محمد عادل*
مقدمة
ترك العنف آثاراً سلبية على وحدة النسيج العراقي من خلال ميل جماعات
وأفراد في المجتمع الى تبني مواقف ورؤى أخذت تبرر للعنف وتدافع عن
أطرافه, منظوراً إليه وفق هذه الرؤى والتصورات السلبية على أنه صراع
تغذيه وتدفع إليه نزعة الدفاع عن الذات من أجل البقاء, وهي بذلك تحاول
أن تفرغه من عدوانية دوافعه ومنطلقاته.
إن العنف وتبريره يستدعي التواءً في الخطاب وقدرة سياسية على
المناورة بالحدث لغرض تمرير العنف ومخططه والإفلات من كل إدانة قانونية
أو اجتماعية أو سياسية. ويتحرك العنف في مخططه على ضوء مشروع سياسي
يستند الى مجموعة من القيم الحاثّة على العنف والدافعة الى مقارفته،
وتتبناه قوى وجماعات تنطلق من قناعات أيدلوجية, وتتحرك على مستوى
إستراتيجي يتجاوز مجرد أعمال فردية أو حالات ثأرية, بل هي ثقافة موروثة
عن هذه الأيدلوجية أو تلك, انتقلت بفعل تطورات سياسية واستحقاقات
تاريخية الى العمل السياسي بكل دموية التكفير وهمجية الإرهاب.
1.اللاعنف واصله في الإسلام ومصدره
في القران
تكتسب أطروحة المرجع الشيرازي (قدس) ونظريته في(اللاعنف) أهمية
متميزة في وضع المعادلة العراقية المتأزمة. وتشكل آراؤه نوعاً من
التمهيد لحل جذري يتناول المشكل العراقي ويسعى الى احتواء أزمتهِ.
وتبرز أهمية هذه الأطروحة على عدة مستويات تتداخل فيما بينها وتضمن
عوامل النجاح في التطبيق, بل وتكاد أن تكون شرطاً لهذا النجاح ومن
مقتضيات حلول المشكلة العراقية, وأهميتها تكمن في أنها تصدر عن مرجعية
دينية, وتتحرك وفق هذا المنصب الديني, وهذا بحد ذاته يحمل أسباب قبوله
في المجتمع ومن ثم يفترض وجوب الالتزام بما يصدر عنه. وتنبئ هذه
الأطروحة أيضاً عن رؤية اجتهادية تتأسس على مدارك شرعية ووجوه في
الاستنباط تقوم على الكتاب والسنة وسيرة أهل البيت(ع). يقول د.اسعد
الإمارة "يستمد الإمام الشيرازي هذه النظرية في كل أبعادها من القرآن
الكريم وما قال به رسول الله (ص) من أحاديث وما رواه أهل البيت في
مختلف المواقف"([1]).
ويبدو أن الفكر الاجتهادي للإمام الشيرازي قد تماهى في هذه المسألة
مع قناعته الفقهية حول (اللاعنف) إلى مستوى القول بأن (الأصل في
الإسلام هو السلم واللاعنف), وأصل هذا القول عند الإمام الشيرازي
الراحل في بعض ما يبني عليه نظريته هو "إن الإسلام مشتق من السلم
والسلام"([2]).
وأما أصوله الأخرى في الكتاب فهي تنتشر على مساحة واسعة من القرآن
الكريم وبحضور قراءته في معنى الإسلام ـ من السلم والسلام ـ ما يزيد من
إمكانية استشراف النص في رؤيته على هذا النحو, وترسيخ قوة استدلاله في
ما ذهب إليه من القول باللاعنف وما يلزمه من الرفق والمداراة والصبر
وملكة التحمل وهي عنده ضبط النفس وترك الحدة ثم ما يترتب على تلك
الأمور وهي تجليات اللاعنف عند الإمام الشيرازي في السلوك ومجمل صور
الحياة.
وأما الآيات التي استند إليها الإمام الشيرازي (قدس) في استنباطاته
حول اللاعنف فهي آيات العفو وآيات السلم, حيث يرى أن حديث العفو والأمر
به الوارد في آيات القرآن ما هو "إلا ضرب من ضروب اللاعنف أو مصداق من
مصاديقه البارزة"([3]).
وأظهر آياته في ذلك قوله تعالى:
_ (أَلاَ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (8/ سورة
المائدة).
_ (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ
فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) (149/ سورة النساء).
_ (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ
اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (22/ سورة النور).
_ (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي
الأمْرِ) (159/ سورة البقرة).
_ (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ)(13/ سورة المائدة).
_ (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ
اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (109/ سورة البقرة).
_ (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ)(178/ سورة البقرة).
_ (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ
يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (219/
سورة البقرة).
_ (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْجَاهِلِينَ) (199/ سورة البقرة).
وهي الآيات التي يبني علها حكمه في اللاعنف وهي أيضاً من أبرز
مصاديقه في العفو([4]).
وإذا كان العفو موقفاً يترتب الحكم فيه ويتوقف على دواعي ومسببات
الحكم به إن وجدت، فإن السلم هو أصل الموقف في الإسلام وفلسفته في
الحياة عند الإمام الشيرازي بناءً على تعريفه الإسلام بأنه مشتق من
السلم والسلام. وبهذا المعنى وانعكاساته يتناول الإمام الشيرازي مفردة
السلم وآياته في القرآن الكريم باعتباره مظهراً آخر من مظاهر اللاعنف
في الإسلام وأهم تجلياته النظرية والعملية عند الإمام الشيرازي.
يقول الإمام الشيرازي: وعلى هذا الأثر فان آيات الذكر جاءت لتؤكد
على مسالة السلم والسلام؛ فقد قال عزِ من قائل مخاطباً عباده المؤمنين
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً
وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ) (208/ سورة البقرة), وقال مخاطباً الرسول الكريم(ص) وداعياً
إياه الى الجنوح للسلم إذا جنح المشركون له (وَإِنْ جَنَحُوا
لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (61/ سورة الأنفال), وأمر تعالى باعتزال القتال
إثر جنوح المشركين الى السلم فقال (...فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ
لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) (90/ سورة النساء).
وقال عز وجل في صفات المؤمنين (...وَإِذَا خَاطَبَهُمُ
الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً) (63/ سورة الفرقان).
وأخيراً يختم الإمام الشيرازي في استدلاله القرآني على مسألة
اللاعنف ويخلص الى ما يورثه اللاعنف والالتزام به من سلوك إسلامي وخلق
رباني أجملته الآية الكريمة في قوله تعالى (وَلاَ تَسْتَوِي
الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ
حَمِيمٌ) (34/ سورة فصلت)([5]).
ثم هناك آيات الصفح التي يفرد لها موضوعاً خاصاً من أجل توسعة
قواعده الاستدلالية وبيان اهتمام القرآن بهذا الأمر المهم في حياة
الإنسان والمسلم على وجه الخصوص. حيث يقول الإمام الشيرازي "إلى جاب كل
ما ذكر من الآيات المؤكدة على نبذ العنف والبطش فإن هناك آيات أخرى
صريحة تحث المسلمين على الصفح وغض النظر عن الإساءة"([6]).
فمن هذه الآيات قوله تعالى (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا
وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (14/ سورة التغابن).
وكذلك قوله سبحانه (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ) (13/ سورة المائدة), ويقول عز وجل مخاطباً رسوله
الكريم (ص) (وَإِنَّ السَّاعَةَ لاَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ
الْجَمِيلَ) (85/ سورة الحجر).
ونتيجة مركزية اللاعنف في فكر الإمام الشيرازي ومحوريته في إدراك
وفهم الإسلام, إذ يتأسس الإسلام عنده على اشتقاقه اللفظي في معنى السلم
والسلام، فإن الإمام الشيرازي يتوسع بإضافة آيات كثيرة تنتهي عنده في
ما يؤول إليه اللاعنف وترد في النهاية المطاف في هذا المعنى نفس الآيات
التي "تدل على الغفران والغض عن السيئة والمحبة والإحسان وما شابه"([7]).
2. اللاعنف ومصدره في السنة والسيرة
وأما السنة فإن الإمام الشيرازي يعتبر أن "إحدى أهم الأدلة على أن
الإسلام يتبع أسلوب اللاعنف هي منهجية الرسول الأعظم وسيرته في تعامله
حتى مع مناوئيه". "وتتضمن السنة النبوية والأخبار الواردة عن أهل البيت
(عليهم السلام) الكثير من الأحاديث الشريفة الداعية الى نبذ العنف وترك
رد الإساءة للغير وتربية المسلمين على السماحة واللين"([8]).
وكأن أبرز أثر تركته هذه التربية الإلهية في مجتمع المسلمين هو
تمهيد مناخات متمدنة اشترطت وجودها ونشأت في أجوائها نهضة حضارية وقامت
على أسس من تغليب اللاعنف في ترميزات هذه الحضارة وما تبنته من معايير
تأسست على العدل والجمال قطبي اللاعنف ومحوره. يقول تبارك وتعالى (...
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...)(8/ سورة المائدة) والتقوى
مجال ينغلق فيه السلوك الإسلامي ويتقدم في معنى (ولا تعتدوا...)
والتقوى تؤسس العدل وتنتجه وأظهر تجليات التقوى في العدل هو حاجز من
العدوان على حقوق الناس وأفراد المجتمع. وقد روي عن النبي (ص) أنه قال:
جُماع التقوى في قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالإِحْسَانِ) (90/ سورة النحل)([9]).
وأما الجمال فهو من صفات الله الثبوتية ـ الجمالية التي هي عين ذاته
غير زائدة عليه وإنه يحب الجمال ويحب كل جميل في القول والفعل وقد ورد
في الحديث الشريف (تجملوا فان الله جميل يحب الجميل) والحديث يبدأ بأمر
في التجمل ويختم بذكر حب الله تعالى للجمال. وثمرة اجتماع العدل
والجمال في كل أمة هو اللاعنف مبدأً وسلوكاً في ثقافة وحضارة هذه
الأمة. وإذا آمنت أمة ما بهذه القيمة وبنت اعتبار الحياة على معيار
اللاعنف فأنها لابد أن ترقى في مدارج الكمال وتسمو في عالم الفضيلة
والروح.
يقول الإمام الشيرازي "إن تربية الرسول وأهل بيته للمسلمين على قيم
السماحة واللين هو الأمر الذي أخذ بأيديهم نحو التقدم والرقي بعد أن
كانوا أذلة خاسئين يخافون أن يتخطفهم الناس من حولهم" ويرهن تقدم
الإسلام في كل أدوار تاريخه بانطوائه على السلام وهو "سبب تقدمة أولاً,
وكان السبب في تقدمه في المرة الثانية بعد غزو الصليبيين لبلاد الإسلام
من الغرب والمغول من الشرق وبالسلام نرجو أن يتقدم الإسلام في هذا
القرن المليء بغزو الشرق والغرب لبلاد الإسلام"([10]).
3. السنة وتشريع اللاعنف
يستند الإمام الشيرازي في نظريته حول (اللاعنف) إلى جملة من
الأحاديث الشريفة والأخبار الواردة عن الرسول وأهل بيته (عليهم السلام)
ومنها روايات في وصف رسول الله (ص) وأخلاقه وفي وصف الأئمة من آل بيته
وأخلاقهم وكذلك ما ورد من أحاديث وأقوال لأهل البيت (ع) في وصف
المؤمنين وأحوالهم.
فمن الأحاديث المروية في كتب الشيعة عن رسول الله (ص) قوله "ألا
أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة. العفو عمن ظلمك وصلة من قطعك,
والإحسان لمن أساء إليك, وإعطاء من حرمك"([11]).
وهو حديث يجمل كل سلوك اللاعنف وأحواله في أربع وهي العفو والصلة
والإحسان والإعطاء. وبهن تصفو الحياة من كدر العنف ومنغصات العيش في
الإساءة والرد عليها بالمثل (وإن تعفوا هو أقرب للتقوى).
وعند الإمام الشيرازي، فان الرفق هو أظهر صور اللاعنف وأهم تجلياته.
ويبني حكمة هذا على قول رسول الله (ص) "إن من الرفق الزيادة والبركة,
ومن يحرم الرفق يحرم الخير".
ومن حرم الرفق أو اللاعنف فقد حرم الخير أو الحياة التي لابد أن
تقوم على الخير وإلا فهي شر مستطير.
وحتى يكون المؤمن في نظر الإمام الشيرازي عاملاً بأمر الله تعالى
راغباً في ما يرغبه الله تعالى, محباً لما أحبه الله تعالى، فإن من
مصاديقه أن يكون رفيقاً محباً للرفق عاملاً به. ذلك (أن الله تعالى
رفيق يحب الرفق)([12]).
وأما الأخبار المروية عن رسول الله وأهل بيته في هذا الأمر فهي
كثيرة لا يمكن الإلمام بها إلا في مطولات موسعة في كتب الحديث والسيرة.
ولكن ما أشار إليه الإمام الشيرازي وذكره في كتبه وخطبه ورسائله تفي
بغرضه في الاستدلال بالسنة وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) على ما ذهب
إليه في أحكام مسألة اللاعنف وما ترتب عليها من فتاوى وآراء فقهية في
هذا المجال.
فمن هذه الأخبار والتي بها يستدل الإمام الشيرازي على موقعية السلام
في دائرة الإسلام "أن رجلاً سيئ الخلق والعمل جاء الى رسول الله (ص)
وشتم الرسول والرسول في المسجد الحرام يقرأ القرآن فسكت عنه الرسول ولم
يقل له شيئاً وقد كان يريد التحرش بالرسول حتى يدخل معه في المنازعة
ولكن الرسول بقي ساكتاً وأخيراً أساء الأدب أكثر فبصق في وجه الرسول،
يقول الرجل نفسه: إن محمداً لم يزد على أن مسح البصاق عن وجهه الشريف
ولم يقل شيئاً([13]).
والتزاما بما تفرضه السنة من العمل بمقتضى الأمر بها فإن الإمام
الشيرازي يرى ضرورة وأهمية تلقين السلام للنفس والمجتمع على حد سواء
باعتباره أسلوباً تربوياً وتطبيقياً للجوانب النظرية في السنة النبوية.
وهو ما يؤدي الى غرس نزعة السلام وحبه في نفس الإنسان "فإذا لقن
الإنسان نفسه بهذا التلقين في ليله ونهاره وشهره وسنته فإنه يتطبع
بطابع السلم"([14]).
وحسب رأي الشيرازي فإن المسلم يلقن نفسه السلام في كل يوم وعلى عدد
صلواته في الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء بالإضافة الى الصلوات
المستحبة بينها, حيث يكرر ذلك في كل صلاة فيقول (السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)([15]).
ويحمل رأيه على وجوب اللاعنف وضرورته على ما ورد في الخبر عن صفات
رسول الله والطاهرين من آل بيته (عليهم السلام) ذلك أن رسول الله (ص)
هو موضع اقتداء المسلمين والمثل الأعلى الواجب على كل مسلم الاقتداء به
والعمل بسيرته في الناس. وحول علاقته بالإنسان والمجتمع يقول الله
تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ
كَثِيراً ) ( 21/ الأحزاب).
ويستشهد في مورد استدلاله هذا بحديث أبي سعيد الخدري في وصف رسول
الله (ص) "هين المقولة, لين الخلق, كريم الطبع, جميل المعاشرة, بسام من
غير ضحك, محزون من غير عبوس, شديد من غير عنف"([16]).
ويحمل هذا الحديث ونقلاً عن صحابي جليل القدر والمنزلة عند المسلمين
تصويراً عن نأي رسول الله بأخلاقه وحياته عن العنف وشدته واتصافه
بالخلق الذي وصفه الله تعالى بقوله (وانك لعلى خلق عظيم) واللين في
رسول الله (ص) ثمرة هذا الخلق وإهابه, يقول الله تعالى (فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ
الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ...)(159_آل عمران).
وبهذه الرحمة ولين القول كانت علاقة الرسول الأكرم (ص) بمن حوله
وكان (بالمؤمنين رؤوف رحيم) ومن ملكت الرحمة والرأفة كل جوانب نفسه
ومقومات شخصيته فمن أين يكون للعنف إليه سبيلاً, بل اللاعنف ديدنه
وسبيله الذي أوصله الى الله تعالى والى قلوب الناس والى النجاح في نشر
الدعوة بين الناس.
يقول الإمام الشيرازي "وكذلك كانت السيرة النبوية وفاطمة البتول
والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم) فكان السلام شعاراً لهم في كل
شؤون حياتهم، وهذا النجاح المنقطع النظير لنبي الإسلام والأئمة عليهم
السلام إنما هو لأسباب من جملتها السلام الذي يتحولون به"([17]).
وأما بلوغه قلوب الناس فانه بعد فتحه مكة وعفوه عمن أساء إليه,
وسيرته في أهل مكة سيرة السلم والعفو فآلفتة هذه القلوب وأحبته (حتى
ذكر المؤرخون أن مكة لم تحارب بعد ذلك وإنما رضخت لحكم عتاب بدون جيش
وبدون شرطة وبدون سلاح)([18]).
ويفسر الإمام الشيرازي هذا الأمر بأنه راجع الى طريقة الرسول (ص) في
اللاعنف واجتنابه الشدة والعنف حتى أخذ (ص) بذلك (ألبابهم واستولى على
قلوبهم والقلب إذا صار موالياً لإنسان لا يمكن أن يثور عليه أو
يناهضه)([19]).
*مركز المستقبل للدراسات والبحوث
www.mcsr.net
([1] ) نظرية اللاعنف عند الإمام
الشيرازي(قدس) ص49.
([2]) كتاب النظافة، الشيرازي، موقع الإمام
الشيرازي الالكتروني www.alshirazi.com
([3])العنف في الإسلام
_الشيرازي.(www.alshirazi.com)
([4]) العنف في الإسلام، مصدر سابق.
([7]) العنف في الإسلام، مصدر سابق.
([9]) (مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ
ابن علي الطبرسي، ج1 ص118).
([10]) السبيل الى إنهاض المسلمين،
الشيرازي، ص127_128.
([11]) العنف في الاسلام، مصدر سابق.
([12]) العنف في الاسلام، مصدر سابق.
([13]) كيف السبيل إلى إنهاض المسلمين،
الشيرازي، ص175.
([14])
المصدر السابق، ص155.
([15])
السبيل إلى إنهاض المسلمين، مصدر سابق، ص156.
([16])
العنف في الإسلام، مصدر سابق.
([17]) السبيل إلى إنهاض المسلمين، مصدر سابق، ص127.
([18])
السبيل إلى إنهاض المسلمين، مصدر سابق، ص130.
|