأنه لا يجوز السكوت عن الظالم، بل يجب نهيه عن ظلمه، وكلما كان الظلم صادراً من الحاكم كان ضرره أشد وأخطر، لذلك عندما رأى الإمام الحسين (ع) أن يزيد بن معاوية قد أوغل في ممارسة الظلم، وإحياء البدعة، وإماتة السنة، أعلن ثورته ونهضته ضد حكمهالظالم، فقد خطب الإمام الحسين (ع) خطبة بأصحابه وأصحاب الحر وضح فيها دوافع ثورته فبعد أن حمد الله وأثنى عليه، قال (ع):

 ((أيها الناس، إن رسول الله (ص) قال: (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله،) ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيّر)).   

 فالإمام الحسين (ع) في هذه الخطبة يوضح معالم الحكم الظالم وسياسية الظالمين وهي:

 1- طاعة الشيطان واجتناب أوامر الله عز وجل. (قد لزموا طاعة الشيطان).

 2- نشر الفساد بمختلف صوره وأشكاله. (وأظهروا الفساد).

 3- تعطيل الحدود الشرعية، ووضع قوانين وضعية. (وعطلوا الحدود).       

 4- الاستئثار بالأموال واحتكار القدرات الاقتصادية والمالية. (واستأثروا بالفيء).

 5- تحليل الحرام وتحريم الحلال في مخالفة صريحة لما أمر الله تعالى به. (وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله).

 ومن يقرأ التاريخ، ويطلع على سياسية الظالمين سيجد أن هذه المرتكزات للحكم الظالم هي نفسها على طول التاريخ وإن اختلفت في التفاصيل.

 وعندما رأى الإمام الحسين (ع) أن الحكم القائم في زمانه لا يمكن أن يتغير بالوسائل السلمية، وأن الدين في خطر، وأن الواجب يحتم عليه الذهاب إلى إعلان الثورة ضد الحكم الأموي، وإن كان الثمن غالياً، لم يتردد في اتخاذ قرار الشهادة، وإعلان الثورة، لأن الحفاظ على الدين، وفضح دعاوى الظالمين، والثبات على القيم والمبادئ أهم من الحياة في ظل الظلم والاستبداد والقهر والذل، وهو القائل (ع) ((لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد)).

 فها هو الإمام الحسين (ع) يقف خطيباً ليعلن أن الموت في سبيل الحق سعادة، وأن العيش في ظل الظالمين شقاء وتعاسة، يقول (ع) ما نصه: ((إن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها واستمرت جداً، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا شهادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا برماً)).

 وبهذا أوضح لنا الإمام الحسين بن علي (ع) أن من دوافع ثورته ونهضته المباركة هو رفض الظلم ومقاومة الظالمين، وأن المنتصر في هذه المعركة هو من يتمسك بمبادئه وقيمه، وهو ما أثبت التاريخ حقيقته حيث انتصر الدم على السيف، والحق على الباطل.

 فالإمام الحسين (ع) يصدح باسمه كل المسلمين، ويرفع رايته كل إنسان حر وشريف، ويناضل باسمه كل مكافح ومجاهد ضد الظلم والظالمين. وأما أعداء الحسين (ع) فلم يبق لهم من التاريخ إلا الذكر السيئ، واللعن الدائم عليهم، حيث أمر القرآن الكريم بلعن الظالمين كما في قوله تعالى : { أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } فالظالم مخالف لأوامر الله تعالى حيث يجتنب تطبيق العدل والإحسان، ويتعمد ارتكاب أعظم الموبقات وهو ظلم العباد.

 مقاومة الظلم

 الظلم بمختلف أشكاله وصوره قبيح ومذموم ومرفوض شرعاً وعقلاً ومنطقاً، والظلم له مجالات عديدة، وصور متنوعة، فقد يمارس أحدنا الظلم ضد نفسه وذاته، وقد يمارس الظلم ضد عائلته وهو ما يسمى بـ(العنف الأسري)، أو يمارس العنف ضد مجتمعه من خلال ما يمتلك من نفوذ وقدرات كبيرة، وأشد الظلم وأخطره أن يمارس الحاكم الظلم ضد رعيته وشعبه.

 وعندما نستذكر دوافع ثورة الإمام الحسين (ع)، والتي منها دافع مواجهة الظلم ومقاومته، علينا أن نستلهم من سيرة الإمام الحسين (ع) هذا الدافع االموجود في تاريخ البشرية، وإن كان في صور مختلفة، وأشكال متعددة، لكن يبقى الظلم هو القاسم المشترك فيها.

 والسؤال هو: كيف نقاوم الظلم والظلمة؟ وما هو واجبنا تجاه الممارسات الظالمة التي يمارسها الظالمون تجاه المظلومين؟

 يمكن تلخيص الإجابة على هذه التساؤلات من خلال النقاط التالية:

 1- رفض الظلم قلبياً:

 أول خطوة في مقاومة الظلم رفضه قلبياً، وعدم القبول به تحت أي مبرر، فالظلم لا يمكن تبريره لأنه شر مطلق، وعمل محرم، فالله سبحانه وتعالى قد حرم الظلم على نفسه وجعله على غيره محرماً، وأمر بالعدل والإحسان كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}.

 وفائدة الرفض القلبي للظلم هو عدم الاستئناس به، وعدم القبول به، ومن ثم عدم التعاون مع الظالم، أو الركون إليه، لأن الركون إلى الظلمة في ظلمهم أمر محرم بنص القرآن الكريم كما في قوله تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّار}.

 ولأن الظلم أمر محرم شرعاً وعقلاً، فإن الواجب علينا رفضه بغض النظر عن مصدره، ومهما كان حجمه ونوعه وصورته، فالظلم شر محض يجب رفضه.

 2- مقاومة الظلم بالبيان والتعبير:     

 ثاني الخطوات المهمة في مقاومة الظلم هو الجهر بالمظلومية، والتشهير بالظالم بمختلف الوسائل كالبيان بالقلم، أو التعبير باللسان، أو حتى بالدعاء على الظالم.

 فالجهر بالمظلومية والتشهير بالظالم من الأساليب التي أشار إليها القرآن الكريم في مواجهة الظلم، إذ يقول تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً }.

 وقد استفاد الفقهاء من هذه الآية الشريفة على حرمة الغيبة وجواز التشهير بالظالم من قبل المظلوم، قال الشيخ الأنصاري: تظلم المظلوم وإظهار ما فعل به الظالم وإن كان متستراً به كما إذا ضربه في الليل الماضي وشتمه أو أخذ ماله جاز ذكره بذلك عند من لا يعلم ذلك منه لظاهر قوله تعالى: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } وقوله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ }.

 وإن في منع المظلوم من هذا الذي هو نوع من التشفي حرجاً عظيماً ولأن في تشريع الجواز مظنة ردع للظالم وهي مصلحة خالية عن مفسدة فيثبت الجواز لأن الأحكام تابعة للمصالح، ويؤيده ما تقدم من عدم الاحترام للإمام الجائر.

 وحيث لا كرامة لظالم، سواء كان فرداً ويمارس ظلمه على أفراد محدودين، أو كان حاكماً ويمارس ظلمه على جميع الناس، فكما يجوز للمظلومين التشهير بالظالم في الأمور الفردية، كذلك ـ ومن باب أولى ـ أنه يجوز بل قد يجب التشهير بالحاكم الظالم من أجل رفع الظلم الاجتماعي عن الناس، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

 أما السكوت عن الظلم، والقبول به فإنه يؤدي إلى يشجع الظالم على ظلمه، ويحفزه نحو المزيد من الظلم، وانتهاك حقوق الآخرين.

 والواجب علينا -بالإضافة إلى مقاومة الظلم بكل الوسائل الممكنة والمشروعة- مساعدة المظلومين، والمطالبة بحقوقهم، والدفاع عنهم، والوقوف معهم.

 فالوقوف مع المظلومين، ومساعدتهم معنوياً ومادياً، ومطالبة الظالم برفع الظلامة عن المظلومين، ورد الحقوق إليهم سيدفع الظالم – ولو بعد حين – إلى التراجع عن ظلمه، وإنصاف المظلومين، فما ضاع حق وراءه مطالب كما قال أمير المؤمنين (ع).

 3- مقاومة الظلم عملياً:

 المقاومة العملية ضد الظلم تعني العمل بمختلف الوسائل والآليات الممكنة لتغيير الواقع من الظلم إلى العدل، ومن الفساد إلى الإصلاح، ومن الجور إلى الإحسان، ومن انتهاك الحقوق إلى ضمانها والدفاع عنها.

 والوسائل لتحقيق التغيير الاجتماعي تختلف من زمان لزمان ومن مكان لآخر، فليس المطلوب هو نسخ الوسائل وتطبيقها في كل زمان ومكان، بل المطلوب البحث عن أفضل الوسائل المناسبة لمقاومة الظلم عملياً، وتحقيق العدل، وهو ما يتطلب جهوداً كبيرة ليتحقق ذلك على أرض الواقع.

 والتغيير الاجتماعي قد يتطلب ثورة أو انتفاضة أو نهضة كما قام بذلك الإمام الحسين (ع)، وكما حدث طوال التاريخ من ثورات حتى في المجتمعات غير المسلمة كالثورة الفرنسية أو الثورة ضد الحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية، وقد لا يتطلب الأمر ذلك، بل البحث عن وسائل جديدة ومؤثرة وقادرة على التغيير الاجتماعي.

 فالمهم هو مقاومة الظلم عملياً، وعدم القبول به، وعدم السكوت عنه، والسعي بجد وإخلاص حتى تحقيق العدل والعدالة الاجتماعية.

 فالإمام الحسين (ع) عندما ثار وضحى واستشهد لم يكن أمامه سوى هذا الخيار من أجل إحداث التغيير المطلوب، ومقارعة الظلم، وإحلال العدل.

 وقد استطاع الإمام الحسين (ع) بثورته أن يحدث صدمة في المجتمع الإسلامي، فحدثت بعد تلك الفاجعة الكثير من الثورات والانتفاضات المتتابعة كثورة التوابين وثورة المختار الثقفي، وانتهى الأمر بسقوط الحكم الأموي عام 132 هـ، على يد العباسين الذين رفعوا شعار مظلومية بني هاشم والتشهير بظالميهم، وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/كانون الاول/2009 - 12/محرم/1431

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م

[email protected]