بينما ينظر العالم الى الاسلام من
خلال الصورة السلبية التي رسمتها جماعة لاتربطها بالاسلام صلة
وتبنت الترويج لعناصر الطرد المصطنعة من التطرف والارهاب
والاصولية، بات من الواجب التركيز على عناصر الجذب التي يمتلكها
الاسلام وبموجبها يمكننا ان نفتح الحوار مع ثقافات العالم
ومفكريها، واكثر من ذلك ناخذ زمام الحضارة بايدينا مرة اخرى... كل
ذلك فيما اذا تم تفعيل تلك العناصر في الميدان الخارجي.
وهنالك عنصران أساسيان للجذب في
الاسلام هما داخلي وخارجي، وقد انصب التركيز اكثر على المحور
الخارجي متناولين البحث فيه اعمق واوسع.
أ- العنصر الداخلي: وهي الفطرة
التي تسير بالانسان نحو الاخذ بالاسلام وقد ورد في الحديث الشريف
(ان كل مولود يولد على الاسلام الا ان ابويه يهودانه او ينصرانه)،
وفي تفسير قوله تعالى " فطرة الله التي فطر الناس عليها" فطرهم على
الاسلام.
ب- العنصر الخارجي: وهو المرتبط
بالإمام الحسين(ع)، الذي يشكل مفردة مهمة وعنصرا اساسيا لجذب
الجمهور والنخب والقادة الى شخصه الكريم ومن ثم الى الاسلام ....
من هنا تأثر غاندي الزعيم الروحي الكبير للهند وقد بنى حركته
الاصلاحية على مبدأ " اللاعنف " الذي استلهمه من الحسين(ع) وثورته،
ومن هنا ايضا صدرت كلمات من كبار الفلاسفة والمفكرين العالميين في
حق الحسين(ع) وثورته الشريفة مما تكشف عن مدى تأثرهم به بحيث
يمكننا ان ناخذ ذلك منفذا للتاثير عليهم ودعوتهم الى الاسلام..
وهذه الخصوصية المتأصلة في الحسين(ع)
ولدت من عوامل عديدة:
(1) عامل راجع الى الغيب أي الى الله
عزَّ وجلَّ حيث جعل الله للحسين(ع) خاصية الجذب الفعال، وقد ورد في
الحديث الشريف "ان للحسين(ع) حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد
ابدا"، وفي زيارة الحسين(ع) الواردة في حرم الامام علي(ع)،"وجعل
افئدة من الناس تهوي اليك.." مع ملاحظة التعبير عن الناس بدلا عن
المؤمنين ما يؤكد ان جاذبية الحسين عليه السلام غير مقتصرة على
المؤمنين فحسب.
وهذه الحرارة هي مصدر لالتفات الناس
على مر الزمان – رغم كل التحديات وكل الصعوبات- نحو الإمام
الحسين(ع)... وهي التفسير الواقعي لاصابة محاولات التعويق التي
مارستها ولازالت تمارسها السلطات الطاغية ضد الشعائر الحسينية
بالفشل والعقم.
(2) عامل راجع الى شخصيات وقيادات
الثورة بدءا من الإمام الحسين(ع) ومرورا بابي الفضل العباس وعلي
الاكبر والقاسم عليهم السلام وختاما باصحاب الحسين كالحبيب ومسلم
وعابس وحر وزهير وغيرهم، من جهة تحليها بالصفات الانسانية المحببة
لدى الانسان المفطور.
وكان من ابرز الصفات المتجلية لدى
هذه النخبة الخيرة، الصدق في الحركة الاصلاحية، يقول الامام الحسين
عليه السلام"اني ما خرجت اشرا ولا بطرا ولا مفسدا وانما خرجت لطلب
الاصلاح في امة جدي.."
والاخلاص في الثورة بتوظيفها لله
عزَّ وجلَّ ولخدمة الدين فحسب من دون ان تشوبها اغراض ومطامع
دنيوية اخرى، ويقول الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف في
زيارة الناحية المقدسة " فسرتَ في أولادك واهاليك وشيعتك ومواليك
وصدعت بالحق والبينة ودعوت الى الله بالحكمة والموعظة" وفي زيارة
الاربعين للامام عليه السلام "وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من
الجهالة وحيرة الضلالة" وفي زيارة يوم الاثنين للامام عليه
السلام"وجاهد في الله حق جهاده".
من هنا قال احد المفكريين
الغربيين"ان الحسين(ع) اراد بثورته فقط وجه الله والا فما معنى
اصطحابه اهله وبناته فيما اذا كانت ثورته لنيل المناصب الدنيوية".
والزهد في المناصب السياسية والدنيا،
يقول الإمام الحجة(ع) واصفا جده الكريم في زيارة الناحية
المقدسة"زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ناظرا اليها بعين
المستوحشين منها، آمالك عنها مكفوفة وهمك من زينتها معروفة.."
والتفاني في سبيل القائد، متجليا في
ما فعله الامام العباس والحبيب والتصريحات التي انطلقت من افواه
الرجال الذين كانوا بركب الحسين(ع) كمسلم وزهيروغيرهم من الاصحاب
البررة.
وهذه المكرمات والصفات التي لازمت
الحسين(ع) و اهله واصحابه، هي من العوامل المهمة في اضفاء صفة
الجذابية على الإمام واولاده واصحابه.
3- وعامل راجع الى"المظلومية
التي اولدتها للحسين هذه الثورة والنهضة"، وما اكتنفها من احداث
دامية ووقائع على اولاد الحسين(ع) مما لم يكن وجه التاريخ قد
شاهدها ولم يكن قد تعرف الى امثالها، لانها فاقت كل الظلامات
الواقعة على أنصار الحق من الأنبياء والأولياء والشهداء
والصديقين..
ومن الواضح ان المظلومية هي من اهم
محاور الجذب، وبخاصة اذا بلغت ذروتها في حق شخصية غير عادية مثل
الحسين(ع) والذي يعتبر إماما على الخلق وخليفة الله على الأرض، من
هنا نقرأ في زيارته
عليه السلام" اشهد ان دمك سكن في
الخلد واقشعرت له اظلة العرش".
ولهذا العامل – فيما اذا تم نشره
بشكل كامل ومناسب- فاعلية خاصة في نفوس البشر عامة من دون
استثناء.. من هنا يقول المفكر المسيحي انطون بارا "انه لو كان
الحسين منتميا الى المسيحية لكنا نقيم على كل شبر من الارض علما
وعزاءا له".
(4) وعامل راجع الى تلبية
الحسين(ع) للحاجات الانسانية المودعة في البشر بما تحتويه الثورة
الحسينية من الغنى العاطفي والثروة الفكرية وهما من اهم ميزات
الثورة الحسينية حيث قال عليه السلام(انا قتيل العبرة والعبرة).
ويمكننا ان نتعرف على اهم المنجزات
الفكرية التي انطبعت بها الثورة الحسينية من خلال:
الإصلاح الاجتماعي/ مثال قوله عليه
السلام "وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي.."، وقد تركت الثورة
الالهية هزة اجتماعية عنيفة ايقظت النفوس الراقدة وذكرتها بمبادى
الاسلام و احكام الاسلام.
الاصلاح السياسي/ كما صرح عليه
السلام: ان مثله لا يبايع مثل يزيد اللعين شارب الخمور وراكب
الفجور.. وقوله "اذا ابتليت الامة براع مثل يزيد فعلى الاسلام
السلام".
الأخلاق العسكرية/ متجلية في تبديل
دور ابي الفضل العباس من دور قتالي الى دور انساني حيث كلفه عليه
السلام بمهمة احضار الماء بدلا من القتال في ذلك الجزء من المواجهة
مع جيش يزيد.
ومن ايواء الاعداء "كتيبة الحرعندما
كان في صف اعداء الامام قبل الحرب" و اعطائهم وفرسانهم الماء.
الاهتمام بالانسان او مراعاة حقوق
الانسان/ من دون النظر الى معتقداته ونزعاته، حيث كانت للحسين عليه
السلام محاولات لصد الاعداء عن اقتتاله تفاديا من دخولهم في غضب
الله عزَّ وجلَّ ومن الدخول في النار، وكان الامام عليه السلام في
يوم عاشوراء وما قبله يلقي خطب وبيانات توجيهية تحذر جيش الاعداء
من مقاتلته،لا لامر سوى الحرص على ابعادهم من لعنة الله وغضبه عزَّ
وجلَّ.
من هذا وغيره يتضح ان الامام
الحسين(ع) وثورته المباركة الشريفة هي من اهم – ان لم تكن الاهم-
في عناصر الجذب والاستقطاب والاحتواء في الاسلام، خاصة اذا ما
علمنا قول الرسول الكريم صلى الله عليه واله "حسين مني وانا من
حسين". |