شبكة النبأ:
ان الدور الذي قام به الإمام الحسين (ع) في ثورته ايقظ ارادة الامة
من سبات طويل واخرجها من دائرة القلق والتردد والخوف الى اتخاذ
مواقف ثابتة تجاه مستقبلها من خلال محاكمة واعية لذاتها ازاء نظرة
الرسالة الإسلامية.
فالأمويون بغطرستهم وطغيانهم
واثارتهم للاحقاد ونزوعهم للروح الجاهلية بدؤا يمحون معالم الاسلام
ويقوضون دعائمه فابتدعوا وبشكل سافر نظما وتقاليد بعيدة عن روح
الاسلام وحولوا الخلافة الى ملك يتوارثونه كالأكاسرة والقياصرة،
وقد عاشت الامة الاسلامية عقودا طويلة تحت وطأة ظلمهم وفسادهم
واستهتارهم بالقيم الاسلامية وتسخيرها لمآربهم الخاصة ففقدت الامة
ارادتها واصبحت مستضعفة ذليلة نتيجة خوفها من البطش الاموي فكانت
بوادر الخنوع والرضا بالوضع القائم هي السائدة
في وضع كهذا ايقن الامام الحسين (ع)
ان مفاهيم الرسالة تأخذ بالاندثار وان اصنام الجاهلية بدأت تشرأب
باعناقها فصمم على ان يشق طريقه وسط الامة وان يبذل حياته وحياة
اصحابه واهل بيته في سبيل ارجاع الارادة للامة والحفاظ على رسالة
الاسلام وصيانتها من الانحراف رغم ( قلة العدد وخذلان الناصر )
وتأهب للثورة.. وباءت كل محاولات ثنيه عن عزمه في اعلان ثورته
بالفشل، فلابد للاسلام من فدية، ولابد لشعلته من وقود، وهذه الفدية
وهذا الوقود هو دمه ودماء اهل بيته وصحبه ولم تفل هذه المحاولات من
اصراره على الثورة بوجه الظالمين وكان يعلم انه مقتول في سبيل ذلك،
فمن خطبته (ع) في مكة حينما اراد السفر الى العراق(كأني باوصالي
هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني اكراشا
جوفا واجربة سغبا لامحيص عن يوم خط بالقلم رضا الله رضانا اهل
البيت نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابرين).
وقال (ع) لعمرو بن لوذان عندما اراد
ان يثنيه عن عزمه في السفر الى العراق ( ليس يخفى علي الرأي ولكن
لايغلب على امر الله وانهم لايدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من
جوفي)، وعندما خاطبه اخوه محمد بن الحنفية لنفس الغرض وعن السبب في
حمله النساء والاطفال معه قال (ع) ((شاء الله ان يراني قتيلا وان
يرى النساء سبايا)).
الغاية من صحب
الحسين النساء والاطفال
اذن لقد صحب الامام الحسين (ع)
النساء والاطفال وهو يعلم بانه مقتول وان بني امية سيسبون نساءه
وعياله ويطوفون بهم من بلد الى بلد فماالغاية من ذلك؟
لقد كان اصطحاب النساء والاطفال هو
جزء من ثورته (ع) ضد الظلم والطغيان، وان هذا السبي والأسر له اكبر
الاثر في ايقاظ الارادة النائمة التي فجرت ثورات متعاقبة هزت اركان
الدولة الاموية.
يقول العلامة الشيخ محمد جواد مغنية
في كتابه، الحسين وبطلة كربلاء (اذا كان الحسين مقتولا لامحالة
فليكن ثمن قتله واستشهاده ذهاب دولة الباطل من الوجود. وخلاص
المسلمين منها ومن الجور والبغي.. ولاطريق للخلاص الا بانفجار
الثورة على الامويين وسلطانهم.. وكان ذبح الاطفال وسبي النساء.
والتطواف بهن من بلد الى بلد من اجدى الوسائل لانفجار الثورة التي
هزت دولة البغي من الاركان.
لقد صحب الحسين النساء معه عن قصد
وتصميم ليطوف بهن الامويون في البلدان ويراهن كل انسان ويقلن بلسان
الحال والمقال.. ايها المسلمون انظروا مافعلت امية التي تدعي
الاسلام بآل نبيكم.. وكان الناس يستقبلون جيش يزيد الذي يطوف
بالسبايا يستقبلونه بالمظاهرات والرشق بالأحجار والهتافات المعادية
للامويين وحزبهم ويصرخون في وجوههم يافجرة.. ياقتلة اولاد
الانبياء..
لقد رأى المسلمون في السبايا من
الفجيعة اكثر مما رأوا من قتل الحسين ولولاهن لم يتحقق الهدف من
قتل الحسين، وهو انهيار دولة الظلم والطغيان..
ولنفترض ان السيدة زينب بقيت في
المدينة وقتل اخوها الحسين في كربلاء فماذا تصنع؟ واي شئ تستطيع
القيام به غير البكاء واقامة العزاء؟)، لقد حولت النساء السبايا
قتل الحسين الى ثورة عارمة انتشرت في كل البلدان التي مروا بها وكل
مافعله الامويون في كربلاء عاد عليهم بالوبال والخسران.
يقول المستشرق الالماني ماريين (
بعد وقعة كربلاء انكشفت سرائر الامويين وظهرت قبائح اعمالهم وانتشر
الخلاف على يزيد وبني امية وما كان يجرؤ انسان قبل كربلاء ان يجهر
بتقديس علي والحسين وبعدها لم يكن للناس من حديث الا في فضل
العلويين ومحنهم حتى في مجلس يزيد كان يذكر الحسين واباه بالتقدير
والتعظيم).
السبايا
لما انتهت معركة الطف امر عمر بن سعد
برأس الحسين (ع) ورؤوس اهل بيته واصحابه، فقطعت واقتسمتها القبائل
لتتقرب بها الى ابن زياد. ومنعت عشيرة الشهيد الحر الرياحي من قطع
رأسه فاكتفوا برض جسده ولما سير ابن سعد هذه الرؤوس الشريفة الى
الكوفة اقام مع الجيش الى الزوال من اليوم الحادي عشر فجمع قتلاه
وصلى عليهم ودفنهم وترك جسد سيد شباب اهل الجنة والاجساد الطاهرة
من اهل بيته واصحابه بلا دفن.
وبعد الزوال ارتحل الى الكوفة ومعه
نساء الحسين ونساء اهل بيته وعيالات الاصحاب فكن عشرين امرأة ومعهن
الامام علي بن الحسين زين العابدين (ع) وعمره الشريف ثلاث وعشرون
سنة وهو مريض ومعه ولده الامام الباقر(ع) وله سنتان واشهر.
ومن اولاد الامام الحسن المجتبى (ع)
زيد وعمرو والحسن المثنى الذي اخذ اسيرا بعد ان قتل سبعة عشر رجلا
واصابته ثماني عشرة جراحة وقطعت يده اليمنى فأنتزعه اسماء بن خارجة
الفزاري لان ( ام المثنى ) فزارية فتركه ابن سعد له، وكان معهم
عقبة بن سمعان مولى الرباب زوجة الامام الحسين (ع).
ولما عرف ابن زياد انه مولى خلى
سبيله اما النساء السبايا من اهل البيت (ع) اللاتي ذكرت المصادر
التأريخية اسماءهن ونصت على وجودهن مع الامام الحسين في كربلاء فكن
حرائر بيت النبوة وسيدات النساء وودائع سيد الانبياء وعلى رأسهن
العقيلة الفاضلة والسيدة الجليلة زينب بنت امير المؤمنين (ع) بنت
فاطمة الزهراء(ع) ومعها من النساء السيدة سكينة بنت الحسين (ع) وام
كلثوم بنت امير المؤمنين (ع) وفاطمة بنت الحسين (ع) وفاطمة بنت
الامام الحسن (ع) وهي زوجة الامام علي بن الحسين زين العابدين (ع)
وام الامام الباقر(ع) وكانت معهن الرباب زوجة الامام الحسين (ع).
وكانت معهن زوجة ابي سعيد بن عقيل بن ابي طالب.
اما النساء الصالحات من زوجات
الشهداء وامهاتهن فكن السيدة ام عبد الله بن عمير الكلبي وقد
استشهد ابنها عبد الله مع الحسين (ع) فمشت اليه زوجته تمسح الدم
عنه فقتلها الشمر فحملت هذه السيدة المؤمنة الصالحة عمودا لتقاتل
به الاعداء فأرجعها الامام الحسين (ع) الى الخيمة وجزاها خيرا ومن
زوجات الشهداء الصالحات ممن واسين نساء اهل البيت(ع) زوجة الشهيد
زهير بن القين وزوجة الشهيد علي بن مظاهرالاسدي.
دور السبايا في
الكوفة
ارتجّت الكوفة بأربع خطب عند دخول
السبايا اليها ارتفعت لها الاصوات بالبكاء والنحيب فلا يرى غير باك
وباكية ومع ارتفاع البكاء وتصاعد الاصوات كان الشعور بالنقمة من
الحكم الاموي يزداد وحافز الثورة والانتقام من قتلة الحسين يلتهب
وفي ذلك اليوم غرست بذرة التوابين التي نمت بقيام المختار وتعاقب
الثورات التي هزت اركان العرش الاموي وأسقطته.
اول هذه الخطب البليغة هي للسيدة
زينب بنت علي بن ابي طالب (ع) فكان مما قالته (( ويلكم يااهل
الكوفة.. اتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ؟ واي كريمة له ابرزتم ؟
واي دم له سفكتم ؟ واي حرمة له انتهكتم ؟ لقد جئتم شيئا ادا. تكاد
السماوات يتفطرن منه. وتنشق الارض.وتخر الجبال هدا))
فأي قلب لايؤثر فيه هذا الكلام ؟ واي
نفس لاتذوب حزنا لوقعه ؟
لقد ايقظت الحوراء بكلامها الضمائر
الميتة وكشفت به عن عمه البصائر فاخذ الناس يحسون بعظيم الجناية
وفداحة الخطب.
اما الخطبة الثانية فكانت للسيدة
الطاهرة فاطمة بنت الامام الحسين (ع) وهي خطبة طويلة بدأتها بالحمد
والشكر لله تعالى والثناء على رسوله (ص) و.. ان اولاده ذبحوا بشط
الفرات. من غير ذحل ولاترات ثم واصلت (ع) خطبتها فذكرت مظلومية اهل
البيت (ع) ومالاقوه من اعدائهم من القتل واستلاب الحقوق فكان صدى
هذه الخطبة ان(( ارتفعت الاصوات بالبكاء والنحيب وقالوا حسبك
ياابنة الطاهرين فقد احرقت قلوبنا وانضحت نحورنا واضرمت اجوافنا ))
فسكتت لتقوم مقامها ام كلثوم بنت علي (ع) وتنبه اهل الكوفة الى
بشاعة الجريمة التي ارتكبها الامويون بحق الحسين واهل بيته
واصحابه فتلتهب ردود افعال الناس وتتحول من البكاء والنحيب الى ((
نشر الشعور وخمش الوجوه ولطم الخدود والدعوة بالويل والثبور))
فامتلأت الصدور بالغضب والحماس للاخذ بالثأر من قتلة الحسين.
اما الخطبة الرابعة فكانت للامام
علي بن الحسين زين العابدين(ع) فوقف وفي عنقه الجامعة ويداه
مغلولتان الى عنقه واوداجه تشخب دما. لقد كان هذا المنظر وحده كاف
لإثارة سخط الناس على السلطة الاموية وبينما هو يخطب والناس في
حالة البكاء اذ صاحوا باجمعهم ( نحن ياابن رسول الله سامعون مطيعون
حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولاراغبين عنك فمرنا بأمرك يرحمك
الله فأنا حرب لحربك وسلم لسلمك نبرأ ممن ظلمك وظلمنا).
في قصر الامارة
عبّر ابن زياد عن حقارة نفسه
ودناءتها عندما امر بادخال السبايا عليه وهو ينكت بالقضيب ثنايا
الحسين (ع) تشمتا بهم. ولما رأى ذلك زيد بن ارقم الصحابي وكان
حاضرا في المجلس لم يتحمل هذا المنظر فصاح بابن زياد: ارفع القضيب
عن هاتين الشفتين فوالله الذي لااله إلاهو لقد رأيت شفتي رسول الله
على هاتين الشفتين يقبلهما. ثم بكى وخرج من المجلس وهو يقول: انتم
يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وامّرتم ابن
مرجانة يقتل خياركم ويستعبد شراركم فرضيتم بالذل فبعدا لمن رضي
بالذل.
خاطب زيد اهل الكوفة بعروبتهم ليثير
حميتهم وغيرتهم عندما رأى بنات رسول الله وهن يدخلن على ابن زياد
وذكر اسم امه ليشير الى نسبه الدنئ وحسبه المخزي.
لقد هاله مارأى.. دعي زياد ينكت
ثنايا سيد شباب اهل الجنة وقد اثار كلام زيد ولولة الناس ولغط اهل
المجلس وكان لبطلة كربلاء موقف عظيم في ذلك اليوم عندما ارتج
المجلس لخطبتها التي فضحت بها جرائم الامويين واذنابهم ثم تبعها
ابن اخيها الامام زين العابدين (ع) فخاف ابن زياد هياج الناس فامر
الشرطة بحبس الاسارى في دار جنب المسجد الاعظم.
وجاء في روضة الواعظين ص 163: قال
حاجب ابن زياد كنت معهم حين امر بهم الى السجن فرأيت الرجال
والنساء مجتمعين يبكون ويلطمون وجوههم.
وعندما دعاهم ابن زياد مرة اخرى
واراد ان يتشفى منهم فصعد المنبر ومدح يزيد وسب عليا (ع) والحسين
(ع) ونعتهما بالكذابين قام اليه عبد الله بن عفيف الازدي وقال:
ياابن مرجانة الكذاب ابن الكذاب انت وابوك ومن استعملك وابوه ثم
ذكر قتل الحسين رافعا صوته باخذ الثار من الامويين.
وقف ابن عفيف موقفا مشرفا في نصرة
اهل البيت (ع) وقد اخرجته عشيرته تحت بريق سيوفها عندما همَّ به
ابن زياد. لكن ابن زياد لم يكن ليدع هذه الحادثة تمر دون عقاب
فارسل من جاؤا به بعد قتال عنيف وامر بقتله.
وخاف ابن زياد من بقاء السبايا عنده
فان منظرهم يثير الغضب عليه لدى الناس فكتب الى يزيد بامرهم فجاءه
الجواب بحملهم والرؤوس معهم الى الشام.
في الطريق الى
الشام
لقد كانت خطب سبايا اهل البيت صدى
لدماء الحسين واهل بيته وصحبه تتعالى في الافاق والبلدان فتهيج
القلوب بالاحزان والالام والعيون بالدموع وتولد في الصدور حب اهل
البيت والبغض ليزيد وبني امية وقد ذكر المؤرخون واصحاب المقاتل ان
العديد من المدن التي مر بها الجيش الاموي ومعهم السبايا قام اهلها
بالبكاء والنحيب الذي تحول الى لعن يزيد وبني امية علنا على سوء
فعلهم وقبح ضلالتهم وجور سلطانهم ومروقهم عن الدين وانتهاكهم لحرم
رسول الله (ص).
ثم يتحول اللعن في بعض المدن الى
الرشق بالحجارة ثم الى قتل عدة جنود من الجيش الاموي وهذه بعض
ردود افعال اهالي المدن التي مر بها جيش يزيد معهم سبايا اهل البيت
تجاه قتل الحسين نقتطفها من كتب السير والتاريخ والمقاتل فعندما
ارسل عبيد الله بن زياد شمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي وعمرو بن
الحجاج ومعهم الف فارس لإيصال السبايا والرؤوس الشريفة الى الشام
مرّوا في طريقهم بمدينة تكريت.
قال ابو مخنف: (وكان فيها_ أي تكريت
_ عدد من النصارى فلما حاولوا ان يدخلوها اجتمع القسيسون والرهبان
في الكنائس وضربوا النواقيس حزنا على الحسين وقالوا: انا نبرأ من
قوم قتلوا ابن بنت نبيهم فلم يجرؤوا على دخول المدينة وباتوا
ليلتهم في البرية).
وحين دخلوا مدينة ( لينا ) وكانت
عامرة بالناس تجمع اهلها رجالا ونساء وشيبا وشبانا وهتفوا بالصلاة
على الحسين وجده وابيه ولعن الامويين واشياعهم واتباعهم وصرخوا في
وجوه الطغاة: ياقتلة اولاد الانبياء اخرجوا من بلدنا.
وعندما وصلوا الى حصن ( كفر طاب )
اغلق اهلها الابواب في وجوههم فطلبوا منهم الماء فقال اصحاب الحصن:
والله لانسقيكم قطرة وانتم منعتم الحسين واصحابه من الماء ولما
دخلوا حمص تظاهر اهلها وهتفوا: اكفرا بعد ايمان وضلالا بعد هدي،
ورموهم بالحجارة وقاتلوهم حتى قتلوا منهم ستة وعشرين رجلا.
في الشام
يقول العلامة الشيخ محمد جواد مغنية
في كتابه المجالس الحسينية: ان الامويين هم الذين ادخلوها ـ يقصد
السيدة زينب بنت امير المؤمنين ـ في مجالسهم ومهدوا لها سبيل
الدعاية ضدهم وضد سلطانهم.
دخل السبايا الى الشام في اول يوم من
صفر فاوقفوهم على باب الساعات وخرج الناس بالدفوف والبوقات وهم في
فرح وسرور لان الدعاية الاموية التي اشاعوها في دمشق والبلاد
الاسلامية كانت تقول عن سبايا اهل البيت (ع) بانهم من سبايا
الخوارج. وهنا نظر شيخ من اهل الشام الى السبايا واراد ان يتشفى
منهم فقال للامام زين العابدين : الحمد لله الذي اهلككم وامكن
الامير منكم.
لقد كان هذا المسكين من المخدوعين
بتلك الاباطيل الاموية. فنظر اليه الامام بعين الرأفة والرحمة
ليقربه من الحق ويرشده الى الصواب وهكذا هم اهل البيت (ع) في كل
زمان ومكان تشرق انوارهم على كل الناس فقال (ع) له: ياشيخ اقرأت
القرآن؟
اراد الامام الاستدلال بكتاب الله
الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه على فضل اهل البيت
ومكانتهم عند الله بعد ان كثرت الاحاديث المختلقة الكاذبة التي روج
لها الامويون ضد اهل البيت (ع)، ولما اجابه بالايجاب قال (ع) له
اقرأت.. وتلا عليه آية المودة وآية القربى وآية التطهير؟ واجابه
ايضا بالايجاب فقال (ع) له نحن اهل البيت الذين خصنا الله بهذه
الآيات.
لقد وجد الشيخ عند الامام خلاف ماسمع
من دعايات الامويين وتمويهاتهم واباطيلهم فكانت كل كلمة من الامام
(ع) تكشف حجابا عن قلبه فقال وقد خشع قلبه لما سمع: بالله عليك
انتم هم؟ فقال (ع) له: وحق جدنا رسول الله انا لنحن هم من غير شك
فلم يتمالك الشيخ إلا ان وقع على قدمي الامام يقبلهما ويقول: ابرأ
الى الله ممن قتلكم وتاب على يد الامام مما فرّط في القول.
لقد كانت كلمات الامام زين العابدين
(ع) وخطبه وخطب نساء اهل البيت من السبايا تكشف زيف الادعاءات
الاموية الكاذبة وتفضح جرائمهم اضافة الى تهييج الغضب على الامويين
وتوجيه المشاعر نحو مظلومية اهل البيت وتوليد الشعور بالاثم لدى
المسلمين الذي يزداد حدة ويلتهب غضبا في الصدور بعد كل خطبة اوكلام
للسبايا للتكفير والاخذ بالثار من الظالمين يقول العلامة الشيخ
محمد مهدي شمس الدين في كتابه ثورة الحسين: وقد قدر لهذا الشعور
بالاثم ان يبقى مشتعل الاوار حافزا دائما الى الثورة والانتقام
وقدر له ان يدفع الناس الى الثورات على الامويين كلما سنحت الفرصة
ثم لايرتوي ولايهدا ولايستكين.
وقد اثارت خطبة الامام زين العابدين
في مجلس يزيد نقمة الناس وغضبهم وسخطهم على يزيد وضج المجلس
بالبكاء على الحسين فخشي يزيد هذه الصوات التي اصبحت تتعالى من
ارجاء المجلس فأمر المؤذن ان يؤذن للصلاة ليلفت الانظار الى الصلاة
ويهرب من هذا الموقف فلما وصل المؤذن الى قوله: اشهد ان محمدا رسول
الله قال الامام زين العابدين (ع) ليزيد هذا الرسول الكريم جدي ام
جدك ؟ فأن قلت انه جدك علم الحاضرون والناس كلهم انك كاذب وان قلت
انه جدي فلم قتلت ابي ظلما وعدوانا وانتهبت ماله وسبيت نساءه فويل
لك يوم القيامة اذا كان جدي خصمك.
بهذا الاسلوب البليغ كان الامام (ع)
والعقيلة زينب (ع) يقرعان يزيد والامويين بالحجة البالغة والادلة
الساطعة على فضل اهل البيت ويوضحان للناس غطرسة الامويين ويكشفان
عن جرائمهم ويفضحان كفرهم وتسترهم بالاسلام.
وبعد ان اوضح الامام (ع) للحاضرين
مافعله يزيد من قتله لسيد شباب اهل الجنة وابن رسول الله (ص) انقلب
مجلس يزيد الى مأتم وعلت الاصوات بالبكاء فصاح يزيد بالمؤذن : اقم
الصلاة فوقع في الناس همهمة وصلى بعضهم وتفرق الآخر.
بعد هذه الحادثة بدأ الغضب والسخط
على يزيد يستفحل وكان للسبايا الاثر الاكبر في اثارة هذا الغضب
واصبح الناس يسبون يزيد ويلعنونه علنا
دخل ابو برزة الاسلمي على يزيد فرآه
ينكت ثنايا الحسين فقال له: اشهد لقد رأيت النبي يرشف ثناياه
وثنايا اخيه الحسن ويقول انتما سيدا شباب اهل الجنة قتل الله
قاتلكما ولعنه واعد له جهنم وساءت مصيرا.
اخذ الغضب والسخط على يزيد والدولة
الاموية يزداد وصرخات الاستنكار تتعالى ولم تقتصر على المسلمين
فعندما نظر رسول قيصر ملك الروم الى الرأس الشريف وهو يسطع بالنور
النبوي وعرف ان هذا الرأس لابن بنت النبي (ص) التفت الى يزيد وقال:
ان عندنا في بعض الجزائر حافر حمار عيسى ونحن نحج اليه في كل عام
من الاقطار ونهدي اليه النذور ونعظمه كما تعظمون كتبكم فاشهد انكم
على باطل.
ووصل الغضب على يزيد الى بيته وذلك
عندما رأت زوجته هند بنت سهيل بن عمرو رأس سيد الشهداء مصلوب على
بيت يزيد فدخلت المجلس وهي مهتوكة الحجاب تبكي وتعول وتصيح: رأس
ابن بنت رسول الله مصلوب على دارنا.
وكان لبطلة كربلاء السيدة زينب (ع)
ابلغ الاثر في اشعال الغضب على يزيد عبر خطبها البليغة التي القتها
في مجلسه فلعنته امام الناس وكان مما قالته (ع): ولئن جرت علي
الدواهي مخاطبتك؛ اني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك واستكثر توبيخك
لكن العيون عبرى والصدور حرى.
هذه الخطبة من السيدة زينب (ع) وهي
اسيرة في مجلس الطاغية اثارت على يزيد حتى خاصته واهله فكثرت عليه
اللائمة واشتدت عليه النقمة واصبح لحديث الناس عما ارتكبه من جرائم
بشعة بحق اهل البيت (ع) دوّي في دمشق والبلدان الاسلامية وصار
الناس يسبونه علنا فخشي انقلاب الامر عليه فعجل باخراج الامام زين
العابدين والسبايا من الشام الى وطنهم ومقرهم وامر النعمان بن بشير
وجماعة معه ان يسيروا بهم مع الرفق الى المدينة
اعظم الناس
اجرا اشدهم بلاء
اضافة
الى كل ما ذكرنا من الادوار التي قام بها الامام زين العابدين (ع)
والسيدة زينب ("ع) ونساء اهل البيت من السبايا في فضح دواخل
الامويين الخبيثة وكيدهم للاسلام واهل البيت (ع) فأن ماجرى على
السبايا من المصائب والمحن لعظيم مقامهم عند الله تعالى وكريم
منزلتهم، فقد ورد ان اعظم الناس اجرا يوم القيامة اشدهم بلاء وقد
اراد الله سبحانه وتعالى مضاعفة الاجر لاهل البيت (ع) مع مالهم من
عظيم المنزلة والمقام السامي عنده فجرت عليهم من المصائب والارزاء
مالم يجر على احد من خلقه فمن كلام للامام امير المؤمنين بصدد هذا
الموضوع تبين الحكمة من الله تعالى في ذلك حيث قال (ع) (( ان اشد
الناس بلاء النبيون ثم الوصيون ثم الامثل فالامثل وانما يبتلي
المؤمن على قدر اعماله الحسنة فمن صح دينه وحسن عمله اشتد بلاؤه
ذلك ان الله لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن ولاعقوبة لكافر ومن سخف
دينه ضعف عمله وقبل بلاؤه وان البلاء اسرع الى المؤمن من المطر الى
قرار الارض )) وقيل للامام علي بن الحسين (ع) كيف اصبحت ياابن رسول
الله ؟
فقال(ع): اصبحنا في قومنا مثل بني
اسرائيل في آل فرعون يذبحون ابناءهم ويستحيون نساءهم واصبح خير
البرية بعد محمد (ص) يلعن على المنابر واصبح عدونا يعطى المال
والشرف واصبح من يحبنا محتقرا منتقصا حقه.. وكذلك لم يزل
المؤمنون.. واصبحت العجم تعرف للعرب حقها لأن محمدا منها واصبحت
العرب تعرف لقريش حقها لأن محمدا منها.. واصبحنا اهل بيته لايعرف
لنا حق فهكذا اصبحنا. |