يعتبر الإمام الشيرازي واحداً من أبرز دعاة
الإصلاح والتجديد في القرن العشرين، فقد كان مجدداً في الفقه ، ومجدداً
في الفكر والثقافة، ومجدداً في الحوزات العلمية، ومجدداً في المرجعية
الدينية، وقد امتلك الإمام الشيرازي عقلية مبدعة ومبتكرة مكنته من
الإبداع والتجديد والتطوير في مختلف حقول المعارف الدينية.
وقد قام الإمام الشيرازي بالفعل بتأليف الكثير من
الكتب التي تتناول القضايا المعاصرة، والمسائل المستجدة، كما أجاب في
العديد من كتبه عن الكثير من الإشكاليات المطروحة عن الإسلام، وتمكن من
عرض مبادئ الإسلام وقيمه ومثله للأجيال المعاصرة .
وسأتناول محورين مهمين حول التجديد في فكر الإمام
الشيرازي :
1- المجال الفقهي .
2- المجال الفكري .
المجال الفقهي
ضرورة التجديد في الفقه ينبع من ضرورة مواكبة
متغيرات العصر، وملاحقة تطوراته ومستجداته، وتوضيح الرأي الشرعي تجاه كل
حدث من الحوادث الواقعة .
وتنبع أهمية وجود المجتهد المطلق من قدرته على
الإجابة على أسئلة العصر، والإبداع في معالجة القضايا الجديدة، وليس فقط
ممارسة الاجتهاد في المسائل العبادية للفرد المسلم، إذ أن المطلوب من
المجتهد في كل عصر هو معالجة قضايا عصره، والإجابة على أسئلة زمانه، وعدم
الاقتصار على ماسبق للفقهاء المتقدمين أن أجابوا عليه، وإلا فإن الاجتهاد
يفقد حيويته وقدرته على مواكبة المتغيرات الزمانية والمكانية.
ولا يمكن للتراث الفقهي ـ رغم ضخامته و أهميته ـ
أن يجيب على تساؤلات العصر، بل المطلوب من المجتهد المعاصر ممارسة
الاجتهاد في القضايا الجديدة كما القديمة ؛لأن الاجتهاد يجب أن يشمل جميع
القضايا بما فيها المسائل المعاصرة .
وفي كل عصر يبرز من الفقهاء من يتميز بالنبوغ
والعبقرية والذكاء الخارق مما يؤهلهم للتجديد في الفقه وأصوله، ومعالجة
قضايا العصر بأسلوب استدلالي معمق، وهذا ما يعطي للفقهاء القدرة على
مواكبة قضايا العصر، واستحداث أبواب جديدة في الفقه للإجابة على تساؤلات
العصر و إشكالياته .
وقد كان الإمام الشيرازي من أبرز من لمع في هذا
المجال في العقود الأخيرة من القرن العشرين، حيث تعتبر موسوعته الفقهية
سيدة الموسوعات على الإطلاق، إذ لا توجد موسوعة فقهية ـ لحد الآن ـ قد
وصلت من حيث الحجم أو من حيث البحوث الجديدة أو التفريعات الكثيرة كما هو
عليه الحال في موسوعة الإمام الشيرازي الفقهية .
لقد وصلت موسوعة الإمام الشيرازي إلى 150 مجلداً
من المجلدات الكبيرة، وقد تميزت هذه الموسوعة بالعديد من المميزات التي
تميزها عن غيرها من الموسوعات الفقهية وأبرزها :
1- استعراض مختلف الأدلة .
2- كثرة التفريعات .
3- استحداث أبواب جديدة .
المجال الفكري
أسس الإمام الشيرازي مدرسة فكرية مستنيرة، وبلور
منظومة فكرية متكاملة، وقد أنتج سماحته العديد من الأفكار الجديدة أو
المتجددة التي كانت تستهدف بعث روح النهضة والإحياء في الأمة الإسلامية .
وقد مارس الإمام الشيرازي في كتبه ومحاضراته نقداً
للواقع المزري الذي يعيشه المسلمون نتيجة لا بتعادهم عن أخلاق وقيم
الإسلام ... هذا من جانب، ومن جانب آخر كان يدعو دائماً للعمل بالإسلام،
والأخذ بالأسباب الطبيعية من أجل استعادة حضارة الإسلام التي كانت في يوم
من الأيام ا مبعث النور و العلم والتقدم والتحضر في العالم كله .
إن ما يميز الإمام الشيرازي ـ شأنه في ذلك شأن
سائر المصلحين والمجددين ـ أنه كان يحمل هموم الأمة بقوة، ويسعى من أجل
استنهاضها وإحياء حضارتها، وكان همه الأكبر استعادة الإسلام إلى الحياة،
وتوحيد الأمة الإسلامية في كيان واحد .
وقد عاش الإمام الشيرازي متفاعلاً مع قضايا العصر،
وجديد الفكر والثقافة، فكان يُسَارع إلى إنتاج ما يراه مناسبا من ثقافة
وفكر يتلاءم ومتطلبات العصر، فعندما بدأ البث المباشر عبر الأقمار
الصناعية كتب أكثر من كتاب عن كيفية التعامل مع هذا المنجز العلمي الحديث
مع ما فيه من إيجابيات وسلبيات .
وعندما أخذت مسألة ( العولمة ) تشغل الساحة
الفكرية والسياسية في العالم كتب كتابه (فقه العولمة).
ولما كثر الحديث عن البيئة وما تحدثه الصناعات
الحديثة من أضرار جسيمة بالبيئة كتب كتابه القيم ( البيئة )، وقد وضح فيه
رؤية الإسلام لقضايا البيئة وطرق الحفاظ على نظافة البيئة .
وهكذا كان الإمام الشيرازي ( قدس سره ) مستوعباً
لمنطق العصر، متابعاً لمتغيراته، متفاعلا مع كل جديد في عالم الفكر
والثقافة، وهذا ما ساعده على إنتاج و بلورة ( منظومة فكرية مستنيرة)
ساهمت في تجديد أوتجدد المعارف الدينية ، وتطوير الخطاب الديني إن من حيث
الصياغة أو المضمون .
* من كلمة القاها في حسينية أهل البيت (عليهم
السلام) بالخويلدية ليلة الأربعاء 26/9/1425هـ/10/11/2004م كلمة في
الذكرى السنوية لرحيل الإمام الشيرازي (قدس سره). |