شبكة النبأ: يوصف الانسان بانه
ذو وجهين وجه تجاه نفسه ووجه باتجاه الآخرين، اي ان شخصيته المجردة
تكاد ان تكون مغيبة او انها تظهر على نطاق محدود سلوكا وتفاعلات مع
الآخرين. ومن هذا يكون من الصعوبة ان يتكون الراي بالصورة المداومة لدى
الافراد ويمكن معرفتها بسهولة.
اي ان الراي في كثير من الاحيان لا يعبر عن الشخصية تماما وانما لا
بد من مساءلة الظروف المحيطة فهذه قد تساعد الى حد ما من تسليط الضوء
على ذلك الراي الحقيقي او الشخصية التي تبنت الراي الموضوع.
ومسالة الراي العام سلوك انساني بصورة عامة والسلوك الانساني يستند
الى حب البقاء او دفع الضرر او غريزة الجنس او القدرة على التقليد
والمحاكاة او العلاقات الاقتصادية القائمة في المجتمع او التقاليد
الثقافية المتوارثة او كيفية التفكير السياسي.
يشير الإمام الشيرازي (قده) في مجمل اطروحاته الواقعية الى ان
المعرفة بالآخرين من جهة الراي انما هو سؤال الظروف التي يعيشونها.
وذلك يعني معرفة الظرف المعيشي الاقتصادي والثقافة المجتمعية
والتعامل السياسي فيما يخص البنى المتنوعة التي هي في تماس مع الحاجات
العامة والعلاقات السائدة والاخلاق بوجهها التطبيقي او المزيف ومدى
الاقرار بهما في الوسط المجتمعي العام.
ان القوى الاجتماعية والخصائص الثقافية والمعتقدات والموضوعات
والمواقف والاتجاهات واختلاف الناس في واقعهم اوجبت تكّون الرأي العام،
ومعرفة هذه الامور على نحو الكلّية
وعلى التطبيق الجزئي في المجتمع: مثلا.. من المفيد للذين يريدون
توجيه الراي العام الى هذه الجهة او تلك ان يتبصروا بهذه الامور، كما
ان من ذكاء الشخصية او عدم ذكائها يمكن ذلك من خلال معرفة الراي العام
الذي تنخرط فيه هذه الشخصية، فاختبارات الذكاء التي تجري في الوقت
الحاضر في بعض عواصم العالم للاطفال او للمميزين انما تسير على نحو
يطلب فيه حل بعض المشكلات غير المعقدة او بعض المشكلات المعقدة
اقتصادية كانت ام اجتماعية ثم تعطى الاجوبة بعد كذا من الوقت وملاحظة
الطريقة التي حل بها الطفل او المميز تلك المشكلات، ودرجهم في كونهم من
الاذكياء.
فهذه الشخصيات اذا اجتمعت يمكن لها ان تنتخب فلانا او فلان..
الاشخاص الذين يسكنون كربلاء ينتخبون رجلا متدينا الاشخاص العلمانيون
الذين يسكنون بغداد ينتخبون رجلا علمانيا، فالشخصية هي مفتاح معرفة
الراي العام ولكن الشخصية المنفردة لا ياتي منها ذلك وانما الشخصيات
المتعددة القائمة في مدينة او قطر اما الشخصية التي هي وراء الراي
العام والتي
تدفع به الى امام فهي ليست على وتيرة واحدة وانما تتغير حسب الظروف
والمواصفات والخصوصيات والمزايا الفردية والاجتماعية والطبقية.
يقول الامام الشيرازي (قده):
ان الانسان يتصرف بصورة طبيعية مع اعضاء طبقته لكنه يميل الى السلوك
على نحو مختلف تماما حين يتعامل مع شخص آخر لا ينتمي الى طبقته كأن
يكون الفرد ارستقراطيا مع طبقاته ثم يصبح ديمقراطيا مع الذين يميلون
الى الديمقراطية.
وليس هذا خاصا بما نذكره من الراي العام بل ان الافراد يتعاملون مع
الافراد والجماعات باشكال مختلفة ، فمثلا الزوجة مع زوجها، الزوجة مع
اقرباء زوجها كذلك الطبيب مع الغني
الطبيب مع الفقير، فالشخصية في شكلها الواقعي غير الشخصية في شكلها
المجرد.
ففي شكلها المجرد هي هي اما في شكلها الواقعي الخارجي قد تكون هي
وقد لا تكون حسب التضمينات والتمسكات والترجيحات والاتجاهات والاشخاص
والجمعيات، كل هذه الامور تتفق او تتناقض مع درجات مختلفة من الاهمية
في تكوين الراي العام بالفرد والفردين والثلاثة كذلك في الاجتماعات
المتنوعة التي يراد تحصيل الراي العام منها ومقدار استجابة الناس
لتكوين الراي.
ويؤكد الامام الشيرازي (قده) في مجمل اطروحاته الفكرية على ان الراي
العام بحاجة دائما الى قوة دافعة لكي يكون حاضرا للاستجابة اي بحاجة
الى منبه او مؤثر بقوة ونشاط.
الناس ياكلون يلبسون ينامون بدوافع قوية ومحرضات نشطة ومن الواضح ان
يكون الدافع قويا عند شعور الناس بالفراغ والتوتر والفقر والمرض والجهل
والافتقاد الى السعادة وعدم الامن، عندها يمكن ان يشعر الفرد انه بحاجة
الى التغيير لإزالة المنبه الذي جعله مواجها لمشكلة حقيقية ، ولذا يقول
الحكماء ان الالم واللذة هما دافعان قويان نحو اعمال خاصة، فكلما كان
الدافع اشد كلما كان الاندفاع اكثر قوة، ومتى ما كانت اللذة اكثر
امتاعا واحتياجا فان العمل على تنفيذها وتحقيقها اكثر قوة وهذ لا يمكن
الا من خلال تغيير السلوك بكونها استجابة هادفة.
العلاقة بين المنبه والدافع هي علاقة مزدوجة ذات شقين: المنبه
والمؤثر ومعا يشكلان الدافع والدافع في الطرف الآخر هو الذي يهئ للفرد
البحث عن منبه جديد وهكذا دواليك تتقدم الحياة الى امام او تخطو الى
الخلف نتيجة لوجود الدافع كالجوع والعطش فالانسان يسعى الى ملئ بطنه
فاذا وجد لوحة مطعم فانه يدخل الى المطعم لكنه في حالة لا يشعر فيها
بالجوع فان تلك اللوحة لن تثيره.
الحياة كما انها تمضي الى امام فهي تمضي الى الخلف ويشاهد ذلك في
الافراد والحكومات التي تاخذ بالتراجع بصورة تدريجية حتى تنتهي وتزول )
الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا
وشيبة.)
ومعرفة الراي في حقيقتها تخضع لشروط وتمحيصات حتى تتجسد كواقعة
حقيقية يمكن الاستناد اليها في آخر المطاف.
وان للاشياء مظاهر كثيرة يمكن ان ينخدع فيها ويمكن ان يجعلها محصلات
غير واقعية فيرتكب الخطأ وسوء التقدير وان الشئ الرصين هو دراسة كل هذه
الوجوه السايكولوجية فرديا واجتماعيا ومن بعد ذلك يمكن تقدير الراي
العام الذي تنخرط فيه الاصوات وهي تكون رايا عاما في نهاية الامر.
...................................................
المصادر/
الرأي العام والإعلام/ للإمام الشيرازي |