الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 

 

خطاب المنبر الحسيني البحراني مقاربة للطرح الثقافي

إبراهيم علي السفسيف

     ينحصر حيز اشتغال هذا المقال في الخطاب اللفظي الثقافي والفكري الصادر عن المنابر الحسينية في الساحة البحرانية المعاصرة. ويستمد هذا الحصر مشروعيته من إدراك أن خطابا بحجم خطاب المنبر الحسيني الضارب بجذوره في عمق التاريخ الإسلامي، لا يمكن أن يحاط به، بامتداده التاريخي والجغرافي على ربوع المعمورة وبأشكاله وصوره المتجددة عبر الزمن، في إطار هذا الحيز

     هذا من جهة،ومن جهة ثانية، فإن المنبر الحسيني –حاليا- يواجه تحديات كثيرة وكبيرة أوجدتها التحولات الفكرية والثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية الجارية في العالم، وخصوصا في ظل التطورات الهائلة في مجالي الاتصالات و المعلومات، والتي ساهمت بإعطاء هذه التحولات دفعة قوية لإغراق المجتمعات،البدوية والحضرية، بمفاهيمها ومنتجاتها وأساليبها و..، مما جعل العقول المثقفة والأجيال الجديدة تنحو لمساءلة المنبر عن دوره في خضم هذا المعترك الذي لا يرحم، بل والدعوة إلى وضعه على طاولة التشريح والنقد ؛ باعتباره المنصة التي حملت لواء الدفاع عن الإسلام الأصيل في الأمة من خلال عاشوراء الإمام الحسين (ع).

تحوّل نوعي لاستعادة الوعي

     يمكن رصد تباشير تحوّل نوعي في خطاب المنبر الحسيني البحراني قبل أربعة عقود من القرن الماضي تقريبا، في سبيل استعادة الوعي بالدور الحقيقي المناط به عبر العصور. فبعد أن كان،في طابعه الغالب، يقوم على النعي واستثارة العواطف على الزمن الفائت، وتناول الجوانب التاريخية لواقعة الطف ومزايا شخوصها بعيدا عن الواقع، صار يشهد تشخيص جزء كبير من وقته لعرض موضوع أو قضية دينية أو اجتماعية أو أخلاقية.. ما.

     في طول هذه الفترة وحتى لحظتنا هذه، يلاحظ المتتبع، أن هذا الخطاب،في مجمله العام، قد توجه بالتركيز نحو قضايا إسلامية عقدية وشرعية وأخلاقية بصفة عامة، وقضايا المذهب الشيعي الإثني عشري تاريخه وتأصيله ومقولاته بصفة خاصة، مع ملامسة ضئيلة وفوقية لقضايا الواقع المعيش، في الفترات الحرجة والتي تفرض نفسها أصلا على المنبر من خلال ما تثيره من جدل ولغط في الأوساط الاجتماعية

          ولعل هذا التحوّل يجد مبرره من العاملين الآتيين :

-   أولا: تأثيرات الصحوة الإسلامية المتنامية في إيران و العراق، عبر النتاجات الفكرية للفقهاء و المفكرين، وكذلك حركة المبلغين التي كانت تتقاطر على البحرين في شهري محرم وصفر. هذه الصحوة التي جددت الثقة عند الناس بالقدرة على الفعل الحضاري، وبالذات بعد انقلاب الموازين لصالح الثورة الإسلامية في إيران. وهو الأمر الذي هيأ الظروف لمحاولة مجارات شكل الطرح المنبري ونوعيته في تلك المناطق، حيث كانت تعج بالصدامات الفكرية بين التيارات الإسلامية والعلمانية حول قضايا الميراث وتعدد لزوجات والحجاب والحدود والعقوبات و..، والتي لا تزال بقاياها تطلّ علينا حتى اليوم.

-   ثانيا: الحساسية المذهبية في المنطقة، وتفاقمها بصدور فتاوى التكفير ضد أتباع المذهب الجعفري ؛< نتيجة الاختلافات العقدية مع بعض الفرق الإسلامية المتشددة. حيث أفضت هذه الحساسية إلى ترسيخ فكرة الدفاع عن المذهب في المخيال الجمعي الواعي واللاواعي ؛ لكونه الهوية المميزة للكيان الاجتماعي.

     ومع لتحفظات و المؤاخذات الشديدة على كيفية التناول ولغة العرض ومنحى المعالجة في هذا التوجه، إلا أن أحد لا يستطيع إنكار جدوائيته في تلك المرحلة، فما نلحظه من وعي ديني هنا أو هناك،وإن لم يفي بالغرض، هو في الحقيقة ثمرة من ثماره، بشكل أو بآخر.

أولويات لاستمرار الوعي

     بيد أن الاستغراق في التنظير للقضايا الدينية والمذهبية أدى إلى إغفال النظر لهذه القضايا في بعدها الواقعي، وإهمال مراقبة التغيرات و المشاكل الناشئة من توغل المجتمعات في الزمن، وانتقالها من طور ثقافي وسياسي واجتماعي واقتصادي إلى آخر.

     وقد ساهم هذا الاستغراق والإغفال،بشكل كبير، في بروز ظاهرة عزوف شريحة المثقفين والجيل الجديد عن المنبر الحسيني ؛ لشعورهم بغربته عنهم من حيث اللغة والطرح والهموم والأولويات، مع عدم قدرته على منازلة ما يوفر على الفضائيات والإنترنت من إثارة وتشويق وتسلية وفكر.

     إزاء هذا الوضع، ولكي يستمر المنبر الحسيني في وعي دوره الأصيل و المتجدد، فيستطيع مواكبة الطرح الثقافي والفكري للمرحلة الزمنية الحاضرة بل و التقدم عليه، ولا يتضاعف نزيف العزوف، نشير إلى أولويات يجدر أن يضعها منتجو الخطاب الثقافي على المنابر الحسينية البحرانية في حساباتهم، وهي :

1.  عدم الاكتفاء بالأسلوب الوعظي المخاطب للعاطفة، وإنما اعتماد الأسلوب المعرفي المخاطب للعقل، والمتوسل بالمناهج العلمية القائمة على الرصد والتجميع والتحليل، فهو أكثر إقناعا وأمضى تأثيرا.

2.  عرض الدين عقيدة وشريعة وأخلاقا وتاريخا بلغة تتناسب وطبيعة العصر، مع إبراز قدرته على صياغة حياة عصرية لا تتعارض مع منجزات العلم والتكنولوجيا، وإظهار فاعليته في مواكبة مستجدات الثقافة والفكر الإنساني.

3.  المبادرة إلى تشخيص حركة الواقع وتتبعها، وما يلحق بها من ظواهر ومشكلات وأزمات، والسعي الحثيث نحو حلها وتوجيهها وتعديل مساراتها، وفق معطيات واقعية ومعالجات جذرية ورؤية تأخذ من الإسلام سماحته وعالميته.

4.  المساهمة بشكل جذري ومؤثر في غربلة التيارات الفكرية والثقافية الوافدة، وتقديم رؤى إسلامية تسعف الناس في اتخاذ مواقف فكرية وسلوكية صحيحة نحوها. وهو ما يتطلب سرعة الانفتاح على مختلف التيارات، ومناقشتها في ضوء الإطار المعرفي الإسلامي والبحث العلمي الصارم، فالوعظ و التحصّن بسلاح الفتاوى الجاهزة لا يجديان الآن.

شبكة النبأ المعلوماتية / ملف عاشوراء 1427هـ