المواكب الحسينية باتت تقليدا ثابتا
وثقافة معينة أقتبست من وهج واقعة الطف جذوة التحدي وصيرورة الصمود
منذ زمن ليس بالقريب، حتى أضحت سمة من سمات العزاء الحسيني.
هذه المواكب هي أقرب ما تكون الى
حالة المسيرات الحاشدة التي نلحظها هذه الايام، الا انها تمتلك
خصوصية معينة تبعا للثقافة العربية والاسلامية، والتي هي ربما
تتباين هي الاخرى من شعب الى أخر حسب الانماط والسلوكيات المتبعة.
لذا أمسى الموكب الحسيني تقليد مهم
لا يمكن تجاوزة في مراسم عزاء عاشوراء، حيث تتقاطر المواكب في
الايام العشر الاول من داخل وخارج المحافظة الى المرقد الحسيني
الشريف للتعبير عن حالة التضامن مع الثورة الحسينية.
والموكب عبارة عن مجموعة او تشكيل
لا يحدد عدد أفرادة، حيث يتصدر في المقدمة حملة لافتة الموكب كأن
تكون أنصارالزهراء على سبيل المثال، ومن بعدهم حملة الاعلام
الحسينية السوداء والخضراء، ومن ثم ينشطر الموكب الى صفين متقابلين
وفي الوسط، يكون موقع مجموعة الطبول الكبيرة والصنجات وياتي من
بعدهم الرادود الذي ينشد القصائد الحسينية، اما الصفين المتقابلين
هم يحملون الزناجيل ليضربوا بها ظهورهم ومن اليمين الى اليسار بشكل
متناوب وفق تناسق معين مع طبيعة القصيدة الحسينية، علما بأن جميع
افراد الموكب يتوشحون بالسواد كتقليد متعارف عليه منذ زمن بعيد
للدلالة على الحزن.
ولا تقتصر المواكب على فئة عمريه
محددة بل هي تستوعب الطفل الصغير الى الشيخ الطاعن في السن، وهذا
هو سرالتفاعل الانساني في قضية الحسين(ع).
وللوقوف عند ابعاد ذلك التقليد
استطلعت (شبكة النبأ) آراء بعض اصحاب المواكب والهيئات الحسينية عن
ماهية هذا السلوك؟ ومن اين جاء؟ وما هي الاهداف المرجوة منه؟
اول من ابتدأنا الحديث معه الحاج
(حيدر الكاظمي) الذي قال:
ان المواكب الحسينية او (ضرب
الزنجيل) هو تقليد قديم جدا، وهو بمثابة حالة حضارية، حسب وجهة
نظري، وهي اقرب ما تكون الى حالة المسيرات الرمزية اليوم، فهي تعبر
عن حالة الرفض التام لاي حالة اضطهاد او قهر، والدليل على ما
اقول ها هي القصيدة الحسينية، فهي تتضمن معاني كثيرة وتشير في
اغلب الاحيان الى جوانب انسانية واخلاقية، حيث تتمحور كل القصائد
في حيثيات محددة مثل البطولة والفداء والتضحية والصبر وهذه المعاني
مجتمعه ماهي الا معطيات اكيدة لروح الاسلام.
اما الشيخ (نجاح الحسناوي) فقد اسند
المواكب الحسينية الى عمق التاريخ السحيق، حيث يقول ان المواكب
الحسينية هي بمثابة اشارة الى خروج الحسين(ع) من مكة الى كربلاء
سيرا، لذا ترى المواكب تتوافد من اماكن مختلفة من ارجاء العراق
وربما من بلدان بعيدة مثل ايران او باكستان او افغانستان، الى
كربلاء كحالة تضامن مع عائلة الحسين(ع)، اما فيما يخص اول موكب
عزاء فهو لزينب بنت على(ع) في قصر يزيد ابن معاوية (لعنة الله
عليه)، وما تراه اليوم من مظاهر او اشكال المواكب ما هو الا نتاج
اكيد لثقافة شعوب مختلفة لان قضية الحسين شاملة لكل المسلمين، حتى
وصل شكل الموكب الى ماتراه اليوم حيث الزناجيل والطبول الكبيرة
والصنجات واشياء اخرى..
ويرى الحاج (ابو محمد) من اهالي
البصرة، ، اني لا اهتم كثيرا بالتفاصيل، من حيث شكليات المواكب
الحسينية وادواتها، لانها انعكاس طبيعي تبعا لثقافة الشعب ذاته، من
خلال ادواته التعبيرية عن حالة الفرح او الحزن، بقدر ما اهتم باصل
الموكب الحسيني والذي يعتبر حالة رفض وشجب لكل الوان الظلم
والاستبداد، لذا تراني حريص جدا منذ ايام النظام البائد ولحد الان
للحضور الى كربلاء لهذا المعنى، رغم تباين حالة الرفض سابقا أي في
عهد صدام والان، هذا مما يؤكد صحة قولي كون التعبير عن حالة الرفض
تختلف او تتباين من شعب الى اخر ومن زمن الى اخر.
اما وقفتنا التالية فكانت مع الحاج
(مالك مردان) وهومن اهالي النجف، فهو يقول، لا اجد ثمة فروقات
واضحة منذ زمن بعيد واليوم، فالغاية واحدة، ولكن ربما يختلف
التعبيرفي حالة الرفض وحالة التضامن باختلاف الاساليب.
اما الحاجه (ام كاظم) وهي من اهالي
مدينة الصدر، فهي تقول، نحن تعودنا دوما ان ناتي الى كربلاء منذ
اليوم الاول لشهر محرم الى نهاية يوم العاشر، ولدينا موكب في
كربلاء ونقيم فيه مراسم العزاء من اللطم الى ضرب الزنجيل الى تقديم
الاكل، نحن هنا لنواسي فاطمة الزهراء(ع) بمصاب ولدها الحسين(ع)
ونحن كلنا فداء لابي عبد الله الحسين(ع)، وما نقدمه من جهد ومن دمع
واللطم لا يساوي شىء مما قدمة اهل بيت الرحمة والنبوة، وقد ودعتنا
الحاجه(ام كاظم) بالدعاء لنا بالتوفيق.
وفي الختام لا استطيع ان اخفيكم ان
كل الاراء انصبت على قافية واحدة، الا وهي الابحار في سفينة
الحسين(ع) من خلال واقعة الطف والشروع في رفض الظلم من ذات الدم
المراق في كربلاء ليصبح قبسا وهاجسا يمنح الحياة ادوات التحرر..
|