- مناسبة احياء
مراسم عاشوراء لم تعد تختصر على المسلمين أو على الشيعة منهم. مازن
خليل- صابئي عراقي
- إن الحالة هنا
تستند عادة الى ما يتوارثه الابناء عن الآباء والاجداد في إحياء
مظاهر عاشوراء. لؤي عبد الله وردي- سنّي عراقي
شبكة النبأ:
ترتبط مظاهر إحياء عاشوراء بتقاليد توارثها العراقيون، كإقامة
المواكب الحسينية ومجالس العزاء، اضافة الى تجهيز أكلات ارتبطت
بالمناسبة ولم تقتصر على مقيمي تلك الشعائر، إذ ان أبناء الطوائف
والمذاهب المختلفة دأبوا على المشاركة فيها.
مظاهر إحياء عاشوراء التي بدأت منذ
الأول من شهرمحرم الحرام، وتنوعت لتبلغ ذروتها في العاشر منه، كانت
واحدة من المناسبات التي مثلت تقاربا روحيا بين الاطياف العراقية
على اختلاف مكوناتها، بعيدا عن القومية او الطائفية او الدين.
السيد علي حميد البديري، أحد
المساهمين في اقامة موكب الزهراء بمدينة الكوت، قال لوكالة (أصوات
العراق) إن أول من اقام هذا الموكب جدي، وتبعه والدي قبل نحو ستة
عقود مضت، إلا أنه توقف بعد أن قام النظام السابق بمنع احياء مظاهر
عاشوراء عند نهاية السبعينات من القرن الماضي.
وأضاف، كان الموكب ومنذ ذلك الحين
مناسبة تجمع المكونات المتواجدة في المدينة وقت اقامته، من شيعة
وسنة وعرب وأكراد وتركمان.
وتابع أن، أبناء طائفة الصابئة
والمسيحيين ممن يسكنون المدينة، كانوا يحرصون كثيراً على المشاركة
في الموكب ويقدمون ما يستطيعون عليه لاحياء مراسم عاشوراء.
والموكب يعني قيام مجموعة من الاشخاص
من المحلة الواحدة أو من مناطق مختلفة ضمن المدينة باحياء واحدة من
شعائر عاشوراء، ويشترك فيها عدد كبير من الاشخاص، وتقع على تلك
المجموعة مسؤولية توفير مستلزمات الموكب وتنظيمه، ويمكن للشخص
الواحد أن يقوم بذلك أذا ما أراد له موكباً خاصا به كأن يكون موكبا
للزنجيل او غير ذلك.
وأوضح البديري أن المواكب الحسينية
التي تقام في شهر عاشوراء كثيرة ومختلفة، فهناك مجالس العزاء التي
تقام في المساجد والحسينيات، وهناك مواكب الزنجيل (الضرب على
الأكتاف بالسلاسل الحديدية) وثمة مواكب أخرى كثيرة تلتقي كلها على
احياء ذكرى مقتل الامام الحسين سنة 61 هـ .
وقال، هناك جانب آخر من مراسم
عاشوراء عند أهل المحافظة وهو تعليق النشرات الضوئية في الأماكن
العامة وفي المنازل والشوارع ورفع الرايات على واجهات المنازل،
اضافة الى اللافتات السوداء التي تحمل عبارات تحيي ذكرى مقتل
الأمام الحسين وتعيد لنا المآثر التاريخية لواقعة كربلاء.
وقال إن، الرجال والنساء والاطفال
الصغار يحرصون على ارتداء اللون الاسود، فمنهم من يرتديه في الايام
العشرة الاولى وهناك من يفضل أن يرتدي اللون الاسود حتى أربعينة
الامام الحسين.
وأشار الى أن مظاهر احياء عاشوراء هي
مناسبة لمحو آثار الفوارق بين أبناء الشعب العراقي من خلال حرص
المكونات العراقية كلها لاحياء هذه المناسبة .
وقال الحاج ثامر عبد الصاحب، أحد
المساهيمن باحياء موكب المشروع بمدينة الكوت إن تقاليد عاشوراء
تجمع أهل المحلة، فكل واحد منهم أكان صغيراً أم كبيرا هدفه هو أن
يقدم خدمة لموكب الامام الحسين عليه السلام دون أن ينظر الى طائفته
أو قوميته.
وأضاف، في أيام عاشوراء عادة ما تقام
الولائم ويقدم الطعام والشراب مجانا في الأماكن العامة وفي البيوت
ويحصل أن تشترك مجاميع من الشباب من هذه المحلة او تلك بعمل الطبخ،
في وقت تكون هذه الحالة يوميا ليوزع الطعام والشراب تارة بين
المشاركين في العزاء، وتارة لعامة الناس، ويحرص الكثيرعلى تناول
شيء من هذا الطعام والشراب، تبركا بمنزلة الأمام الحسين عليه
السلام.
وتابع أن من أهم الاشياء التي يحرص
الجميع عليها في أيام عاشوراء، هو عمل الهريسة والقيمة وتوزيعهما
في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام بين أهل المحلة، إذ تتبادل
العائلات بذلك فيما بينها .
والهريسة تطبخ عادة بقدور كبيرة من
الحبوب المقشرة واللحم (أحيانا) مضافا اليهما بعض التوابل، وتوزع
على البيوت والوافدين والزوار.
اما القيمة التي تحرص الكثير من
العائلات على طبخها فهي خليط من الحمص واللحم يتم هرسهما، ويضاف
إليها النومي بصرة ( ليمون مجفف) لتكون متماسكة كثيراً، وتقدم عادة
مع الأرز، وهناك من يطبخها ويوزعها من دون الأرز.
وقال الباحث مثنى حسن مهدي الغرباوي
إن الهريسة اصبحت منذ زمن من الأكلات المشهورة في الوطن العربي
والعالم الإسلامي، وتسمى عند البعض ( العاشورية) لأنها تطبخ في
أيام عاشوراء، بينما يسميها البعض الاخر (الحبيّة) لأنها تصنع من
حبوب القمح المقشرة.
وتابع أن، تاريخ الهريسة يرجع الى
عام 61 للهجرة، وفي اثناء أخذ عيال الحسين (ع) سبايا الى بلاد
الشام بعد واقعة الطف حيث تم احتجازهم في مكان مهجور بدمشق وعندما
أحس الأطفال بالجوع بعد أن انهكهم الطريق أخذوا يبحثون في المكان
عن شيء يسدون به رمق الجوع.
وزاد أن الروايات تشير الى أن
العقيلة زينب (اخت الحسين) أخذت تجمع شيئاً من الحبوب التي وجدتها
في أرض الخربة وكانت قليلة جداً، فوضعتها في قدر كبير على النار،
لكنه سرعان ما امتلأ فقدمت ما فيه من زاد لإطعام العيال حتى شبعوا.
وقال الغرباوي إن هناك من يعتقد أن
الهريسة هي أكلة قديمة كانت تسمى (السويق) وهي موجودة منذ قبل
الإسلام، وتتكون من القمح أي الحنطة والسكر والزيت. مشيراً الى عدم
وجود دلائل تاريخية على هذا الاعتقاد .
وأضاف، الهريسة التي تعملها معظم
العائلات اليوم عرفت منذ انتهاء واقعة الطف وظلت سائدة الى الآن.
مشيراً الى أن الشيعة ليس وحدهم من يقوم بطبخ الهريسة وتوزيعها في
أيام عاشوراء، بل السنة يطبخونها أيضا..
وزاد، في السابق عندما كانت هناك
عائلات مسيحية تسكن في الكوت، كنا نشاهد هذه العائلات تقوم بطبخ
الهريسة وتوزيعها في عاشوراء، بينما الصابئة الموجودن حاليا في
المدينة مازالوا يقومون بذلك حتى الان.
ولفت الى ان الهريسة تختلف في
مكوناتها تبعا للمكان أو الدولة التي تطبخ فيها، فهناك من يسميها
(شلة)، خاصة في محافظة كربلاء ومناطق الفرات الاوسط إذا ما احتوت
على حبوب القمح، إضافة الى قليل من الأرز والماش أو العدس أو
اللوبياء. وتسمى (آش) مثلا في بلدة جصان شرق محافظة واسط ، وكذلك
في المناطق المحاذية لإيران .
وقالت غالية جواد (53عاما)، تعودت
منذ عشرات السنين على عمل الهريسة خلال شهر محرم وتوزيعها بين أهل
المحلة في اليوم السابع من شهر محرم، بينما نعمل القيمة في العاشر
من الشهر ونوزعها بنفس الطريقة.
وأوضحت أن الهريسة تختلف في عملية
طبخها وتركيبها من مكان لآخر في العراق، فالرجال يحرصون كثيراً على
عمل الهريسة بانفسهم ويكون ذلك على الحطب، أي الاخشاب، بينما ترغب
النساء على طهيها بواسطة الغاز، إذ لكل واحدة نكهتها وطعمها
الخاص.
وقال مازن خليل وهو من أبناء طائفة
الصابئة في محافظة واسط، تعلمت من والدي أن أعمل الهريسة خلال شهر
محرم لتوزيعها بين الجيران لكنني أفضل طهيها بواسطة الغاز اذ اجد
صعوبة في استخدام الاخشاب.
وأضاف، لم اكتف بذلك فعادة نشترك نحن
أبناء المحلة باقامة الموكب الحسيني ونجمع له كل ما يحتاجه سواء
المال أو المستلزمات الاخرى،. مبينأ أن مناسبة احياء مراسم عاشوراء
لم تعد تختصر على المسلمين أو على الشيعة منهم بل مناسبة لكل
العراقيين يلتقون فيها ويحرصون على احياء شعائرها معا.
وتابع، تحرص والدتي وشقيقاتي على
ارتداء اللباس الاسود خلال شهر محرم ولحين أربعينية الامام الحسين
وهذا نهج ثابت توارثته العائلة. مبينا أنهم كعائلة يقومون بعمل
الدارسين في محرم وتوزيعه بنفس الطريقة التي يوزعون بها الهريسة.
وقال لؤي عبد الله وردي (سنّي)، هناك
تقليد ثابت لدينا في شهر عاشوراء هو عمل القيمة وتوزيعها مع الأرز
بين الجيران.
وأضاف، كان والدي شديد الحرص على ذلك
في الستينيات، واستمر على هذا الحال حتى مطلع الثمانينيات عندما
بدأ النظام السابق بالتضييق على هذه الشعائر ومنع احيائها.
وتابع، نعمل القيمة حاليا بقدر
كبير(قزان) فيما نقوم بطهي كيس من الأرز وكل ذلك يتم توزيعه في
المحلة. مشيراً الى أن العائلات لاتقوم بالطبخ في العاشر من محرم،
انما يكون زادها هو الهريسة والقيمة وكل ما يعمل من أكل وشراب بذلك
اليوم، فهناك من يقوم بتوزيع الخضار أو الفواكه أو المشروبات أو
الكعك وغير ذلك.
وقال إن الحالة هنا تستند عادة الى
ما يتوارثه الابناء عن الاباء والاجداد، ويمكن أن يقدم الشخص أي شي
يقدرعليه فالمهم هو المشاركة باحياء مظاهر عاشوراء.
وزاد، نشترك نحن مجموعة من الرجال في
تنظيم الموكب الحسيني في المحلة ونجهز له كل الاحتياجات من نصب
السرادق وتوفير مستلزماتها من كراس واجهزة الصوت وغير ذلك، فيما
نعمل الهريسة في ساحة مكشوفة ويكون الطهي على الاخشاب لتوزيعها بين
المشاركين في الموكب ليلة العاشر من محرم.
وقال إن، ما نقوم به من هذه الشعائر
الحسينية انما هو دلالة واضحة على التوحد والالفة التي تجمع كل
العراقيين، بعيدا الانتماءات والمسميات الاخرى. مبيناً أن تلك
التقاليد انما هي تعبير عن الحب والولاء الى الامام الحسين والى
واقعة الطف التي استشهد فيها الحسين في العاشر من محرم الحرام.
ومن المظاهر الاخرى على احياء
الشعائر الحسينية في شهر محرم، رفع الرايات فوق اسطح المنازل
بألوان متعددة الغالب فيها اللون الأسود والأحمر والأخضر، عن ذلك
يقول السيد عبد الكريم شاوي إن رفع الرايات هي للدلالة التاريخية
على راية القتال التي كان الامام الحسين وال بيته يرفعونها في
أثناء واقعة الطف.
وأضاف شاوي، الرايات لها الوان
فاللون الاسود هو الاكثر انتشارا وله سمة مميزة في الدلالة على
الحزن بينما اللون الاخضر يرمز الى راية بني هاشم والاحمر راية
الامام العباس وهكذا تعطي الرايات دلالاتها ومعانيها.
وتابع، ليس الرايات وحدها ترفع بل
اللافتات وهي لاتختلف عن الرايات من حيث الالوان وتكتب فيها كلمات
وشعارات كلها تدلل على المأثرة التاريخية لواقعة الطف.
وقال إن، الرايات واللافتات في هذا
العام والعام الذي سبقه كانت بشكل يختلف عما هو في السابق بعد أن
لجأ تجار الاقمشة الى استيراد كميات كبيرة منها مطبوعة ومنقوشة في
الخارج، معظمها من ايران، تميزت بجودة وإتقان العلامة والشعارات
المطبوعة فيها، ما انعكس على جماليتها وزاد الاقبال عليها.
وأضاف، هناك أقمشة مطبوعة جاءت من
الصين لحساب التجار وكانت بنفس الجمالية من حيث الشكل وتنوع
الزخارف، اضافة الى جودة القماش وتحمله للظروف الجوية المختلفة.
واشار الى أن تلك اللافتات كانت
بطبعات مختلفة طولية وعرضية، ويتم بيعها حسب رغبة المشتري لانها
تباع بحسب الطول وان سعرها مناسب.
ولفت الى أن تلك اللافتات والرايات
أعطت في منظرها العام صورة اخرى من صور الوحدة العراقية لانها رفعت
فوق كل منزل وأمام المتاجر وفي الشوارع والساحات. وساهم بوضعها في
تلك الامكنة عامة العراقيون دون طائفة أو فئة بذاتها، وهو ما يدلل
على أن ذكرى عاشوراء أعطت معنى آخر من المعاني التي يلتقي عندها
العراقيون. |