اتصبو بنا

ملف المناسبة

الصفحة الرئيسية

 

 

 

علامات الجاهل وأثرها في الحياة.. في رؤية الإمام الشيرازي

الباحث: عبد الكريم العامري

 

ان الجاهل مطيّة للفتن وناراً لإيقادها وضرعاً تتغذى منه وظهراً تركبه، فتنتشر في الآفاق ليوصلها فى الأرجاء، فيبعثها للأجيال، ولولا الجاهل لما انتشرت الفتن واتسعت، ولما كبرت واغتذت، ولما اختلف الناس فى المعضلات..

المجدد الثاني الإمام الشيرازي (قده)

شبكة النبأ: يعد الجهل مشكلة المشاكل على مر الأزمنة، وازالته واجب انساني قبل ان يكون ديني. لأن الجهل  والفقر والمرض والضلم والفوضى وكل الاخريات انما هي وليدة الاول، وقد شغلت مسألة محاربة الجهل الفلاسفة ورجال الدين والمفكرين على مدى العصور السابقة، ومنهم المجدد الثاني السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده). الذي أكد عبر اطروحاته على ان المستعمرين والمستبدّين يحرضون على تجهيل المسلمين ولذا لا تجد بلداً اسلاميا ينعم بحرية العلم والفكر.

ومن الواجب على الدول الاسلا مية وتياراتها ان يقوموا بحملة واسعة لنشر العلم والمعرفة. ابتداءاً من محو الأمية، التي هى الطابع العام لكل الدول الاسلامية، وانتهاءا الى تقوية الجامعات والحوزات العلمية، ثم لانتاج ثمرة العلم سواء فى حقل الصناعة او الزراعة او التجارة او العمارة او الادارة والدين..

الجاهل وعلاماته

يرجع السيد المجدد الثاني (قده) علامات الجاهل الى ما ورد في النصوص الاسلامية التالية، فى حقلين رئيسيين:

الحقل الاول: المصادرة الثقافية للجاهل

اولا: ثقافة الجاهل سمعيّة

ان الغالب على ثقافة الجاهل كونها سمعية، تعتمد على السماع من الأفواه دون التحقيق والاطلاع، ودون البحث فى الوصول الى الحقائق، حيث يصل اليها عبر سماعه من بني جنسه. فيكون كما قال الامام على (ع): العاقل يعمل بالدراية والجاهل يعمل بالرواية. وفي حديث له (ع): همة العاقل الدراية وهمة الجاهل الرواية.

فيعتمد الجاهل على المسموع من الدعايات والمفاهيم وتقييم الرجال والافكار وغيرها كلها مما يعتمد بها على

 مبدء السماع من غيرهن ويقيّم على اساسه. فيكون هذا الامر عنده من المسلّمات الصحيحة.. لأن همته الاولى والاخيرة الترويج لما يسمع..

وهذا مرض من الامراض الثقافية الخطيرة التى حاربها الاسلام  وجاهدها العلماء وفي مقدمتهم الامام الشيرازي من خلال مناهجه التثقيفية التى طرحها للأمة وسبق غيره فيها.

 ثانيا: العجب بالأسماء الكبيرة

 فياخذ علمه وتقييمه ومسألته عن الامور التى يسمعها من الكبار فى الاسم والرسم. دون الالتفات الى حجم العقول وسمو النفوس وقوة الدين. ذلك لأن قيمة العلم بالتقوى، وأن الكبير كبير العلم والتقوى وكبير المعرفة والايمان. كما ورد عن الامام على (ع) قوله: الجاهل حقير وإن كان شيخاً والعالم كبير وان كان حدثاً.

ثالثا: يثق الجاهل من دون تمحيص

ولأن ثقافته سماعية، لايعتمد الجاهل على التحقيق والعلم واليقين،  فهو يثق بكل من ينقل له رأياً او دعاية او حكماً او امراً ما. وبالتالي فهو كما قال عنه الامام على (ع): ست خصال تعرف فى الجاهل، الغضب من غير شر، والعطية فى غير موضعها، وافشاء السر، والثقة بكل احد، ولا يعرف صديقه من عدوه.

رابعا: يرى الجاهل علمه هو العلم

فهو يثق بمن يخبره بما يوافق هواه او ميله او يوافق كثرة الشياع فى شريحة من الناس عنده، فتراه يثق بما علم فيفهم ان معارفه هي المعارف وعلومه هى العلوم ومعلوماته هى الصحيحه وغيرها لا، وتلك هي الطامة الكبرى التى لا يريد عندها الجاهل اصلاح جهله وتغيير فهمه، كما قال رسول الله ( ص): الجاهل يرى ان علمه فوق علم غيره. وقال (ص) فى حديث اخر: وان الجاهل من عدَّ نفسه بما جهل من معرفة العلم عالماً وبرأيه مكتفياً.

خامسا: الجاهل يدّعي العلم بالامور

ومن الدواهي العظمى ان تتجمع القناعا ت الفردية والحزبية للرجل، والملتقطة من جملة الامور السماعية والقراءات  لتتحول عنده الى ثقافة اساسية وعلم جم يبنى عليه الحياة.

 وقد كان الامام الصادق (ع ) يوصف الجاهل واحواله فيقول: (وأدنى صفة الجاهل دعواه العلم بلا استحقاق، وأوسطه جهله بالجاهل, واقصاه جحوده العلم).

الحقل الثاني: المعالم الرئيسية لسلوك الجاهل

اولا: التطرف

 سلوك الجاهل فى تطرّف دائم, اذا احبَّ تطرَف, واذا ابغض تطرَّف , واذا نقل امراً يحبّه كبَّره او رجل يميلُ اليه عظَّمهُ واذا نَقل او نُقل أمامه امراً يبغضهُ صغّره, او ذكر رجل لا يعجبه اسقطه من اعين الناس وأهانه. ووصفهم امير المؤمنين (ع) فقال: لا يرى الجاهل إلا مفرِطاً او مفرِّطاً)

ثانيا: يتباعد الجاهل من العلماء 

كما ورد فى مضامين الكثير من الروايات والنصوص ان شبيه الشيىء منجذبٌ اليه وانه ينفر من ضده، فالكافر الجاحد يكره المؤمن الخلوق, والفاسد الشاذ يكره الطيب الطاهر, وكذلك الجاهل الذى يعد الجهل علما, يكره العالم, فيفهمه على ضلال, او كما ورد عن الامام امير المؤمنين فى قوله واصفاً الجهلاء الذين احبطوا النصر المؤزر في صفين, ومع ذلك يرون انفسهم علماء حلماء، فقال: فما يزال من العلماء متباعدا وعليهم زارياً.

ثالثا: الجاهل يخطّئ مَن يخالفه

ولأنه يرى نفسه الأعلم من غيره , ويصر على اخطاءه زاعماً انها صواباً ويرى فى غيره الخطأ, فيجرؤ على تخطئة من يخالفه عالماً كان او متعلما. كما قال الامام على (ع ): ولمن خالفه مخطِّئاً...

رابعا: ينكر الجاهل مالا يعرفه

من عادة العاقل ان يتعلم مالا يعرفه , او اذا سئل عن امر يجهله لا يدّعى معرفته, واذا عرفه اجاب بتواضع للحقيقة، اما اذا ورد على الجاهل امر لا يعرفه فسرعان ما ينكره ويتنكّر له, ويعيبه ويستصغره واذا سئل عن رجل لا يحبه او لا يستسيغه, فإنه ينكره ويتنكر له ويتجاهله ويجهل الناس به، وهذا ما كان يلاقيه السائل حينما يسئل الكثير من اهل العلم عن الإمام المجدد الشيرازي الثاني رفع الله درجاته وطيب ثراه. فكانوا ينبرون الى نكرانه وتجاهله, وهؤلاء المصداق الأكمل للجاهل الذى قال عنه الامام امير المؤمنين (ع ): واذا ورد عليه من الامر مالا يعرفه انكره وكذب به وقال بجهالته ما اعرف هذا, وما أراه كان, وما أظن ان يكون وأنّى كان..لثقته برأيه وقلّة معرفته بجهالته..

خامسا: الجاهل ينكر الحق دائما

من عادة الجاهل الميل الى مثله , الهرب من العلم والعالم, فيكون ابرز مصداق لمنكر الحق, والسبب اعتياده النكران وثقافته الاستبدادية, وتربيته النفاق.. كما قال عنه امير المؤمنين (ع): انه للجهل مستفيدا وللحق منكرا وفى اللجاجة متجريا وعن طلب العلم متنكرا..

سادسا: الجاهل يعيب ما يجهل

يقول العالم، لا أعلم فى كل ما يجهل, بينما الجاهل إذا سئل عن شخص او شيئ يجهله عابه وانكره وذلك خوفا من الحقيقة. وهرباً من تبعات المسؤولية حيث ان: الحق ثقيل مر والباطل خفيف حلو.

سابعاً: الجاهل سريع الحكم بما يجهل 

بناءاً على الخصال السابقة فإنك لن تجد الجاهل مسارعاً فى الخيرات , ولا مسامحاً في المعاشرة. ولا الى الإجابة عن دراية ولا الى الحكم عن علم, بل سريع الحكم على الناس, شديد الهجوم على الاولياء, حتى يتمادى به الغي فى سبابهم. وحتى يصل الى طعن الائمة والنيل من الرسول (ص ) فيوصله جهله فى نهاية المطاف الى الكفر بالله تعالى والجحود بجبار السما وات والارض, ليكون اسوء ضال فى اسوء عاقبة، وقد وردت هذه الصفات على لسان الامام امير المؤمنين (ع) حيث قال: من اخلاق الجاهل الإجابة قبل ان يسمع والمعارضة قبل ان يفهم والحكم بما لا يعلم.

إمتحان الإمام الشيرازي بالجهلاء

الاسباب المتعددة والدوافع المتنوعة لكل الحروب التى شُنَّت ضد الإمام الشيرازي نوّرَ الله ضريحه, انما تعود الى سبب رئيسي هو: جهل الاخرين بالدين، ذلك الدين الذين انكروه والذي يبين للإنسان الخطأ من الصواب فى الفكر والقول والعمل والسلوك, ويضع لهم الدنيا وما فيها بميزان الاخرة.

لأن من وضع الآخرة نصب عينيه لن يفرط بها من اجل دنيا فانية, او منصب زائل, او زعامة يتهالك عليها وهو تاركها عما قريب. ومَن وضعَ الدنيا بهذا الموضع لم يتورط فى حرب ضروس ضد مُصلِح يريد للأمة خيرها، وللإسلام تقدمه, وللمسلمين سعادتهم وللتشيّع تألقه. وللشيعة علو شأنهم واداء دورهم.

 لقد ابتلي الامام الشيرازي ( قدس سره) بكل الجهلاء الذين ذكرنا بعضا من صفاتهم واخلاقهم وسلوكهم وتفكيرهم, فقد ابتلى بأولئك الذين كانوا يرددون ما يقوله لهم الناس, وينعقون مع كل ناعق يزكم الارواح بنعيقه ويصم القلوب ويعمى البصائر بزعيقه... فكان بلاؤه حسناً ونجح فى الامتحان وفشل غيره، ممن تأهب له وحارب واجتهد فى مواجهته وإثنائه عن اهدافه.

من مدرسة الشيرازي

انه امتحان للإمام الشيرازي (قده) ولمَن تتلمذ على مدرسة العلم والجهاد ضد الاستعمار والتبعية والتخلف والجهل وتفتيت الامة، لقد وطّنَ الإمام الشيرازي نفسه الزكية على الهجوم الشرس منذ اوائل الطريق الذى سلكه, وبدايات مرجعيته الدينية, وادرك ان السبب هو تصديه لمسؤلياته الشرعية واداء واجباته الدينية,  فاستغل الاستعمار العالمي هذا الجو المتوتر فعمل عمله, لأنه عادة ما يسعى لفتح جبهات داخلية فى الامة ويبذل الاموال الطائلة في سبيلها. فكيف اذا وجد الاستعمار ان القوم قد فتحوا جبهات داخلية مِن عِند انفسهم بالمجّان؟

قطعاً ان ذلك مما يفرحه ولم يبق لديه إلا التخطيط الدقيق لدق أسفين الفتنة كي تدوم طويلاً, لتأكل الاخضر واليابس وتلهي الامة عن اهدافها, وتشغل المصلحين عن مسؤولياتهم الاصلاحية وتحوّل همم الامة الى السفائف والدواني, ليعبث الاستعمار في البلاد كيف يشاء, بعد حرصه على بقاء الجهل والجهلاء وهذا هدف الاستعمار..

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/تشرين الأول/2008 - 18/شوال/1429

اتصبو بنا

ملف المناسبة

الصفحة الرئيسية

 

 أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 6

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1428هـ  /  1999- 2007م

[email protected]