لماذا البكاء على الحسين (ع)؟ |
محمد محسن العيد |
قال لي صديقي الدكتور أبو علي، الذي يقيم في أوروبا: جمعني يوماً العمل بمجموعة من مختلف المذاهب في الإسلام، وفي أحد أيام محرم سألتني إحداهن، وكانت متطوعة للعمل في التعريف بالدين ونشره. قالت: ما هو رأيك يا دكتور بالحسين (ع)؟ قلت: هو سبط الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وسيد شباب أهل الجنة، وابن سيدة النساء، وابن... فقاطعتني قائلة: أو تظنني لا أعرف الحسين (ع)، إنما سألتك بقصد، هل هو شهيد أم قتيل؟ قلت: لا شك أنه شهيد. قالت: فهو إذن في علياء الله وجنة رضوانه؟ قلت: نعم. قالت: فلماذا هذا البكاء إذن؟ قلت: في الشهادة، عِبرة ولا بأس في العَبْرة مع العِبْرة. ثم نظرت فوجدتها سكتت متلجلجة كأنها تريد أن تخرجني من الحرج فهي لم تقتنع بالإجابة ولا تريد أن تستمر بالمحاورة. أما أحد المتشددين الذي كان يشهد الحوار، فقد أعرب عن رأيه بعد أن ساد الصمت بيننا، وقال: - إنها كلها بدع لا ترضي الله ورسوله... ثم سكت الجميع، وبقيت أحاول أن أجد جواباً مقنعاً للبكاء على الحسين بالنسبة لمن لا يستوعب معاني بلاء الحسين (ع)، ولا يدرك أهمية التواد في حب الحسين (ع)، حتى قرأت مقالتك عن (ألطاف الله تعالى في ثورة الحسين (ع)) فعلمت أن في ذلك المقال بغيتي، ولكني وجدت هوة بين حقيقة ما تقول ودافع ما نحن فيه من معاني تلك الألطاف في بلاء الحسين (ع) الراتب. وكان هذا الحديث مع الدكتور أبي علي قد أثار في نفسي استغراباً كبيراً من قوم يدعون أنهم امتداد للسلف الصالح من المسلمين الذين كانوا ينادون الرسول الأعظم (ص) بقولهم: بأبي أنت وأمي وأهلي يا رسول الله.. والحسين (ع) هذا هو ريحانة الرسول وشمامته وروحه التي بين جنبيه، ولم يبق أحد منهم إلا سمع الرسول (ص) يقول: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً)(1). وكان كبار الصحابة من أمثال أبي ذر الغفاري، وسليمان الفارسي (المحمدي)، وعمار بن ياسر... يجدون حب الحسين (ع) علامةً لسلامة الدين، وبغضه علامةً للنفاق. قال أبو ذر الغفاري (رضي الله عنه) مرة لسلمان الفارسي: هل تجد في نفسك ما أجده في نفسي؟ قال سلمان: وماذا تجد في نفسك؟ قال: أجدني أحب الحسين (ع) حباً كبيراً وخاصاً ومتميزاً. قال: والله إني لكذلك يا أخي يا أبا ذر، فتعال نسأل علياً عن ذلك. فأتيا علياً وسألاه. قال علي (ع): وإني لأجد ما وجدتماه فتعالا نسأل الرسول (ص) عن هذا. فأتوا الرسول (ص) وسألوه عن تميز الحسين في حب خاص ومكانة مكينة في قلوبهم، فما علة ذلك؟! قال الرسول الأعظم (ص): وإني مثلكم، وأجد للحسين حباً في قلبي متميزاً، فلأسأل عنه جبرائيل. قال جبرائيل: وإني لكذلك يا رسول الله(*). إذن فحب الحسين (ع) يميز بالخصوص الخاصة من عباد الله تعالى؛ ولذا فلا نلوم من لم تكن له هذه الخصوصية. حب الحسين (ع) شاء الله تعالى أن يكون معيار الإيمان.. لأن حب الحسين (ع) هو حب الله ورسوله.. قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين. إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) (آل عمران 31 - 33). وإن نفاذ وصية الرسول الأعظم (ص) في النفس الكبيرة بحب الحسين دليل محبة الله ورضاه، ينعكس في رقة تلك النفس، وفي زفراتها، حسرة على الحسين (ع) من صدر محب وعين متطلعة لرضاه سبحانه، تفيض دموعها حزناً. وإن عدم نفاذ وصية الرسول الأعظم (ص) في نفس الجلف الجافي دليل سخط الله تعالى، ينعكس في غلظة النفس، وفي ضيقها من ذكر الحسين (ع)، وفي عين لا تدمع. والمخلص يقول في دعائه: (اللهم أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن نفس لا تشبع ومن علم لا ينفع ومن صلاة لا ترفع ومن دعاء لا يسمع). وإن الذي نقصده واضح في أمثال الذي يرى في نفاذ وصايا الحبيب محمد (ص) في حب الحسين (ع)، وأوامر الله تعالى في مودة آل محمد، وذوبان القلوب وامتلاء الصدور بحبهم، وفيض العيون رقة على مصائبهم - يرى في ذلك بدعة هو المثال السيئ للمسلم المنحرف عن الفطرة؛ حيث يرى المنكر معروفاً والمعروف منكراً. وذلك ما كان يحذر منه الرسول (ص) في آخر الزمان.. فأمثال الذين يرون في البكاء على الحسين (ع) بدعة، وهم في قمة الهرم في الدعوة للدين ومحاربة البدع والمنكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هم الذين حذر الرسول الأعظم (ص) منهم.
- ليس في البكاء على الحسين (ع) بدعة.. جبل الإنسان على المحبة والعاطفة وقد بكى الرسول الأعظم (ص) على ولده إبراهيم، وبكى قبله يعقوب (ع) على ابنه يوسف، حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. وأن الذي لا يملك عاطفة تجاه من يحب، تتجلى في دمعة يسكبها في مظلومية أو في عاديات الدهر عليه، أو لتواتر الأحزان عليه، إنما هو جلف صلف لأنه فاقد لمقوم أساس من مقومات إنسانيته؛ فهو منحرف عن الفطرة السليمة التي هي أساس الدين. إن الحسين (ع) بالنسبة للدين الفطرة - الإسلام؛ وهو بالإجماع: سبط الرسول الأكرم(ص)، وريحانته، وحبيبه، وسيد شباب أهل الجنة، والمُطّهر من الرجس بنص الكتاب، والمطلوب مودته بنص كتاب الله تعالى، وخامس أصحاب الكساء والإمام المفترض الطاعة بنص الكتاب أيضاً، والآل الذي لا تصح الصلاة المفروضة إلا بالصلاة عليه... وكثير مما لا يحصى، وهو من المسلمات عند جمهور المسلمين في فضل الحسين وتميزه بالمحبة(**). فكيف نجد إنساناً يحب الحسين (ع)، وهو بهذه المواصفات وتفيض عيناه عاطفة بحب الحسين (ع) طاعة لله وللرسول، وحب وصايا الرسول (ص) والكتاب الحكيم، ونقول عنه إنه مبدع، وإن عمله لا يرضي الله ورسوله!! إنه منتهى الجهل والقسوة، بل هي نعرة إبليس وغواية الشيطان؛ باتهام الإنسان بما حباه الله تعالى من فضل، وقد لعن الله إبليس والشياطين وحزبهم(***). والأغرب من هذا أن هذا الحريص على الدين من البدع، يمارس كل البدع التي حذّر منها الرسول الأعظم (ص) دون أن يرعوي، وهو يعلم أن الرسول (ص) حذر منها، بل إنه يصنفها من البدع المقبولة. وهذا من البلية التي تضحك!. والأغرب أيضاً من كل هذا، أن الذي يرى في البكاء على الحسين (ع) بدعة، قد يساوي بين الحسين (ع) والذين لعنهم الله ورسوله ويترضى عليهم!! فهل في هذا بلاغ؟!.
- في البكاء على الحسين (ع) حفظ الدين: إن من أهم ما يلفت نظر المرء في الحياة، هو أن يرى أو يسمع أحداً يبكي، وكلما كان البكاء حاداً كلما كان الانتباه يشتد إليه. وبكاء المسلمين على الحسين (ع)، يشتد الانتباه إليه؛ فالإنسان قد يقول كذباً، أو يفعل زوراً، أو يماري أو يجادل باطلاً، لكنه لا يستطيع أن يبكي كذباً في مجاميع وفي موضوع تنعقد نفسه عليه ديناً لوجه الله تعالى، وأن يطول بكاؤه ويتكرر حزنه بصدق تام، يعاضده في ذلك شعر لم يجد تاريخ البشرية له مثيلاً في صدق عاطفته، حتى أن عميد الأدب العربي طه حسين قال: (كان الشعر علوياً، وسيبقى علوياً)؛ لما فيه من صدق عاطفة محبي الحسين وآل البيت (ع). إن صدق العاطفة هذا وفيما يرضي الله تعالى، ودوام الحزن والبكاء على مصيبة الحسين(ع)، كلها أمور تؤدي إلى حفظ الدين العظيم وفي اتجاهين: الاتجاه الأول: في البكاء على الحسين(ع) معاني التصاق العاطفة عند الباكين من أنصار الحسين(ع) بالمبدأ الذي استشهد الحسين(ع) من أجله، وهو في الإسلام، مذهب أهل البيت(ع) المطهرين بإرادة الله تعالى، وإرادة الله نافذة لا حول دونها. البكاء على الحسين(ع)، إنما هو بكاء على فقدان ذلك المبدأ والعاطفة، للحفاظ عليه؛ فمبدأ الحسين(ع) هو مبدأ جد الحسين(ص) في الدين الخالص لله تعالى، في حين أن مبدأ الظلمة الذين قتلوه(ع)، هو مبدأ الطلقاء الطرداء الذين هم الأعداء الأوائل والأساسين للإسلام، والذين هم أهل للردى الثانوية في كل تغير اجتماعي ثوري في التاريخ. البكاء وسيلة للتعبير عن الالتصاق بالدين الصادق وللكون مع الصادقين الذين أمر الله تعالى بالكون معهم(2). والبكاء وسيلة للتمسك بالثقل العاصم من الثقلين الذين أوصى الرسول الأعظم (ص) بالتمسك بهما عصمةً من الضلال(3). والبكاء على الحسين (ع)، يمثل اختيار السفينة المنجية التي أوصى الرسول الأعظم (ص) بركوبها للنجاة وبعدم التخلف عنها(4). والبكاء على الحسين (ع) هو انحياز لحزب الله تعالى وهجر لحزب إبليس(5). والبكاء على الحسين (ع) طاعة لرسول الله تعالى في محبة الحسين (ع) وأهل بيته(ع). كما مر معنا في قوله (ص): (أحب الله من أحب حسينا). والبكاء على الحسين (ع) طاعة لله تعالى في مودة ذوي القربى (ع). الاتجاه الثاني: في البكاء على الحسين (ع) دعوة لمذهب أهل البيت (ع) باعتباره المذهب الأصيل في الإسلام، وبيان للمعاني الجميلة في دين الله تعالى التي لم تبرز إلا من خلال ثورة الحسين(ع)؛ ذلك لأن البكاء على الحسين (ع) فيه حجة على بقية المسلمين بالملازمة والتكرار، حيث البكاء يلازم هذه الطائفة المحبة لأهل البيت، ويتكرر مع الدهر في أيام الله وضمن معيار شعائره؛ فهو إذن دعوة للمسلمين أن يسألوا عن سر هذا البكاء، ومن خلال هذه الشعائر. فهل هو معقول أن تكذب عواطف مئات فطاحل الشعراء وعمالقتهم على مر التاريخ؛ فما من فطحل أو عملاق في الشعر إلا وهو شيعي يوالي الحسين (ع)؟!. هل هو معقول أن كبار المفكرين والعلماء والفلاسفة على الإطلاق، وهم ممن يبكون الحسين (ع) ومن أشد محبيه ومواليه، من أمثال جابر بن حيان الكوفي وابن سينا، ابن النديم الذي يقول (ملفل ديوي) أنه أخذ تصنيفه الشعري للعلوم منه، والفراهيدي... وغيرهم كثير في كل علم وصنعة.. هل معقول أن هذه العقول العملاقة في التاريخ كله، تبكي الحسين (ع) عبثاً؟!. أمعقول هذا؟!!. نقول هذا ونطلق هذا التساؤل بفرض أن المتساءل عن البكاء على الحسين (ع) هو باحث عن الحق والحقيقة، ولم يحبس عقله بعصابة الحقد على آل محمد (ص).. ولذا، فإن لم يكن باحثاً عن الحق والدين الحق، فليس مأسوفاً عليه أن يفعل مثل هذا بنفسه.. فالبكاء على الحسين (ع) حجة قائمة لا لبس فيها. وهكذا هو القول الحق: (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) الأنعام - 149.
- البكاء على الحسين (ع) حرب على الطغاة: يترافق البكاء على الحسين (ع) بذكر قصة مقتله، وهو السبط المصلح، وسيد شباب أهل الجنة، الثائر، والذي قتله الطاغية يزيد الفاجر شارب الخمور، وأبناء النوابغ سمية ومرجانه من قادته... في مجالس تتكرر في كل صقع وعلى مر الدهور؛ ولذا فإن للبكاء على الحسين(ع) عند الطغاة معنى سياسي؛ فهو بكاء سياسي يتضمن معنى الاحتجاج على الظالمين والطغاة الذين يقتلون المصلحين وأصحاب المبادئ الصحيحة. إن مجالس البكاء على الحسين (ع) تهز عروش الطغاة في كل بلد تقوم فيه.. ولذا فالطغاة وهذه المجالس في حالة حرب على مر التاريخ. إن في العراق وحده أعدم مئات الآلاف من قبل صدام، من الباكين على الحسين (ع) والذاهبين مشياً لزيارته. إن الباكين على الحسين (ع) هم ثوار الدين الحق، لأنهم يحملون معاني ثورة الحسين على الطغيان والفسق والفجور.. والبكاء تظاهرة عظيمة للمظلوم على ظالمه، والله تعالى قد رخص هذا القول، بقوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ُظلم) وأي ظلامة أعظم من ظلامة ابن الرسول الأعظم (ص).
- البكاء على الحسين (ع) تجديد للدين باعتباره ثورة دائمة: لولا البكاء على الحسين (ع) لما تجسد شعار (لكل فرعون موسى ولكل يزيد حسين). ولولا البكاء على الحسين (ع) لكان انتقال الخلافة - خلافة الرسول الأعظم- للفاجر يزيد بالوراثة أمراً تلقائياً ولضاع الدين إلى الأبد؛ فمن خلال البكاء على الحسين (ع) برزت مضامين حافظة للدين تجسدت بتلك الشعارات التي حملها أنصار الحسين (ع)، وصار للثورة الحسينية أدباً يتعاظم يوماً بعد يوم مع البكاء وبقصد الإبكاء، وامتدت شعائر البكاء والإبكاء على الحسين (ع) في كل أصقاع الأرض، وهي تحكي بأدب بليغ قصة النور الذي أرادوا أن يطفئوه في كربلاء ولكنه استعر ثم استطال وانتشر، وتبين للناس معاني الثورة في دين الله، وتعلموا مواقع الخير والحسن والعدل، وتنبهوا إلى مواقع الخطأ والخطل والضلال والقبح وتحذروا منها.. وصار للبكاء منبراً يقض مضاجع الطغاة في كل دهر وفي كل أرض، طبقاًً لشعارات الثورة الحسينية. ولكي ننصف المتطلع إلى هذا القول باعتباره نبعاً من عاطفة شيعي مظلوم، نقول: تصوروا كيف يكون الإسلام دون الباكين على الحسين (ع) والمستنكرين على يزيد الفاسق إمارة المؤمنين. أو تصوروا ديناً فيه أمثال معاوية ويزيد، والذين من بعدهم أمثال الوليد بن يزيد الذي تولى الخلافة في الأمة يوم الأربعاء 6ربيع الثاني سنة 125هـ والذي يقول عنه السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء) أنه كان فاجراً سكيراً يزني بالأمهات والأخوات، وقد أرسل من يبني له مشربة للخمر فوق الكعبة، ولكن الله قتله قبل أن يفعل هذا، وذلك في النجراء (وهي قرية في دمشق) يوم الخميس 28 جمادى الثانية سنة 126هـ وله الشعر التالي الذي ينم عن حال أمة هو يتولى الأمر فيها: فدع عنك ادكارك آل سـعدي فنحن الأكثرون حصى ومـالا ونحن المالكون الناس قسـراً نسـومهم المذلة والنكـالا ونوردهم حياض الخسف ذلاً ومـا نـألـوهم إلا خبـالا
- البكاء على الحسين (ع) توحيد خالص لله تعالى: إن البكاء على الحسين (ع) هو تعبير عن كراهية محب الحسين (ع) للظلم، بما نال الحسين (ع) من مظلومية شديدة في دينه لله تعالى وتوحيده له جل وعلا.. وإذا كرهت النفوس الظلم، كرهت الشرك؛ إذ (إن الشرك لظلم عظيم)- لقمان: 8 -. إن البكاء على الحسين (ع)، لا يصدر إلا عن نفوس قُوّمت بتوحيد الله تعالى لأنها انطوت على بغض الظالمين وعداوتهم والبراءة منهم. وهذا منهج واضح في التوحيد يبرزه القرآن في سيرة سيد الموحدين إبراهيم الخليل (ع). قال تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه، إذ قالوا لقومهم إنّا بُرءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) (الممتحنة: 4). وفي موضع آخر من نهج القرآن تأكيد كون بغض الظالمين وعداوتهم هو نهج الموحدين، حيث قال تعالى على لسان إبراهيم (ع): (قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون، أنتم وآباؤكم الأقدمون، فإنهم عدو لي إلا ربّ العالمين) (الشعراء: 75 - 77). وفي موضع آخر يقول الله، عن سيد الموحدين إبراهيم في موقفه من جدّه لأمه، أو عمه: (فلما تبين أنه عدو لله تبرأ منه) التوبة: 114. والبكاء على الحسين (ع)، بما فيه من حسرة وحرقة على مظلوميته ومصيبته الراتبة، يتضمن لعن الظالمين الكبار والبراءة منهم، الذين امتطوا الدين الذي جاء بشريعة التوحيد والوحدانية، فجعلوه سهماً لغاياتهم في الحياة الدنيا، وعروة للتسلط على الناس بغير عدل أفشوه أو حسنٍ فعلوه. والبكاء على الحسين (ع) طلب للعودة إلى شريعة التوحيد، شريعة الحسين (ع)، وجد الحسين (ص). السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين الهوامش: (1) انظر: أنساب الأشراف للبلاذري، الجزء الثالث ص: 1285. - ومسند أحمد الجزء الرابع ص172. - وسنن ابن ماجه الجزء الأول ص144. - وتاريخ دمشق لابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين). - إرشاد المفيد الجزء الثاني ص127. (*) جاء في كتاب فضائل آل الرسول، اختيار آية الله العظمى الإمام الشيرازي (قدس سره) ما يلي: أخرج الترمذي عن ابن عمر: أن النبي (ص) قال: إن الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا (ص133). أخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي بكرة: أن النبي (ص) قال: إن ابني هذين ريحانتاي من الدنيا (ص133). أخرج الترمذي وابن حبان عن أسامة بن زيد: أن النبي (ص) قال: هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما وأحب من يحبهما (ص132). أخرج الطبراني عن عقبة بن عامر: أن النبي (ص) قال: الحسن والحسين سيفا العرش وليسا بمعلقين (ص135). أخرج البخاري في الأدب المنفرد، والترمذي وابن ماجة عن يعلي بن مرة: أن النبي (ص) قال: حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحب حسينا، الحسن والحسين سبطان من الأسباط (ص136). أخرج أحمد وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة: أن النبي (ص) قال: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني (ص136). (**) راجع من مختارات الإمام الشيرازي (قدس سره) في كتاب فضائل آل الرسول (ص) من الصواعق المحرقة لأحمد بن حجر الهيثمي الملكي الشافعي: أ) أخرج الطبراني عن عائشة أن النبي (ص) قال: أخبرني جبرئيل، أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه (ص137). ب) أخرج أبو داود والحاكم عن أم الفضل بنت الحرث أن النبي (ص) قال: أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا - يعني الحسين - وأتاني بتربة حمراء (ص137). د) أخرج البغوي في معجمه من حديث أنس أن النبي (ص) قال: استأذن ملك القطر ربه أن يزورني فأذن له، وكان في بوم أم سلمة، فقال رسول الله (ص): يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل أحد، فبينما هي على الباب إذ دخل الحسين، فاقتحم فوثب على رسول الله (ص) فجعل رسول الله (ص) يلثمه ويقبله، فقال له الملك: أتحبه؟ قال: نعم، قال الملك: إن أمتك ستقتله، وإن شئت أريك المكان الذي يقتل فيه، فأراه، فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمه فجعلته في ثوبها. قال ثابت: كنا نقول أنها كربلاء (ص138). هـ) وأخرجه أيضاً أبو حاتم في صحيحه وروى أحمد نحوه (ص138). ز) وروى عبد الرحمن بن حميد وابن أحمد نحوه أيضاً، لكن الملك فيه جبريل، فإن صح فهما واقعتان. (ص138). وزاد التاني أيضاً أنه (ص) شمها وقال: ريح كرب وبلاء. والسهلة بكسر أوله رمل خشن ليس بالدقاق الناعم. وفي رواية الملا وابن أحمد زيادة في المسند ما قالت: ناولني كفاً من تراب أحمر، وقال: هذا من تربة الأرض التي يقتل بها، فمتى صارت دماً فاعلمي أنه قد قتل. قالت أم سلمة: فوضعته في قارورة عندي وكنت أقول: إن يوماً يتحول فيه دماً ليوم عظيم. وفي رواية عنها: فأصبته يوم قتل الحسين وقد صار دماً. (ص138). ح) وفي أخرى: ثم قال - يعني جبرئيل -: ألا أريك تربة مقتله؟ فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله (ص) في قارورة، ثم قالت أم سلمة: فلما كانت ليلة قتل الحسين سمعت قائلاً يقول: أيها القاتلون جهلاً حسينا أبشروا بالعذاب والتذليل قد لُعنتم على لسان ابن داو د وموسى وحامل الإنجيل قال: فبكت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دماً. (ص138). ط) أخرج الترمذي أن أم سلمة رأت النبي (ص) باكياً وبرأسه ولحيته التراب فسألته فقال: قتل الحسين آنفاً. (ص139). (***) وإذا كان البكاء - كما يدعي المدعون - بدعة؛ فماذا يقولون في بكاء الأنبياء والأوصياء والصالحين. يقول الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي: (كان الأنبياء والأئمة (ع) - الذين هم المثل العليا للإنسان الفاضل - لا يكفكفون دموعهم إذا انبجست أبداً، فالنبي آدم (ع) بكى لطرده من الجنة حتى صنع الدمع مسيلين في خديه. والنبي يعقوب (ع) بكى لفراق ابنه يعقوب حتى ابيضت عيناه فعمي، والنبي يوسف (ع) بكى على أبيه يعقوب في السجن حتى ضاق به السجناء فقالوا له: إما أن تبكي الليل وتسكت النهار وإما أن تبكي النهار وتسكت الليل. وأن النبي الأعظم محمد (ص) بكى ولده إبراهيم... وأن فاطمة الزهراء (ع) بكت على أبيها رسول الله - حين قبضه الله إليه - حتى ماتت بغصتها، ولم تر بعد أبيها إلا باكية...) الشعائر الحسينية، للإمام السيد حسن الشيرازي (قدس سره). (ص53 - 54). (2) قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة: 119، والصادقون هم آل بيت محمد (ص) وأتباعهم. (3) قال رسول الله (ص): (أما بعد أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به.. فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي). وقد ذكر هذا الحديث في أكثر من مئتي مصدر منها: مسند أحمد بن حنبل: ج5/182 وطبقات ابن سعد: ج2/192، المعجم الصغير ص73، السنن الكبرى للبيهقي: ج10/113، كنز العمال: ج1/322 وصححه الألباني في مواضع عدة من تخريجاته: سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4/355، صحيح الترمذي، صحيح الجامع الصغير). (4) قال الرسول الأعظم (ص): (إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك). وقد ذكر هذا الحديث أكثر من مائة وخمسين عالماً من علماء السنة مرسليه إرسال المسلمات وقد ورد في: المستدرك للحاكم ج3/151، المعجم الكبير للطبراني/130، المعجم الصغير للطبراني/78، مجمع الزوائد للهيثمي: ج9/168، الجامع الصغير للسيوطي، ثم في عيون الأخبار لابن قتيبة: ج1/211. (5) قال رسول الله (ص): (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتهم قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس). وقد جاء هذا الحديث في المستدرك ج3/ص149 وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي الصواعق المحرقة: ج2/445 وصححه، وفي مجمع الزوائد: ج3/147. |