لست أديباً بارعاً قد مخر بحر الوصف والشعر والنثر
كي أصف اللوحات العفوية للناس في أواخر أيام شهر رمضان المبارك وأسرد
الذكريات الحلوة والمرّة قبيل وأثناء العيد، فكم من أناس أفجعتهم العيد
بالمصيبة وكم من أناس غمرتهم العيد بالسعادة والسرور، وتلك هي حال دار
الدنيا سروره ممزوج بالحزن فلا سرور يدوم ولكن الأمل بأنه لا حزن أيضاً
يدوم، وأن مع العسر يسرا وما أجمل ما قيل في ذلك ما معناه (إن باغتتك
المصائب والبلى ففكر في ألم نشرح تجد يسرين بعد عسر إن فكرتها إذن تفرح)
ولكن هناك من الذكريات لا تنسى لهول فاجعتها وشدة وقعها وفداحة خسارتها
كالتي يفقد فيها عظيم من عظماء الأمة وقائد مخلص من قادتها وهو عالم
نحرير وفاضل مؤمن ومؤلف كبير 0 صحيح أن المبالغة في الوصف أو الانحياز
الأعمى لطرف من الأطراف دون مصداقية أو قيمة هو ضعف للمنحاز إليه قبل
المنحاز وهو جهل أيضاً ولكن من الصحيح أيضاً أن لا نبخس أحداً حقه ولا
نخفي إنجازاته وإبداعاته وفضائله فهو بالنتيجة رافد لتطور الأمة.
أخي القارئ الكريم: قد تختلف مع الإمام الشيرازي
(قدس سره الشريف) أو تتفق معه في بعض المسائل وقد تسمع مدحه من أناس وقد
تسمع ذمه بالباطل وكيل سيل الاتهامات تجاهه ولكن معرفة الحقيقة قد يتطلب
منا بعض الجهد لتحري الواقع الصحيح.
وبكل بساطة وعفوية آثاره تدل عليه خصوصاً ريادته
في الإصلاح والتجديد الجناحان التي بهما تقوم الأمة وتأمن مستقبلها، من
خلال الوسطية بين الشدة والرخاء والعقلانية المنفتحة التي حاولت أن
تستبقي بعض الرشد وتستوعب الحماس الانفعالي، وذلك باستخدام سلاح السلم
والسلام الكلمة اللينة والخطاب الهادئ الحكيم حيث في هذا الخضم المعقد
تصبح الأسلحة الأخرى مجرد إثارة انفعالية عابرة لا تثير الداخل العقلي
والتنور الفكري.
ولا شك أن المشروع الإصلاحي المتبني على العقل
الوسطي والاجتهاد الحر كان هو القادر على التجديد والتحديث مع حفاظه على
أصالة الأمة وقيمها ومبادئها دون أن تنصهر في المد التغريبي القادم
بمختلف مسمياته. لذلك فإن الإصلاح يحتاج إلى:
- برنامج فكري عميق ومتدفق وقادر على تغذية
المشروع باستمرار بالأفكار والرؤى النظرية والعملية بحيث يملك قابلية فهم
معطيات التحول وعناصر التجديد.
مشروع حركي تغييري يحول الأفكار الإصلاحية إلى
قاعدة جماهيرية تعتمد على التنظيم الفعال واستثمار الكفاءات.
مأسسة المجتمع بحيث يتحرك المشروع الإصلاحي صوب
تحويل المجتمع إلى قاعدة بنيوية متماسكة قادرة على تبني المشروع وتجسيده
ميدانياً.
ويمثل الإمام الشيرازي (قدس سره) أحد أعظم روّاد
هذا المشروع الإصلاحي، بل قد يكون من أوائل الذين جسدوا عملية الإصلاح في
مشروع متكامل في مبادئه وشموليته واستيعابه للضرورات والتحولات المعاصرة،
فكان لنظرياته الإصلاحية وقع ميداني وجماهيري ومؤسساتي، تشهد له تلك
الآثار الكبيرة التي خلّفها وراءه.
وحسب آراء المفكرين كان مشروعه الإصلاحي يعتمد على
عدة عناصر:
1- إنه مشروع قادم من مرجعية عظيمة في تاريخها
وعليتها وجماهيريتها وحركيتها، وهذا الإصلاح المتحرك، يمثل بحد ذاته
تأطيراً شرعياً وامتداداً تأصيلياً لحركة الأمة نحو التجديد والتحديث،
خصوصاً وأن هذه المرجعية تمتلك مقومات الإخلاص والورع والتقوى، يمثلها
ويدعمها تاريخ طويل من النزاهة والنظافة والاستقامة في أسرة الشيرازي.
2- يحمل هذا المشروع الإصلاحي الكثير من الأفكار
الأصيلة والمتجددة وبالتالي فإنه قد غذى الأمة وحرّكتها بأفكار عديدة
تموجت أثارها على كثير من التيارات والحركات. وقد ركزت هذه الأفكار بشكل
أساسي على استمداد النهضة من نصوص القرآن الكريم مع فهم معاصر عميق لهذه
النصوص قادر على حل الكثير من مشكلات التخلف والتغريب والتنمية، وقد كان
الإمام الشيرازي (قدس سره) يطرح الآيات القرآنية الثلاثة (آية الحرية)
و(آية الأمة الواحدة، وآية الأخوة) باعتبارها آيات أساسية، تمثل محور
إنقاذ المسلمين ونجاتهم، كما أنه طرح آيات أخرى تنبع مفاهيمها من هذه
الآيات باعتبارها آليات التغيير مثل (آية الشورى، آية السلم واللاعنف،
آية التعددية، آية التنظيم...).
3- إن أحد أهم عناصر قوة المشروع الريادي للإمام
الشيرازي في الإصلاح والتجديد، هي رؤيته الحركية ومحاولة عقلنة الحركة
الإسلامية عبر إخراجها من الاتجاه الثوري المفرط إلى اتجاه وحركة إصلاحية
عقلانية تتكامل فيها أسس العمل التغييري السليم، فطرح في كتابه السبيل
إلى إنهاض المسلمين مجموعة رؤى تستنهض الحركة الإسلامية في الاتجاه
السليم مثل: التوعية والتنظيم الجماهيري والعمل السلمي غير العنيف
وأخلاقيات الحركة الإسلامية، من سعة الصدر وقضاء حوائج الناس.. والاكتفاء
الذاتي والتعاون..
4- سعى الإمام الشيرازي إلى بناء القاعدة الأساسية
للإصلاح، وهي بناء المؤسسات ومأسسة الحركة الإصلاحية في المجتمع بمختلف
الصور من أجل تحويل القاعدة إلى عمل حركي منظم يستوعب الإصلاح في أطر
خطوات منظمة متصاعدة تدريجياً نحو البناء المتكامل.
5- يمثل الانفتاح الموضوعي والعقلاني على الآخر
أحد أهم أبعاد هذا المشروع بمختلف المستويات: فلا تشكل موجة الضعف في
الأمة، ولا عاصفة التغريب، تبريراً للانغلاق على الذات، بل لا بد من
انفتاح متوازن يأخذ من تجارب الآخرين عناصر القوة الإيجابية دون أن يعني
ذلك التأثر المطلق والتخلي عن الثوابت. بل إن سماحته دعا إلى عملية فتح
الحوار مع الغرب من أجل رفع الحواجز المتراكمة نتيجة لسوء الفهم، وتعريف
الغرب بالإسلام الواقعي والصحيح بل إنه دعا إلى إنقاذ الغرب ونجاته من
سلبيات حضارته لأجل إنقاذ العالم ورفع مستواه.
إضافة إلى كتابته في الأحداث المعاصرة وإبداء رأيه
فيها كما في قضية العولمة والتنمية والأحداث السياسية وإنقاذ العراق
والاهتمام بالمقدسات وبالقدس وغيرها من علوم الحساب والهندسة والجبر
والاجتماع والفلسفة وعلم النفس ومؤلفات طبية وأدبية وفلكية وعلم النجوم
والهيئة إضافة إلى إحاطته عن تأثير الفنون كالشعر والمسرح والسينما
والفضائيات وغيرها واستغلالها في نشر الإسلام الصحيح وبوح قضية عاشوراء
والثورة الحسينية المباركة... |