- الوصايا
العشر –
بسم الله
الرحمن الرحيم وله الحمد والصلاة والسلام على رسول الله
الامين واله الغر الميامين واللعنة على اعدائهم اجمعين
قال الله العظيم في كتابه الكريم:
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة).
حيث أن (ادع) أمر الهي صريح.. وهو
يدل على الوجوب، ولأن موسم محرم الحرام ومجالس الإمام الحسين عليه
السلام هي أفضل منطلق للدعوة إلى سبيل الله.. لذلك كان لابد من
معرفة (الحكمة) ومصاديقها و(الموعظة الحسنة) وكيفيتها.. فإن
(المعرفة) لها الموضوعية فإنها نور وهي (الغاية من الخلقة)، قال
تعالى: (... فخلقت الخلق لكي أعرف) كما لها الطريقية أيضاً إذ هي
المصباح المنير الكاشف لـ (الأفضل) و(الأحسن) في الهداية والإرشاد،
(والحكمة) هي أعظم نعمة يعطيها الله للعبد قال تعالى: (ومن يؤت
الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا) وقال جل وعلا: (ولقد آتينا لقمان
الحكمة).
وهنا نضع بين أيديكم الكريمة جملة من
مصاديق (الحكمة) وعدداً من المقترحات لتكون (الموعظة الحسنة) في
أعلى درجات التأثير والمصداق الأجلى للآية الشريفة بإذن الله.. فإن
من الضروري:
1- أن ينصب الخطيب والكاتب لنفسه
(مقياساً) و(ميزاناً) يستحضره بعين البصيرة دائماً، والمقياس هو
(رضى الإمام الحجة المنتظر) عجل الله فرجه الشريف..
فهل كل (كلمة) يقولها الخطيب أو
يكتبها الكاتب هي مرضية لدى ولي الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه
الشريف ؟ ومـا هي درجة خلـوص النية ؟ وهل انه أعطى المجلس حقه،
واستفرغ وسعه في الإعداد والتبليغ الأفضل ؟ وهل.. وهل.. ؟
يقول الخطيب الشهير الشيخ الفلسفي ان
آية الله العظمى السيد أحمد الخونساري قال لي: عندما ترتقي المنبر
استحضر بعقلك وقلبك منظر رسول الله صلى الله عليه وآله وتخيله
واقفاً عند الباب واضعاً يده الشريفة على لحيته الكريمة وهو يقول
لك: إياك أيها الفلسفي أن تفرط بماء وجهنا...
قال تعالى: (وقفوهم إنهم مسؤولون).
2- أن يضع الكاتب والخطيب نصب عينيه
دوماً أهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام.. وهل أن المنبر يصب
في ذلك الصراط 100% أم بدرجات أقل ؟
وهل لو كان الإمام الحسين عليه
السلام بنفسه حاضراً في المجلس (وهو حاضر).. هل كان الخطيب يستشعر
الخجل من القصور والتقصير في الإعداد والاستعداد واستفراغ الوسع
لتحقيق أهداف الثورة الحسينية قدر المستطاع أم لا ؟
وهل هذا المجلس أفضل من سابقه وسابقه
أفضل من سابقه... وهكذا ؟ أم أن الناس يرون هذا المجلس بمستوى واحد
مع المجالس السابقة في السنين الماضية ؟ فيكون مصداقاً لـ (من
تساوى يوماً فهو مغبون) (ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون) ؟
أعاذنا الله جميعاً من ذلك.
3- الانتخاب الدقيق للمحاور الأساسية
للبحث على ضوء رسالة الثورة الحسينية..
قال الإمام الحسين عليه السلام
(وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وشيعة أبي علي بن أبي طالب)
وقال عليه السلام: (ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في
بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك).
فالأهداف هي:
1- (الإصلاح في أمة محمد وعلي)
صلوات الله عليهما.
2- تعريف الناس بمعالم الدين.
3- إقامة العدل وتوفير الأمن
للمظلومين.
4- العمل بفرائض الرب وأحكامه وسننه
ومستحباته.
وهذه الأهداف المباركة تتحقق بتركيز
الخطباء الكرام والمؤلفين الأفاضل على:
أ- الآيات الحيوية في القرآن
الكريم ومنها:
- آية الشورى (وأمرهم شورى
بينهم) بدءاً من العائلة ومروراً بالتجمعات ووصولا للحكومات
[1].
-
آية الحرية (لا إكراه في الدين)
[2].
- آية الأخوة (إنما المؤمنون
أخوة).
- آية الأمة الواحدة (وأن هذه
أمتكم أمة واحدة).
- آية التعددية (وفي ذلك
فليتنافس المتنافسون).
- آية العدل والإحسان (إن الله
يأمر بالعدل والإحسان) [3].
ب- التركيز على:
أ) بناء الفرد فكرياً
وعقائدياً وثقافياً.
ب) وعلى (الأسرة) وكيف نبني
الأسرة المؤمنة السعيدة.
ج) وعلى (المجتمع الصالح) في
تكافله وتعاونه وتكاتفه حقوقياً واقتصادياً وغير ذلك.
ومن السبل لذلك: المؤتمرات، الندوات،
وتأسيس مراكز دراسات متخصصة.
ج- الدفاع عن المظلوم أينما
كان... وفي طليعة المظلومين أهل بيت العصمة والطهارة عليهم
السلام ويكفيكم مثالاً على ذلك:
أ) فاجعة سامراء.
ب) جريمة هدم البقيع.
ج) والمأساة الكبرى المتمثلة
بعدم إيصال صوت ورسالة أهل البيت عليهم السلام للعالم أجمع....
د- تعريف النـاس بأصول الدين وفروع
الدين، والمنبر هو أفضل مدرسة شمولية لتعريف الناس بذلك كله، وما
أروع أن تكون هناك مجالس متخصصة للحديث عن (أصول الدين وفروعه)
و(أحكامه وسننه).
4- دراسة (نوعية) المخاطبين وشخصيتهم
وتوجهاتهم والتحديات التي تواجههم ومشاكلهم وأزماتهم... وهل هم من
الشباب ؟ ومن أي نمط ؟ أم من الشيوخ ؟ ومن أي صنف ؟ وما هي الأمواج
والتيارات و (الصرعات) التي تعصف الآن بالمجتمع ؟ ثم ما هي الطرق
الفضلى للتصدي لذلك كله ؟
5- تحديد (لغة الخطاب) وطريقة العرض،
هل هي علمية أم عاطفية ؟ هادئة أم ساخنة ؟ تستخدم طريقة التدرج أم
الصاعق ؟
6- استكشاف تطلعات وتوقعات (القراء)
من الكاتب، و (الحضور) من الخطيب.. فهل يتوقعون منه الإعداد
والتحضير الأفضل ؟ وهل يرون منه التكرار الممل أو الإطناب المخل ؟
أم يرونه القمة في العطاء والإعداد والاستعداد، وما هو تقييمهم
بالضبط (feedback) وهو المستفاد – من قبل – من طلب أبي الأنبياء
إبراهيم عليه السلام من الله تعالى (واجعل لي لسان صدق في
الآخرين).
7- تحديد الكاتب والخطيب:
أ) نقاط قوته.. فيركز عليها
أكثر ويطورها وينميها.
ب) ونقاط ضعفه.. فيجاهد نفسه
لتجنبها.
ج) الفرص التي أمامه للأداء
الأفضل والاستثمار الأمثل للمنبر والصحيفة في إيصال رسالة الإمام
الحسين عليه السلام
للحضور وللقراء بل وللعالم أجمع.
د) المخاطر التي تتهدد المنبر
الحسيني مثل ضعف إقبال الناس في بعض البلاد أو لبعض المجالس
وهذا ما يعبر عنه بـ SWOT.
وقد ورد في الحديث: (رحم الله امرءً
عمل عملاً فأتقنه).
كما ورد: (طوبى لمن شغله عيبه عن
عيوب الناس)، و (المؤمن مرآة المؤمن).
8- التحريض لبناء (المؤسسات الدينية
والإنسانية)، فإنها قوام المجتمع وهي الخيمة وهي العمود والعماد
(للمجتمع المدنـي) السليم والمتكامل. وقد بنى رسول الله صلى الله
عليه وآله في المدينة – ذات العشرة آلاف نسمة – خمسين مسجداً
[4] وأجرى الإمام أمير
المؤمنين عليه السلام الكثير من العيون وحفر الكثير من الآبار
[5] فمن الضروري
استثمار شهر محرم الحرام في توجيه الناس كافة للمزيد ثم المزيد من
بناء المؤسسات الدينية والإنسانية في شتى بقاع الأرض. مثل: المساجد
والحسينيات والمكتبات والمدارس الأهلية ومراكز الدراسات. ومثل:
المستوصفات وصناديق الأقراض الخيري ولجان تزويج العزاب والمياتم
والإذاعات والفضائيات وغير ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(من بنى مسجداً ولو كجؤجؤ قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة).
وقال: (خير الناس أنفعهم للناس).
وقد بنى أحد الخطباء – وهو المرحوم
الشيخ عباس علي الإسلامي – بمفرده حوالي ثلاثمائة وخمسين مؤسسة في
مدة خمسين سنة، أي بمعدل سبع مؤسسات في كل سنة.
قال الإمام الحسين عليه السلام:
(مالك إن لم يكن لك، كنت له... واعلم أنك لا تبقى له ولا يبقى
عليك، فكله قبل أن يأكلك).
9- الاهتمام الأكبر بكل ما يعد
(معترك صراع) و(نقطة تحدي) وبكل ما يحتاج للرعاية الأكثر والتخطيط
الأشمل.
وذلك مثل:
أ - الشباب.. قال الإمام الصادق
عليه السلام لمؤمن الطاق: (عليك بالأحداث).
ب- المرأة.. قال أمير المؤمنين
عليه السلام: (الله الله في النساء)
[6].
ج- المهاجرون والمهجرون.
د- سامراء والبقيع والقدس
وسائر العتبات المقدسة.
هـ - الشعائر الحسينية، لكونها
من أظهر مصاديق شعائر الله، قال تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها
من تقوى القلوب)، وهي التجلي
الكبير لمودة أهل البيت عليهم السلام..كما قال تعالى: (قل لا
أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى).
وقال الإمام الحسين عليه السلام:
(الزموا مودتنا أهل البيت...).
و) حقوق أتباع أهل البيت الأطهار
عليهم السلام: سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، خاصة في بلاد
العتبات المقدسة.
10- وختاماً فإن الناس ينظرون
للخطباء الكرام باعتبارهم (الرابط) و (حلقة الوصل) بينهم وبين أهل
البيت الأطهار عليهم السلام، وهم لذلك يأملون ويطمحون أن يجدوا
فيهم جميعاً التجسيد والأنموذج (المصغر) لأهل البيت عليهم السلام
في تواضعهم وصبرهم وحلمهم وسعة صدرهم وورعهم وتقواهم وفي سائر
مكارم الأخلاق.
وذلك مما يضع على عاتق (الخطباء
الكرام) مسؤولية إضافية كبرى، فهم كما قال الإمام الصادق عليه
السلام: (الحسن من كل أحد حسن لمكانك منا، والقبيح من كل أحد قبيح
لمكانك منا).
وإن مما يعين على ذلك كله: الالتزام
بقراءة دعاء (مكارم الأخلاق)[7]
يومياً وسورة ألم نشرح وقراءة آية الكرسي وتسبيحة السيدة الزهراء
عليها السلام بعد الصلاة وقبل المنام. قال الله تعالى: (قل ما يعبؤ
بكم ربي لولا دعاؤكم).
واخر دعوانا ان الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
مركز الهدى للثقافة
والاعلام
www.siironline.org
محرم الحرام
1429 هـ ـ
[1] راجع كتاب
(الشورى في الاسلام) و(شورى الفقهاء) و(شورى الفقهاء
المراجع) .
[2] راجع كتاب
(الفقه : الحريات) .
[3] يراجع حول
ذلك كله كتاب : (الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية
والرفاه والسلام) وكتاب (ممارسة التغيير) وكتاب (السبيل
إلى إنهاض المسلمين) للإمام الشيرازي قدس سره .
[4] الاستفادة
من عاشوراء للإمام الشيرازي قدس سره .
[5] راجع بحار
الأنوار وغيره .
[6] و7 يراجع
(من الأربعين نبدأ) و (قضية الإمام الحسين عليه السلام
قضية الأرض كلها) و(شرح دعاء مكارم الأخلاق) لآية الله
العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله .
|