الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

المواءمة بين الغاية والوسيلة في تجديد الذكريات

مشتاق بن موسى اللواتي

المقدمة:

إن الحزن والأسى واللوعة التي تظهر عند فقد عزيز أو رحيل حبيب مع ما يصاحبها من تدفق الدموع والعبرات واستدعاء شريط الذكريات واستحضار المواقف وترداد عبارات تحكي ألم الفقد وجلل المصاب ومآثر الفقيد الراحل، تعتبر من الظواهر والسمات المشتركة بين بني البشر في أكثر المجتمعات، إن لم نقل في كلها، بغض النظر عن تفاوت البيئات وتباين الثقافات وتنوع المعتقدات.

وهي بمثابة ترجمة لشحنات العواطف الجياشة المكنونة التي تدلل على عمق العلائق وحميمية الوشائج التي تربط المحتفين بالفقيد، وهي عواطف إنسانية نبيلة تتصف في الغالب بالتلقائية والعفوية.

تعبيرات متنوعة عن المشاعر:

وتتفاوت الروابط والوشائج بين بني البشر، فقد تكون مجرد علائق رحمية ونسبية، وقد تكون ذات أبعاد معنوية إنسانية، كأن تكون عقدية أو وطنية أو علمية أو أدبية. وتتنوع تجليات التعبير عن الفقد تبعا لطبيعة العلاقة بالشخوص الراحلة، وبحسب المفاهيم الثقافية والقيمية للأفراد والمجتمعات، ولكن في الغالب، يظل التعبير العاطفي حاضرا في ثناياها، مشكلا سمة إنسانية ومعلما بشريا مبرزا فيها.

وربما تطور الأمم مظاهر إعتنائها وطرائق إحتفائها ببعض الرموز الراحلة، فتبرزها في قوالب أدبية وأطر فنية متجددة، ذات إيقاع عاطفي وانعكاس وجداني وتاُثير فكري، بحيث تتمازج فيها العفوية والتلقائية مع الهدفية والقصدية، فتظهر في منظومات شعرية ونثرية أو عبر أعمال مسرحية وتمثيلية أو ندوات ومهرجانات جنائزية واحتفالات تأبينية أو صور ولافتات وطوابع ومنحوتات ونصب تذكارية وصروح ومجسمات وأعمال فكرية وتوثيقية، وما إلى ذلك. وكلها في النتيجة تعبيرات تحكي أهمية الرموز المحتفى بها، وتجسد مشاعر الحب الغامرة التي تكنها الأمم لقادتها.

ومهما اختلفت الصور والأشكال، إلا أن أهدافها ومنطلقاتها في مجملها لا تعدوالآتية:

1- تكريم الشخصيات الراحلة والإعتزاز بها، وإظهار الحب والولاء والوفاء لها.

2- تخليد الرموز الكبيرة ومواقفها وجهودها والتذكير بها وبنهجها ومبادئها والحث على الإقتداء بها.

3- إستلهام التاريخ المجيد في رسم تطلعات الحاضر والمستقبل.

إحتفالات عاشوراء:

وبعد هذه الإطلالة السريعة، إذا تأملنا في إحتفالات المسلمين الإمامية في مناسبة عاشوراء في كل عام، وأخذنا في الإعتبار المكانة السامقة التي يحتلها الشخص المختفى به - وهو الإمام الحسين عليه السلام - لدى المسلمين عامة وعند المحتفين به بصورة خاصة والتي تتمثل في كونه (ع) سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وريحانته في الدنيا والآخرة، وسيد شباب أهل الجنة، والإمام المنصوص عليه، وأحد الخمسة الذين جللهم النبي (ص) بالكساء دون غيرهم، وأذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، كما نص القرآن الكريم، وحسبما صرحت النصوص النبوية التي حوتها أوثق مصادر الحديث الشريف، كالصحاح والسنن والمسانيد والمستدركات وغيرها. فإذا نظرنا مليا في إحتفالات عاشوراء السنوية نجدها في مجملها عبارة عن نهر فياض من العواطف الجياشة النبيلة، نابعة من وجدان ديني متدفق، تصدر بصورة عفوية وقصدية، لتؤكد على حب أهلها وولائهم لسيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، وتدلل على تعظيمهم له وللقيم التي رفعها والمثل التي كافح من أجلها.

إن الناظر بإمعان في إحتفالات عاشوراء السنوية في مختلف ربوع العالم، يلاحظ أن منطلقاتها ليست بدعا عن منطلقات الأمم في إحتفالاتها بقادتها وأبطالها ورموزها.

والواقع إن أهم صور الإحتفاء بمناسبة عاشوراء تتمثل في استحضار سير الشهداء وما تحلوا به من مناقبية عالية، بالإضافة إلى عرض وقائع الشهادة وأحداثها الدامية الأليمة، الأمر الذي يثير لواعج الحزن والبكاء، إلى جانب العناية الخاصة بزيارة سيد الشهداء وأصحابه الأبرار، سواء بشد الرحال إلى مراقدهم المشرفة أو بالتوجه إليهم عن بعد. وهذه الصور تشكل القاسم المشترك بين معظم أساليب الإحتفاء بالمناسبة في العالم عبر التاريخ والجغرفيا. وإذا دققنا النظر في الأساليب الآنفة، نجدها تشتمل على عنصرين مهمين، هما:

1- الإستلهام الفكري والقيمي والبطولي من معين عاشوراء، متجسدا في كلمات أبي الشهداء ورفاقه الأخيار، ومتمثلا في مواقفهم النضالية والتضحوية في الذود عن مبادئ القرآن المتجسدة في الإمام الحسين (ع)،وعن قيم الإسلام التي رفعها كإشاعة المعروف على مستوى الفكر والإجتماع والسياسة ومكافحة المنكر بأنواعه ونشدان الإصلاح المجتمعي الشامل والمطالبة بتحقيق العدالة وإحقاق الحق وإزهاق الباطل.

2- العنصر الرثائي باستذكار الحوادث الفجيعة الدامية واستدعاء قصص البطولة وفصول الشهادة وصفحات البذل بالنفس والولد وبكل عزيز مما ندر نظيرها. وهي تحوي صورا ووقائع كفيلة بانتزاع العبرات الرقراقة وإرسال الزفرات من المتابعين، بصرف النظر عن إنتماءاتهم الدينية والثقافية.

شهادات من غير الإمامية:

تساءل سيد قطب في تفسير الظلال إن كان استشهاد الحسين "رض" بالصورة التي جمعت بين العظمة والفاجعة نصرا أم هزيمة ؟ وأجاب " فأما في الحقيقة الخالصة وبالقياس الكبير، فقد كانت نصرا. فما من شهيد في الأرض تهتز له الجوانح بالحب والعطف وتهفو له القلوب وتجيش بالغيرة والفداء كالحسين "رض"، يستوي في هذا المتشيعون وغير المتشيعين من المسلمين وكثير من غير المسلمين "

ويذكر الدكتور علي عرسان في دراسته حول الظواهر المسرحية العربية، تجربته الشخصية بالإستماع إلى شريط مقتل الحسين بصوت المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي، فيقول "ولا أنكر أنني تأثرت أشد التأثير وأبلغه مما سمعت وتدرج تأثيره بشكل درامي متصاعد في نفسي حتى وجدت الدمع ينساب من عيني أحيانا والغصة تملأ حلقي بالرغم من أنني كنت قد قرأت في التاريخ والقصص التاريخية ما جرى على الحسين وركبه " وإذا كانت قوة أداء الكعبي وإيقاعه هي التي استرعت إهتمام عرسان، فإنها لم تكن لتبرز لولا طبيعة الواقعة وتأثيرها الفعال واندماج الكعبي معها.

الذكرى إستلهام للمبادئ الإنسانية:

إن الوقوف على ذكرى الإمام الحسين (ع) ليس وقوفا على أطلال غابرة أو تأسفا على رسوم دارسة. إنه استحضار للمبادئ التي حملها الإمام الحسين وضحى من أجلها بكل غال ونفيس، واستذكار لكلماته المفعمة بعبق المثل العليا التي جسدها الإمام الحسين (ع) واستلهام لمواقفه الراسخة التي اختطها نهجا خالدا إذ نادى "إن مثلي لا يبايع مثله " يعني مثل يزيد بن معاوية. وحين وصف واقع السلطة الأموية الحاكمة " إن هؤلاء لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن واستأثروا بالفيء وعطلوا الحدود " و أشار إلى حال الأمة "ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه " ويوم نبه إلى خطر تسلط غير الأكفاء على مقدرات الأمة، بقوله "على الإسلام السلام إن بليت الأمة براع مثل يزيد بن معاوية " وسلط الضوء على أبعاد حركته الجهادية قائلا " وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر " وعندما أكد على ثبات موقفه حين طالبوه بالإستسلام، فقال "والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد " وقال ألا وإني زاحف بهذه الأسرة، على قلة العدد وخذلان الناصر " وهتف أثناء القتال في وجوه مقاتليه حين هجموا على حرمه وأطفاله، قائلا " إن كنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم " مؤكدا إن القيم الإنسانية تأبى بأن يزج بالنساء والأطفال والعجزة والأبرياء كأوراق ضغط في معركة ليسوا طرفا مباشرا فيها.

الزيارة تعاهد على النهج:

إن وقوف المسلم أمام قبر الإمام الحسين (ع) هو بمثابة تعاهد على نهجه الإيماني وتأكيد على التمسك بالمبادئ الرسالية التي آمن بها وضحى من أجلها. وإن نصوص الزيارة المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، تشكل أصدق شهادة على هذه الدعوى. فالزائر يؤكد أن الإمام الحسين (ع) هو الوريث الشرعي والإمتداد الطبيعي لرسل الله العظام، وان نهجه متصل بهم ضمن سلسلة متصلة الحلقات، حين يخاطبه "السلام عليك يا وارث آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (ص).." ويؤكد على أهداف نهضته ومنطلقاتها الخالدة، بقوله " أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وجاهدت في الله حق جهاده حتى أريق دمك واستبيح حرمك وقتلت مظلوما شهيدا "ويؤكد الزائر على عظم الفاجعة وجلل الخطب بقوله " لقد عظمت المصيبة وجلت الرزية بك علينا وعلى جميع إهل الإسلام " وفي الختام يتعاهد الزائر إمامه بأن يمضي على ذات الدرب فيقول " معكم معكم، لا مع عدوكم، إني سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم "

المواءمة بين الإطار والمحتوى:

إن الرثاء واستذراف الدمع وإرسال العبرات والزفرات هي بمثابة إطار عام يحوي في ثناياه مضامين فكرية عقائدية وإجتماعية وتربوية ثرية. ولكن حين تغلب كفة الإطار على كفة المحتوى، وتفصل العبرة – بفتح العين – عن العبرة - بالكسر – فإنه يؤدي في النتيجة إلى عزل القضية الحسينية عن الساحة الإنسانية والإجتماعية الرحبة، وينتهي الحال إلى أسرها خلف أقبية الوقوف على الأطلال، الأمر الذي يأباه الخطاب الفكري لواقعة عاشوراء وتأباه روح النهضة الحسينية وجوهرها الوضاء.

إن المتأمل في الكلمات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في هذا المضمار، ليلاحظ أنها دعت إلى المواءمة بين التفاعل العاطفي والوجداني من جهة وبين التأمل الفكري والتأسي العملي من جهة أخرى،وبتعبير أوضح بين الوسيلة والغاية.

فعن الباقر (ع) " فإذا اجتمعتم فاشتغلتم بالذكر فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا وخير الناس بعدنا من ذكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا " وعن الصادق (ع): يافضيل هذه المجالس أحبها، أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا " وقيل للرضا (ع): كيف يحيي أمركم ؟ فقال " يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا " وعنه (ع) " فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة " وهكذا يتبين ان أهل البيت (ع) كما دعوا إلى البكاء والتباكي، كذلك دعوا إلى إحياء أمرهم الذي هو من صميم أمر الإسلام.

كربلاء مدرسة وليست عقدة:

لقد نوه الكاتب الصحفي المعروف محمد حسنين هيكل في كتابه "مدافع آيه الله " إلى أن منهج الإمامة الإسلامي يتميز في ربطه بين كل من العدالة الإجتماعية وتعاليم الرسول (ص) والسعي إلى تحقيقها ربطا عضويا وثيقا. ولا أدري كيف فات هيكل أن مدرسة كربلاء وليس "عقدة كربلاء " – كما سماها – كان لها الفضل الكبير في استمرار جذوة المقاومة متوهجة في الأمة ضد المحاولات التي بذلت لتشويه المضمون الإجتماعي والإنساني للإسلام.

إن التعبير عن إحتفالات عاشوراء السنوية " بعقدة كربلاء " ناتج عن قراءة منقوصة ونظرة مجتزأة.

في حين أن العلامة الشهير عبد الله العلائلي في كتابه "الإمام الحسين " فطن بثاقب نظره وعميق فهمه إلى هدفية تلكم الإحتفالات حين قرر قائلا " يقيم الشيعة ذكرى عاشوراء للعظة والإدكار، وهي ذكرى عظيمة بما اشتملت عليه من عظات ومن بطولة في الجهاد، وإنما تربوالروح السامية بذكرى الأبطال، وهذه الذكرى اليوم ألزم ما تكون لنا في مرحلتنا الإنقلابية"

. كما ان الكاتب المصري المعروف أحمد أمين في ضحى الإسلام، ركز هوالآخر على أحد طرفي المعادلة وأغفل الطرف الآخر، حينما مر على الأدب الشيعي، فلم يسبر أغوار ملاحم هذا الأدب، وأغفل الإجواء الملبدة بالقمع والإضطهاد التي انتسجت حروفه وتشكلت كلماته فيها. ولكنها مع ذلك كانت أعجز من أن تخنق صوته المدوي. لقد نعت أحمد أمين الأدب الشيعي بأدب البكاء والحزن واستذراف الدموع ! والواقع فاته بأنه أدب اصطبغ بالدموع الرقراقة الممزوجة بالدماءالقانية، راسما بهما معا ملحمة أدبية متنوعة الأغراض والأبعاد، شملت مدح النبي وآله وكشف المظالم التي جرت عليهم وإرسال العبرات الرقراقة على مصائبهم إلى جانب نقد الظلمة وهجاء الجورة والمحاججة في قضية الإمامة، مضافا إلى توثيق الوقائع التاريخية الكبرى والذود عن قيم الحق والعدل، وانتهاء باستنهاض الحجة المنتظر "عج" والتطلع للبشائر القرآنية والنبوية بظهور الدين عند ظهوره. ولا تزال أصداء حناجر الفرزدق والكميت الأسدي ودعبل الخزاعي والسيد الحميري ومنصور النمري وسفيان العبدي وأبي فراس وجعفر بن عفان ومهيار الديلمي وغيرهم، تتردد في الآفاق لتلتقي مع ترنيمات حيدر الحلي وجعفر الحلي وهاشم الكعبي والأزري الفرطوسي والأعسم العاملي والجواهري والوائلي والإحسائي والبحراني، مؤكدة على هذه الحقيقة. ولندع السيد الدكتور مصطفى جمال الدين ليجلي الصورة التي التبست على بعض الباحثين، وهو يصدح بنشيده:

أنا لست شيعيا لأن على فمي ذكر الحسين أعيد فيه وأطنب

ولأن في قلبي عصارة لوعة لأساه تذكرها العيون فتسكب

ولأن أمي أرضعتني حبه ولأنه لأبي وجدي مذهب

لكنني أهوى الحسين لأنه للسالكين طريق خير أرحب

وأحبه لعقيدة يفنى لها إن ديس جانبها ودين يغضب

ودم يراق لأنه يغذوبه جوع الضمائر إذ تجف فتجدب

لماذا اللجوء إلى البكاء؟

إن البكاء في الممارسة الإنسانية يأخذ أبعادا عديدة. فهولا يعد دوما دالة المسكنة وعلامة الخوف. فقد يكون تعبيرا عن حالة تعاطف وجداني. وقد يمثل أحيانا موقفا يستبطن الإستنكار ولو بالقلب، وأنينا يستعصي على السجان والجلاد خنقه. وقد يغدو وسيلة لتعميق الإرتباط الروحي والعاطفي بالحدث وشخوصه، وممهدا نحو تمثل فكرها ومواقفها البطلة. وهذه المعاني الرمزية المضمرة بأجمعها تستهدفها المظاهر الإحتفالية الكربلائية في الحقيقة والجوهر.

إننا لسنا في موقف يصادر أسئلة المؤرخ الإجتماعي لتلمس العلل الظاهرة والمسكونة وراء لجوء المسلمين الإمامية لاتخاذ البكاء وسيلة للتعبير عن إحتفائهم بالذكرى. ولسنا بصدد تهميش الجهود العلمية الرامية إلى استكشاف المعاني الرمزية المكثفة المختزلة في أعماق هذه العبرات الجياشة. وفي ذات الوقت، أخال أن وجهة بعض الأنماط من الأسئلة تستدعي تصويبا بتوجيهها نحو القائمين على الأمور منذ وقوع الحدث الدامي في العصر الأموي مرورا بالعباسي والأيوبي والمملوكي فالعثماني وانتهاء بيومنا هذا. فليس من العدل ملاحقة من حوصر بصنوف القمع والإرهاب ولم يتح له أي هامش للإفصاح عن مكنوناته الإنسانية ومواقفه المبدئية.

 إن بعض أشكال الملاحقة وإن تمسحت بمسوح الفكر لا يمكن أن نجد لها تبريرا إلا بوضعها في نسيج السلطات وضمن سياقاتها التاريخية التي شرعنت قتل سيد الشهداء واجتثاث كل من ينتمي إليه، ثم انطلقت نحو تكريب قبره ومحو آثاره للحيلولة دون توافد أفواج محبيه وزواره لينهلوا من معينه الثر.

من جهة أخرى،لا أراني مضطرا لأسرد الأحاديث النبوية والمرويات الإمامية التي حفلت بها مصادر الحديث الموثوقة التي تفيد مشروعية البكاء والتباكي والرثاء على الفقيد، لاسيما إذا كان في منزلة سيد الشهداء، بعد أن أثبت التاريخ بكاء النبي (ص) على ابنه إبراهيم وعمه الحمزة سيد الشهداء وابن عمه جعفر شهيد مؤتة، بل وبكائه على الحسين وهو وليد في حجره، حين أخبره جبريل بما سيجري عليه في المستقبل، كما رواه جمع من المحدثين كالإمام أحمد في مسنده والذهبي في أعلام النبلاء والطبراني في معجمه والهيثمي في مجمعه، فضلا عن مصادر الإمامية.

مواكبة المتغيرات:

وأخيرا فإن التفكير في الإرتقاء ببعض أساليب الإحتفاء وأشكاله التي لا تحمل صفة الرجحان الذاتي والتي لا تعتبر مطلوبة لنفسها، بات أمرا ملحا تفرضه روح عاشوراء وأهدافها الخالدة ومتغيرات الزمان والمكان.

إن من المؤسف حقا ألا نجد في عصر ثورة الإتصالات، حتى عملا فنيا عالميا واحدا يعبر عن هذه القضية وأبعادها الإنسانية العالمية، وعن أحداثها التي تزخر بالبطولة والنبل والثبات على المبدأ والتضحية في سبيلة بكل شيء، كما تحوي وقائع دامية تنفذ إلى الوجدان البشري فلا يملك إلا أن يتفاعل معها.

أليس مبعثا على الحزن أن لا نجد ثمة معهدا متخصصا في الخطابة الحسينية التي تجمع خصائص العلم والفن والتخصص، على الرغم من مزاولتها منذ أكثر من ألف عام ؟

أضف إلى هذا وذاك، إن من الضرورة بمكان، الإلتفات إلى عدم إلقاء وتلاوة الغث والسمين من المقطوعات الأدبية سواء كانت في المدح أوالرثاء أوالحماسة. فلا بد من دقة الإختيار وسلامة الإنتقاء للقصيدة الأدبية سواء الفصيحة أو الشعبية، بحيث تتسم بالذوق الأدبي الرفيع وتحوي المضامين المعبرة عن الواقعة وأبعادها، والمحققة لمختلف أهداف تجديد الذكرى. وحتى يتعانق الإطار مع المحتوى وتمتزج العبرة مع العبرة، وتسير الأمور بشكل يتناغم مع جلال الواقعة وقدسية المحتفى به.

* كاتب عماني

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 28/كانون الثاني/2009 - 1/صفر/1430

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م

[email protected]