حسن كاظم السباعي
احد الإبتلاءات التي تبتلى بها المجتمعات، هي ظاهرة الإنفعالات في
مختلف الأصعدة، سواء السياسية أو الإقتصادية أو الثقافية..
أي أن المجتمع يتبع الأحداث و لا يكون مبادرا أو سباقا لصناعتها.
وبعبارة أخرى، دائما تكون هذه الأفعال ناشئة من رد الفعل و ليس من
الفعل، وبدل إن تهتم بالوقاية تهتم بالعلاج، وهذا أمر يؤدي إلى إلحاق
أضرار بالمجتمع.
من هنا فإن المصلحين حينما ينبعثون لإنجاز مشروع إصلاحي في
المجتمعات فإن قراراتهم تكون ناشئة عن رد فعل المجتمع ونادرا ما يقدرون
على عرض مشروع جديد يكون خارجا عن هذا الإطار، و إن جاء مصلح بمشروع
جديد سباق للزمن ومبادر لصناعة الأحداث وتوليد الأفكار، فإنه يكون
غريبا و يواجه بالرفض من البيئة التي تعودت على شكل رتيب من الحياة.
وبناءا على هذا برأيي؛ إن أعظم إنجاز قدمه الإمام الشيرازي أعلى
الله درجاته هو إنجاز الإنجازات السباقة للزمن، وأغلب مشاريعه الفكرية
والعملية التي قدمها طوال مسيرته كانت ناشئة عن الفعل قبل رد الفعل،
والمبادرة قبل الإنفعال، والوقاية قبل العلاج، ولو كتب لها القدر أن
تحظى بقبول البيئة آنذاك، لما ابتليت تلك المجتمعات بالآفات والكوارث
التي تعرضت لها فيما بعد، والغريب أن القائمين على المجتمعات الذين
كانوا يرفضون آراء الإمام الراحل حين عرضها، توصلوا إلى حقيقتها بعد
حين، حيث فرض نفسها عليهم بقوتها الذاتية بعد أن ألحقت أفكارهم أضرارا
فادحة بالمجتمعات، رغم أن ذلك ليس بالشكل المطلوب الذي كان رسمه الإمام
الشيرازي.
لو أردنا أن نقدم نماذج مفصلة من أفكار ورؤى الإمام الشيرازي
المبادرة و السباقة للزمن في مختلف أصعدة الحياة، سيطول بنا المقام
ويطول الحديث، ولكن نكتفي بعرض ثلاثة نماذج في المجال السياسي باختصار
شديد:
1 - منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية كان الإمام الشيرازي من
خلال إرسال الرسائل والوسطاء إلى كبار المسئولين الإيرانيين يسعى
لإنهاء الحرب بشكل سلمي لحفظ الدم الشيعي و القوة الشيعية، ولكن لم تحظ
مساعيه بالإلتفات والقبول، وبعد أعوام اضطر كبار المسؤولين في إيران
لقبول قرار وقف إطلاق النار الذي أصدرته الأمم المتحدة بعد خسائر فادحة
في الأرواح والممتلكات.
2- نظرية "اللاعنف" التي طرحها الإمام الشيرازي وقوبلت بالرفض من
فئات وجماعات ثورية كانت ترى العنف والكفاح المسلح وحده طريق الاستقلال
والتحرير، وبعد مرور الزمن وتطور الأوضاع الإقلمية والدولية عرفوا
شجاعة الإمام الشيرازي وبعد نظرته السياسية وتوصلوا إلى صدق رؤيته
لحقيقة السلم والسلام في الإسلام.
3 - وحينما أعاد الإمام الشيرازي طرح نظريتي "شورى الفقهاء المراجع"
و"تعدد الأحزاب"، ووجه بانتقادات شديدة وردات فعل عنيفة ممن كان يرى أن
ذلك مخالفا للقيادة الواحدة والمطلقة ووحدة المجتمع، ولكن بعد فترة بدأ
ظهور الإنقسامات والشروخ في داخل هيكليلة النظام السياسي لتلك الجهات،
و توصل معارضوه بالأمس إلى أن تعددية الآراء والاختلاف في الأفكار أمر
لا محالة من التعامل معه، و لابد من تقنينه في إطار الأحزاب لضمان عدم
الفوضى والإنفلات، وتحولت منابرهم الإعلامية إلى التنظير لأهمية الشورى
والتعددية. |