عبد الحسين السلطان
من مظاهر تخلف أمتنا الإسلامية بأنها لا تقدر موقع قياداتها إلا
بعد رحيلهم من هذه الدنيا الفانية. وعندما ينتقل القائد إلى جوار ربه
يعظ الجميع على أظفارهم حسرة على ما ضيعناه من نعمة وخير لامتنا
ومجتمعاتنا الإسلامية.
الإمام السيد محمد الشيرازي رضوان الله تعالى عليه هو الصورة
الصارخة لهذه النعمة الربانية التي لم تعرف أمتنا قدره ولازالت تجهل
قدره وقيمته الحضارية والإنسانية بما قدمه من إنجازات لهذه الأمة.
الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي كان يحمل همّ الأمة على كتفيه
وتجاوز الهم المحلي اينما كان إلى ما يخدم مصلحة الأمة جمعاء فمثلا
عندما جاء إلى الكويت بدأ في تأسيس المؤسسات التي تخدم المنطقة كلها
كمكتبة الرسول الأعظم كأول مكتبة عامة أهلية وكانت مشعل للنشاط الثقافي
والديني ليس فقط لمنطقة الخليج بل الكثير من بلاد العالم الإسلامي.
وعندما هاجر إلى أيران قام بتأسيس العديد من المؤسسات التربوية
والدينية والاجتماعية وذلك بهدف ايجاد نهضة شاملة تنتشل الأمة من وضعها
المتخلف.
إن الرؤية الثاقبة للإمام الراحل تجاه أزمة التخلف التي يعيشها
العالم الإسلامي والتي يتحصن خلفها كل مشاكل وأزمات الأمة كان يراها
تتمركز في الجهل.
لذا كان دائما يحرص على معالجة جذور أزمة التخلف من خلال معالجة
أزمة الجهل وذلك عبر نشر الكتاب والنشرات والمجلات الدينية بشتى
الوسائل.
من هنا كان طيب الله ثراه في مقدمة المتصدين لمعالجة هذة الازمة من
خلال مؤلفاته التي تجاوزت الألف وثلاثمائة مصنف مخاطبا فيها جميع شرائح
المجتمع وبشكل سلس وبسيط.
ولم يتوقف الإمام الراحل فقط عند الكتب بل كان يدعو وبإصرار على
تأسيس الفضائيات لمواجهة الفساد والفكر اللاديني الغربي وجاءت القنوات
الإسلامية اليوم تلبية لنداء المرجعية الناهضة.
ولكي تكتمل حلقات توعية الأمة وإعادة الثقة في نفسها ومواجهة
التحديات الكبيرة قام الإمام الراحل بتأسيس المدارس الدينية في أي موقع
تحط بها أرجله المباركة سواء في كربلاء أو الكويت أو إيران بل كان يصر
على كل العاملين في أصقاع العالم أن يؤسسوا المدارس العلمية لتربية
العلماء العاملين لكي يقوموا بنشر الإسلام الحضاري وإعداد جيل من
العلماء والفقهاء المتنوريين الذين انتشروا في أرجاء العالم من كندا
حتى الصين ومن اليمن حتى روسيا لنشر الوعي الإسلامي الحضاري , لكي
يقوموا بدورهم الرسالي في مواجهة التخلف والتبعية والاستبداد.
إن تشخيص الإمام الراحل لجذور أزمة الأمة تدعو من يتبع مدرسة هذا
العظيم أن لا يتوانوا عن السير في مسيرته المباركة ومواجهة كل العقبات
المادية والاجتماعية والسياسية خاصة الالتزام بأخلاقيات الإمام
الشيرازي التي كانت تجلي لأخلاق الرسول الأعظم (ص) وصبره وصموده من أجل
نصرة الدين ومدرسة أهل البيت عليهم السلام.
– الكويت – 28رمضان 1428 |