قال الله تعالى: "الذين جاهدوا فينا
لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين"
حياة الأمم وتقدمها إنما يكون بحياة علمائها ومواقف عظمائها والشعب
الذي لا يقدر عظماءه ولا يهتم بدماء شهدائه هو شعب ميت، والدولة التي
تنسى تاريخها وتهمل تلك المواقف التي كانت مشاعل دربها وارتوت من عذب
ارائها هي دوله متأخرة، فحياة الأمة بحياة علمائها ولكن كيف يمكن ان
نحي العالم؟ في الحديث الشريف: "من أرخ مؤمنا فقد حياة" فإحياء المؤمن
بذكر تاريخه، ولكن لو كان المؤمن قائداً وعظيماً وعالماً فلا يكفي سرد
تاريخه فحسب بل ينبغي التأمل في مواقفه وآرائه بل تحليل حياة باجمعها
حتى نتخذه أسوة وقدوة وعبرة نعتبر منه ونتعلم حتى نصل الى ما وصل إليه.
ونحن في هذا اليوم إنما اجتمعنا لنلقي نظرة سريعة عابرة على حياة
رجل كان همه هم الأنبياء وأمله أمل والأنبياء وهدفه الأنبياء, الإمام
الشيرازي كان يقود مسيرة الخلود والسعادة للأمة الإسلامية التي مزقتها
الحروب والخلافات نحو عالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام فما هو سر
العظمة في هؤلاء الأفذاذ الذين ضحوا بكل غال ونفيس لإحياء شعوبهم وخطوا
بأقلامهم سبل السعادة لهم؟
القرآن الكريم يذكر ثلاث ميزات وخصال للإنسان الذي يريد التقرب الى
الله ليصل الى السعادة وقمة القيم:
الميزة الأولى: التقوى وهي ملكة توجد في المؤمنين تحفزهم نحو الخير
وتمنعهم عن الشر والسوء والإمام أمير المؤمنين عليه السلام يذكر في
خطبة المتقين: أما الليل مصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونها
ترتيلاً يحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم، والإمام الشيرازي
كان يؤكد ان حل جميع الأزمات بالرجوع الى القرآن هذه العواصف والأزمات
التي تمر بالمسلمين حلولها التمسك بكتاب الله عز وجل فالمتقي من يداوي
الداء بالقرآن.
الميزة الثانية: العلماء ان صلحوا (إنما يخشى الله من عباده
العلماء) فالعلماء يخشون الله حق خشيته ويخافونه حق مخافته، العلم يرقي
بصاحبهم الى مكان الملائكة تضع أجنحتها تحت رجله ويكون مداده أفضل من
دم من قدم أغلى شيء يملكه في سبيل الله وهي حياته حيث الشهيد يضحي بكل
شيء حتى حياته ولكن مداد العالم أفضل من دمه.
وقد كان الإمام الشيرازي كثير العلم واسع المعرفة امتزج بروايات أهل
البيت عليهم السلام حتى قيل انه إخباري وأبدع في الأصول حتى قيل إنه
أصولي مع انه كان اصولياً كثير الأنس بل ذائباً في روايات أهل البيت
فأصوله أصول فقيه لا أصول نساجة، واحدث في الفقه الأبواب الحيوية
الجديدة التي تحتاجها الأمة حيث كتب في الاقتصاد الاسلامي والادارة
والسياسية والبيئة وعلم النفس و... ولكن علمه امتزج بالحلم والتواضع
كما في خطبة المتقين أما النهار فحلماء علماء ابرار واتقياء وفي بدء
الخطبة ومشيهم التواضع.
الميزة الثالثة: الجهاد فضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً
عظيماً (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين)،
والجهاد كما يذكره في اقرب الموارد هو السعي مع العناء والتعب ولا
يشترط ان يكون بحمل السيف والذهاب الى ميدان القتال بل قد يكون لسان
شخص احد من الف سيف، وقد كان رحمه الله مجاهدا من بدء حياته الى لحظة
وفاته ففي العراق حارب البعثيين والشيوعيين واصحاب الافكار الضالة
والمنحرفة، وقد هاجر الهجرتين الى الكويت والى ايران وقد اثر بقلمه
وبيانه وعلمه في الكويت أكبر تأثير حتى نرى المجتع الكويتي اليوم
رائداً في الدفاع عن أهل البيت عليهم السلام في العالم بأجمعه، ثم الى
ايران وهذا الجهاد المتواصل لم يثنه أبداً بل كان صامداً كالجبل الراسخ
لا تهزه العواصف فبقي على مواقفه المبدئية حتى وان كان الثمن باهضاً في
جميع الجوانب. مع انه انتقل من العراق جسداً الا ان فكره ونفسه وعمله
كان العراق فالف اكثر من عشرين كتابا عن العراق وشوق العشرات ان يؤلفوا
عن جرح العراق النازف ويؤكد ان الام العراق لا تنتهي الا بإعطاء
الحكومة للأكثرية بأن تكون لهم حقوقهم وللأقلية حقوقهم.
والشخص الرسالي لا بد أن تكون فيه هذه الخصال حتى يكون عظيماً
ومؤثراً وقائداً وهنا لا بد من الإشارة الى ان هذه الخصال الثلاث لا
تجتمع الا لمن وفقه الله عز وجل حيث التوفيق هو مفتاح كل خير يقول امير
المؤمنين عليه السلام "لا قائد أعز من التوفيق" وهنا الملاحظة بأن
التوفيق لا يأتي الا بعد الشروع في العمل حيث يقول الإمام الرضا عليه
السلام من سأل الله التوفيق ولم يجتهد فقد استهزء بنفسه والإمام علي
يقول في رسالته لمالك بأنك لا يمكن توفق الا بأمور أربعة:
1. الاهتمام 2. الاستعانة بالله 3. توطين النفس على الحق 4. والصبر
عليه فيما خف أو ثقل.
فلنجعل هؤلاء العلماء الأفذاذ قدوة وعبرة لنا لا ان نفتخر بهم بل
نعتبر بهم ونخطوا خلف خطاهم فنصل الى مقدار مما وصلوا إليه.
وأنا أذ أشكركم فرداً فردا على حضوركم لهذا البرنامج كما أشكر
الأخوة القائمين على الاحتفال أسأل الله العلي القدير ان يوفقنا جميعاً
لمرضاته ولرفع راية أهل البيت عليهم السلام أينما كنا إنه خير سميع
ومجيب وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله
الطاهرين.
* كلمة سماحة العلامة السيد محمد علي
الشيرازي (نجل الامام الشيرازي) التي ألقاها في الذكرى السادسة لرحيل
الإمام المجدد السيد محمد الشيرازي (أعلى الله درجاته) في كربلاء
المقدسة |