شبكة النبأ: اليوم وبعد ان أصبحت
المعلومة هي زاد العصر وبعد الحضور والانتشار الواسع لها من خلال وسائل
الاتصالات المتطورة، ونتيجة لذلك اصبح لزاماً على المسلمين ان يعطوا
المعلومة حقوقها لاسيما اننا نملك تراثاً فخماً يمكن أن يغنى العالم لو
طرح بأسلوب حضاري مبرمج.
لقد كانت الافكار والرؤى للإمام المجدد الثاني الشيرازي قدس سره
مناسِبة لفتح الباب امام الباحثين والكتّاب ليتابعوا الأضواء التي
سلطها على أهم المناهج العلمية والمعرفية التي فُتحت على يديه، بعد ان
كانت حكراً على غير المتديّنين فضلاً عن علماء الدين، كما إن غزارة
الافكار التي اكتضت بها هذه المؤلفات تحتم على العاملين إحيائها وأن
يفجروا طاقاتهم لإيصال تلك الافكار التي تضمن للانسان الحياة الحرة
الكريمة بالطريقة التي تعبّد لهم سبيل المعرفة وتؤمن الوصول إلى تلك
الكنوز المعرفية.
ان موضوعة المؤرخ في فكر الإمام الشيرازي والتي تناولها في أبحاثه
هي انه (قدس سره) قد وضع للمؤرخ خطوطاً لعمله الحقيقي من بين الفلسفات
والاديان والحضارات.
والشيرازي يرى ان على الإنسان إن يدين المفسِد فردا كان او جماعة
حاكما أو محكوما، ويحسن للأشخاص الذين يفعلون الحسنى، لأن المعيار هو
الحسن والقبيح العقليان سواء كان في الأفكار أو الاقوال أو الاعمال،
كما قال الله سبحانه وتعالى " فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ومن يعمل
مثقال ذرّة شراً يره".
يقول الشيرازي" لايصح الدفاع عن سالكي الطرق المنحرفة وان الفاسد
فاسد سواء كان حاكما كبيرا له ملايين الاتباع أو فردا صغيرا لا يملك
إلا نفسه، وإن الشرور التاريخية قد تكون موجبة لإنجازات تاريخية كما إن
الانجازات التاريخية قد تكون موجبة لشرور تاريخية، فالمفروض على المؤرخ
أو الباحث إن يجمع بين الامرين ويجعل بينهما الأهم والمهم، ويجب إن
يعلم المؤرخ ان الكفر والفسوق والفجور والظلم والتعذيب تؤدي حتماً إلى
الاستئصال، وهو من التاريخ وإحدى السنن إلالهيه القطعية التي لا تتخلف
في أمة عن أمة ولا في جماعة عن جماعة، وعند ذلك يكون النصر النهائي
لأهل الحق والعقيدة الصحيحة والهزيمة والتقهقر لأهل الباطل، حيث تشير
القوانين الكلية العامة إلى انها تشمل المؤمن والكافر على السواء..
معنى التاريخ
الاحداث قبل ان تقع تكون بانتظار اللحظة التي ستقع فيها، ولحظة
وقوعها في مكونات الحاضر، وعندما يمر زمان على وقوعها تصبح شيئاً من
الماضي، وهذا هو التاريخ بأبسط معانيه، فالتاريخ لغة معرفة الوقت أو
إلاعلام بالوقت، والتاريخ اصطلاحاً، ظاهرة لايزيد على أخبار عن الايام
والدول والسوابق من القرون وإلاول.
من هنا يلزم على من يريد معرفة التا ريخ إن يدرسه بتجرّد وموضوعية
وأن يفهم الخصوصيات والمزايا للاحداث والوقائع. فمن يعمل ذلك سيعرف إن
كثيرا من المكتشفات الحديثة لم تكن حديثة كصناعة الطائرة واكتشاف
القارة الامريكية واكتشاف الدورة الدموية واكتشاف آلات الطباعة
وغيرها...
فقد تحقق وجودها بفضل الدخول بغور التا ريخ. وهي أمور اكتشفت قبل
ذلك بقرون، فإن الدورة الدموية مثلاً مذكورة في كلام الامام الصادق (ع)
الذي ألقاه على المفضل والذي أملاه في كتابه توحيد المفضل.
وعلى هذا فالتاريخ مثل سائر الاشياء الوجودية بحاجة إلى واقعية
واستقامة في أهلية المؤ رخ وإلا كانت النتيجة خطأ سواء في تخطئة احدهما
أو في تخطئة كليهما.
كما ان من أراد الوصول الى موضوعية التاريخ في قضاياه المختلفة
ليستفيد منها العامّة حاضراً ومستقبلاً فعليه ان يحشر موضوعات كثيرة من
التفاصيل المشابهة مثل الحروب والدول والقضايا الاقتصادية والسياسية
وغيرها. مع التفريق التام بين الجانب الشخصي والجانب إلاجتماعي العام
والاهتمام ايضا بالجانب الحضاري.
بالاضافة الى ذلك تعتبر دقّة الراوي فى الرواية وحياديته والنقد
الداخلي الايجابي، الفيصل في تفسير مضمون الوثيقة خصوصا اذا كانت غامضة
او فيها رموز غير واضحة. كما ان اللازم على المؤرخ ان يعزل موضوعه عن
المؤثرات الخارجية حتى يصل الى سبعين باطناً. كما ورد في معاني القرا ن
الكريم بأن له سبعين باطناً..
مهام المؤرخ..
اما بالنسبة لمهام المؤرخ فإن الشيرازي (قده) لا يطلق العنان للمؤرخ
بل هناك مهام محددة وحيثيات يرى وجوب مراعاتها ومنها:
ان يراعى المؤرخ ظروف الزمان والمكان والشرائط والخصوصيات
والملابسات للأحداث والامم التي
اصابتها تلك الاحداث وإلا فإنه سيصدر احكاماً غير دقيقة قد تحوي زيغ
وضلال..
وسواء كان بالنسبة الى الماضي او المستقبل فلا يحق للمؤرخ ان يجعل
من نفسه واعضاً عقيدياً معتمداً على ذوقه الشخصي لأن ذلك لن يؤدي إلا
الى احكام خاطئة، اذا قيست بعقلية ذلك العصر الذى يدرسه سواء بالنسبة
الى العصر الماضي او العصر المستقبلي، فان كل عصر او حقبة يعدُّ
تاريخاً. كما ان لكل حضارة شخصيتها وقيمها وليس للمؤ رخ ان ينظر الى
الماضي من خلال معا يير الحاضر. وإن كان بين الماضي والمستقبل والحاضر
معايير كلية كالروح السائدة فى اجزاء البدن.
لذا ينبغي التعبير عن كل عصر بتعبيرات خاصه به، لأن لكل عصر ولكل
امة طابعاً فريداً.
فإذا اردنا ان نمثل ذلك بأوانِ فهناك اناء يستوعب مثقالاً من الماء
وهناك اناء فوق ذلك وفوق ذلك
الى ان يصل الى بحار الدنيا. او ما يكون بحار الدنيا جزاء صغيراً
منها.
فالحضارة المصرية القديمة مثلاً ليست كالحضارة العراقية، فقد تشكلت
كل منها بطريقة متمايزة منفردة.
من ناحية ثانية، ان المجموع يملك ما لايملكه الفرد. مثلاً صخرة
كبيرة لايتمكن من حملها انسان او اثنان او ثلاث بل يتمكن من حملها عشرة
او مائة. كذلك الجيش قد ينهزم إلا اذا كان عدد افراده عدداً كاملاً،
وعلى هذا فالمجتمع لا يتمتع بالوجود والوحدة والشخصية الحقيقية
الخارجية بالمعنى الفلسفى إلا بوجود
المعنى الحقيقي، بمعنى ان المؤرخ يجب ان يؤرخ للافراد ويؤرخ
للجماعات والحكومات او مجموعة الحكومات مثل الوحدة العربية او
الافريقية او الاسلامية. فلا يصح الحديث عن روح المجتمع الا بهذا
المعنى. كذلك ان التاريخ منهج عمومي فليس هناك روح تهيمن على جميع
الناس وتسخرهم لمقاصدها وتدبر شؤونهم حسب رغبتها.
كيف يصوغ المؤرخ المادة التاريخية؟
على المؤرخ الذي يريد معرفة التاريخ ان يجمع اكبر قدر ممكن من
الحالات والمعلومات والخصوصيات والمزايا المتعلقة بموضوع الدراسة، وان
يقوم بدراسة دقيقة للتاكد من الوثائق فيما يخص صحتها، وهل هي قطعية او
ضمنية، شكلية او وهمية، وان يصب ذلك فى قوالب الأشكال المطلوبة حتى يصل
الى التحليل الدقيق. وأن يقوم بعملية تر كيبية متجاوزا مرحلة السرد
والوصف الى التعليل، فإن لكل شىء سبب ومسبب. فيتعرض المؤ رخ للوقائع
التا ريخية مع تناول العلل والاسباب التي يريد استخلاصها.. وان يصل الى
أحكام كلية، وتلك الاحكام الكلية جارية فى السابق والحاضر والمستقبل،
وبذلك يتمكن ان يتنبأ عن المستقبل تنبؤا علمياً دقيقاً.
استخلاص الحادثة التاريخية
وفي مسألة استخلاص الحوادث يرى الشيرازي (قده) ان موضوعات المؤرخ
يجب ان يلاحظ فيها: النظر الى تاريخ الامة بصورة اجمالية، والقول ان
تاريخها تاريخ اخلاقي او تاريخ غير اخلاقي. لأن الاخلاق لا تكون عند
الانسان إلا بالدين والايمان بالله سبحانه وتعالى واليوم الاخر حقيقةً
لا لفضاً وادعاء.
فالأخلاق بدون الدين لاتكون اخلاقاً صحيحة وإنما اخلاقاً خيالية،
وكما ان للافراد اخلاقيات سليمة او فاسدة كذلك للدول والحضارات
والاحزاب والمنظمات والهيئات والعشائر.
وإذا كان هناك فى الدولة، اي دولة، التراحم والتعاطف والشورى
والخدمة.. فهذه الدولة لها اخلاق صحيحة وسليمة، اما اذا لم تكن هذه
الامور بل كان الاستبداد والإسراف والترف والتبذير والبطش، فإن الوصف
هنا سيكون سلبياً مهما كانت تبعية تلك الدول من ديانة او عِرق. |