موجز تاريخ الشعائر الحسينية في البحرين |
أحمد رضي - aar100@hotmail.com |
عندما نقلب صفحات التاريخ الداميّ، يتضح لنا الدور الذي قامت به السلطات الحاكمة في محاربة الشعائر الدينية ومحاولة كبت انفعال الجماهير وحماسها الكبير. ومن خلال هذه الورقة سنستعرض بإيجاز تاريخ الشعائر الحسينية في البحرين، وسوف تنكشف لنا العديد من الحقائق والمعلومات الهامة. كان أهل البحرين من السباقين إلى احتضان الدعوة الإسلامية منذ العهد الرسالي الأول، حينما كانت الوفود البحرانية تتابع إلى المدينة المنورة مُعلنة ولاءها الخالص للإسلام كدين ومنهج حياة. إن موالاة البحرانيين لآل البيت(ع) كانت له جذوره العميقة في تاريخهم الإسلامي، المتمثل في الذود عن الحق وأهله، وطاعتهم الخالصة لأمير المؤمنين علي(ع)، ومواجهتهم لأعدائه، واستشهادهم تحت لوائه، ونصرتهم لأبي الأحرار الإمام الحسين(ع) في كربلاء. والخلاصة.. أن شيعة البحرين (وهم الغالبية) عرباً اقحاحاً، عروبتهم قديمة قدم البحرين، وتشيَّعهم قديم قدم التشيَّع. ولقد عرفت البحرين المجالس الحسينية منذ عدة قرون، حيث عُرف عن أهالي البحرين (سنةٍ وشيعة) حبهم لآل البيت، والاحتفال بذكراهم. ولكن البلاد لم تعرف المآتم كمؤسسة مستقلة عن البيت والمسجد والدولة إلا من خلال إشراف الأوقاف. وكانت أول حسينية أُسست في البحرين سنة 104هـ، وقيل أنها لبني تميم من عقب زيد مناة، أو أنها لذرية (الجارود) من قوم عبد القيس الذين وفدوا على الرسول(ص) يعلنون إسلام أهل البحرين. والحمد لله كثيراً حين أصدرت الدولة قديماً قانوناً تُعطل فيه الدوائر الرسمية يوم التاسع والعاشر من محرم، فتُقفل الأسواق، ويتوقف الجميع عن العمل حداداً على مقتل السبط الشهيد. والفضل في ذلك يعود إلى العلماء والعقلاء من الطرفين. ولكن الذي لا تُحمد عقباه هو حينما تقوم الدولة بإخضاع الشعائر الدينية ومؤسساتها لرقابة مشددة، تُعبئ فيها قوات الأمن المسلحة في حالة استنفار وفزع، وتُخضع العاصمة (المنامة) لحصار مناطقي مُشدد، تنتهي غالباً بحملة اعتقالات واسعة..!! وحينما تمارس الطائفة الشيعية بقية شعائرها التقليدية بتصريحات حكومية، فإنها تقابل العديد من الطلبات المُقدمة بالتجاهل، وقد يواجه المطالبون بالإهانة أو الاعتقال في بعض الأحوال. هذا علماً بأن نسبة الشيعة (وهم الغالبية السكانية لا تقل عن 80 %) وهم -أيّ الشيعة- حينما يتبعون تفاصيل دينهم عن طريق المراجع، لا يهم إن كان إيرانياً أو عراقياً، فالإسلام دين وليس قومية عنصرية أو إرادة حزبية ضيّقة (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). أن هذه الحسينيات والمآتم هي إحدى المعالم الحضارية الراقية لهذا الشعب، فقد لعبت دوراً بارزاً في نمو الحركة الوطنية (فكرياً وثقافياً)، وهذا يرجع لسببين رئيسيين، الأول: الطابع الأيدلوجي الذي اتسمت به، والجذور التراثية التي ارتبطت بها. والثاني: الحالة الجماهيرية (الشعبية) التي عاشتها هذه المؤسسات، مما أتاح لها القفز فوق الأطر النخبويّة وتحقيق (ثقافة الجماهير). وهذه العملية ليست بالسهلة والميسورة جداً، وهي معضلة ما برحت تواجه المثقف العربي والحركة الثقافية بالوطن العربي بوجه عام. فرسالة المآتم والحسينيات تقوم على بث الثقافة الدينية والإرشاد التربوي، وتركيز القضايا المسلكية في حياة الإنسان. أننا نحييّ (خطباء المنبر الحسيني) الذي لعبوا دوراً في إشاعة التنوير السياسي، وحث الإنسان على المطالبة بحقوقه وحرياته الأساسية. وندعو جميع النوادي والجمعيات والمؤسسات الثقافية بنهج هذا الدرب الوطني المشرف وحمل الرسالة الحسينية الخالدة. وفي بعض المراحل التاريخية والظروف السياسية لعبت المآتم الحسينية دوراً جلياً في حث الإنسان على المطالبة بحقوقه الشرعية وحرياته الأساسية، كما شاركت في العمل الوطني من خلال أدائها لرسالتها الإسلامية، فقد شهد مأتم بن خميس بالسنابس مثلاً، تشكيل أول وأكبر تنظيم جماهيري عرفته البلاد في تاريخها المعاصر عام 1954م، وهو ما عُرف باسم (الهيئة الوطنية العليا) الذي وضع تحت قيادة أربعة من علماء الدين، بالإضافة إلى آخرين من عناصر المعارضة، وذلك في بداية تشكيل البرلمان وتأسيس الحياة الدستورية. آما بالنسبة لمسألة التعرض للمواكب الحسينية، والإعتداء الصارخ على حرمة المآتم.. فهذه مسألة قديمة قدم تاريخ البحرين، الذي شهد أحداثاً دامية ومآسي عديدة. فعلى سبيل المثال، عندما خرجت المسيرة الحسينية التقليدية في العاصمة (المنامة)، والذي تخللها صدام طائفي في المحرق تحول للمحاكم عام 1953م. وكذلك المشاجرة التي حصلت في (15يونيو1954) أمام مصنع تكرير النفط، والذي تحولت لصدام واسع قُتل بسببه أحد المشاركين في الشجار، وقد أصدرت المحكمة أحكاماً قاسية ضد الشيعة بالخصوص مما اعتبروه موجهاً ضدهم. وفي اليوم التالي قام الشيعة بتظاهرة كبيرة، وحاصروا القلعة (مركز قيادة الشرطة) محاولين تخليص المحكومين، وقد تصدت لهم الشرطة وأطلقت عليهم النار فسقط 4 قتلى وعدد من الجرحى، وقد تسبب ذلك في تصاعد الغضب الشديد لدى الشيعة، حيث طافوا بقتلاهم وسط السوق التجاري الذي أُغلق الأبواب في إضراب عام شمل الأسواق ومرافق النفط لمدة أسبوع، ولم ينته الإضراب إلا بعد أن وعدت الحكومة بتشكيل لجنة تحقق في الأسباب التي أدت لإطلاق النار ومعاقبة المتسببين لذلك !! هذا والتاريخ يعيد نفسه من جديد.. بعد أن تجددت حركة المعارضة الشعبية، والمُطالبة بإصلاحات سياسية. تخللتها أعمال عنف وقتل وإرهاب للناس من خلال الهجوم الليلي على المنازل، وهتك حرمة المساجد والاعتداء على المواكب الحسينية وغلق بعض المآتم، وسجن العاملين في الإدارة والموكب..!! وما زالت الذاكرة تسجل لنا هذه الحادثة المؤرخة والبادرة القمعية الشديدة الخطورة، حين أقدم عدد من العناصر القبلية الحليفة للنظام الحاكم، يتزعمها (دعيج بن حمد آل خليفة) نائب الشرطة سابقاً.. بإطلاق النار بصورة عشوائية على مسيرة دينية كبيرة، مما أدى إلى جرح العشرات من المواطنين الأبرياء، وذلك في موسم محرم 1953م، وقد ذهبت بعض المصادر للقول بأن عدد هؤلاء الجرحى قد توفى مُتأثراً بجراحه بعد أيام من الحادث "الأمر الذي لم تؤكده جهات مستقلة". وقد أولد الحادث حالة من الغضب والحنق الشديدين ضد النظام الحاكم وحلفائه، لأنه يمثل انتهاكاً صارخاً لدماء المواطنين العزل، وإهانة لمقدساتهم الدينية في آن واحد. وقد أخذ المواطنون جرحاهم وساروا بهم في المساجد والشوارع مؤججين بذلك حالة الشجب والاستنكار لهذا الحادث المروعّ (للمزيد: راجع تاريخ البحرين السياسي والوطني لحسن موسى ومحمد الرميحي). وكل هذه الأحداث التاريخية الدامية هي بمثابة جرس إنذار لكل الحاكمين باسم الأمة، ونتيجة طبيعية لسياسة تضييق الحصار على ممارسة الحرية الدينية، والتي دفعت ببعض الأنظمة الحاكمة إلى التعرض لأماكن العبادة والشعائر المقدسة، واللجوء للحل الأمني لمعالجة الوضع السياسي المترديّ، أو تحريفها لمسار ديني طائفي مقيّت.
اللهم أرحم شهدائنا الأبرار، وفك قيد أسرانا الأحرار، وأرجع مبعدينا الأخيار، وأنصرنا على عدوك وعدونا، أنك حميد مجيد. والسلام على الأولين والآخرين منهم، وسلامٌ على شيعتهم ومحبيهم الموالين. والحمد لله رب العالمين. |