شبكة النبأ:
تمتاز مدينة الكاظمية شمالي بغداد بخصوصية في ذكرى عاشوراء، فهي
تضم مرقدي الإمامين محمد الجواد وموسى الكاظم (ع)، ويؤمهما عشرات
الآلاف من الزائرين بهذه المناسبة، وتشهد طقوسا ومظاهر دينية
تؤديها جموع حاشدة، وتعد بالنسبة لأهالي بغداد كمدينة كربلاء
بالنسبة لعموم المسلمين في العراق ولا سيما الشيعة منهم. بحسب
وكالة اصوات العراق.
وتزدحم المدينة هذه الأيام بشتى
مظاهر وطقوس عاشوراء، حيث الشعارات التي كتبت على الجدران أو قطع
القماش التي زينت بها الشوارع الرئيسة للمدينة، فضلا عن الأعلام
السود والحمر والبيض التي رفعت فوق سطوح المنازل تعبيرا عن الحزن
والمواساة بقدوم الأيام العشرة الأوائل من محرم الحرام ذكرى واقعة
الطف ومقتل الإمام الحسين عليه السلام التي جرت بكربلاء في العاشر
من محرم سنة 61 هـ.
ورغم أن الكاظمية شهدت في إحدى
المناسبات الدينية قبل نحو عامين سقوط أكثر من ألف قتيل، لكنها
الآن عامرة بإحياء طقوسها الدينية، وكما يفد الزائرون إلى كربلاء،
حيث مرقد ومكان استشهاد الإمام الحسين في يوم عاشوراء، لازالت
الكاظمية تشهد توافد المواكب من كل أنحاء بغداد وضواحيها، وكما
يقول الحاج مكي عبد الزهرة مسؤول أحد المواكب الحسينية في الكاظمية
إنها "مدينة عاشوراء الحسين في بغداد."
ويعود تأسيس مدينة الكاظمية إلى
القرن الثاني للهجرة، وكانت تسمى بمقابر قريش، وسميت بالكاظمية بعد
أن دفن فيها الإمامان الكاظمان موسى الكاظم بن جعفر الصادق وحفيده
محمد الجواد بن علي الرضا، وهما الإمامان السابع والتاسع لدى
المسلمين الشيعة الاثني عشرية.
وتقع الكاظمية على الجانب الغربي من
بغداد على ضفة نهر دجلة، وتقابلها من الجانب الآخر من النهر مدينة
الأعظمية التي تنسب إلى دفينها الإمام إبي حنيفة النعمان أحد أئمة
المذاهب السنية الأربعة، ويربط بين المدينتين جسر كبير يعرف بجسر
الأئمة.
ويتسع حزن المدينة وتتكاثف طقوسها
المعبرة لتشمل نصب " التكايا" والسرادق و" الخيم" التي ملئت أزقة
المدينة حيث تتخذها مواكب الكاظمية للانطلاق في مراسيمها وطقوسها
منذ اليوم الثالث من محرم حتى العاشر منه ومنبر لإقامة التعازي من
خلال فتح مكبرات الصوت وبث القرآن والقصائد الحسينية إضافة إلى
اتخاذها مكانا للولائم التي يطبخ بها القائمون "التمن(الرز)
والقيمة" وتوزيع الشاي طيلة الأيام العشرة الأولى من محرم.
و(التكايا) مفردها تكية، وهي عبارة
عن خيم أو مسقفات حديدية تنصب لتكون مكان استراحة للزوار أو
المحتفلين بذكرى مقتل الإمام الحسين.
الحاج صلاح مهدي بنانه رئيس لجنة
تنسيق المواكب في الكاظمية قال للوكالة المستقلة للأنباء ( أصوات
العراق) "يوجد 125 موكبا حسينيا في الكاظمية، منها خدمي والآخر
يمارس الطقوس والشعائر الحسينية، موزعين بواقع 18 موكبا على جهة
باب القبلة، و22 موكبا على باب المراد."
وباب القبلة وباب المراد هما بابان
رئيسيان في الصحن الكاظمي.
وأضاف "بدأت المواكب بممارسة طقوسها
يوميا منذ الثالث من محرم صباحا حتى الساعة 12 ليلا ، أما يوم
التاسع من محرم وهو يوم الجمعة فان الشعائر مسجلة ضمن برنامج
وتوقيتات لجنة التنسيق ولا يمكن أن يتجاوز احد على هذه التوقيتات."
وأوضح" تبدأ المواكب بشعائرها منذ
صباح يوم الجمعة حتى صلاة الصبح من يوم السبت، وهي عبارة عن مواكب
( الزنجيل) وهي مجموعة من السلاسل مربوطة على خشبة تمسك بقبضة اليد
ويكون وزنها نحو كليوغرام واحد، بعدها تبدأ مواكب التطبير ( ضرب
الرأس بسيوف طولها نصف متر)، بعد صلاة الصبح يبدأها موكب
الفيلية، ويختتم التطبير موكب عزاء الانباريين في الساعة العاشرة
صباح السبت."
والفيلية هم الأكراد الذين يقطنون
مناطق شرقي العراق التي تحاذي إيران، وهم يعتنقون المذهب الشيعي
خلافا لمعظم أكراد العراق الذين يعتنقون المذهب السني.
وتابع رئيس لجنة تنسيق المواكب
"بعدها تبدأ قراءة المقتل الحسيني بشكل مركزي في جميع ضواحي
الكاظمية، حتى آذان الظهر، حيث ينزل موكب ( البحية) لإتمام الواقعة
من (تشابيه الواقعة وحرق الخيم) اما عصرا فإن موكب طرف الانباريين
يتمم عزاء السبايا بشكل مرئي، وتنتهي الشعائر مساء بتعازي المواكب
بعضها الآخر في ممارسة تسمى ( شامي غريبان) وهي ليلة الوحشة من
خلال إطفاء الأنوار في جميع أزقة الكاظمية."
والتشابيه هي أشبه بعروض مسرحية في
الهواء الطلق تمثل مشاهد من حادثة الطف يؤديها متحمسون من الزوار
يرتدون ملابس تاريخية بعد تدريبات تجري قبيل المناسبة.
وعن فلسفة الشعائر الحسينية، قال
الشيخ طلال الكاظمي إمام وخطيب جمعة الحرم الكاظمي لـ(أصوات
العراق) أن "وثبة الإمام الحسين (عليه السلام) في واقعة الطف جمعت
في ثناياها المشروع السياسي والإصلاحي والأخلاقي إضافة إلى ما
فيها من الفاجعة الاجتماعية والحزن المنقطع النظير لما حدث بعد
مقتل الحسين لعائلته وعوائل أصحابه."
وأضاف "من خلال تلك الشعائر تظهر
مظلومية الحسين وأهل بيته، ومحاولة لتصوير المشهد المأساوي الذي
تعرض له الإمام وأصحابه."، مشيرا إلى إن واقعة الطف لم تكن مناظرة
فلسفية؛ وإنما كانت موقفا فذا ومأساة وفجيعة ، فقد جمعت الحزن
الكثيف والموقف البطولي الشجاع؛ من اجل المسلمين جميعا بغض النظر
عن انتماءاتهم أو مذاهبهم."
وأوضح أن "جميع الطقوس والشعائر التي
يمارسها المسلمون لها ما يناظرها في الواقعة بما فيها ضرب السياط
الذي تعرض له الإمام السجاد وأهل بيته، والسلاسل التي قيدت به
السبايا، والدم الذي سفك في ارض المعركة وقطع الرؤوس، بل وحتى
المقبرة الجماعية التي دفن فيها أصحاب الحسين بلا رؤوس ."
وقد تعددت الطقوس الحسينية واستحدثت
ممارسات يعتبرها أصحابها طبيعية لإظهار مشهد من مشاهد فاجعة الطف .
يقول الطفل المقتدى حسين عبد
الهادي(12 عاما) "لقد مشيت العام الماضي على منقلة (جمر) بطول
ثلاثة أمتار أعدتها هيئة موكب عقيلة بني هاشم للشيرازية في
الكاظمية."
وأضاف " لم اشعر بأي ألم، بل شعرت
أني امشي على الماء وأنا اردد يا حسين.. يا حسين."
أما موكب النواب، فقد اجتمع فيه جميع
أطياف المسلمين سنة وشيعة، يقول الحاج مكي عبد الزهرة مسؤول الموكب
إن "نصف خدمة الحسين في هذا الموكب هم من أبناء الطائفة السنية من
أبناء المنطقة التي لم تشهد والحمد لله أي نوع من التهجير أو
غيرها."
وأضاف "هم معنا يمارسون جميع الطقوس،
لسبب بسيط فإن الحسين ليس ملكا لطائفة أو حتى دين، انه رحمة
للعالمين كجده رسول الله (ص)، وثورته يحترمها العالم بغض النظر عن
ديانتهم أو مذاهبهم."
وعن الوضع الأمني في الكاظمية، قال
اللواء علي الياسري مدير عام نجدة بغداد لـ(أصوات العراق) هناك
تنسيق مشترك مع اللواء عبد الكريم خلف شخصيا في تطبيق خطة لحماية
المدينة والزوار وشعائرهم الحسينية."
وأضاف "أعدت خطة محكمة وانتشرت
دورياتنا بشكل ملأت فيه جميع المنافذ بالإضافة إلى إغلاق الشوارع
الرئيسية المؤدية للمدينة."
وكان العميد قاسم عطا المتحدث باسم
عمليات بغداد قال في وقت سابق لـ ( أصوات العراق) إنه تقرر إغلاق
المنافذ الرئيسية لمدينة الكاظمية شمالي بغداد ومنع دخول السيارات
والدراجات والعربات إليها اعتبارا من الساعة السادسة من صباح،
الأربعاء ،وحتى إشعار آخر بمناسبة ذكرى عاشوراء .
ودأبت الحكومة العراقية، خلال
السنوات التي تلت سقوط النظام السابق في نيسان أبريل عام 2003، على
فرض حظر للتجوال في العاصمة بغداد وباقي المحافظات الجنوبية
والوسطى في المناسبات الدينية الخاصة بالشيعة، تحسبا لأي هجمات
تقوم بها الجماعات المسلحة ضد الزوار.
مدينة الصدر تحي
ذكرى عاشوراء
تشهد مدينة الصدر الضاحية الشيعية
الفقيرة في شرق بغداد، هدوءا لافتا هذه الايام بينما يمارس سكانها
الذين يقدر عددهم بحوالى مليوني نسمة طقوس ذكرى عاشواء.
وعلى وقع الطبول، يقوم فتية وشبان
وشيوخ يرتدون اللون الاسود وبشكل منتظم بضرب انفسهم بالزناجيل
هاتفين «يا حسين». بحسب الـ فرانس برس.
ويرفع شبان الاعلام الصفراء والخضراء
والسوداء فيما يقف مقرئ العزاء وسطهم مرددا اسم الحسين مرارا.
وخلف السرادق حيث تقام مراسم اللطم،
يعمل اصحاب الموكب الحسيني على اعداد قدور كبيرة من الطعام مخصصة
لايام عاشوراء وهي «القيمة والرز»لتوزيعها على الفقراء والحاضرين
على حد سواء. كما يطبخ اخرون «الهريسة»، وهي كناية عن لحم مسلوق مع
القمح.
وتقام المواكب وجلسات العزاء خصوصا
في وسط وجنوب العراق حيث الغالبية شيعة.
وفي مدينة الصدر التي تعتبر معقل جيش
المهدي بزعامة رجل الدين الشاب مقتدى الصدر، نصبت المواكب ومجالس
العزاء في جميع انحائها وبمشاركة الجميع حتى الاطفال.
ويكرس الجميع انفسهم لتقديم الطعام
في الشوارع وخدمة الفقراء.
وتتكون اصغر عائلة في مدينة الصدر من
اكثر من عشرة افراد يقطنون شققا صغيرة لا تتجاوز اكبرها مساحة 140
مترا مربعا.
ومن ابرز الطقوس التي تمارسها
المواكب هو التطبير، الضرب بالسيف على الراس، ويرتدي الاشخاص الذين
يمارسونه لباسا ابيض ويسيرون بشكل منتظم ضمن حلقات مكونة من عشرة
اشخاص تقريبا فيما يسير الى جانبهم اخرون يضربون الطبول لتوحيد
عملية الضرب.
وتنتشر كذلك مواكب الضرب بـ«الزنجيل»
وهؤلاء يرتدون اللباس الاسود ويسيرون بصورة منتظمة ويدورون حول
ضريح الامام الحسين على وقع الطبول.
ويقول ابو زهراء المنسق الاعلامي
لمكتب الصدر في المدينة «نتوقع ما بين 150 الى 200 موكب عزاء سوف
يقيمون مراسم عاشوراء».
وتوقع ارتفاع اعداد المشاركين قياسا
مع العام الماضي عندما ضربت بغداد موجة من العنف الطائفي ادت الى
اقتصار مراسم عاشوراء على عدد من الاماكن.
ويقول ابو زهراء وهو واقف امام مكتب
الصدر حيث رفعت صور لمقتدى ووالده الامام محمد صادق الصدر وابن عمه
محمد باقر الصدر، الاول اغتاله نظام صدام حسين عام 1999 والثاني
اعدمه العام 1980 ان «الاجواء افضل بكثير من العام الماضي، لان
الوضع الامني تطور بشكل كبير».
وعزا سبب تراجع العنف الى طرد
المتمردين خارج بغداد، كما يقول قادة امريكييون ان العنف انخفض
بنسبة 62 بالمئة منذ يونيو الماضي بسبب نجاح الاستراتيجية
الامريكية.
وتعرضت المواكب الحسينية والزوار الى
هجمات من قبل متطرفين مرتبطين بتنظيم القاعدة في مناطق متفرقة من
البلاد العام الماضي.
ويقول عبد الزهرة «الكل مرتاح هذا
العام، ويخرج الجميع الى الشوارع، للمشاركة بالمواكب والمراسيم
الحسينية».
وقال ان «سيتم توزيع الطعام على
الفقراء (...) وسيغطي الدخان السماء لان غالبية الطعام سوف يتم
طبخها على الحطب».
من جهته، يقول سيد علاء احد
المشاركين في المواكب الحسينية واضعا على كتفيه كوفية خضراء اللون
ان «الطقوس الحسينية التي تقام هذا العام تشهد افضل الظروف واكثرها
امنا منذ العام 2003».
واوضح ان «العام 2003 بعد سقوط نظام
صدام حسين، اقيمت الطقوس الحسينية وسط اوضاع امنية جيدة جدا».
وتابع ان «الوضع الان افضل بكثير من
الاعوام المنصرمة لان الدولة فرضت سيطرتها بصورة كاملة على المدينة
بحيث اننا نستطيع ممارسة طقوس عزاء الحسين دون خوف من الارهاب كما
حدث العام الماضي». |