الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

كربلاء عنوان مشترك في سير الأنبياء

في رحاب متحف الإسلام التاريخي

بقلم: المهندس غريبي مراد عبد الملك(*)

مدخل منهجي: أحاديث الناس وأحاديث المسلمين بالأخص، أحاديث ذات صبغة خاصة فيها الغث فيها السمين فيها  الجامع فيها المشتت، كل من أهل الغرف الإسلامية ألفوا أحاديثهم الضيقة وقلما حاولوا القرب من أحاديث الإسلام الأصيلة التي تغني العقل والقلب وتحي الروح والإرادة الصانعة للعزة والعدل والكرامة والحرية والشهادة، هذه هي الحقيقة المرة التي نعيشها في كل تفاصيل أحاديثنا سواء في مجتمعاتنا المتناثرة أوفي فضائياتنا الموجهة ونقرؤها في أوراق الطائفيين الحاقدين على الإسلام الأصيل...

أغلبها اقتصرت على أحاديث المصلحة والأنا والنحن وتناست وأغفلت كل الأحاديث والروايات الكثيرة الكثيرة جدا التي صورت مشاهد الإباء والشهادة والحق والوحدة والحرية والإصلاح والتغيير وفق ثقافة الإسلام الأصيل.

 تلك الأحاديث التي لا تقدر بثمن ولا تجمعها حتى المجلدات الضخام، تلك الأحاديث التي تغني الحقيقة الإسلامية والمعادلة الإصلاحية في النظرية الإسلامية، تلك الأحاديث التي أسقطت الخدعة الرهيبة التي أرسى ركائزها صناديد بني أمية وحاولوا تمديدها للأجيال، إنها أحاديث كربلاء الحسين عليه السلام، أحاديث ليست كأحاديث المقهورين الخانعين إنها أحاديث الجهاد والتغيير والإصلاح والحق والرشد الإسلامي.

  هذه العناوين التي لا تتحملها إلا المنظومة الإسلامية الحقة والسمحة، في أحاديث كربلاء ليس هناك أسلوب مراوغة أومنهج تحوير، فيها كل الرحابة الإسلامية والعقيدة الإسلامية، فيها الشاهد والمشهود والشهيد والشهادة فيها الإمام والحجة والنبي والرسالة فيها الحق فيها التاريخ الرسالي، الذي يختصر ثقافة النبوات ويشكل هندسة من التواصل الرسالي والنبوي المسؤول  الذي يستوضح عنوان الإمامة والشهادة  في الطيف الرسالي عبر التاريخ...هذه كربلاء الرمز والتاريخ والرسالة والعبرة والدرس والجامعة...

ورد في الحديث :" ما من نبي إلا وزار كربلاء ووقف عليها وقال: انك لبقعة كثيرة  الخير، فيك يدفن القمر الأزهر "(1)

عندما نريد أن نتحدّث عن كربلاء، فإننا لا نتحدث حديث  الترويح والتباهي ولكن نتحدث حديث الحق عن أرض قال عنها الإمام الباقر عليه السلام : "خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام. وقدسها وبارك عليها فمازالت قبل أن يخلق  الله الخلق مقدسة مباركة ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أولياؤه في الجنة"(2) وفيها حديث أولياء  الله من الأنبياء والأوصياء، إنها عنوان  قمم الروح والفكر والجهاد والانفتاح على الإسلام دين الله الذي يرضاه، وحديث عن قيمة القيادة والرياسة والمسؤولية المستحقة للأطهار منذ  خلق الخلق إلى يوم الدين..

 لكربلاء الأرض وكربلاء الرسالة صيت يدوي في عمق التاريخ الرسالي، عند ولوج مبحث كربلاء التاريخ تصادفك نسمات اللطف الإلهي وعبقات الرسالات السماوية الفواحة بعبق الجنة والرضوان والمرشدة لسبيل الرشاد والإيمان، لأن سيرة كربلاء تختزن في أشواطها التاريخية ملحقات البعثات الرسالية الممهدة للرسالة الإسلامية، فلا يمكنك أن تحكي قصة كربلاء من دون ذكر سير الأنبياء عليهم السلام...

كربلاء جامعة امتلأت بحركة العلم  والإيمان والجهاد والإباء من زمن سيدنا آدم عليه السلام حتى زمن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم  وصولا لليوم الموعود الذي كانت تنتظره من أمد بعيد يوم الحياة لكربلاء  العزة والكرامة ويوم ينتصر الدم فيه على السيف  ويوم الحزن الكبير  والظلم العظيم في جميع الحياة كلها، وعندما ندرس علاقة الأنبياء بكربلاء من خلال الأحاديث الشريفة الصحيحة  التي رويت عن الأطهار عليهم السلام، فإنَّنا نجد مدرسة ربانية بأتم معنى الكلمة ونستلهم قيمة التربة الحسينية وما تتميّز به، هذه الحقيقة وغيرها لا تستوعب بسهولة للتنوّع الحاصل  في مداخل الأخذ من علوم أهل البيت عليهم السلام العرفانية التي قلة من يستنشق نسماتها الطيبة، حيث نجد كربلاء  أرضا استقبلت أهل العزم والرسل فكانت أرضا إنسانية إسلامية(الإسلام التاريخي) ولم تكن أرضا قومية تقتصر على الذين سكنوها وحسب، بل كانت قبلة لكلِّ الأنبياء والمرسلين والأوصياء والعارفين وكل الأولياء الذين يتنوّعون في الأدوار ويلتقون في الرسالية الإسلامية.

روي مرسلا أن آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض لم ير حواء فأصبح يطوف في الأرض في طلبها  فمر بكربلاء فاغتم  وضاق صدره  من غير سبب وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين عليه السلام حتى سال الدم من رجله فرفع رأسه إلى السماء وقال إلهي هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به فإني طفت  جميع الأرض  وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض فأوحى الله إليه، يا آدم ما حدث منك ذنب ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما فسال دمك موافقة لدمه  فقال آدم  يا رب آيكون الحسين نبيا، قال لا ولكنه سبط النبي  محمد (ص) ومن القاتل له ؟قال قاتله يزيد لعين السموات والأرض...

لقد ورد في بحار الأنوار ج44 ص243 أنه لما وصلت سفينة سيدنا نوح عليه السلام فوق أرض قتل الحسين عليه السلام ومحل طوفان سفينة أهل البيت عليهم السلام أخذتها الأرض فخاف نوح الغرق فقال: الهي طفت الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض فنزل جبرائيل عليه السلام بقضية الحسين عليه السلام وقال يقتل في هذا الموضع فبكى نوح على نبينا وآله وعليه السلام وأصحاب السفينة ولعنوا قاتله ومضوا...

لقد ورد في البحار ج44 ص244 أنه لما كان سيدنا نبي الله سليمان عليه السلام على البساط في الهواء صار محاذيا للمقتل أدارت الريح البساط ثلاث مرات وانحطت على الأرض فعاتب الريح فأخذت الريح ترثي وتقول: يا نبي الله أن في هذا المكان مقتل الحسين (ع)...

وورد أيضا عن نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا وأهل بيته الصلاة والسلام وعن النبي إسماعيل والنبي موسى والنبي عيسى عليهم السلام، أحاديث زيارتهم لأرض كربلاء، ولمن أراد المراجعة يمكنه الإعتماد على بحار الأنوار الجزء 44 من الحديث 37 إلى43...    

وهكذا ما يجب أن نستوحيه كمسلمين من قصة رسالة كربلاء في سير الأنبياء، روحانية الإيمان بالله في الانفتاح على التاريخ الرسالي والتفكير بكربلاء الرسالة لا الجغرافية فقط مع ما للتربة من لطف رباني وشفاء للناس  منه سبحانه ونتعلم الخشوع له تعالى والدعاء في كلِّ مهماتنا وخاصة في أيام عاشوراء، لترتفع معنوياتنا الرسالية  من خلال استحضار كربلاء الجامعة لعنواني النبوة والإمامة،  حتى نتعلم التخلص من  الجو الإستكباري الخانق إلى الجوالرحب الواسع في آفاق الله، في رحمته ولطفه ورضوانه..وكربلاء هي أرض الله التي زارها كل الأحبة المسلمين الأطهار عليهم السلام وهي الأرض التي قربت المدينة ومكة والقدس من خلال روحانيتها الرسالية وثورتها وملحمتها الخالدة...

إننا نحتاج إلى استلهام هذا الوعي الإسلامي التاريخي الذي عاشه لأنبياء والأوصياء والأئمة الهداة من أهل البيت(ع)، ولا سيما في ما نقرأه من أحاديث عاشورائية، وهذا يندرج ضمن ما يجب أن نترجمه في  التربية الإسلاميّة في إعداد الأجيال الرسالية وفي الحركة الإسلامية فيما نعده من  العلماء والدعاة إلى الله، بالتأكيد على الجانب الروحيّ في حركة الإحياء الرشيد (لا الإنتحابي)  الذي يرتفع بالإنسان المؤمن إلى آفاق الروحانية العليا التي تجعل العلاقة بالله هي الغاية العظيمة التي نتحرّك نحوها، في ما نريده من عزة وكرامة وحرية وعدل وإصلاح وتغيير ووحدة إسلامية كريمة، وفي الاتجاه العمليّ خاصة  بخدمة الإسلام والدعوة إليه، والجهاد في سبيله، والعمل الدائب من أجل إعادة الإسلام الأصيل  إلى الحياة على مستوى الحكم والشريعة والمنهج والحركة لشاملة..

لاشك بان ذلك يحتاج إلى طاقةٍ روحية كبيرة، فيما هي روحانية الصدق والجد والإنصاف والعدل كعنوان أصولي كبير، انطلاقاً من التحديات الكثيرة التي تواجه واقعنا الإسلامي وتدور في آفاقه، من أجل إسقاط موقفنا الإسلامي وللانحراف به عن الخطّ الرسالي..

 وهنا في سياق هذا الحديث الكربلائي نقول لكل المتحدثين في منابر المسلمين، العلم لا يكفي في صيانة صاحبه إذا لم يرافقه إيمانٌ يتعمّق في مواقع الروح العميقة في وعي الإنسان، كما أنَّ طبيعة الانتماء الإسلام لا تكفي في زخرفة الخطاب بالسجع المنمق  بدون تقوى ترتكز على الفكر والعمل، لأنَّ البكاء والخطابة والكتابة قد تتحوّل إلى نوع من المهنة والعادة..

إنَّ الطاقة الروحية المستمدة بالتفكر الرحيب والصادق في تفاصيل المشهد الكربلائي عبر التاريخ وعبر كل أشواط الرسالات وكل الشخصيات النبوية والرسولية هي روح حركة الوحدة  الإسلامية، وسرّ الشخصيّة الإسلامية، وشرط ثبات اليقين الولائي، لا بدَّ أن نتحرّك في أيام عاشوراء فيزيائيا من موقع الفكرة الرسالية  في فضاء التاريخ الإسلامي...

 ومن خلال  آيات الله وكلمات رسوله..

 ومن موقع القدوة في سيرة النبيِّ(ص) وأهل بيته(ع) والصالحين من عباده أنبياءا ومرسلين وعارفين بحق الحسين عليه السلام على المسلمين جميعا عبر زمن الإسلام التاريخي..

ونحن إذ نبكي الإمام الحسين (ع)، فإننا نرى هذا المنهج في سيرته، وقد روى أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة الزهراء عليها السلام لما سألته عمن يبكي على ولدها الحسين عليه السلام ومن يقيم عزاء له فاخبرها فقال لها:"إنه إذا كان يوم القيامة فكل من بكى على مصائب الحسين أخذناه إلى الجنة"

ومصداق البكاء في الإسلام هوالبكاء الواعي الذي يصنع الوعي بالمسؤولية الإسلامية التي جسدها الإمام الحسين عليه السلام والبكاء الذي يخطط لإصلاح حال المسلمين ويعمل لكشف مآرب الحاقدين والجهاد لبعث النور الرسالي في ربوع الأمة الإسلامية من خلال النباهة الكربلائية التي تصقل العقول المفكرة والقلوب العاشقة بأدب الشهادة وثقافة الإباء ويقين الولاية...

هناك في ظل العرش، مشغولين بحديث الحسين(ع) والناس في الحساب سيكون البكائين على الحسين عليه السلام، البكائين الشهداء في الثغور البكائين الراصين صفوف الأمة الإسلامية الرحماء بإخوانهم، الناصرين للمستضعفين، الساعين في حاجات المضطرين...

وصدق الصادق عليه السلام حين قال: "من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولومثل جناح الذباب غفر الله ذنوبه ولوكانت مثل زبد البحر"   ونافلة القول : "اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفوعند الحساب،عظم الذنوب منا فليحسن العفومن عندك" والصلاة  السلام على سيدنا وحبيبنا ونور دربنا وإمامنا أبي عبد الله الحسين وعلى آبائه وأولاده وأصحابه ولا جعله الله آخر العهد منا إليكم ساداتنا وعجل الله فرجكم أحبتي وعظم الله أجركم مولانا صاحب العصر والزمان (عج)...

وستبقى كربلاء جسر الرسالات ورسالة الحياة الزكية الكريمة الفاخرة بالدم الزكي الطاهر الأزهر...

الهوامش :

(1)بحار الأنوار ج44 ص243

(2) البحار ج98 ص 107

(*) كاتب وباحث إسلامي جزائري

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1428هـ