الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

رحلة الرحالة الألماني الشهير كارستن نيبور من الحلة إلى كربلاء

بتاريخ 27 ديسمبر 1765 ميلادية

ترجمة و إعداد: د.عدنان جواد الطعمة

كارستن نيبور

العتبات المقدسة التي رسمها كارستن نيبور في العراق و قمت بتلوينها

يعتبر الرحالة الألماني كارستن نيبور من كبار و اشهر الرحالين الأوروبيين الذين زاروا كربلاء بعد الرحالة البرتغالي تكسيرا.أحاول قدر الإمكان ترجمة ماذكره كارستن نيبور عن رحلته هذه بأمانة و موضوعية مهما كانت تعليقاته سلبية أم إيجابية، لكي يطلع السادة المؤرخون و الباحثون عن تفاصيلها كاملة.كما أود الإشارة بأن الرسوم التي رسمها باللون الأسود عن العتبات المقدسة في العراق قمت شخصيا بتلوينها لإعطائها رونقا خاصا يليق بها، علما باني قمت ايضا بترجمة خريطة رحلته إلى العربية ورسمتها.و للفائدة العامة سأنشرها كلها مع نبذة عن تاريخ حياة الرحالة الكبير و كذلك الأمر الملكي الذي صدر من الملك الدانماركي فريديريك الخامس الذي أمر أعضاء المشاركين في البعثة إلى المنطقة العربية باحترام مشاعر و مقدسات المسلمين و عدم التعليق عليهم أو المساس بعقيدتهم ومشاعرهم.

وللإطلاع على الأوامر الملكية الصادرة عن الملك فريدريك الخامس، إليكم نصا من مقالة الأستاذ ستيغ راسموسن:


الرحلة العربية 1761-1767
Author: Stig T.Rasmussen

نص من مقال ستي.ت.راسموسن حول (رحلات في بلاد فارس والجزيرة العربية في القرن الثامن عشر و التاسع عشر- تتبع الإستكشافات العلمية للعالم الإسلامي"، نشر في الرحلة العربية: الروابط الدانماركية بالعالم الإسلامي عبر ألف عام.موسكورد،1996.
شروط واستعدادات الرحلة

تضاعفت خلال القرن السابع عشر والجزء الأكبر من القرن الثامن عشر معرفة أوربا بشأن البلدان والثقافات النائية، وذلك نتيجة لجهود البلدان التي تعتمد في تجارتها على الملاحة من أجل إيجاد طرق ومراكز تجارية جديدة، كما بدا واضحا في الفصل الذي كتبه كل من Adam Olearius و Frederik Ludvig Norden.ذلك جلا واضحا أيضا في وصف العديد من الرحلات التي نشرت من قبل الإنكليز، الهولنديين، والفرنسيين.خلال القرن الثامن عشر زادت الحاجة إلى المعرفة النظرية أكثر من المعرفة النفعية الجاهزة للعالم.الانتقائية العشوائية والمشاهدات الشخصية الملونة أدت أيضا إلى البحث العقلاني والوصف المنظم.
في منتصف القرن الثامن عشر تمتع الملك فريديريك الخامس Frederik V ووزيره بسمعة وسط أوربا بأنهم رعاة فن.وكان هذا في البال عندما اقترح البروفسور Johann David Michaëlis في Goettingen، ألمانيا على Johann Hartwig Ernst von Bernstorff في Tydske Kancelli) ما يطلق عليه وزارة الخارجية أنذاك)، إن على الملك أن يرسل ببعثة استكشافية إلى البلدان المجهولة، ما كان يزعم في التاريخ القديم بالعربية السعيدة.
لقد عزز Michaëlisطلبه بالنظر إلى المقترح وفق ما جاء في الإنجيل بهذا الخصوص: " طبيعة هذه البلدان مازالت غنية بإمكانياتها و والتي نجهلها نحن": هذه القصة تعود إلى عهد قديم جدا، اللهجة فيها تختلف عن العربية الغربية التي نعرفها.هذا كان أهم الأدوات حتى الآن التي مكنتنا من فهم العبرية.أية إضاءة لا نتوقعها تُلقى على الإنجيل، أهم كتب العهد القديم، والتي علمتنا اللهجة الشرقية للجزيرة العربية كما عرفنا الغربية.
الإقتراح الأصلي كان بإرسال رجل إلى اليمن من ترانكابار في الهند، ولكن خلال أربعة أعوام تطورت الفكرة إلى رحلة استكشافية علمية متكونة من خمسة رجال جذبوا اهتمام كل عالم العلم الأوربي.بدأت الأسئلة التي كان يجب الإجابة عليها بالتدفق، كذلك المقترحات للمشاهدات التي يجب أن تُتخذ.Michëlisهيأ قائمة بالأسئلة العلمية التي كان يأمل أن يجاب عليها خلال الرحلة، وتم نشرها في Fragen an eine Gesellschaft gelehrter Maenner , die auf Befehl Ihro Majestaet des Koeniges von Daenmark nach Arabien reisen, Frankfurt a.M.1762.هذا الوصف شمل سلسلة طويلة من الأسئلة المختلفة بما يخص التاريخ، التاريخ الطبيعي، وفقه اللغة (وزود بكتالوج جميل يضم ما لم يكن معروفا أنذاك.(
الأعضاء المشاركون في الرحلة

 شارك في الرحلة ستة أعضاء:

العالم السويدي في العلوم الطبيعية Peter Forskal تلميذ Carl von Linné: أحد الأهداف الرئيسية• لبحوث بيتر فورسكول كان إيجاد إثباتات مدعمة لسلسة من النقاط التي جاء بها لينيه.

عالم اللغة Frederik Christian von Haven والذي كانت مهمته شراء مخطوطات شرقية للمكتبة الملكية• في كوبنهاجن، ونسخ الكتابات التي يعثر عليها في طريقه، وتسجيل مشاهدات حول استخدامات اللغة العربية- الهدف الرئيسي فيها إلقاء الضوء على بعض الجوانب الغامضة في الكتاب المقدس.

الخرائطي Carsten Niebuhr الذي كانت مهمته هي المشاهدة وأخذ القياسات لغرض رسم الخرائط للمناطق• الجغرافية المكتشفة وغير المكتشفة.

الطبيب Christian Carl Kramer الذي كانت لديه العديد من المهمات الطبية الملقاة على عاتقه،• سواء العلمية أو على المستوى التطبيق العملي- بين العرب أيضا.

الفنان والرسام Georg Wilhelm Baurenfeind الذي كانت مهمته رسم ما يجده الآخرين، بالأخص بحوث• بيتر فورسكول حول النباتات والحيوانات من التي يسهل ضياعها.

وأخيرا اشترك معهم الجندي السويدي من سلاح الفرسان المدعو Berggren لضبط النظام.•

الأوامر الملكية

في كوبنهاجن عمل جملة من البروفيسورية في الجامعة مخطط بالأمر الملكي الذي يقضي الملك فريدريك الخامس بموجبه إرسال البعثة في 15/12/ 1760.

"بأمرنا نحن، فريدريك الخامس، بنعمة الله ملك الدانمارك، النرويج، الوَنديّين، القوطيين، دوق سلسفي وهولستين، مارن العظمى و ديتماريكسن، نبيل أولدنبورج و ديلمينهورست الخ.أراد أرحم الراحمين بأمرنا وعهدتنا أن يسافر العبيد الأذلاء (هنا تذكر أسماء المشاركين في الرحلة) إلى العربية السعيدة، ليقوموا بما يلي:

كل المسافرين من ذكروا أعلاه يتوجهون إلى العربية السعيدة ويبقوا مجتمعين معا، أمام أرحم راحمينا أن يضعوا الهدف نصب أعينهم بجمع أكبر كمية ممكنة من الاكتشافات العلمية.

الفقرة 43 التي يضمها الأمر الملكي هناك تفاصيل تعليمات واجبات الرحلة.•
الفقرات 2-9 ثبت مسار الرحلة، التنظيم (كتقليد جديد فالمشاركون متساوون بالحقوق)، وضع التقارير• كان على شكل يوميات.

الفقرة 10 إشارة واضحة حول كيفية تعامل المشاركون مع الدين الإسلامي:•

" على كل المشاركين أن يظهروا أدبا ولطفا شديدين اتجاه السكان العرب.عليهم ألا يبدو أي اعتراض لدينهم.علاوة على ذلك ألا يعطوا انطباع وإن كان غير مباشر حول ازدرائهم للدين.عليهم الإحجام عن كل ما يثير بغيضة السكان العرب.ومن الضروري أيضا من خلال مهمتهم أن يحرصوا قدر الإمكان على عدم إثارة الشبهات، أو إثارة شك المحمديين الجاهلين حول تصور تجسسهم، أو بحثهم عن كنوز، أو ممارسة السحر والشعوذة أو إيذائهم للبلد.يجب عليهم ألا يثيروا حفيظة وغيرة وانتقام العرب عبر طرح النموذج الليبرالي الأوربي بالتعامل مع المرأة أو الإتيان بما يشابه ذلك.وكما هو الهدف أيضا من التعليمات تذكيرهم بالالتزام الأخلاقي وعدم توجيه الاهتمام لأي شكل من أشكال الحب الذي في غير محله للأشخاص المتزوجين أو غير المتزوجين الذي من الممكن أن يدعو إلى إثارة الرغبة الشرقية بالانتقام.يجب عليهم حتى في أقصى حالات التعرض للمضايقة الشديدة أو الشتيمة وأن كانوا في حماية السلطات المدنية عدم الدفاع عن أنفسهم باللجوء إلى العراك.التجربة في هذه البلدان التي يحكمها " الدين الإسلامي" تبين مدى خطورة هذه الأمور حيث إهانة المسلم يثأر لها بقتل المتعدي.إزاء ذلك الذي من الممكن أن يؤدي إلى تعرض المسافرين الآخرين إلى المضايقة لا نحذر بجدية فقط، بل نمنع هذه الأفعال الطائشة منعا باتا.هذا الذي يخالف التعليمات ويجلب لنفسه المتاعب، نتركه لقدره ولا نجبر الآخرين من المسافرين من المجموعة حمايته حتى لا يعرضوا حياتهم للخطر.

الفقرات 11 و 12 تتناول اقتناء المخطوطات ونسخ النقوش في سيناء، الفقرة 13 يحتم على المشاركين• البقاء معا، الفقرة 14 يؤكد على المشاركين في الرحلة الاستكشافية واجب بذل الجهود من أجل البحث عن إجابة للأسئلة الموضوعة والمرسلة لاحقا من قبل J.D.Michaëlis والعلماء الآخرين، وفي الفقرة 15 تأكيد على ضرورة إرسال كل المواد التي يتم العثور عليها بالحال إلى البلاط الملكي.الإجابة وقبل أن ترسل إلى أية جهة في أوربا يجب أن تنسخ في كوبنهاجن.

الفقرات 16-22 تحديد أطر البحوث العلمية والتي تحتوي على الأساس الذي يبدو إنه كان أول خطة• علمية عرفت للبحث البيولوجي البحري (وضعت من قبل البروفسور (C.G.Kratzenstein من كوبنهاجن.

الفقرات 23-26 تصف واجبات الطبيب في بحوثه وتطبيقاته الطبية: والأخيرة تطبق على العرب البارزين• و المشاركين في الرحلة على السواء.

الفقرات 27-34 يثبّت واجبات الرياضيين بما يخص الموقع الجغرافي ووضع الخرائط، بالإضافة إلى• الجو وأحوال السكان (هنا حالة تعدد الزوجات واحتمالية علاقة ذلك باللا توازن إحصائيا بين الجنسين).الفقرات 35-42 تصف المشاريع اللغوية التاريخية بينما تتناول الفقرة الخاتمة 43 عمل الرسام،• بالأساس دعم عمل عالم التاريخ الطبيعي برسم الحيوانات والنباتات التي لا يمكن نقلها في رحلة العودة، ومن ثم مساعدة الآخرين.وأخيرا مناشدة العلماء في الرحلة بمساعدة الرسام في عمله والاتفاق معه والتحلي بالصبر.

مجريات الرحلة الاستكشافية

انطلقت الرحلة في الرابع من كانون الثاني عام 1761.خط مسار الرحلة كان عبر القسطنطينية والإسكندرية إلى القاهرة والمواصلة على طول ساحل البحر الأحمر حتى اليمن حيث أقاموا هناك من شهر كانون الأول 1762 إلى أواخر شهر آب 1763.في اليمن توفي اثنان من المشاركين von Haven, Forskal بسبب الإصابة بالملاريا على ما يبدو.

الأربعة الآخرون أبحروا إلى بومباي، وبعدها توفي اثنان آخران هما Baurenfeind , Berggren خلال الرحلة.وفي بومباي توفي الخامس Kramer وحيث الوحيد الحي الذي بقي هو Carsten Niebuhr.أكمل رحلته إلى عمان وإيران ومن ثم عبر العراق و سورية إلى فلسطين مرورا بقبرص.من ثم من القدس إلى القسطنطينية وإلى أوربا الشرقية ومن ثم كوبنهاجن التي وصلها في العشرين من شهر تشرين الثاني عام 1767.

منحى الرحلة كان تراجيديا.ولكن الرحلة رغم ذلك نجحت في حصولها على مجاميع تعد ذات أهمية.المجاميع تضم نباتات، حيوانات، مشاهدات، خرائط، رسومات ومخطوطات شرقية.

جزء كبير من المجاميع هذه ما يزال موجود لحد الآن، وموجود في المتحف النباتي (معشبة فورسكول- وتضم حوالي 1800 عينة)، في متحف الحيوانات (99 سمكة في معشبة الأسماك كما أطلق عليها (لأن فورسكول حنط الأسماك بدون أحشاءها، بجانب واحد فقط من جلدها وضغطها كالأعشاب عندما تجفف)، في المتحف الوطني (في قسم الأنتيك، الإثنوغرافيا، العملات ومجموعة الميداليات) وفي المكتبة الملكية (قسم الدراسات الشرقية واليهودية).

اليوميات ووصف الرحلة

من جملة ما جاء في المرسوم وفق الفقرة 8 بأن على المشتركين كتابة يومياتهم وفورسكول، فون هاون ونيبور نفذوا هذا الواجب، ولهذا فلنا معرفة جيدة من خلال ذلك بهم وبشكل أفضل بنيبور الذي أتيحت له الفرصة لأنه الوحيد الذي بقي من الطاقم بأن بعيد كتابة مادته.

بيتر فورسكول P.Forskal

كانت هناك خطة لطبع يوميات فورسكول في السبعينات من القرن الثامن عشر ولكن ذلك لم يحصل قبل عام 1950.الكتاب صغير ولكن مصور (في الإسكندرية):
" إلى جانب هذه الرحلات التاريخية كان جانب البحث النباتي هو الأفضل، لقد شاهدت الأزهار الخالدة بنفس ازدهارها ونشاطها لذات النوع والشكل كما لو كانت من قبل ثلاث أو أربعة آلاف سنة مضت.

النبات في هذا البلد يدعو عالم الطبيعة للقيام بالكثير من المهام، بالرغم من إن عدد النباتات ليس كبير كما هو عليه في مناطق اوربا.

اليوم الذي وصلت فيه إلى الاسكندرية قمت بزيارة إلى أقرب الحدائق.حتى وإن لم يكن لدي الاهتمام أو أية رغبة خاصة في إلقاء نظرة على هذا العالم وأزهاره، لاستطاعت هذه الطبيعة الغير عادية بالرغم من هذا أن تثير اهتمام أي شخص غريب، مهما كان غير متأثر.جدران الحدائق كانت عالية وبالرغم من ذلك علت أشجار النخيل فوقها وبانت كأنها غابة كثيفة.من أول لحظة دخلت فيها كنت مأخوذا لمرأى هذه الأشجار التي خلقتها الطبيعة كأجمل صفوف أعمدة، ولكي لا يخلو الخيال من قاعدة لتلك الأعمدة اعتاد الناس أن يسوروا هذه الأشجار بحائط منخفض ليدعّمها.تزرع الأشجار في صفوف بالطول والعرض: 8 ألين (ألين يساوي قدمين) بين كل ثلاث نخلات.

من صفات فورسكول البارزة هو إصراره ومثابرته المتميزة وهي الميزة الإيجابية التي كانت خلف جهوده العلمية في ظل الظروف الصعبة التي مر بها، ولكن بالطبع تؤدي هذه الصفة في شخصه إلى نتائج سلبية بما يخص الآخرين.ولم يكن من قبيل الصدفة أن أطلق لينيه على نبتة الـ " القراّص" بـ" pertenacissime adhaerens" والتي تعني المثابر الصامد.

فون هاون F.C.von Haven

يوميات فون هاون محفوظة في المكتبة الملكية، قسم المخطوطات.يتكون من مطويتين كبيرتين.في أحدهما يوجد الوصف الفعلي للرحلة، وفي الثاني مقاطع من وثائق ذات علاقة ومراجع استخدمت بالرحلة: كتالوج بالمخطوطات التي وضعها، مخططات للمخطوطات والكثير من قوائم بالمفردات العربية الدانماركية، وخصوصا العربية الإيطالية (قضى فون هاون قبل الرحلة وعلى نفقة الملك سنتين في روما يدرس عند العرب الموارنة).هذه اليوميات لم تطبع نهائيا بالرغم مما تزخر به من وصوفات حية يدخل فيها فون هاون كبطل رئيسي.لقد كان -كما كان الأرستقراطيين عليه في تلك الفترة – مغرور ومكتف بنفسه إلى حد الحمق.

كارستن نيبور C.Niebuhr

نيبور لعب دور الوسيط لهذه المجموعة، ووظيفته هذه لم تكن سهلة بأي شكل من الأشكال بسبب إن كل من فورسكول و فون هاون طمحوا بدون نجاح بالحصول على منصب قائد الرحلة.وبالذات لهذا السبب لم يتم تعيين أحد لمنصب قائد، و نصب نيبور أمين صندوق الرحلة.

.في مقدمتهBeschreibung von Arabien "وصف الجزيرة العربية " بسط نيبور أفكاره بشأن الأسباب التي أدت إلى حدوث أخطاء في تلك الرحلة:

" أعتقد بأننا كنا السبب في الأمراض التي أصابتنا، بينما كان من السهل على الآخرين وقاية أنفسهم منها.تجمعنا كان من الكبر الذي حال دون تهيؤنا للمعيشة إلى جانب السكان المحليين.لأشهر عديدة لم نتمكن من الحصول على أي مشروب كحولي كنا معتادين على تناوله، وبالرغم من هذا تناولنا كميات كبيرة من اللحوم الأمر الذي يعتبر غير صحيا في البلدان الحارة.بعد الأيام الحارة كان هواء الليالي البارد مريح لنا الأمر الذي كان يولد إحساسا بالترف.

كان يجب علينا أيضا أن ننتبه للفرق في درجات الحرارة بين المناطق الجبلية والسهول المنخفضة.كنا على عجلة من أمرنا في الرحلة بحيث لم يتاح لنا التعرف على دواخل المدن.

لم تكن معرفتنا كافية بالبلدان وسكانها مما سبب لنا متاعب وطرق وعرة مع السكان.ونحن مرارا ولربما بلا حق اعتقدنا بأن لدينا الحق بالشكوى من غير أن نتذكر باننا حتى سفرنا داخل أوربا لم يكن يخلو من متاعب.لقد كنت أنا بنفسي مريضا جدا، عندما كان مرافقيي ما يزالوا على قيد الحياة، لأنني تمنيت كما تمنوا هم، أن أعيش كما لو كنت في أوربا.ولكن ومنذ ذلك الوقت عشت فقط بين الشرقيين، تعلمت طريقتهم في مواصلة الحياة في تلك البلدان.تباعا سافرت إلى بلاد فارس قادما من البصرة وبرا إلى كوبنهاجن بدون تعرضي ولو لمرة واحدة لوعكة صحية أو تعرضي لمشاكل كثيرة مع السكان.

أبعاد ونتائج الرحلة

كان للعديد من اكتشافات هذه الرحلة صدى حيث:

مساهمات نيبور في مجال رسم الخرائط، والتي من ضمنها صار من الممكن مثلا بالنسبة للسفن الأوربية أن تبحر عبر البحر الميت وحتى السويس.نسخ مخطوطات الكتابة المسمارية والتي كانت الأساس في فك أسرارها في عام 1802، ونشر اثنين من أهم الأعمال الإستشراقية في القرن الثامن عشر.

مساهمات فورسكول في مجال علم الحيوان والتي شملت عمله الرائد في حقل بيولوجيا البحريات ودراسة الطيور المهاجرة.أيضا في مجال علم النبات والذي بالإضافة إلى جمعه لمايقارب الـ 1800 نمودج من النباتات في معشبة لازالت موجودة ليومنا هذا، كان أيضا من الأوائل في علم بيولوجيا النبات وجغرافيا النبات.من المؤسف إن ملاحظاته و وشروحاته التي تركها قد جمعت وحضرت للنشر من قبل عالم نباتي كان أقل كفاءة.وهكذا لم تعطى أعمال فورسكول الأصلية وغنى أفكاره في مجال علم النبات قيمتها الفعلية وكان يجب الانتظار لكي يعاد العمل مجددا في الكثير من اكتشافاته من قبل الأجيال التي جاءت بعده.

رسومات بورينفايند Baurenfeind أعطت تجسيد صادق للنباتات والحيوانات التي لم تكن معروفة حتى ذلك الوقت.نشرت بمجلد فورسكول المصور مرافقة لشروحاته حول الحيوانات والنباتات.رسوماته لقنديل البحر من أجمل الرسومات من نوعها.وصوّر في أعمال نيبور مختلف جوانب وأشكال الحياة في مصر واليمن.
مكتسبات فون هاون شكلت الجوهر الجديد لمجاميع المكتبة الملكية من مخطوطات الشرق الأدنى، إذ لم يكن بحوزة المكتبة قبل ذاك الوقت إلا هدايا متفرقة ومقتنيات.

المرسوم الملكي يعكس النظرة العلمية الأساسية للفترة التنويرية.القناعات كانت بأن العالم يمكن تنظيمه ووصفه بشكل مفروغ منه في عمل شامل- مشروع العصر المركزي وصف بالتأكيد بالموسوعة العظمى.نتائج الرحلة الاستكشافية تعزى إلى التطبيق الناجح للمبدأ العقلاني في حقيقة البحث المنهجي.المشاهدات ذات الدقة الرياضية، الجمع والمعالجة المنظمة، الأولوية المعطاة للمعلومات المستحصلة بطريقة مباشرة والتمحيص الدقيق للمعلومات المستحصلة بطريقة غير مباشرة وبنفس الوقت نظرة انسانية، بدون تحامل، وانفتاح اتجاه كل ما هو جديد، يكملها الاحترام للطرق الأخرى بالتفكير.وهكذا تتميز الفترة التنويرية بشكل أساسي عن القرن السابع عشر، بأنها أرست القاعدة الموضوعية للعلم المعاصر.

القرن التاسع عشر

الإقرار بأن الطبيعة غير جامدة وإنما مرت بمراحل تطور.القرن التاسع عشر كان قرن التطور وبناء الإمبراطوريات.الاعتقاد بأن العالم الغير أوربي أقل تطور حضاريا استغل لمصلحة أوربا في طور توسعها.درس الإسلام من قبل المستعمرين لغرض استخدامه في السيطرة على المستعمرات.زمن الرحلات الطويلة قد ولى، فقد تم إرساء المصالح الأوربية في الخارج.وفي ذلك الوقت كان كبار موظفي المستعمرات تلك والدبلوماسيين
(القنصلية الدانماركية في تونس 1820-1833) هم الذين يجلبون المخطوطات والمواد الأخرى ذات القيمة.

من المبادرات الدانماركية المبكرة هي الرحلات الفردية لعالم اللغة راسموس راسكس - رحلة الهند الكبرى 1816-1823 والتي أعطت نتائج ذات أهمية.علم اللغة تطور من وصف للمفردات والقواعد إلى إثبات أصل اللغات وعلاقتها ببعضها وتقديم لتاريخ تطور اللغات على أساس البحوث المقارنة، خصوصا اللغات الهندوأوربية.

بما يخص الشرق الأدنى فقد اتسم النصف الثاني من القرن التاسع عشر بجلب طبعات نصوص جادة لكلاسيكيي العالم الإسلامي كأساس لمواصلة العمل العلمي عن طريق فهم أقرب أصولنا في العالم الإسلامي بمنظور ثقافي كوني).

رحلة الرحالة الألماني الشهير كارستن نيبور من الحلة إلى كربلاء 1765 ميلادية

قمت بترجمة فقط نص ماذكره كارستن نيبور عن هذه الرحلة في المجلد الثاني من كتابه الذي طبع في كوبنهاغن عام 1778 ميلادية من الصفحة 266 – 269.وعنوان الكتاب: وصف رحلات كارستن نيبور إلى الدول العربية و البلدان المجاورة، المجلد الثاني، كوبنهاغن، طبع في مطبعة البلاط الملكي عند ريكولاوس مُيللر، 1778، صفحة 266 – 269.
C.Niebuhrs Reisebeschreibung nach Arabien und den andern umliegenden Ländern.Zweyter Band, Kopenhagen, Gedruckt in der Hofbuchdruckerey bey Ricolaus Möller, 1778, S.266-269.
وإليكم نص رحلة الرحالة الألماني الشهير كارستن نيبور من الحلة إلى كربلاء بتاريخ 27 كانون الأول/ ديسمبر 1765 ميلادية:

خارطة رحلة الرحالة كارستن نيبور في العراق بالألمانية

(بقيت في الحلة في اليوم السادس والعشرين من كانون الأول.وفي اليوم التالي توجهت لمواصلة رحلتي إلى مشهد الحسين (الحضرة الحسينية)، و هي التي بنيت في هذا المكان والمشهورة عند (المحمدية على حد تعبيره) المسلمين بإسم كربلاء.تقع و تبعد مدينة كربلاء حوالي باتجاه الشمال الغربي سبع ساعات أو خمسة أميال ألمانية عن مدينة الحلة.و على جنبي الطريق كله لا يرى المرء شيئا سوى الطهمازية، و هي قرية كبيرة تكثر فيها بساتين وحدائق النخيل التي زرعت فسائلها من قبل شاه عباس (أنظر اللوح Tab.XLI.).
كانت مدبنة كربلاء في ذلك الوقت الذي استشهد الحسين مع كثير من أقربائه و اصحابه غير مأهولة بالسكان، لكن هذه المذبحة (المعركة) أتاحت الفرصة لإسكان هذه البقعة.وقد تم مد وتوصيل المياه (بواسطة نهر الحسيينية - المترجم) من نهر الفرات إلى هناك، أما الآن فإن المرء يرى غابة نخيل كبيرة.

(راجع: أبو الفداء كتاب تاريخ المسلمين صفحة 113 Abulfedaa annales moslimici p.113 المترجم إلى اللاتينية و كتاب:

Oekleys history of the Saracens II., p.195
و Semlers Übersetzung der algemeinsn Welthistorie der neuern Zeiten I., S.195

وأيضا راجع كتاب محمد مهدي خان: ناريخ نادر شاه، صفحة 374
Mohammed Mahadi Khan: Geschichte dse Nadir Schah, S, 374)

و مدينة كربلاء التي تقع فيها غابة النخيل هي أكبر و عدد سكانها أكثر من عدد سكان مدينة مشهد علي (النجف)، إلا أن بيوتها لم تكن مبنية بناءا متينا لكي تبقى دائمة، بل أنها بنيت مثل بيوت البصرة و الحلة و أغلبها من الطين و اللبن الغير محروق (مشوي).لدى سور المدينة خمسة أبواب، وسور المدينة بالمناسبة أيضا مبني من أحجار الطين و اللبن الغير محروقة والتي جففت فقط تحت حرارة الشمس.و سور المدينة الآن مهشم و متهدم كليا.

بهذا الزي التركي دخل كارستن نيبور إلى الحضرة الحسينية في كربلاء والغريب هنا أن يلاحظ المرء مشهدا كبيرا (حضرة كبيرة) فيه مصلى صغير يطلق عليه الشيعة بإسم مذبح الحسين.لقد بني المذبح فوق المكان أو الموضع الذي دعس الحسين بحوافر الخيول و دفن فيه، في حين يشك السنة بإمكان أحد أن يحدد موضع مذبح الحسين و دفنه بالضبط، وكأنهم ينكرون بوقوع لمذبحة (المعركة) في هذه البقعة.
رأيت من الخطر أن أرسم هذا الجامع (الحضرة الحسينية) لأنه أكثر خطورة من مشهد علي.ولم أسمح لنفسي الظهور أمام المدخل في النهار، و لكني ذهبت في المساء بصحبة مرافقي في السفر و ارتديت عمامة تركية و دخلت داخل الحضرة بمناسبة إحدى الزيارات والأعياد الكبيرة، حيث كانت كل من و الصحن و الأماكن مضاءة.
و عند عودتي إلى سكني رسمت اللوح XLII.الذي سيوضّح للقارئ على الأقل نوعية بناء هذا الحرم.

و الواجهة الأمامية لجدار الحضرة مملوءة بالنوافذ (الشبابيك) الزجاجية، منظر فريد لا يشاهد المرء مثله في مكان آخر في هذه البلاد إلا شبابيك خالية من الزجاج.
و لعل زجاج نوافذ الواجهة الأمامية او الجدار الأمامي كان هدية من تاجر إيراني الذي قام بنفسه بشحن و إرسال الزجاج من معمل في مدينة شيراز.
و خلف البناية الأمامية شيدت (تقوم) قبة عالية و تحتها دفن الحسين كما يدعي المرء.و تحيط بالقبة أربع منائر (مآذن) صغيرة و خلفها شيدت (تقوم) أربع قباب عريضة نسبيا إلا أنها لم تكن عالية (مثل قبة الحسين)، ولهذا السبب لم يكن بإمكاني رسمها من هذا الجانب (الصفحة).

و جميعها مشيدة و قائمة في ساحة كبيرة (يقصد بها صحن الحسين - المترجم) تحيط بها من أطرافها الأربعة مساكن السادة و العلماء و خدمة الروضة.

و أمام الباب الرئيسي للجامع (للحضرة الحسينية - المترجم) كان يوجد شمعدان كبير ضخم يحمل مصابيح و أضوية كثيرة لم يكن موجودا مثله في مشهد الإمام علي.و لم يلاحظ المرء يوم ذاك وجود الذهب في الروضة الحسينية.و على الرغم من وجود تحفيات نفيسة عند ضريح الإمام الحسين، إلا أنه لا يمكن مقارنتها بتلك النفائس التي كانت موجودة عند ضريح الإمام علي.

يظهر الشيعة للعيان هنا أيضا قبور أقرباء و أصحاب الحسين الذين استشهدوا و فقدوا حياتهم في واقعة (مذبحة) كربلاء و الذين يعتبرونهم شهداءا.

وقد شيّد للعباس (الأخ غير الشقيق للحسين) جامع كبير داخل المدينة تقديرا لمواقفه البطولية و تضحيته التي تحدث لي الناس عنها، وأود ذكر ما يلي عنها فقط:
عانى الحسين كثيرا من العطش الشديد، حيث أرسل أخاه العباس إلى الخيمه گاه (المخيّم) لجلب الماء، إلا أن العباس لم يجد في المخيم الماء.ثم ركب فرسه حاملا معه قرابه و اتجه نحو الشمال لمدة ساعة.و هناك ملأها بالماء.و في أثناء طريق عودته تعرض له الأعداء الذين حاولوا أخذ الماء منه و قطعوا إحدى يديه و مسك القربة باليد الأخرى، إلا أنهم بتروها أيضا.وأخيرا مسك العباس القربة بين اسنانه و في تلك اللحظة رمى أحدهم القربة بالسهم وثقبها و سال الماء , و هكذا عاد العباس إلى أخيه الحسين بدون ماء و لم يستطع إطفاء ظمأ الحسين ,

من المزارات أو الأمكنة العجيبة التي يؤمها الزوار هو المكان الذي سقط فيه فرس (جواد) الحسین براکبه و يجد المرء مثله خارج المدينة في طريقه إلى مشهد الإمام علي، و فوق هذا المكان شيّد مزارا صغيرا.

وقد حدثني دليلي و مرافقي في الرحلة عن خطب و أحاديث و أقوال الإمام الحسين هنا لأفراد عائلته و عن الأوامر التي وجهها إلى عسكره و أصحابه، إعتبرتها زائدة عن اللزوم لتدوينها.
أمر الحسين بنصب خيمته لآخر مرة في الخيمه گاه (المخيّم).يبدو المخيم الآن حديقة كبيرة على الجانب الآخر من المدينة.و في المكان الذي لم يجد العباس فيحینه ماءا، يرى المرء بركة (أو بئرا) كبيرة.و يعتقد الشيعة أن تدفق ماء البئر نشأ من خلال معجزة، حيث تعتبر هذه البئر (البركة) مقدسة لديهم، بحيث يأتي الزوار الإيرانيون إلى هنا حبا للحسين و يتباركون بشرب الماء منها حتى الثمالة، و يعتقدوم بأنهم أيضا سيصبحون شهداءا.

و في هذه الحديقة يوجد أيضا مبنى مهجور يشير إلى أن خيمة الحسين نصبت هنا.و بالقرب من هذا المبنى يشاهد المرء مبنى صغيرا واطئا دفن فيه شهداء آخرون.

إن صاحبة المنزل الذي أسكن فيه سيدة عجوز أرملة شيعية، فرحت كثيرا عندما سمعت بأني زرت قبر العريس القاسم.و هذا الشهيد كان بالنسبة لها من الشهداء المفضلين عندها.و في أثناء حديثها لي عن هذا الشاب الشجاع كانت الدموع تسيل في عينيها، حيث قالت أنه كان قد التزم بالعرس لأنه كتب و أمضى عقد الزواج بحضور شهود، و لكنه في يوم و ليلة عرسه أستشهد مع الحسين و الشهداء الآخرين.وكانت السيدة العجوز الطيبة تعلم و تعرف عن كل كلمة تحدث بها الحبيبان (المخطوبان) مع بعضهما قبل بداية الواقعة (المذبحة).
ان السنة ايضا يزورون الحضرة الحسينية لأداء صلاتهم و زيارتهم بكل جدية و زهد.والشيعة يعملون صراخا و عويلا.

كنت هنا في شهر رجب عندما كان البدر كاملا ساطعا، وكان مئات الحجاج يفدون في ذلك الوقت من أجل أن يقضوا ليلتهم عند قبر الإمام الحسين.

و لما لم يكن لديهم تقويما مطبوعا، وكانوا غير متأكدين من تاريخ أيام زيارتهم فإن أغلبيتهم يبقون ليلتين في الحضرة و الصحن، لكي يتأكدوا من عدم فوات مواعيد زيارتهم.
رايت هنا و بكل تقدير و إعجاب كيف أن المؤمنين يؤدون صلاتهم و زيارتهم و كيف أنهم يقبلون باب المدخل الرئيسي للحضرة الحسينية بحماس.

و في داخل الحضرة و بسبب حزنهم العميق على استشهاد الحسين يقبلون أرضية الحضرة الحسينية بشوق و حماس ايضا و قسم منهم يضربون رؤوسهم ضد الجدران و ضد شبابيك الضريح المعدنية بقوة.

و حتى بعض الزوار و من شدة الحزن و الإنفعال و الصراخ يمر بمرحلة لاشعورية عند قبر الإمام الحسين الكبير يقتل نفسه لإعتقاده بأنه سيصبح شهيدا و يدخل الجنة مع الحسين و أهله و اقربائه و اصحابه الشهداء لأنه ضحى بحياته للحسين.

يجب أن أعترف بأني لم أسمع رثاءا أكثر من رثاء الشيعة في هذا الجامع (الحضرة الحسينية).فالناس يبكون ويصرخون فكأن الحسين ابوهم المتوفي اليوم.و هذا الحزن لم يكن للرياء، مثل رثاء بعض النساء اللواتي يبكين على الميت من أجل النقود، بل حزنهم حقيقي نابع من القلب، بحيث أن عيون الزوار الخارجين من أو الداخلين إلى الجامع (الحضرة الحسينية) كلها كانت وارمة.و أن شيعة هذه المدينة هم أكثر حزنا و حماسا من الذين في مدينة مشهد علي).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22 كانون الثاني/2008 - 13/محرم/1429

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م

[email protected]