شبكة النبأ: قطعا لم تمتشق
الكلمات سيف جرأتها او تتمرد لغة الضاد حيال ما تنطق به ذاكرة
الطرقات وهي تردد ذلك العرس الشهادي عبر طقوس السير على الاقدام
وكانها تعيد الى الاذهان تلك الصورة الشعرية(خميس بشرق الارض
والغرب زحفه)، نعم هو ذلك الزحف بأم عينه حيث قارب بين اقصى الجنوب
الى اقصى الشمال متجها صوب كربلاء الشهادة، ليرسم من خلال ذلك
خارطة التاريخ الممتد لقرابة اربعة عشر قرنا بذلك الطوفان البشري
الذي لم يستثني حتى الطفل الرضيع ناهيك عن الرجال والنساء بما فيهم
حتى المقعدين واولئك الذين خاصمهم نور البصر وكأنما هي القيامة قد
قامت لتصتك تلك الجموع الغفيرة ولتعلن بكل براءة وعفوية ومن دون
سابق انذار نفيرها العام من مدنها وقراها ولتوشح ارض الطفوف
بالكرنفال الحسيني تحت شعار لبيك ياحسين.
(شبكة النبأ المعلوماتية) سَجلت
مشاهداتها عبر قوافل الزائرين الى مدينة سبط النبي الأكرم الإمام
الحسين (عليه السلام) في زيارة العشرين من صفر والتي تمثل زيارة
الاربعين الى قبر سيد الشهداء (ع).
حيث كانت محطتنا الاولى مع الحاج
(خزعل جريو) من اهالي الشنافية في محافظة الديوانية، وقد فقد نعمة
البصر وتقوده ابنتاه، حيث قال: فعلا انها تظاهرة تقض مضاجع
الظالمين وهي رسالة لا يشق لها غبار وتكاد ان تختزل معاني الانتماء
الى الزمن، ولا ينبغي لأي احد ان يستهين بتلك الممارسات مهما كانت
فهي بالرغم من عفويتها تكتنز معاني قل نظيرها، وهي تمد يد العون
والنصرة الى كل الذين لم تسعفهم مواقع العون والنصرة في كل زمان
ومكان.
ويضيف الحاج الضرير، يكاد هذا الزحف
ان يكرس مفهوم الانتماء الى القضية بعيدا عن قوالب الانتماء الفردي
او العشائري، اذن نحن اليوم امام ثقافة المبدأ والصمود امام كل
التحديات والاهوال، وربما نحن اليوم في امس الحاجة الى ان نظفر
بمساحة الصمود امام الصعاب التي تحدق بنا من كل حدب وصوب من خلال
تلك الممارسات الارهابية التي امتدت قرابة خمسة اعوام، فلنجعل من
زيارة الاربعين عنوانا لمجدنا وتعاضدنا ضد من يريد النيل من ارادة
عراق الانبياء والاوصياء، فسلام على الحسين وعلى ال الحسين يوم
ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون.
ومن ثم اتجهنا صوب الحاجة (أم حمزة)
وهي من اهالي الزبير في البصرة، حيث لم تثنيها سنواتها الستّين من
ان تقطع كل تلك المسافات سيرا على الاقدام من اجل اداء مراسم زيارة
الاربعين، وقالت لـ شبكة النبأ: ماذا نقول.. كلنا فداء للحسين(ع)
وهل هناك شخص في الدنيا اعز من الحسين حتى ناتي من اجله مشيا على
الاقدام قاطعين مئات الكيلومترات او نضحي من اجله، فنحن تركنا
بيوتنا وحالنا ومالنا انا وابنائي من اجل ان تحسب لنا هذه الزيارة،
ونحن العراقيين، والكلام للحاجة ام حمزة، لايهمنا حر او برد او
مال او مسافات شاسعة بقدر تعلقنا بأئمة اهل البيت عليهم السلام،
اللهم احسبنا من زوار الحسين، وتركتني وذهبت تلهج بهذا الدعاء
المدوّي من اعماق القلب واللسان.
وفي احد المواكب المنتشرة على الطريق
المؤدي الى النجف الاشرف التقيت هناك بالطفل(سلام) وهو من اهالي
الناصرية، جنوب العراق، حيث جاء مع والديه وهو يقارب الرابعة من
العمر فسألته، كيف أحتمل هذا الطريق الطويل من دون ان يحس بالتعب،
فأجابني مسرعا: الا تعلم باني ذاهب الى الحسين(ع) وهو سفينة النجاة
في الدنيا والاخرة، وانا ارفض ان يحملني ابي او امي وذلك كي احصل
على الاجر والثواب، بالاضافة الى ذلك فان اهل الخير جزاهم الله
خيرا لم يجعلونا محتاجين أي شىء، فهم يوفرون لنا الطعام والماء على
طويل الطريق المؤدي من الناصرية الى كربلاء، اما في الليل فهناك
المواكب حيث نمضي الليل عندهم، ويوفرون لنا البطانيات والفرش،
ويقدمون لنا الأدوية او يغسلون ملابس الزائرين والحمد لله.
الحاجّة (أم جميل) وهي من قضاء
المشخاب، جنوب غرب النجف، فسألناها عن سبب مجيئها الى كربلاء خصوصا
وهي امرأة كبيرة في العمر وربما هناك حوادث في الطريق، فقالت:
اولاً ان لدي حاجة أود ان يقضيها لي الامام الحسين(ع) من خلال
منزلته ووجاهته عند الله سبحانه وتعالى، وثانيا انا لست وحدي فهناك
الكثير من النساء والرجال من هم من قضاء المشخاب قد اتوا معي،
ناهيك عن ذلك فان قوات الشرطة والحرس الوطني وفقهم الله كان دائما
يوفرون لنا الأمن والحماية منذ خروجنا من القضاء وحتى وصولنا الى
كربلاء، فهم منتشرون على جانبي الطريق بالإضافة الى الدوريات
السيارة وهي تحاول ان تمد يد الدعم والمساندة الى الزوار، وانا من
خلالكم اشكرك كل ابناؤنا من قوات الشرطة والجيش على سهرهم على راحة
وأمان الزائرين وادعو من الله ان يحفظهم بجاه الحسين وشفاعته
وزيارة الاربعين، من كل مكروه انه سميع الدعاء.
ومن ثم استوقفنا منظر احدى المفارز
الطبية المنتشرة على طول الطريق المؤدي الى كربلاء وهي تقدم
للزائرين الاسعافات الاولية والعلاجات الطبية وبعض المساجات
للزائرين مثل تدرليك الأرجل من اثر السير والإجهاد، فحاورنا هناك
احد الزائرين، فقال لـ شبكة النبأ: اولاً اشكر كل القائمين على هذا
الجهد الطبيي المتميز، ووفقهم الله وحماهم من كل مكروه، اما بخصوص
وجودي هنا فانا من اهالي السماوة جنوب العراق، وقد جئت مع عائلتي
ونحن منذ ستة ايام نسير على الأقدام، وقد احسست بالإجهاد والتعب،
والأخوان هنا وفقهم الله يقومون باللازم من خلال اجراء المساج
والتدليك للزائرين علما بانهم يوفرون للزوار اغلب الادوية
المناسبة، وهناك اجهزة لقياس الضغط والسكر ايضا، وانا على الرغم من
كوني مصاب بداء السكري إلا اني والحمد لله صامد وصحتي جيدة بفضل
بركات الحسين عليه السلام، فضلا عن جهود الاخوة هنا، ولا يسعني من
خلالكم إلا تقديم الشكر الجزيل لهم على تلك الجهود المخلصة التي
بالتاكيد لن تذهب سدى كونه في عين زوار الحسين عليه السلام.
ومن ثم اتجهنا صوب احد رجال مديرية
الماء والمجاري في كربلاء ليحدثنا عن دوره المنشود، فقال: ان عملي
يتضمن ان اوفر الماء الصالح للشرب، من خلال متابعة المواكب
الحسينية المنتشرة على طول الطريق المؤدي الى سيطرة النجف، حيث
اقوم بملأ الخزانات والبانيوت المنتشرة على طول الطريق بالماء وذلك
من اجل ان ينعم الزائر بكل ما يحاجته من ماء من خلال ارتياده
المرافقات الصحية او للوضوء او للشرب او الاغتسال، وهذا الجهد
المتواضع من قبل مديرية ماء محافظة كربلاء هو رافد مهم من روافد
الاهتمام بالوافدين الى مدينة الحسين عليه السلام.
اما محطتنا التالية والاخيرة كانت مع
الحاج (حازم جاهل) وهو من اهالي الشطرة، حيث يصحب معه حتى طفله
الصغير، وسالناه عن مدى تعاون الاجهزة الامنية مع الزائرين وهل
هناك من صعوبة واجهته في اثير المسير، فحدثنا قائلا: لا يبنبغي ان
تسال الزائر عن الصعاب كونه يتوق اليها، والزيارة بمعناها الأدق ان
تتحمل الصعاب والمعاناة كي تُثاب ومن ثم تدرك معاناة عائلة الحسين
عليه السلام، في حلها الى كربلاء وعودتها كي تعيش اجواء تلك الرحلة
المضنية.
ويضيف الحاج لـ(شبكة النبأ)،
وللأمانة اقول ان هذا العام قد تظافرت جهود كل العراقيين من اجل
انجاح هذه الشعيرة، فكل المؤسسات الحكومية بما فيها قطاع النقل
والداخلية والجيش والبلديات، الكل كان معني بان يقدم افضل ما لديه
من خلال تذليل الصعاب للزائرين فضلا عن ذلك لا يمكن تجاهل الجهد
الشعبي لتلك المواكب والحسينيات والهيئات لما قدمته لتلك القوافل
الجرارة، فأني منذ خروجي من الشطرة الى ساعة وصولي على مشارف
كربلاء كان يتملكني هاجس احصاء تلك المسيرة الحسينية، فانها ربما
تقارب العشرة ملايين، بالاضافة الى الوفود القادمة من الدول
الاسلامية الاخرى، اذن انت امام حشد لا يمكن الاحاطة به مهما كانت
تلك الامكانات، وانت تعلم انه في السعودية على سبيل المثال، يقارب
عدد الحجاج المليونين فقط في موسم الحج، والسعودية بامكاناتها
الجبارة ووضعها المستقر، ولكنها تعاني في الكثير من الاحيان من
الاضطراب، الا انني اقول وبصراحة ان جهد الحكومة والمؤسسات الشعبية
كان له الفضل الاول والاخير في انجاح هذه الشعيرة الخالدة، وندعو
من الله ان يشفي عراقنا الجريح وينجيه وأهله من كل عواتي الأشرار
والمتربصين، ومن الله التوفيق.
|