الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 

 

سيد الصلاة .. عندما كانت كربلاء محراب الحسين

حسن طهران

اهدي هذه الأسطر إلى كل الأحرار الذين رفضوا الظلم بكل أنواعه وأشكاله، وعارضوا الظالمين –أيا من كان- وتحملوا في سبيل رفضهم، المشقات والآلام.

بسم وبالله، هون مانزل بنا انه بعين الله

1- مرة أخرى هل هلال محرم، واستولت الأحزان على الأرض والسماء.إن هذا هلال منحي آخر، وهوينادي ويقول: يا ليتنا كنا معكم..

إستعدوا للعزاء وأقيموا مآتم العطش في الأقاليم السبعة من هذه الأرض، ولتكن أورادكم وأذكاركم تتلخص في "الحاء" و"السين" و"الياء" و"النون"،

"ح" يعني حاميم ذات الله

و"س" يعني سين الرأس على الرمح

و"ي" يعني يذكرون

و"ن" يعني قسما بالقلم وما يسطرون.

السلام عليك أيها السيد المظلوم والغريب

السلام عليك يا آية أمن يجيب

السلام عليك يا نور عين المصطفى

السلام عليك يا خامس آل الكساء.

2- ها هي القافلة تسير بإطمئنان إلى كربلاء، أرض الدم والألم ونينوى، وهاهي الخيام تنصب في أرض الدم، وصوت القرآن يعلوفي ذلك الفضاء.

وكأن تلك الليلة قد بكى السماء دما، وكأن الحق كان يأن من بين الخيام

إن العرش والفلك والعالم والحق قد دخل في العزاء، وفي اليوم التالي نرى الرؤوس مقطعة عن الأبدان.

إن هذا المكان هومحل المحشر والقيامة الكبرى، ومقتل سبط النبي المصطفى.

إن قبلتك يا سيدي هي محل قتلك، وإن قبلة هؤلاء المتظاهرين بالدين الذين جاءوا لقتلك، متجهة نحوالظلم والجور.

3- أحدثكم عن جيش عمربن سعد، أولئك المتلونين بسبعين لون، المنافقين ذوالوجوه المتعددة، المتظاهرين بالدين والزهد والإيمان، ولكن حقيقتهم هي شئ آخر..

يصلون الفرائض والنوافل، ولكنهم يضعون جباههم ويسجدون على حساب ظلم الناس ومصادرة حقوقهم وقتلهم وإعتقالهم وسن الأباطيل عليهم وبما لم ينزل الله به من سلطان، وكأنهم يمارسون السياسة مع الله تعالى!!

وهكذا يتكرر الأمر بعد مرور 1400 عاما من على تلك الفاجعة،

نعم، إنهم يصلون، ولكن صلاتهم باطلة، ما الدليل على أن صلاتهم صحيحة؟

الشكوك تجري في تعداد ركعتهم الثالثة والرابعة من صلاتهم وهم على سجادتهم، ليس شكا في تعداد الركعات، بل شك في أن تكون الركعات لمن؟! وهل تقبل في هذه الحالة صلاتهم؟

يتظاهرون بالإيمان ولكن النفاق والتزوير ديدنهم، ولقد قال أحدهم : قتل الحسين بسيف جده رسول الله!!، وحينما أمر عمر بن سعد بإحراق خيام أهل البيت، صرخ مناديا: احرقوا بيوت الظالمين!!!

أو حينما أراد أن يبدأ بقتال سيد شباب أهل الجنة، وجه نداءا إلى جيشه قائلا: يا خيل الله اركبي!، وبالجنة أبشري!!!، سبحان الله! ما هذه العقول؟! يستبشرون بالجنة بقتل سيد شباب أهل الجنة؟!!!!!!!!

لقد بنوا مساجد عظيمة، ذو المآذن الطويلة والعريضة، ولكن الحسين سلام الله عليه رفض أن يصلي في تلك المساجد، لأنها لم تكن مبنية على الإيمان والإخلاص، بل كانت قائمة على الزور والخداع..

يدعون أنهم يعبدون الله، ولكنهم صنعوا بأيديهم الآلهة الكثيرة،وبذلك يعبدون المناصب والكراسي، وهم مستعدون على أن يرتكبوا أبشع الجرائم من أجل الحفاظ على مناصبهم.

إنهم كانوا يصلون جميعا ويدعون الإسلام، ولكن أبوا أن ينتهجوا نهج الصحابة الأبرار الأخيار من أمثال سلمان الفارسي الذي اضطهد من قبل عمر بن الخطاب حينما قال له: لايجوز لك أن تتحدث مع العرب، لأنك أعجمي ولست منا، وعليك أن تنزل في منزلة ناصية ونحن أرفع منزلة منك، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفعه وقال: لاتقولوا سلمان الفارسي، بل هو سلمان المحمدي، وسلمان منا أهل البيت.

نتحدث عن هؤلاء الذين يصلون، ويتلبسون بزي الدين، ولكنهم يسجدون للمقام والرئاسة، وكأنهم يمارسون السياسة مع الله تعالى!!

وها هو الحسين سلام الله عليه، حينما إستعد للذهاب غلى أرض الثورة منعوه، وقالوا ها نحن قد بنينا المساجد ذو المآذن الطويلة! ألا يكفيك هذا؟

ولكن الحسين يرفض أن يصلي في تلك المساجد المصنوعة من الطين، لأنها لم تكن مبنية من الروح..

إن هؤلاء أحياء ببناء تلك المساجد، ويتاجرون بتلك المساجد، ولو تركوا بناءها ليزيلون من الوجود، ولكن صلاتهم وسجودهم باطلة.

ويا ليتهم كانوا يستسلمون للإسلام ولوللحظة واحدة.

إن الشكوك تجري من سجادتهم، وويل لهم حينما يقع الستار ولايوجد ستار يغطيهم ويغطي أفعالهم.

وهكذا فإن التاريخ يكرر نفسه بصورة أخرى، وكل واحد من يحكم هذه الأمة يستطيع أن يمثل الحسين عليه السلام، وكذلك يستطيع أن يمثل يزيد لعنه الله في هذا العصر، فالمؤمنون دائما يبحثون عن الحسين ويجدون فيه سيدهم وقائدهم ومولاهم، أما المنافقون والكفرة يبحثون عن يزيد ويجدون فيه ضالتهم...

الغريب في الأمر أن أتباع يزيد ومعسكر عمر بن سعد كانوا يدعون التدين، والكثير منهم كانوا عباد الليل، ولكن قبلتهم كانت متجهة صوب النفاق والتزوير والخداع..

الإمام الحسين سلام الله عليه كان يتقرب إلى الله تعالى، وكلما كان يفقد أحدا من أصحابه وأهل بيته كان يزداد نور وجهه أكثر تلألأ ونورا..

نعم، دعنا عنهم ولنتحدث عن الحسين عليه السلام وعن صلاته وهي الصلاة الحقيقية، فحينما كان يتوجه الإمام نحو كربلاء، كان يتقرب إلى الله تعالى أكثر فأكثر، وكان يزرع في الأرض بذور الإخلاص، فأتم صلاته بأفضل صورته.

صلاة الحسين هي الصلاة الحقيقية، وليس صلاة أولئك الذين بنوا المساجد العظيمة لكي يصلوا فيها، نعم يصلون فيها، لكن كل صلاة من صلاتهم تحوي على 100 ركعة من النفاق والتزوير والخداع والظلم والجناية، بل على ألف ركعة، والحسين يرفض الصلاة في هكذا مسجد، لأنه قد بني على الشك!

يدعون أنهم من شيعة الحسين، ويا ليتهم على الأقل يتظاهروا بالتشييع، ولكنهم كانوا يسجدون صوب قبلة النفاق والخداع والزيف والتزوير وكأنهم يتسايسون مع الله تعالى!

نعم، لنتحدث عن صلاة الحسين الذي نقول عنه دائما ونخاطبه في زيارتنا له": أشهد أنك قد أقمت الصلاة".

4- بعد فترة من الضجة والضجيج قد شاهدتها السماء والأرض، أذن الحسين لأبنه علي الأكبر أن يضع قدمه في الميدان، فذهب علي الأكبر بطمأنينة وهدوء، وفي هذه اللحظات وكأن الروح قد خرج من جسم الحسين، فأخذ يركض خلفه عدة خطوات

ركب أشبه الناس خلقا وخَلقا برسول الله على فرسه، وإذا بالعالم بأسره يشاهده مستغربا من بطولاته.. حينما دخل ساحة الحرب، قال الجيش عنه إنه رسول الله قد قدم إلينا،

صرخ صراخا عاليا واقتحم الجيش بكل قوة وبسالة وإذا بالجيش يأن وجعا وألما من سيفه البتار، فأخذوا يفرون يمينا وشمالا ويستغيثون من سيفه ومن شجاعته، وهكذا كان علي الأكبر وقلبه ينبض مخلصا لله ويواجه أعداء الله صادقا ومخلصا، ولكن شبه النبي المصطفى كان عطشانا، قال له مناديا: أيها الشجاع البطل، بعد حرب طويلة ومثمرة ارجع إلى أبيك لتحصل على جائزتك، وجائزتك هي جرعة من الماء،،

عاد عند أبيه وقال: إني عطشان يا أبتي، أجابه والده: يا ولدي وفلذة كبدي، إنني خجل منك!، وهكذا أخذ الأب والولد يتبادلان أحاديث الشوق والإخلاص بأفواههما اليابسة عطاشا ولم يكن حظ الأب من هذا الكلام إلا الخجل من ولده...

ولكن الإبن لم يكن عطشانا للماء، بل كان عطشانا للقاء أبيه، لذلك عاد إليه وبعدما إستلهم من قوته وشرب شربة لم يظمأ من بعده أبدا، عاد مرة أخرى إلى الميدان مقتحما صفوف الأعداء مرة أخرى، إن حركته في الميدان كانت كحركة حيدر الكرار فأخذ الأعداء ينهزمون ويفرون من كل حدب وصوب، إنه في حركته كان مستقرا ومطمئنا، ولكن قلب أبيه لم يكن مستقرا ولا مطمئنا..

في تلك الجهة من الميدان كان الأب واقفا يتضرع إلى الله تعالى.. ومن هذه الجهة كان الإبن يبارز ويقارع..

من تلك الجهة كانت يدا الأب متجهة نحو السماء، ومن هذه الجهة كانت يدا الإبن تحت أسنة الكفار!

من تلك الجهة كان الحسين يناجي ربه، ومن هذه الجهة قد بدأ علي الأكبر بعروجه إلى السماء

من تلك الجهة كانت عينا الحسين تنتظرانه، ومن هذه الجهة كان الحديد يفرق رأسه!

لقد إستولى العطش على شبه النبي، فسقط مغشيا قمر الزهراء المنير على الأرض!

وفجأة سقط من على الفرس، وهنا تكالبت عليه السيوف والأسنة الحاقدة لتقضي على دين الله!

إتجه سهم ليمزق ذراعه، وأصابه سيف ليمزق فرق رأسه، وخنجر من الحقد أخذ يمزق صدره، وهكذا الدماء أخذت تفور من على وجهه.

ولكنه كان لايزال يحمل السيف ولم يضعه على الأرض، فأخذ يثور مرة أخرى على العدو.

ولكن فجأة وقع السيف من يده على الأرض،

إستعدت الخيول لتوجه نحوه مرة أخرى وليقضوا هذه المرة قضاءا تاما حينما تعرض ذراعه بالضرب والجرح، تذكر آنئذ قصة الباب والجدار لجدته الزهراء سلام الله عليها..

داست الخيول على جسمه وقطعته إربا إربا، وإذا به نادى بأعلى صوته يا أبتاه لقد سقطت على الأرض، وبعد ما سمعه الإمام جاء إليه مسرعا ومضطربا وحينما رأى نعشه بكى عليه وببكائه بكت عينا الحق..

 

5- وبعد ذلك أتى دور القاسم ليمتثل أمام عمه.. ولكن العم لم يأذن له بالبراز، فحزن القاسم وأصبح مضطربا يذهب هنا وهناك، ولكن جاءت أمه لتكون واسطة بينه وبين العم، أعطته رسالة أبيه الحسن الذي أذن له بالبراز، أخذ الرسالة فرحا ومسرورا وأسرع نحو عمه كالبرق الخاطف، تمثل القاسم أمام عمه وقال: السلام عليك يا مولاي، يا أبتي ويا عمي، ثم أعطاه الرسالة وبقي صامتا..

حينما رأى الحسين خط أخيه الحسن، أخذت الدموع تتساقط من عينيه، وبعد ذلك وجه سؤالا إلى القاسم كشف من خلاله رمز الحق، وعرف بذلك بلاءا عظيما..

سئله: كيف ترى الموت يا ولدي؟ فأجاب القاسم: في سبيلك أحلى من العسل.

ثم تعانقا مع بعضهما، وتوجه ليلبس لامة حربه، ولكن هل كانت تلك اللامة تناسب جسم القاسم؟ بل كانت كبيرة جدا على بدنه، لأنه كان صغيرا وحينما ركب الفرس، كانت الفاصلة بين رجلاه وبين الأرض طويلة.

حينما رأي الأعداء هذا المنظر أخذوا يشمتون ويتهللون ويضحكون..

ناجى ربه للحظات ثم توجه نحو الميدان.. مسك السيف بكل قوة ليدافع عن الحق الذي كان فوق العرش، ومن تلك الجهة كان قلب الإمام ينبض مرة أخرى حزنا عليه، إقتحم الجيش وأخذ يبارز.

قال الجيش: هذا هو القاسم بن الحسن، جاء ليدافع عن عمه مرتديا كفنه.

وقال القاسم: يا أهل الكوفة: أنا مستعد لمواجهتكم، لعن الله حيلكم ومكركم وخداعكم ونفاقكم.

كان يهرول ويرتجز، وكل من كان أمامه كان يفر من طنين رجزه.

قال أحد من أفراد الجيش: إرموه بالحجارة، وقال الآخر: إرموه بالسهام ومزقوا جسمه كما مزق جسد أبيه بالأمس بالسهام حينما أمرت بذلك عائشة بنت أبي بكر!

حينما إستعد الرماة للرمي، ضجت السماء والأرض بالعويل وبصوت حزين.. وإذا بالسهام قد قبلت جسمه الطاهر والدماء غطت وجهه المنير.

وهنا تجرع كأس العسل وصاح بأعلى صوته: يا عماه أدركني! فإن عظامي قد تحطمت وتكسرت كعظام أمك فاطمة!

مرة أخرى ركب الإمام على ذوالجناح وتوجه نحوالميدان وبكى عند نعش القاسم.

6- كان العباس واقفا بباب الخيمة فأخرج السيف من غلافه واتجه نحوأخيه الحسين، ولكن الحسين لم يأذن له بالحرب، ولكن الخيام فارغة من جميع الأصحاب والرجال، وفي هذه الحالة العباس لم يستطع أن يتمالك نفسه، لأن دماء علي كانت تجري في عروقه، ذهب عند الحسين مضطربا، أذن له الحسين أن يذهب إلى الشط فقط ويأتي بالماء إلى الأطفال، وصل نهر الفرات وكان عطشانا وأراد أن يشرب الماء، ولكن فجأة رأى الحسين أمامه عطشانا، فقال: هل يجوز أن أشرب الماء والحسين على هذه الحالة؟!

رمى الماء على الماء وملأ القربة، زينب سلام الله عليها كانت مطمئنة أن العباس سيعود سالما، لأن الحسين لم يأذن له بالحرب، كان العباس في يده اليمنى يحمل اللواء وفي الأخرى يحمل قربة الماء ويتجه نحوالخيام.. وإذا بالكوفيين سدوا الطريق أمامه وتهاجموا عليه.

أخرج السيف من الغمد وفرق صفوفهم وقتلهم الواحد تلو الآخر، لكنه رأى ان طريق الخيمة مغلقة أماه.

غدره العدو من الخلف ليقطع يمينه وشماله، وإذا بعمود الحديد يفرق رأسه.. فصاح بأعلى صوته: يا حسين.. أدرك أخاك يا حسين

جاء الحسين لينظر على هيئة ساقى العطاشا على تلك الحالة، بلا يدين ولا عينين، أخذ العباس يبتسم في وجه الحسين وكأنه قد رأي الزهراء تمسح على وجهه المملوءة بالدماء

أراد العباس من الحسين أن يوصل إعتذاره إلى الأطفال، لأنه قد أخلف وعده ولم يوصل لهم الماء!

7- الوقت هو وقت الظهر، والشمس في وسط السماء، وأخذ الإمام يستعد لإقامة الصلاة في تلك الظهيرة الدموية..

لقد قامت القيامة حينما رأوا أن الحسين يتوضأ بالدم، وقبلته ليست متجهة نحومساجدهم، بل كان يتجه نحومحل مصرعه، أما ذكره وتسبيحه لم يكن إلا إخلاصه العظيم لوجه الله، كان مجنونا في حب الله

وبذلك أصبحت كربلاء محرابه وسجادته ومصلاه، وهومن كان يحمل على عاتقه مسؤولية إقامة الصلاة الحقيقية وليست الصلاة المزيفة،

وبإقامته لهذه الصلاة، أبكى ملائكة السماء والقدسيين والأولياء، ومن هنا إتجهت نظراتهم نحو الحسين، مولى هذا المحشر العظيم الذي وقع في ظهر عاشوراء..

إبتدأت فصول تلك الصلاة، بفصل التكبير، وعبارة هذا التكبير كان قوله: يا رب أنا الحسين في صلاتك، أنا ذبيح الله وها هوجسدي المقطع بألف قطعة وقطعة.

كل نفس يخرج مني يهتف بإسمك، وها هو جسدي يشعر بنشوة حينما يتعرض للأسنة والسهام في سبيلك، إن جسمي لاشئ أمامك، قل لأعطيك روحي، قل لي ماذا تريد لأقدمه لك، يا إلهي إنني أخاطبك اليوم في ساحة الحرب، حينما تمطر علي السهام والأحجار والأسنة والرماح وتغرقني بالدماء، إمتحني اليوم فلقد أصبحت مخلصا لك، لقد أصبحت لائقا حينما تراني من دون رأس ومن دون كفن، حينما تراني أن أوصالي مقطعة في سبيلك، وحينما أرى أهل بيتي وأولادي وأصحابي مقتولين، فإن حبي وإخلاصي يزداد لك أكثر..

وبعد هذا التكبير، جاء فصل الركوع في الصلاة. لبس عمامة النبي، وتقلد بسيف ذو الفقار، وتذكر تلك الأيام المؤلمة، وكأنه هوالنبي أو قالع باب الخيبر علي أمير المؤمنين، ثم نادى أخته زينب وخرج من المخيم، قال يا أختاه إن هذا هو الوداع الأخير، فأخوكِ الآن قد أصبح من دون معين وصاحب.. إن هذه الرسالة قد وضعت على عاتقكي أيضا يا زينب، وستكوني بعد اليوم والدة لأطفالي وملجأ للضعفاء والمساكين..

إن كنيتكي من هذا اليوم ستكون أم المصائب وستكوني وحيدة بعد هذا اليوم، ولكن توكلي على الله، وكوني قوية القلب.

وبعد ذلك وضع رجلاه على ركاب ذوالجناح، كسف الشمس ودخل العالم بأسره إلى مأتم لم يرى له نظيرا من قبل.

8- تمثل أمام جيش الشقاء ونادى بأعلى صوته: هل من ناصر ينصرني؟!، لم يجبه أحد إلا رب العزة والجلال، فنادى مخاطبا ذلك الجيش: أنا الحسين بن علي، أهكذا تستقبلون ضيفكم؟! هل تستهزئون وتلعبون مع حبيب الله؟! منذ متى كان إستقبال الضيف بالأسنة والسهام والحراب؟! أنتم من دعوتموني لآتي إليكم، والآن تقابلوني بالخنجر والسيف؟! لقد دعوتموني أن آتي إليكم، وها أنا قد أتيت هل هذا هورسم الوفاء عندكم؟!، إعلموا ان نسبي يعود إلى أحمد، وأن أبي هوعلي المرتضى خليفة المصطفى، أنا الحسين إبن الزهراء البتول، بضعة المصطفى ونور عين الرسول،

إنني عطشان لتقبيل سيوفكم، لقد أتيت ولكنني لم أجد رجلا بينكم.

لقد قال وقال وأتم الحجة عليهم، وهاهي الأسنة والسيوف تخرج من غمادها.

9- توجه الإمام نحو المعسكر وإذا بالكوفيين يفرون يمينا وشمالا، فرق صفوفهم واقتحم جيوشهم، وكانت زينب تنظر إليه واقفة ومدهوشة ومضطربة بباب الخيمة، قدم أحدهم ورمى حجارة على جبينه وإذا بالدماء تغلي وتفور من أعلى وجهه، صوب حرملة سهمه إلى صدر الإمام ومزقه، ولكن الإمام أخرج ذلك السهم، ومن الخلف أيضا طعنه أحدهم بالرمح، سقط الإمام على وجهه على الأرض وإذا بدمائه تختلط بالتراب، فقال بشفتيه الملطخة بالدم والتراب بسم الله وبالله... جاءت ضربة على يده اليسرى، وضربه الآخر بالعمود على رقبته، ومع ذلك وقف على رجلاه وأخذ ينصح العدو مرة أخرى ويعظهم ويحذرهم، هنا جاء رمح آخر من الخلف وأسقطه على الأرض مرة أخرى وإذا بسهم قد أصاب حنجرته وأخذت الدماء تجري منها، وهكذا كان يقوم ويسقط عدة مرات،

جاء مالك بن نصر الكندي من أمامه ومن وراءه خولي والشمر.

رفع أحدهم العمامة من على رأس الإمام والآخر أراد أن يسرق لامته وثوبه، قطع الآخر إصبعه وأخرج خاتمه، جاء الشمر ليحرز الرأس من على الجسد وزينب واقفة تنظر إليه..

من هذه الجهة كان الشمر يقطع الرأس من الجسد، ومن تلك الجهة كانت زينب تقطع أملها من الحسين.

وفي هذه الأثناء هالة عظيمة تخرج من فوق العرش نحومحل المصرع، وزينب واقفة وكأن روحها قد فارق جسدها في تلك اللحظات، رأت الرأس مقطوعا والجيش مسرورا ومكبرا ومهللا!

وإذا بسواد عظيم أتى ليغطي وجه الشمس، ثم جرت رياح حمراء على صحراء كربلاء

الكوفيين أخذوا يهللون ويصفقون من المعسكر حتى المصرع.

10-حينما رأت زينب منظر الجسد من دون رأس نادت وقالت: يا أخي هل هذا أنت؟ لماذا أنت ساقط على الأرض من دون رأس؟ ألم تخاطبني قبل لحظات وتقول أدركيني يا أختاه؟! ياأخي قم وانظر أنهم قد أحرقوا الخيام.

وضعت زينب شفتيها على تلك العروق المقطعة وصرخت بأعلى صوتها بحيث وصل صوتها من ذلك المكان إلى اللامكان:

قم يا أخي وأنظر ماذا يفعلون بنا، من دونك يا أخي أصبحت وسعة الدنيا ضيقة، حينما كنت كانت أبواب العزة والكرامة مفتوحة.

بعد ذلك سمعت زينب صراخ الأطفال وخرجت من حفرة المصرع إلى المخيم، حينما قامت من تلك الحفرة لم يعرفها أحد، فبلحظات صبغ البياض شعرها، لقد رأت أنهم يضربون الأطفال ويحرقون الخيام.

لقد رأت أن طفلة إحترقت بالنيران، فركضت وراءها.

ومن جهة أخرى رأت طفلا آخر قد أدمت الأشواك رجله، فجاءت زينب لتداوي جرحه.

ومن جهة رأت الإمام السجاد سلام الله عليه، يحترق من شدة الحمى، فأخذت تركض هنا وهناك حائرة فيما تصنع..

11- وبعد ذلك إستعدت قافلة الأسرى لتزرع الآلام وتثير الأحزان في القلوب

حينما رأت زينب رأس الشمس معلقا على الرمح، ضربت رأسها على عمود المحمل ومن هنا وجهت رسالة إلى الشيعة قائلة: لوذكرتم مصاب مولاكم، يجوز أن تطبروا رؤوسكم لهذا المصاب.

نعم، لقد صلى الحسين تلك الصلاة الحقيقية في ظهر عاشوراء وبذلك تحول مصرعه إلى سجادة ومصلى ومحراب ملطخ بالدم صلى عليها.

ومن هنا يمكن حل هذه المسألة بكل بساطة، ويمكن معرفة رمز صلاته.

إن أذان هذه الصلاة كانت تلك العزة والحرية والكرامة ، وإن مؤذنيها كان كل من علي الأكبر والعباس، وإن دليل كل صلاة وكل أذان هوالحسين.

حينما كان في فصل الركوع لهذه الصلاة، أتت ضربة لتحول ركوعه إلى السجود.

فسجد على الدم، ومن هنا خلق الله السجدة أساسا، وأوجبه على المؤمنين، إنه بصلاته قد فسر الصلاة الحقيقية، وقد هزم أولئك المصلين الذين كانوا يصلون الصلاة الباطلة.

إن صلاة الحسين هي الصلاة الحقيقية التي أقيمت قبل 1400 عاما، فأين صلاتنا نحن من تلك الصلاة؟!! نحن لم نسمع بعد أذان تلك الصلاة، فكيف بنا أن نقيمها؟!

على الأقل إن لم يكن بإستطاعتنا إقامة تلك الصلاة، فلا نصلي صلاة الأمويين وأصحاب عمر بن سعد الذين كانت جباههم مسودة من أثر السجود!!

ومن هنا يتكرر الإمام الحسين في كل زمان، ومن هنا يتكرر يزيد في كل زمان، ما الفرق بين أولئك الذين ارتكبوا جريمة عاشوراء وبين الذين يظلمون عباد الله في هذا الزمن ويرتكبون ابشع الجرائم بحقهم ويصادرون حقوقهم وذلك بإسم الدين وتحت عنون الإسلام؟! لافرق بينهما إلا أن اولئك كانوا يعيشون قبل 1400 عام وهؤلاء يعيشون اليوم في زمننا الحاضر!!

ما فائدة الصلاة التي يصلي صاحبها ثم يظلم ويرضى على الظلم ويقتل ويعذب ويحرق ويقمع ويبطش ويضع المخالفين والرأي الآخر تحت الإقامة الجبرية. ثم يضع حول نفسه هالة من القدسية ومن ثم يصلي بإتجاه الكعبة!!!!

إن الحسين سلام الله عليه يرفض هكذا صلاة التي تكون لها 100 ركعة من التزوير والخداع ويدعي أصحابها أنهم مسلمين ومن شيعة أميرالمؤمنين!

وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

 

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1427هـ