شبكة النبأ: المتداولة التنموية
بشكل عام وان كانت اولى الشعارات لأية سلطة تتسنم مقاليد الامور في
العراق الا انها آخر ما يفكر به بشكل هامشي فيما تاخذ مسألة ترصين
وتثبيت ركائز السلطة الجانب الاعظم من الجهد الحكومي على شتى الاصعدة
وكانت السلطة تدعي ان مواردها قليلة بسبب فقر التنمية القدري وكثير من
الاعذار واغلبها يكون المواطن هو السبب بكونه لا يبذل جهدا في نطاق
التنمية ولذا فقد رصد كثير من المبالغ للتثقيف بهذا الاتجاه وخصوصا
الجانب الزراعي الذي يعد موازيا بدرجة كبيرة للتصدير النفطي في العراق
وربما يفوقه اهمية من حيث المداومة على الاستمرار.
فان الجواري في فيحاء العراق دجلة والفرات يجعلانه من اغنى الدول
التي تعتمد الزراعة كذلك هو بالفعل من اغنى الدول بالمياه والثروات
الناتجة عنها بما فيها من ثروة سمكية او سياحية إضافة للزراعة التي هي
الشئ الاساس.
فلا زالت الارض الموات تشكل نسبة اكثر من 90 بالمائة من الارض
القابلة للاحياء والاستصلاح فيما يكون المستغل منها هو 10 بالمائة
ويعالج بطرق بدائية من قبل فلاحين لا يمتلكون الوسائل الحديثة ولا
التخطيط وليس تحت رعاية هندسية او استشارية زراعية وغالبا ما يكون
استغلال الارض المتحصلة وفق هذه الكيفية جائرا من قبل الفلاح وهذا ما
يضعف مردودها وانحطاط غلتها موسما بعد آخر.
فيما تكون بعض الاراضي وهي النسبة الكبيرة والواسعة في ضفة الاهمال
بكون اصحابها قد اهملوها لاختلاف اسلوب حياتهم ولم يعودوا يهتمون بها
الا ان احدا لا يجرؤ على استثمارها ويمكن تسمية تلك الاراضي بالاراضي
المعلقة، او الموات اختيارا.
لقد اتخذ الاسلام سياسة حكيمة لزيادة العمران والتنمية الزراعية من
خلال اباحة الارض لمن عمرها سواء بالبناء او الزراعة او فتح قنوات
اروائية او حفر الآبار او تشييد المصانع والمعامل.
عن النبي الكريم (ص): من احيا ارضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق.
يقول الإمام الشيرازي (قده) في معرض تفسيره لهذا القول:
اذا راى الشخص ان الاراضي مباحة تعطى له دون ثمن ولا ضريبة ولا
متاهات روتينية ولا معارضات وهو بالتالي حر بما يصنع بها،
فمن الطبيعي ان يتخذ بها كسبا وبالنوع المثمر له ولغيره في المجال
الذي يختاره مفيدا لكل الناس، وتزدهر الحياة بالنماء والعمارة والزراعة
الوافرة والمخترعات.
وما هذا التدهور القهقرائي في الزراعة والعمارة في بلاد الاسلام الا
من جراء ازاحة الفهم الاسلامي عن مجال الحكم والتنفيذ ومن جراء استبدال
الاسلام بقوانين ليست من الاسلام جاعلا قيود جبارة منها الضرائب
والملكيات المعلقة كارض الموات التي ضلت بعهدة اصحابها بلا استثمار.
ولو رجعت الانظمة الاسلامية اليوم وابيحت الاراضي لمن يعمرها
ويحييهاونبذت القيود الحديثة والضرائب الباهضة لساد البلاد الاسلامية
العمران الشامل وتزدهر في جميع النواحي الى ان تصل بخطى سريعة الى مصاف
الدول الغنية.
يقول جرجي زيدان: ان اغلب المدن الاسلامية اصبح خرابا قياسا بما
كانت عليه في عهد الدولة الاسلامية وخصوصا العراق المسماة ببلاد او ارض
السواد بغداد.. البصرة.. الكوفة.. وسائر المدن العراقية الأخرى.
ففي سنة 1914 تحصلت الاراضي المستصلحة بصورة لا باس بها بسعة لا
تتجاوز ستتة ملايين فدان في وادي النيل فيما تكون الارض القابلة
للانماء والاستصلاح تقدر بـ 400 ميل مربع اي 178 مليون فدان.
وهذه الشواهد وان كانت لا تعطينا صورة تفصيلية عن العمران والزراعة
في ظل الحكم الاسلامي إلا انها تكفي لأن تكون نموذجا عن النمو ومن ثم
النكوص والتدهور الذي تلا الرؤية الاسلامية وبروز البديل غير الاسلامي.
ان الاساس في التنمية بالنسبة للعراق هو الجانب الزراعي حيث ان
الاعتماد المجتمعي برمته متكئ بصورة مباشرة على المردودات الزراعية
وذلك بكونه ليس بلدا صناعيا إضافة الى ان الجانب الزراعي هو الممول
لبناء وتهيئة البنى التحتية للتاسيس الصناعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي
الذي يتيح للصادرات النفطية ان تتفرغ للتنمية الصناعية والتطوير في
المستقبل المنظور.
...................................................
المصادر/
السياسة من واقع الاسلام/ السيد محمد الحسيني
الشيرازي |