تاريخ حافل بالعطاء، وحياة تزخر بخدمة البسطاء، وعبادة تسمو بصاحبها
الى مقربة الاولياء، هكذا هي سيرة فقيدنا الراحل في اشراقة العيد ليختم
حياته بمقولة جده الامام زين العابدين (سلام الله عليه وعلى ابائه)،
يفرح اهل الورى باعيادهم..... ونحن اعيادنا مآتمنا.
ففي صبيحة الثاني من شوال عام 1422هـ رحل الامام المجدد السيد محمد
الشيرازي (قدس) تاركا خلفه ذلك التاريخ الكبير، والسيرة العطرة التي ما
مر بها أحد من المسلمين وغيرهم الا ووقف وقفة اجلالا لها، فهو لم يكن
لفئة محدودة او لمقلدين معدودين، بل، كان ينفتح على الجميع بروح
الابوة الرسالية والمسؤولية الشرعية، فكان (قد) مثالا حيا للاخلاق
الفاضلة والسيرة المحمودة بين الناس، لم يعش يوما في بروج مشيدة او
بعيدة عن الخلق، بل، كان منهم وفيهم؛ حتى تأثرت أخلاق من عايشوه
باخلاقه وبمنهجه وسلوكه.
فالخلق كلهم بعينة عيال الله وصاحب العلم فيهم له الدور الاكبر في
رعاية العامة ونقلها من افات الذنوب الى بحبوحة الرضوان، ومن هذا الباب
كان رضوان الله عليه منفتحا على الجميع سامعا ومسمعا لهم.
أما عن علمه وسعة افقه وعمقه في الابداع الفقهي، ففيه من الحديث ما
سبقنا به اصحاب الاختصاص من التأليف والجمع والتحليل والتخريج حتى وصلت
ثروته الكتابية الى مايقارب الـ 1300 مؤلفا منها موسوعته الفقهية التي
وصلت إلى 160 مجلدا،.
لقد كانت حياة فقيدنا نشاطا متنوعا ومتميزا، فهو لم يترك جانبا على
حساب آخر، بل، أثرى كل جهة بما تحتاجه من العلوم والابداع والتنقيح
والتحليل واشبعها كتابة وتأليفا، فكان مع الناس في مشاكلهم الاجتماعية،
ومع طلبة العلم في دفعهم لنيل العلوم المعرفية، ومع المجاهدين في
الدفاع عن ثغور الاسلام والمسلمين، وفي مجلس العلماء ليضع افكاره بين
افكارهم لتشع منها شورى الفقهاء ومثيلاتها في أمور القيادة، ولم يكن
يسكن في حراك او يعلو صوته في عمل او حديث، ولم تتداخل عليه الامور في
شدة او رخاء، بل كان ينطلق بخطوة المتوكل على بارئه الواثق بما يجلبه
له التعجيل في الخير المتمسك بنهج ابائه الطاهرين وعلماؤه الماضيين،
فابدع في الاقتداء بهم وعكس صورة مشرقة لما سبق من اسلافه، ليعيد
النهضة في نفوس السائرين والباحثين عن الحقيقة.
هذا هو الجزء البسيط من ذلك التاريخ الكبير الذي كانت حتى مفاصل
حياته رموزا وعلامات فولد في مفخرة الدنيا النجف الاشرف وترعرع في
شموخ كربلاء لينتقل الى دار الرضوان بالقرب من فاطمة المعصومة أخت
الغريب الأمام الرضا عليه السلام، بعد غربة عن الاوطان املتها عليه
ظروف المسؤولية والامانة التي حملها.
ارتحل عنا ولم يرحل؛ وسافر إلى حيث المقام المعلوم، وترك لنا من
الاثار ما تقر به الاعين، فللنفس سلوى بان من فارقها جسدا لم يفارقها
فكرا ومنهجا وسلوكا، بل جعل منها مناسبة لتلمس ذلك الفكر الخالد والنهر
المعطاء والحافز نحو التقدم في ترفع النفس عن رين الدنيا وزخرفها.
ونحن في هذه الذكرى المتجددة لابد لنا من رسم خطوط عملنا ومبادئنا
للسير على اثره بكل ما قدمه من تضحيات، فالواقعية في التعامل والسيرة
الحسنة والتخلق بالخلق الفاضل والدعوة الى الابتعاد عن كل مايسيء الى
الاسلام والاقتداء بسيرة الرسول الاكرم واله وصحبه الاخيار، وانتهاج
مبدأ اللاعنف ورعاية المرأة والصغير والعاجز والمحروم وغيرها، كلها
مناهج وثوابت اسسها فقيدنا للعمل عليها والتفاني في خدمتها وتطويرها
بما يتلائم ومتطلبات المرحلة الجديدة و بملاصقة متماسكة مع مرجعيتنا
وقيادتنا الدينية التي اثبتت التجارب على مختلفها بانها الضمان الوحيد
للنجاة من انواع الفتن والمصائب.
فسلام على صاحب الذكرى يوم ولد ويوم ارتحل الى دار ابائه واجداده
ويوم يبعث حيا.
*مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com |