رحل الإمام وبقيت المسيرة
قال تعالى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا
اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن
يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } الأحزاب23
شبكة النبأ: الإمام محمد بن المهدي
الحسيني الشيرازي ولد في مدينة النجف في الخامس عشر من ربيع الاول عام
(1347) هجرية . هاجر مع والدة الى كربلاء المقدسة عام 1356 هجرية .
وتسلم في قيادة الحوزة العلمية بعد رحيل والدة عام 1380 هجرية وعمرة في
الثالثة والثلاثين .
هاجر من مدينة كربلاء عام 1390 هجرية الى الكويت وعاش بها تسع سنين
. ثم هاجر الى ايران عام 1399 هجرية حيث استقر في مدينة قم المقدسة
وذلك باصرار من العلماء والمراجع الكبار . حتى قبض فيها يوم الاثنين
2/شوال /1422 هجرية 17 ديسمبر عام 2001 ميلادي
وعمره في الخامسة والسبعين وخمسة اشهر ونصف شهر ( ر ضوان الله علية
) .
ترك اكثر من الف وثلاثمائة كتاب وكراس وعدد كثير من المؤسسات
الخيرية مالهيات الدينية والحيسنية ، وربى اجيالا من العلماء العاملين
وخلف نهجا فكريا متميزا ، وسيرة طيببة وذكريات لاتنسى من الاخلاق
الرفيعة
ينحدر من أسرة الشيرازي العريقة التي سكنت العراق قبل قرن ونصف ،
والمعروفة بالعلم والجهاد والمرجعية فجده المرجع الاعلى للطائفة قبل
قرن الميرزا محمد حسن الشيرازي ( فد س ) صاحب نهضة التبغ الشهيرة ضد
الاستعمار البريطاني في ايران ، وخاله المرجع الاعلى للطائفة ابان
الحرب العالمية الاولى الشيخ محمد تقي الشيرازي ( قد س) قائد ( روة
العشرين ) العراقية وابن عم والدة المرجع الاعلى للطائفة بعد الحرب
العالمية الثانية ميزر مهدي الشيرازي ( قد س ) زعيم الحوزة العلمية
بكربلاء المقدسة واخوة الشهيد السعيد : اية الله السيد حسن الشيرازي (
قد س ) مؤسس الحوزة العلمية الزينبية ) .
فكان اية الله العظمى الامام محمد الحسيني الشيرازي ( قد س ) يتمتع
بشخصية نادرة من نوادر التاريخ الشيعي وسيرتة وفكرة واثارة ومع مرور
الايام سوف تتجلى جوانب العظمة في هذه الشخصية الفريدة وينمو الاثر
الذي تركة على الناس عاما بعد عام ، فهو في الدرجة الاولى مؤمن شهيد
الايمان بالله واليوم الاخر ... مددين شديد المحبد لاهل البيت ( ع)
وكان زاهد في زخارف الدنيا ومباهجها ... ثم مرجع للتقوى ، وزعيم ديني
من الطراز الاول ولكنه لم يكن فقط بل كان زعيما جماهيرا يحرك الناس
باتجاه ما يؤمن بة من اهداف وله كل صفات الزعماء من الشجاعة والاقدام
والعبقرية ....الخ .
وكان كاتبا ومؤلفا ترك من الاثار ما تعجزة عن تصديقة الاذهان اكثر
من الف كتاب .
وكان مفكرا صاحب راي وتحليل ونظرية في شتى جوانب الحياة الاجتماعية
والسياسية والاقتصادية ، وقد صدرت عنه عدة كتب عن منهجة الفكري في
الاونه الاخيرة من حياتة .
وكان مثالا للاخلاق وصانعا لامة حتى كان يقول اعداؤه وخصومة لا
تزوروه فانة يسحر الناس باخلاقة وكان نموذجيا لاولادة وجدا لاينسى
لاحفادة محبوبهم لديهم وشخصيتة ايضا نادرة ذات ابعاد متعدد ة من يطلع
على موسوعتة الفقهية التي بلغت المائة والستين مجلد ا قد يتصور ان
صاحبها مجرد فقية ولاغير .
ومن ينظر الى مشاريعة ومؤسساتة الدينية والاجتماعية التي تنشر من
كربلاء... الى واشنطن يتصور انه كان
باني المؤسسات الخيرية فقط .
واما من يدرس سيرتة من الحكام فيراة ، مجاهدا صلبا في سبيل الله
يقارع الظالمين ويؤلب الامة عليهم صابرا محتسبا على مايلاقية في هذا
الطريق .
وقد ربى جيلا من العلماء العاملين المجاهدين وكان قدوة في اسرتة
ومجمعة وامتهي وسبقى مثالا مثلا يحتذى لفترة طويلة فجرنهضتين الاولى
في كربلاء والثانية في الكويت ولو اتيحت له الفرصة لفجر نهضة اخرى
ثالثة وقد ارسى قواعدها بفكرة وان كان قد منع من قيادتها بشخصه . وهاجر
مرتين الاولى من العراق الى الكويت والثانية من الكويت الى ايران وله
تاريخ تاريخ طويل وكل ما كتب عنه ليس الا كقطرة من بحر خضم ، وكان
يقابل الاساءه بالاحسان ويغضي عن السيئه ويعفو عن المسيئ وكان محمدي
الاخلاق .
وكتب الشيخ علي عبد الرضا حول زهده وقال .. كان السيد محمد الشيرازي
مثالا للزهد والتواضع في كل شئ وفي كل بعد تراه مقدما على اقرانه
ولايرائ ذلك فخرا ولاعجزا عن حياة الراحة والرفاهية فقد عاشة في اجواء
وظروف لو عاشها غيره لعجز عن الوصول للدرجات الدنيا التي وصلها فقيدنا
الراحل وكان ( عطر الله ثراه ) لايرى في الزهد تربيته للنفس وارتقاء
للروح فقط وانما كان ينظر الية باعتباره عنصر المواساة الاول مع
الفقراء والضعفاء كان ينظر اليهم اولا قبل نفسة وربما كان لاينظر الى
نفسة بقدر ماينظر الى صورة اولئك الذين يئنون من الجوع ولايجدون مايسد
رمقهم ، وكان يتمثل بقول امير المؤمنين ( ع) ( هياة ان يغلبني هواي
ويقودني جشعي الى تخير الاطعمة ولعل بالحجاز او اليمامه من لاطمع له
في القرص ولاعهد له بالشبع او ابيت مبطانا وحولي بطون غرثى واكباد حرى
)ااقنع من نفسي بان يقال هذا مرجع المسلمين ولااشاركهم في مكاره الدهر
او اكون اسوه لهم في جشوبة العيش .. الاخر الفقير الاخر الضعيف الاخر
المسكين الاخر المستضعف هو اول مايفكر عند كل خطوة يخطوها او حركة يقوم
بها في احترام الانسان الضعيف وحفظ كرامته والدفاع عنة واخذ حقوقة .
وقال السيد محمد باقر الحكيم (قد س ) في الامام الشيرازي ..
لقد كان الفقيد يتمتع بمواصفات فاضلة في الاخلاق الحميدة والخدمات
الدينية والثقافية ويتميز بالصبر وسعة الصدر والمداراة للناس
والمواظبة على الدرس والتاليف وتاسيس المؤسسات الاسلامية الانسانية
النافعة وقال اية الله السيد مرتضى القزويني ..
لقد عاصرت اكثر من عشرين من مراجع التقليد الكبار وقرات في كتب
السيرة والتاريخ عن احوال العظماء والفقهاء والحكماء بل والسياسيين
وعمالقة التاريخ وقلما وجد ت عظيما مثله في زهده واخلاقة وخدماته وسائر
صفاته ومناقبه التي لااحصيها وما كنت اظن انني سابقى بعده ،ولعلي الحق
به قريبا.
وقال الشيخ عبد الاميرقبلان ان السيد محمد الشيرازي ايضا :
جسد في حياته اسمى معاني الزهد والتقوى التي اضحت قدوه ومثال فحفلت
مسيرة حياته الشريفة بالمواقف والتضحيات والمحطات الجهادية وهو اثرى
المكتبة الاسلامية بمات الكتب والمولفات الفقهية والعقائدية والعلمية
والبحوث التاريخية والاجتماعية التي اغنت تراثنا وفكرنا الاسلامي .
اما الشيخ حسن الصفار قال في حقه ..
لقد أنجبته عائله علمية جهادية عريقة وتربى في اجواء الفضيلة
والتقوى حتى اصبح من ابر ز مراجع الدين في هذا العصر وامتاز بعلميته
الواسعه وانتاجة الغزير في مختلف ميادين المعرفة ، حتى تجاوزت مؤلفاته
رقم الالف كتاب ، وهو رقم قياسي في تاريخ الكتابة والتاليف وهو رائد
ومؤسس خط جهادي اصيل يتبنى الدعوه الى الله والعمل لانقاذ الامة عبر
برامج التوعية والتربية والتغير الاجتماعي ، والاساليب الحضارية بعيد ا
عن وسائل العنف والتطرف ، وكان قمة في التخلي بمكارم الاخلاق يتسع صدرة
لجميع الناس ويحترم الراي الاخر ويغضي عن السيئة ويقابلها بالاحسان كما
هي سيرة اسلافه واجداده من اهل البيت عليهم السلام ولقد قضى حياتة منذ
نعومة اضفارة والى اختاره الله الى جواره وفي خدمة الاسلام والامه دون
كلل او ملل متحملا صنوف الاذى والمعاناة بثبات وصبر عظيم . واذ تفقد
الامة اليوم في هذة الظروف الحساسة الخطيرة فان ذلك يشكل خسارة فادحه
ومصيبة عظمى ولكن الامر لله وانا لله وانا اليه راجعون .
وافادة اية الله العظمى الشيخ حسين علي المنتظري حول السيد محمد
الشيرازي قائلا ..
ان فقان المرجع الكبير يعتبر خسارة فادحه وثلمه لايمكن ان تجبر
لعالم التشيع والحوزات العلمية للشيعة .
فلقد كان هذا العالم الجليل القدر والمجاهد الصلب محققا متبحرا في
كافة العلوم الإسلامية كالفقهية ،الأصول التفسير والحديث والكلام وله
مؤلفات واسعة وقيمة في جميع هذه الاختصاصات المختلفة ولقد قضى عمره
الشريف في العراق وإيران لنشر المعارف والعلوم الإسلامية وفي الجهاد
والكفاح السياسي للدفاع عن كيان الإسلام والتشجيع وتحمل على هذا الطريق
مشقات ومصاعب جمة .
وأضاف أية الله السيد مرتضى الشيرازي حول الفقيد (قدس) قائلا، انه
كان رائدا للإصلاح وجسد لنا مدرسة فكرية نظرية وعلمية متكاملة وكان
رائدا المسيرة الإصلاحية طوال أكثر من نصف قرن ، كان يدعوا إلى السلم
وكان يدعوا إلى شورى الفقهاء ، ويدعوا إلى التعددية ويدعوا إلى سعة
الصدر ويدعوا إلى الحرية ويتحدث ويكتب عن طريقة التعامل مع المعارضة
وعن كل قضية تحم الإنسان شيخا كان آم شابا رجلا آو امرأة وقد خلف من
التراث في هذا الحقل الشيء الكثير الكثير كان ( رحمه الله تعالى ) تلك
المدرسة الفكرية المميزة ولكن بعد أمر من المعانات فقد كانت حياتها
سلسلة من المعانات سلسلة من المشاكل سلسلة من الضغوط و سلسلة مستمرة من
ألازمات لكنه كان ذلك الصابر المحتسب فكانت حياته تجسيدا حيا للمعانات
والألم
مات رضوان الله تعالى عليه وفي قلبه حسرة، بل حسرات وفي قلبه أهه بل
أهات .. وقلبه معتصر من الألم كثيرة وتوارت عليه طوال أكثر من نصف قرن
ما ت رضوان الله تعالى عليه وارتحل إلى جوار ربه وهو يعاني اشد
المعانات وكانت حياته كلها معانات لكنه مع ذلك لم يتغير ولم يتبدل وبقي
ذلك الصابر المحتسب المجاهد في سبيل الله الراضي بقضائه سبحانه وتعالى
وماذا نصنع واثني مأمور بالصبر ولا أستطيع إن أتكلم وأضاف لنا الدكتور
السيد فاضل الميالي في محاضرته التي ألقيت في المهرجان ألتأبيني للإمام
الراحل (قدس)في حسينية الرسول الأعظم (ص) في لندن فهذه من بعض
المقتطفات للدكتور الفاضل الميالي قال :
تجتمع في هذه الأمسية لتأبين فقيد العلم والورع والتقي ولتأبين
مجاهد لم يغتر في جهاده طرفة عين لتأبين عالم جليل وقف نفسه ونذرها
للعلم والاجتهاد والفقه وجميع فنون المعرفة الإسلامية نقف في هذه
الليلة لنذكر رحيل شخصية لامعة قل نظيرها في حوزاتنا العلمية وفي تاريخ
علمائنا الأبرار ذلك هو لفقيد الراحل أية الله العظمى المجاهد السيد
الشيرازي (قدس) وقبل إن نتحدث عن فصل حيات هذا العالم الفذ من الناحية
الفقهية اذكر لكم المقدمة الأولى :
اقتبسها وارجع إلى تعليق للبروفيسور هنري كوربان أستاذ كرسي الفلسفة
الإسلامية في جامعة السوربون في باريس حين يتحدث عن فلاسفة الإسلام منذ
جابر بن حيان وانتهاء بأخر من أدركهم .
يركز على الفيلسوف العظيم ابن سينا فيقول: انه لن يتسن لعالم آو
مفكر إن يكتب موسوعة كاملة في الفلسفة مستقلا في كتابته كما فعل ابن
سينا في كتابه (تاريخ الفلسفة الإسلامية) الذي ألفه بالفرنسية أولا
وترجم إلى لغات أخرى لم أشاهدها إنما أتحدث عن التي رايتها مترجمة في
هذا الكتاب يركز على لبن سينا لا لعمق فلسفة ولا لإحداثه شيئا جديدا
لان دارسي الفلسفة يرون إن ابن سينا مدين بشكل دقيق وعميق للفارابي
وسواء كان كل من الفارابي آو ابن سينا ممن نمتد هم آو تشكل عليهم ممن
نوافقهم على خطهم الفلسفي آو تكون لنا عليهم ممن نمتدهم أو نشكل عليهم
ممن نوافقهم على خطهم الفلسفي آو تكون لنا عليهم ملاحظات وتحفظات ليست
بصدد ذلك إنما أريد إن اقتبس من البروفسور هنري تأكيده على موسوعية ابن
سينا يقول البروفيسور لوحده موسوعة كاملة في الفلسفة غير مستند إلى
جهود العلماء الآخرين وذكر لنا السيد الميلاني بالمقدمة الثانية كلمة
حول قراءته لأحد الكتب الطبية عنوانه (الدم) وعندما أنهى المقدمة
الثانية قال الميلاني حينما تطرح عندنا كلمة (ادم) يأتي الباحث ليتناول
هذه الجوانب كلها ويقول باني ابحث عن هذه المفردة في كل إبعادها
وأعماقها وقال الميلاني من هاتين المقدمتين نعرج كل ما نحن بصدده من
تأبين هذا العلم الجليل هذا العالم الكبير وقال نريد إن نلخص هذه بكلمة
أمير المؤمنين (ع) (قيمة كل مرء ما يحسنه).
وكتب الشيخ مرتضى معاش حول الإمام الراحل قائلا: إن الإمام الشيرازي
الراحل :- هو إرادة فذة اخترقت قيود التاريخ المفروض إن يكتب لنفسه
تاريخ مميزا ومختلفا تكاملت فيه كل صفات الإنسان الحر والمؤمن والمجاهد
في زمن كان كل شيء فيه يسير ضده ويتآمر عليه ويخطط للقضاء عليه.
لقد كان تاريخه معركة حاكمية خاضها بقوة التحمل والصبر والاستقامة
دون إن تستثيره توارع الغضب والانتقام الضعف فربح معركة التاريخ عندما
رحل شامخا لم يرضى بالذل والعبودية ولم يستسلم لأهواء الصفات والمساومة
والانتهازية) وهكذا فان الإرادة الفردية تسطر ملحمة خالدة عندما تنتصر
بموتها على أعدائها كما انتصر الإمام الشهيد الحسين (ع) في كربلاء،
لسنا في مقام المغالاة التي هي صفة لا يحبا ألإمام الراحل وإنما في
مقام الواجب الذي تحتمه علينا رسالة القلم من اجل كتابة التاريخ الناصع
الذي سوف تقراه الأجيال القادمة فتتعرف على عظماءها وتستلهم منهم روح
الصمود والمثابرة والأمل وعدم الانصياع للذل والعبودية.
أيها الراحل عنا في غمرات الظلام والشدة، كنا نقتبس منك نورا فنرى
الحياة كل حقيقتها ونكتشف الوقائع.
أيها الراحل كنت الأمل الذي يعطينا القوة والطاقة للاستمرار في
الحياة رغم الحصار والضيق الذي نعانيه.
اللهم اجعله لنا شفيعا نستظل به في يوم الحساب كما كان لنا شفيعا
وظلا وحاميا في الدنيا، اللهم ألهمنا الصبر والعزيمة بتعجيل صاحب العصر
الأمل الكبير في حياتنا سريعا عاجلا
إما كلمة سماحة المرجع آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام
ظله) بعد يوم من تشييع الإمام السيد محمد الشيرازي (قدس)، فكانت:
بالنسبة للفقيد العزيز الكبير الجليل الراحل هو ليس فقيد بيت أو
أسرة أو بلد أو دولة وأتصور في هذا المقام إنني أؤدي واجبا" شرعيا" من
الله سبحانه وتعالى تجاه هذا الأخ الأكبر الذي هو بمنزلة الأب وأنني
كما افقد أبي حينما فقدته .وان كان فقد أبي عظيما علي ولكن كنت المس كل
ما يلمسه الابن من أبيه . وفقدت اليوم أبوين.
فقد كان بمنزلة الأب بل كان هو الأب حسب الحديث الشريف، الآباء
ثلاثة أب علمك.... فكان المعلم الأكبر والأجمع والأوسع لي ، وعشت معه
هذه الفترة الطويلة والقصيرة ( في نفس الوقت) فلم أرى منه الا ما يراه
الابن المحتاج إلى أبيه العالم البار العطوف.
بالنسبة لهذا الفقيد الراحل (أعلى الله درجاته ) اذكر لكم موضوعين
احديهما : شدة أخلاصة لله سبحانه وتعالى ولأهل البيت (ع) .
إن الفقيد الراحل كان حريصا" جدا على تعبئة المجتمعات الدينية
بالمؤسسات الثقافية والاجتماعية والدينية والتربوية وغير ذلك ، وقد
تصدى مباشرة أو مع مجموعة من الأخوان أو بإمرته أو بإجازته تصدى
للعشرات والعشرات من المؤسسات من مسجد أو مكتبة أو حسينية أو غير ذلك
وفي كل هذا لا تجدونه في واحدة من هذه الحسينيات أو المساجد
والمكتبات أو دور النشر والحوزات العلمية التي أسست بإجازته، لا تجدون
واحدة باسمه، فكان يؤكد على انه إن رحل فالله وأهل البيت باقون وعليه
فالحسينية يجب إن تكون باسم الله أو باسم رسول الله وأهل البيت (ع).
ورأيت أكثر من مرة إن مجموعة او أفراد كانوا يؤكدون له و بعضهم انفق
كثمرة المؤسسة كانوا يطلبون منه ويلحون عليه إن تكون هذه المؤسسة باسمه
فكان رده، إذا كان باسم رسول الله فانا ابن رسول الله وإذا كانت تحمل
اسم الله فانا عبد الله وإذا كانت تحمل اسم فاطمة الزهراء (ع) فأنها
أمي ولم يرضى حتى في مورد واحدا إن تكون حوزة علمية أو مؤسسة باسمه.
الأمر الثاني: الذي عرفته ولمسته منه بكل وجودي منذ نعومة أظفاري
وشعوري والى ليلة العيد والى سويعات قبل إن تلم بنا هذه المصيبة أني
لمست منه انه كان بركانا من النشاط وأنني في نفسي اعتبر تشبيهه
بالبركان مجازا للحقيقة، فالبركان تكون له فترات يخمد فيها وأحيانا
يكون ثائرا ولكن الذي لمسته بكل وجودي منه انه كان لا يفوت فرصة
صغيرة... على نفسه، إلا إن يقدم شيئا حسب ما يعتقد هو من كتابه، أو
كلمة، أو نصيحة، أو إرشاد، أو عمل، أو أي شيء كان يعلم انه من القربات
إلى الله كان هذا يكفي لتحريك كل وجوده ودماغه، وفكره، وأعصابه، ويده
ولسانه، هاتان الخصلتان من الخصال البارزة التي لمستها فيه في كل
حياته، وأتصور أني لا أجد واحدا ممن عاش معه (ولو أياما فقط) ينكر هذين
الأمرين، وكل من عاش معه وجد هذين الأمرين.
الكلمة الثانية: إذا فقدتم عزيزا أو من تعتبرونه عظيما جليلا فبدلا
إن تجلسوا أو تفتخروا به تعلموا منه، يقول الإمام علي (ع) (إن يكونوا
عبرة خير من إن يكونوا مفتخرا) فالفقيد الراحل مفتخر بلا شك، مفتخر لي
أولا ومفتخرا لكل من تعلم منه أو درس عنده أو عاشره سواء في بيته من
عائلته أو في الخارج من أصدقائه وتلاميذه والمؤمنين ولعل أوليات ما
ذكره في هذا المقام (ما نعتبر به) هو إن نصمم ونحن في هذا المكان إن
نسير على دربه كل بمقدار ما يعلم منه أو سوف يتعلم منه، فما مات من مات
وخلف علما، أو سوف نتعلم منه عبر النكات التي تنقل عنه أو عبر القصص
التي ينقلها الأصدقاء أو عبرة كتبه (هذا التراث الضخم الذي تركه) هنا
وفي قرار أنفسنا نعاهد الله تعالى ونصمم على إن نسير على دربه في كل ما
تعلمناه منه أو سوف ما نتعلم من تراثه. وأتذكر منه أكثر من خمسين سنة
وحتى أخر يوم من شهر رمضان كان فقيدنا عندما يكتب وينتهي حبر القلم
يطلب قلما أخر، وعندما يأتون إليه بالقلم كان يكتب كلمة بهذا القلم
الجديد.
فإذا رأى إن كتابة القلم خشنة يطلب قلما أخر تكون كتابته
دقيقة (انعم) وأحيانا يأتونه بقلمين أو ثلاثة فينتخب أدقها (أنعمها)
كتابة وفلسفة ذلك كما سمعته مرارا انه كان يقول، إن الكتابة الخشنة
تأخذ مساحة أكثر فكتابة (الله) مثلا أو (الإمام الحسين) أو (الإمام
المهدي) عليهم السلام قد يأخذ الحرف فيها سنتمتر واحدا!
هكذا كان يغتنم الفرص في هذه الأمور الدقيقة، كان يكتب بالقلم
لمدة أسبوع ثم يقدمه لي او الى احد أولاده وعندما نسال عن ذلك أو يقال
له إن هذا القلم ما يزال يكتب؟ كان يقول (وقد سمعت ذلك منه مكررا) انه
بكثرة الكتابة صار خطه خشنا ثم يطلب قلما أخر، فلم يكن ليفوت فرصة
واحدة وكان يقول: قطرة قطرة تكون بحرا.
وهكذا كان الإمام محمد الحسيني الشيرازي (قده)، محمدي الأخلاق
والسيرة علوي الجهاد والمسيرة عاش مجاهدا ومات مقهورا ودفن مظلوما،
وسيكتب التاريخ عنه كثيرا، فسلام الله عليه يوم ولد ويوم هاجر ويوم مات
صابرا مظلوما. فعلى الشيرازي صلوات الله ورحمته ورضوانه كر الليالي
والدهور، وعلى أعدائه وظالميه ما يستحقون.
|