الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

على هدى كربلاء: نحو تثاقف أفضل مع الثورة الحسينية

بقلم: المهندس غريبي مراد عبد الملك(*)

 مدخل منهجي:

ورد عن النبي الأكرم (ص):"لازال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا نزعت عنهم البركات،وسلط بعضهم على بعض،وليس لهم ناصر في الأرض ولامعين"(البحار،ج100).

وعن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام:"من أمر بالمعروف شد ظهر المؤمنين"(نهج البلاغة)

وهذا صريح القرآن الكريم إذ يقول تعالى:"كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"(آل عمران).

في هذه الآية وأخواتها في القرآن العظيم يريد الله سبحانه وتعالى أن يقدم الفكرة، فيما يجب أن تعيشه أمة الإسلام في الحياة كنظام للسلوك وللتفاصيل الاجتماعية والمناهج والعلاقات الخاصة والعامة حتى تبلغ مستوى ومرتبة الخيرية الأممية الحقة والسمحة...

والله تبارك وتعالى يريدنا أن نتمثل هذا النهج من خلال إستحضار التاريخ الإسلامي الطاهر والصافي والرسالي، حيث جاءت الآية بأسلوب وعظي استذكاري تربوي رائع يمزج بين القيمة والنظرية والتاريخ ، ولعل السمة الغالبة على هذا النهج هي الحركية الرسالية كعنوان حضاري يضفى ويفيض موضوع الخير على الأمة المرتبطة بالإسلام الأصيل حقا وعدلا ...

فعليه يتوجب أساسا التعريف بالإسلام المنهج والذي يتجه بنا تفصيلا إلى الحقائق الذاتية للإسلام والخطوط الرئيسية فيه، فالإنتماء للإسلام الأصيل يستدعي الوقوف عند العديد من المرتكزات المفاهيمية التي تصون إسلام الإنسان-المسلم-في حياته كلها (العقل الإسلامي، الضمير الإسلامي ، الخلق الإسلامي ، الفكر الإسلامي، العمل الإسلامي، التطلع الإسلامي...)فالمرتكزات المفاهيمية هذه كلها تعتبر الدعائم الأساسية للنهج الإسلامي، لأنها تغني المعنى الحركي وتركزه ولا تفقده المرونة الموضوعية في التوجه نحوقمة الهرم الخيري دون التفاجئ بالنكسات أوالشعور بالخيبة أوما هنالك من النواقص التي نكتشفها في مناهج وأسس وأصول الثورات الإنسانية العديدة التي تميزت بالتعصب أوالمادية البحتة(1) والتحجر الفكري أوالميوعة الشعورية والضمور الروحي ... 

وجل هذه الإختلالات الإنسانية مردها لإنعتاق الروحية الثورية في شخصيات هذا النهج، وأفضل ملحمة تاريخية يمكننا أن نستوعب منها حقيقة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كمبدأ إسلامي يضفي قيمة الخيرية على الأمة التي تحركه في حياتها (الأمة في ثقافة القرآن العظيم قد تكون شخصا أوثلة من الناس أوجماعة أوشعبا أوقبيلة) هي الثورة الحسينية التي تصدت لأناس أغلقت الأموال عقولهم وقلوبهم ومواقفهم حيث :" الإمام الحسين عليه السلام هوالذي شرف المبدأ بدمه الزكي الطاهر ودماء أهل بيته وأصحابه الميامين"(2).

والفكرة الأساسية في هذا السياق والواجب الإلتفات لها والتركيز على مناقشتها كحقيقة تاريخية إسلامية إهتم بها الرسول القائد (ص) من قبل أن تنزل للوجود ووردت حولها عدة أحاديث نبوية صحيحة السند والمتن عند الفريقين ، ألا وهي "موضوعات الثورة الحسينية التي تعددت وتعلقت عمقا بعلاقات المسلم العامة والخاصة ، من علاقته بنفسه إلى علاقته بأهله وعلاقته بأهل دينه وعلاقته بالآخر الخارج عن الإسلام الأصيل، فالمكاشفة العلمية والأخلاقية والمستقلة لتفاصيل الثورة الحسينية تحدد للواحد منا أن دائرتها المنهجية هي الإسلام الصافي النقي الطاهر الأصيل في مساحاته الواسعة" لذلك أرى –كموالي بسيط-أن نستفيد الإستفادة المعرفية الثقافية الدقيقة أولا بما اشتملت عليه الثورة الحسينية في قضاياها الإستراتيجية الممتدة عبر الزمن الإسلامي كله، من حديث جبرائيل عليه السلام للنبي الأكرم (ص) مرورا بواقعة الطف وما تابعها من اجرام بحق أهل بيت النبي الاكرم (ص) وشيعته الصادقين العارفين بالنهج الإسلامي ورساليته الرحيبة، وإلى غاية واقعنا الإسلامي المريض مرض الخراب النفسي والعقم الفكري والوسواس الطائفي الذي لا يخدم إلا أعداء الإسلام من منافقين ومشركين وكفار ومسلمين مستحمرين ثقافيا وإعلاميا...وهنا أيضا نبجل العلامة آية الله الشيخ صادق الكرباسي على العمل الرسالي الموسوعي الذي قام به على المستويين الإسلامي والعالمي، لإبراز حقيقة الملحمة الحسينية المباركة .

كما أشير كذلك في هذا الصدد إلى إمكانية التوسل بالعلوم الإنسانية والاجتماعية التي تكون في الغالب الأعم دقيقة في توصيف الوقائع والأحداث والآثار والمخطوطات التاريخية، من تشخيص  الرموز والنفسيات وشبكة العلاقات لدى المجتمعات المعنية بتلك الوقائع، كما انها تتسم بالصدق والحياد غالبا.

وهذا الطرح استخدمه جيدا الأخ الدكتور صائب عبد الحميد في كتابه" منهج في الإنتماء المذهبي" وكانت نتائجه باهرة في تقريب حقيقة ثنائية" التشيع والتدين الإسلامي"  عموما ومنهج التمذهب تفصيلا، لدى العديد من المسلمين سنة وشيعة.

علما أن هذا المأخذ الثقافي والخيار العقلائي في التعاطي مع الثورة الحسينية أساسا وإعادة كتابة التاريخ الإسلامي عموما، يمكن أن يقوم بتفعيله ومأسسته من لدن (الفقيه المثقف والمثقف الفقيه) لدى المدارس الإسلامية كلها وبروح حوارية إسلامية عادلة عارفة بقدر الحسين عليه السلام وتضحياته وتواقة للنهل من بحره الثوري الإسلامي الخالد.

وحتى لا أنزع للطوباوية الحداثية ، أرى أن الخلل في قراءة الثورة الحسينية القراءة الصحيحة والعادلة والإستراتيجية بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى حضاري وإنساني وإسلامي رحيب، الذي نلاحظه على العديد من الخطباء والمفكرين والباحثين والعلماء المعاصرين  الإسلاميين، يعود  كفل ضخم منه إلى صراع الإرادات السياسية الثقافية في الفكر الإسلامي والخراب العلمي التربوي في الخطاب التحليلي  والتضاد الحركي للمرجعيات الدينية الإسلامية في التخطيط والتوجيه السليم والرصين للجماهير الإسلامية نحوالإتحاد والوحدة والتكافل والتراص بخطاب ونشاط إصلاحي إسلامي شامل.

وبشيء من المباحثة الحصيفة والدقيقة المعمقة عن السبب ننتهي إلى خراب معنوي شامل للأطياف الإسلامية، أدى إلى إهمال الإسقاطات العملية والواقعية لحقائق ومبادئ وأسس الثورة الحسينية، ومغالاة  هذه الأطياف في تقديراتها المذهبية للثورة الحسينية من جهة ومن جهة أخرى فرض  الصبغة المذهبية عليها من الآخر الجاهل تماما لتفاصيل هذه الثورة وحيثياتها التاريخية.

كل هذا الإنشطار المعنوي حول الثورة الحسينية الإسلامية هوعلى حساب التقدير الإسلامي الذي يركز الإيمان والتقوى والإخلاص والتضحية في سبيل الله لدى الأمة الإسلامية ككل، من خلال تعريف الإمامة الحسينية بالتي هي أحسن دون السماح للعجب المذهبي أوالخبث الإستكباري أن يستغل التقلبات النفسية في مخططاته الفتنوية...

وحتى لا يكون استقصاؤنا هذا دعوى مجردة قابعة في اللهوالفكري والثقافي، أود أن أورد هنا جملة من الخطوط الرئيسية  العريضة في  التثاقف مع الثورة الحسينية بروح إسلامية رشيدة ، والتي يجب تحريكها وإثارتها بخطاب ثقافي إسلامي وحدوي حتى  لا تستشكل في أذهان الجماهير الإسلامية...

1- تحديد معالم العقل الإسلامي وحقائقه والتي من شأنها نفي الأوهام والظنون في المراجعة التاريخية وإعادة الكتابة التاريخية المنصفة للثورة الحسينية.

"وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ"(الأعراف/179)

2- وعي علم الأخلاق في الإسلام واستخلاص تجلياتها في الثورة الحسينية.

3-الحوار في الإسلام وآدابه وروحانيته في الثورة الحسينية.

4- الضمير الإسلامي ووعي قيمة التقوى في مراحل الثورة الحسينية.

"يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ* إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ* وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ"(الشعراء/88-89)

5- المرأة في الإسلام ونموذجيتها في الثورة الحسينية.

6- الأسرة في الإسلام ونظامها وتجلياتها في الثورة الحسينية.

7-المجتمع في الإسلام وحقيقته في الثورة الحسينية.

8- المال في الإسلام وواقعه في الثورة الحسينية.

9-الحكم في الإسلام وثقافته في الثورة الحسينية.

"إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه" (أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام)

10-الإصلاح في الإسلام وسياسته في الثورة الحسينية.

هذه بعض الخطوط الملحة والإستراتيجية في الثورة الحسينية، والتي يجب أن ترقى لمستوى البحث العلمي الرصين والاستثمار الثقافي العام، وتدعم من قبل فروع العلوم الإسلامية المعروفة في المعاهد الإسلامية، حتى نبلغ مرتبة الحسينيين الذين يفكرون أن يعطوا من جهدهم وجهادهم في الحاضر من اجل أن يرسموا للأجيال الناشئة والقادمة مستقبلا لا يضطرون فيه لان يتجهوا نحوباريس 3 أوالإتحاد الأوروبي أوالحلف الأطلسي ومجموعة الثمانية(G8)...؟!

وعليه يبقى واجبنا تجاه الثورة الحسينية أن نعرف الناس بحقائقها وإنجازاتها العظيمة، على انها الصورة التاريخية الإسلامية الحية والخالدة لمنطق الشهادة في المنطق الإسلامي ، فعندما نتفكر في فصول الثورة الحسينية نستفيد فلسفة الثورة ومنهج الإصلاح ومنطق الشهادة كأحجار لهرم الخير المشعة بنور مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وصدق الشهيد الحي الأستاذ العلامة مرتضى المطهري (قدس الله سره) حين شهد بقوله: إن منطق الشهيد يحمله من يريد إيصال ندائه إلى مجتمعه، هذا النداء الذي لا يريد أن يسطره إلا بدمائه، فكثير من الناس ممن كانوا يريدون أن يوصلوا نداءهم للآخرين ...أما الحسين عليه السلام فقد سجل نداءه المسطر بدمائه الزكية على صفحة الهواء الأبدية الإهتزاز، وقد نقش هذا النداء في قلوب الناس لأنه كان مقرونا بالدم فثبت في القلوب بلونه الأحمر القاني..."(3)

وسنكون حسينيين حقا كلما وعينا وملأنا قلوبنا وعقولنا وأجواءنا وربينا ناشئتنا  بأن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة أكثر...

 وكما نقل" عن الشيخ محمد شريعت رحمه الله-احد علماء الشيعة الذين عاصرهم المرجع الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الوراف،أصله من كراجي، وكان يسكن في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة-أنه كانت تربطه صداقة بقس مسيحي فقال له يوما: أنتم الشيعة عندكم الحسين سلام الله عليه ولكنكم لا تستفيدون منه كما ينبغي. ولوكان الحسين لنا لركزنا له في كل شبر من الأرض منبرا نجمع الناس حوله ونبلغهم ديننا ولما تركنا إنسانا على وجه الأرض إلا دعوناه إليه"(4).

نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لبعث الثقافة الحسينية في المعمورة كلها والسعي لتطبيق مبادئها في حياتنا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين.

الهوامش:

(1)حقيقة النهضة الحسينية، الشهيد مرتضى المطهري ص14

(2) حقيقة النهضة الحسينية، الشهيد مرتضى المطهري ص17

(3) حقيقة النهضة الحسينية، الشهيد مرتضى المطهري ص27-28

(4)الإمام الحسين عليه السلام  أقام الدين، محاضرة المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله)،ص20

                                    (*) كاتب وباحث إسلامي جزائري

[email protected]             

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1428هـ