الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

سيد الشهداء.. تجسيد لعناوين الحرية والثورة

لقب انحصر باسم الإمام الحسين (ع)

محمد طاهر محمد

 

شبكة النبأ: اقترنت لفظة (الشهادة) باسم الامام الحسين (ع) بكل ما توحيه هذه الكلمة من دلالات وبكل ما تحمله من معنى، إذ تجسدت الشهادة في جميع أقواله وأفعاله (ع) منذ ان اكتملت لديه بواعث الثورة ضد الظلم والطغيان ومنذ انطلاق ذلك الصوت الهادر من المدينة المنورة حتى تتويج الثورة بأسمى عناوين الشهادة في التاريخ في ربى كربلاء.

فكانت تلك الملحمة (اكبر من أن تستوعب في معنى لفظي ذي أبعاد محدودة وأعظم من أن تقاس بمقياس بشري) -1-.

لقد حملت تلك الروح الكبيرة على عاتقها مسؤولية الثورة والنهوض بهذا الدور الكبير الذي أذهل الجميع إذ كان البطش الاموي يسكت كل الاصوات حتى أيقنت الامة أن لا مفر من هذا القدر المحتوم وهي ترى رضوخ البعض لهذا الواقع الفاسد خوفاً فأثر السلامة بقوله: (أذا بايع الناس، بايعت) -2-.

ورفض البعض الآخر البيعة لدوافع دنيوية أذ لم يكن له مبدأ من هذا الرفض سوى الطمع في الخلافة فكان يماطل ويتيحن الفرص لجمع الاعوان والانصار للوصول الى الملك بكل وسيلة حتى أدت أطماعه الى قتله في الكعبة وانتهاك حرمتها-3-.

أما سليل الوصي وحفيد الرسول وأبن علي والذي ورث الشهادة فهو ابن الشهيد وأخ الشهيد وابن أخ الشهيد وسيد الشهداء فقد أعلن ثورته الخالدة على مسامع وأنظار الجميع (أنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله).

لقد كانت رسالة الحسين (ع) وما زالت امتدادا لرسالة جده الرسول الكريم (ص) وامتداد لسيرة أبيه أمير المؤمنين (ع) فأعلن بذلك الصوت المدوي أن شعلة الاسلام لا يمكن أن تنطفىء فهي متجسدة فيه فهو معدن الرسالة وبقية النبوة ومبادؤه لا تنفصل عن مبادئ الاسلام فقام بدوره التاريخي لأحياء شريعة جده وإنقاذها من أيدي العابثين: (أني لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وأنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) لقد رسم الامام الحسين (ع) في هذه الكلمات أهداف ثورته وأوضح معالم نهضته الإصلاحية، فعزم على الثورة مصمماً في المضي على طريق الجهاد فكانت هناك محاولات حريصة من البعض لثنيه عن عزمه لأجل سلامته وعدم مخاطرته ولكنها كلها تلاشت أمام الارادة الصلبة فقد كانت القضية أجل وأسمى وأعظم من أن تثنيها تلك المحاولات فلم تكن قضية شخصية بل كانت قضية الامة (كانت قضية الاسلام ومصيره، والمسلمين ومصيرهم...واذا صمت المسلمون جميعهم تجاه هذا الباطل الذي أنكره البعض بلسانه وينكره الجميع بقلوبهم، فمعنى ذلك، أن الاسلام قد كف عن أنجاب الرجال!!.

(معناه أن المسلمين قد فقدوا أهلية الانتماء لهذا الدين العظيم...ومعناه أيضاً ان مصيرهم الاسلام والمسلمين معاقد أمسى معلقاً بالقوة الباطشة فمن غلب ركب ولم يعد للقرآن ولا للحقيقة سلطان) وهذه هي القضية في خروج الحسين، وبهذا المنطق أصر على الخروج ))-4-.

 ففي سبيل هذه القضية ترخص النفوس ويستهان بالموت لكي تبقى العقيدة ناصعة، وكان الامام الحسين يعرف ما يقوم به كما كان يعي النتائج والمعطيات المترتبة على نهضته المباركة (خط الموت على ولد أدم فحط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربه سغباً، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقربهم عينه وينجز بهم وعده، من كان فينا باذلاً مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فأنني راحل مصبحاً أن شاء الله ).

لقد جسدت المبادىء الحسينية المستندة الى نبي الاسلام محمد (ص) والامام علي (ع) ذروة العطاء البشري وهذا ما جعلها خالدة في ضمير الاجيال على مر الزمان وتباعد الحقب فأصبحت درساً متجدداً ومستمراً لكل أمة ترفض الذل والخنوع، لقد أنار الحسين بدمه الطاهر طريق الأحرار والمجاهدين للثورة على كل أنواع الظلم والاستبداد فقد بسخاء نفسه الزكية ونفوس أهل بيته وأصحابه لكي يعلم الانسانية قيمة الحرية والكرامة:

كيف يلوي على الدنية جيداً          لسوى الله ما لواه الخضوع

ولديه جأش أرد من الدرع           لظمأى القنا وهن شروع

وبه يرجع الحفاظ لصدر            ضاقت الارض وهي فيه تضيع

فأبى أن يعيش إلا عزيزاً            أو تجلى الكفاح وهو صريع -5-

لقد قام الإمام الحسين بدوره الشرعي كونه وريث الدعوة المحمدية والسيرة العلوية التي حطمت أغلال الوثنية والعبودية فكان الوهج الذي أضاء المناهج الصحيحة للإسلام المحمدي الاصيل فكشف جرائم الامويين واستهتارهم وفضح ما يضمرونه من شرك وشر وسوء للإسلام واستغلالهم الدين لا يهام الناس بأن كل حركة معارضة لهم هي خروج عن الدين فراجت بضاعة وعاظ السلاطين أمثال أبي هريرة وسمرة بن جندب وأمثالهما في وضع الروايات المأجورة لإضفاء الشرعية لحكام بني أمية وتبرير جرائمهم وموبقاتهم وكفرهم داخل هذا الاطار الديني المزيف.

(لقد كان أضمن السبل لتحطيم هذا الإطار الديني هو أن يثور عليه رجل دو مركز ديني مسلم به عند الامة المسلمة بأسرها، فثورة مثل هذا الرجل كفيلة بأن تفضح الزخرف الديني الذي يتظاهر به الحكام الامويون، وأن تكشف هذا الحكم على حقيقته، وجاهليته، وبعده الكبير عن مفاهيم الاسلام، ولم يكن هذا الرجل إلا الحسين ) -6-.

وقد كانت ثورة الحسين ولا تزال عظيمة في منجزاتها وعطائها وأفكارها وأهدافها فهي حية متجددة بروحها الثورية ومنهجها الجهادي الخالد.

أرى كل من يحيا يموت ويستوي          على مسرح الدنيا مغيب ومطلع

وأنت حياة لا تموت على المدى            توالد في خلق وتنشي وتبدع

أبا الثورة الكبرى صليل سيوفها            نشيد بأبعاد الخلود مرجع

  أبا الشهداء الواهبين تحية                   إلى هبةً من غرة الشمس أنصع

      وأن مناراً من دماء رفعته                   ليهدي طريق السالكين مشعشع -7-

أجل انها الثورة بأسمى معانيها كتبها الحسين بدمه بعد ان أدى للبطولة حقها وللشهادة كرامتها وهي الشهادة تقلدها الحسين بتضحيته وعدالة قضيته فالشهادة هي روح الامة وهي الحياة الخالدة (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) وقد تجلت في يوم الطف أروع صور الشهادة.

وماذا أأروع من ان يكون                   لحمك وقفاً على المبضع

وان تطعم الموت خير البنين                من الاكهلين إلى الرضع

وخير الصحاب بخير الصدور              كانوا وقاؤك والاذرع

وخير بني الأب من هاشم                   وخير بني الأم من تبع -8-

ما أنبل هذا المعنى وما أشرف هذا القصد وما أجل هذه القضية، عندما يسير الحسين في الطريق الاوضح الى الله، طريق الجهاد، طريق الاسلام وهو لا يملك سوى نفسه وعدد قليل من أهل بيته واصحابه الذين أجابوا داعي الله ولبوا نداء الاسلام تحت لواء الحق. لقد كانوا على أعظم معنويات وأرفع طاقات شهدها تاريخ الأبطال البواسل!. لم يستوحشوا من قلتهم، أو يخشوا كثرة العدو اللدود.. ولم يستاءوا لندرة عددهم.

((وأنما تكون الندرة هنا أدل على جلالة المرتقى الذي تطيقه النفس الواحدة أو الانفس المعدودات، ولا تطيقه نفوس الاكثرين )) -9-.

لقد كانوا على أعلى درجات اليقين وهم يحفون بسيد الشهداء (والله لا نفارقك، ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا وجبا هنا وأيدينا فأذا نحن قتلنا كنا قد وفينا وقضينا ما علينا )-10-

فبلغوا أعلى الدرجات اليقين والتكامل الروحي في تضحيتهم وإبائهم وبسالتهم وتفانيهم في الشهادة بين يدي سيدهم الحسين (ع).

(لقد أرتفع الابطال جميعاً الى مستوى الموقف المجيد، الذي سيجعلون منه درساً لأجيال الدنيا كلها في الولاء الباهر للحق، وفي التضحية الشاهقة من اجله)) -11-.

فسجل لهم التاريخ كلمات مشرقة من فم سيد الشهداء (أني لا أعلم اصحاباً أوفى من اصحابي ولا أهل بيت خير من أهل بيتي).

       قوم إذا نودوا لدفع ملمة                  والخيل بين مدعس ومكردس

لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا      يتهافتون على ذهاب الانفس

أن إيمان اصحاب الحسين وأهل بيته بقضيته (ع) كانت شعارهم في صلابة موقفهم وهم يذودون عن أبن بنت رسول الله، فهم على يقين أن الايمان بقضية الحسين هو الايمان بما جاء به الرسول الكريم محمد (ص) فطاعة الحسين هي طاعة النبي (ص) والتي هي طاعة الله تعالى فاستبسلوا في دفاعهم عن الحسين حتى أخر رمق وفضوا ما رفض أبو الاحرار حينما دوى صوته في كربلاء (والله لا أعطيهم بيدي أعطاء الذليل، ولا أقرأ أقراء العبيد).

وقد أصبح هذا المعنى الثوري شعاراً لكل انسان يرفض الذل وينشد الحرية.

يا دماً شابت الليالي عليه                وهو للآن في الرمال جديد

يحمل الطف والحسين حساماً           كلما مر بالوجود يزيد

وإذا غرس الخنوع بجيل                وانحنى منه للمذلة جيد

صاح بالرمل من صداه دوي            فإذا الرمل فارس صنديد

هكذا انت كلما افتقر الجيل               لعزم فمن دماك الرصيد

     أن دنيا الخنوع للحرسم                   هي للخانعين عيش رغيد -12-

أجل سيبقى دوي عاشوراء يزعق بكل طاغية فالصوت الذي قال (لا ) للظالمين والظغاة لن يموت مهما تقادمت الليالي والايام وستبقى الدماء غضة طرية ترعب الطغاة وهي تبدع وتجود بالعطاء.

(أن المسار الثوري الذي حفلت به ثورة الحسين (ع) قد عزز الكثير من طموح الشعوب المستغلة من اجل انها من هذه الشعوب وايقاد فتيل الثورة للإطاحة بالنظم المستبدة وإيجاد المجتمعات السليمة التي تحقق للشعوب حريتها وكرامتها وطموحاتها في التخلص من الاستغلال وتطوير الحياة وما يضمن لتلك الشعوب أمنها ورفاهيتها ) -13-.

لقد انعكست مبادئ الثورة الحسينية الاصلاحية على جميع الثورات الاصلاحية التي تلت ثورته المباركة والتي قامت ضد الحكم الفاسد فأصبحت هذه المبادئ عرقاً نابضاً يجري في دم الثوار والمصلحين من المسلمين وغيرهم فكانت شعارهم لطلب الاصلاح في الدين والدنيا، فأسم الحسين أصبح رمزاً للثورة والجهاد ضد كل انواع التعسف والاضطهاد وعنواناً للتضحية والفداء كما اصبح اسمه الشريف مصدر قلق وخطر على كل دعاة الظلم من الطغاة والمستكبرين في كل زمان ومكان.

(بوركت يا سيد الشهداء، وبوركت نهضتك الجبارة فما عرف التاريخ ايمن منها وأكثر بركة أنها علمتنا معنى العزة والكرامة والرجولة والشهامة وكيف يكون المؤمن بربه حقاً وإذا عددنا أمجاد العرب ففي مقدمة ذلك جهاد الحسين وثورة الحسين وإباء الحسين منذ الف وثلثمائة عام تمر بالعصور فتستخدمها ويمر يوم ذكراه فيقيم الدنيا ويقعدها بالرغم من تقلب الزمان وتطور الاحداث) -14-.

وستبقى قضية الحسين تتغلغل في النفوس، تهز أعماق النفس البشرية، ستبقى مناراً للأجيال على مر الزمان..ستبقى متجددة.. بنجدها ومجدها.. بشموخها ورسوخها.. بإبائها وعطائها.. سيبقى دويها يهز عروش الظالمين في كل العصور (يريدون منا الذلة، وهيهات منا الذلة) ستبقى دروسها تعلم البشرية معنى الكرامة والاباء فيستمد منها الثوار نهجهم والمصلحون شعارهم والعلماء قدوتهم والشعراء الهامهم، ستبقى هذه الثورة المعين الذي لا ينضب لكل أمة تنشد الحرية، فسلام عليك يا ابا الشهداء وان تسطر بدمك سفر الخلود وسلام عليك وانت تجود بنفسك لتحيي شريعة جدك المصطفى.. يا سيد الشهداء.

.........................................................................

الهوامش/

1_ الحسين في الفكر المسيحي / أنطوان بارا ص 59

2_الكلمة لعبد الله بن عمر _ الطبري ص 254.

3_ المقصود عبد الله بن الزبير

4_ الدوافع الذاتية لأنصار الحسين / محمد علي عابدين ص 121.

5_ ديوان السيد حيدر الحلي ص 87.

6_ ثورة الحسين / محمد مهدي شمس الدين ص 165.

7_ من قصيدة للشيخ أحمد الوائلي.

8_ من قصيدة ( أمنت بالحسين ) لمحمد مهدي الجواهري.

9_ أبو الشهداء / العقاد ص 22.

10_ الارشاد / المفيد ص 231.

11_ أبناء الرسول في كربلاء / خالد محمد خالد ص 158.

12_ من قصيدة للدكتور احمد الوائلي.

13_ من وحي الثورة الحسينية / هاشم معروف الحسني ص 48.

14_ عاشوراء في الاسلام / عبد الرزاق المقرم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 20/كانون الاول/2009 - 3/محرم/1431

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م

[email protected]